عندما يُعتقل إمام المسجد.. تمس إسلامية الدولة

19 سبتمبر 2021 12:03

هوية بريس – إبراهيم الطالب

كم سمعنا في الخطابات الرسمية أن الأئمة نواب عن أمير المؤمنين؛ فكيف يعقل أن يعتقل إمام يصلي بالمسلمين لأنه مارس حريته في التعبير عن وضعه المزري ووضع أمثاله من الأئمة الذين يؤمُّون الناس في أعظم شعيرة بعد التوحيد وهي الصلاة.

دعونا نفترض أن فنانا اعتقل وحوكم لأنه عبَّر عن مطالب فئة الفنانين وحكم عليه بالسجن سنتين وغرامة بمبلغ 10 آلاف درهم، كيف سيكون موقف نقابة الفنانين؟ وكيف ستتناول الموضوع الصحافة الوطنية وكذا المنظمات الحقوقية؟؟

لا شك أن قضيته ستصبح دولية وستتدخل منظمات دولية للدفاع عنه، وسيتضامن معه الجميع، مطالبين بالاحترام اللازم للفنان.

فلماذا لم نر كل هذا في قضية الإمام سعيد أبوعلي؟!

لماذا تم التعتيم عليها في وسائل الإعلام؟؟

لماذا لم تأخذ حظها لتصير قضية رأي عام على الأقل كما وقع في قضية فتاة طنجة التي تم التحرش بها؟؟

بداية قبل الجواب نذكر بأصل القضية:

قام السيد سعيد أبوعلي مع ثلة من الأئمة بالمطالبة بحقهم في العيش الكريم، ونظموا عدة وقفات تحسيسية بقضيتهم، وكان السيد سعيد رائدا في القضية، فصيح اللسان يطالب بكل قوة وجرأة بتحسين وضعية الأئمة والقيمين الدينيين، فكان حظه أن عاقبته الوزارة بالطرد بعد 22 سنة من الخدمة؛ هذا الطرد التعسفي تحدث عنه الأستاذ سعيد في حوار له مع “هوية بريس” قبل اعتقاله واعتبر أن: “عزل إمام قضى 22 سنة في خدمة المساجد في التزام بالثوابت المنصوص عليها، يعني تماما محاولة لإعدامه اجتماعيا”؛ وصرح بوضوح: “سأسعى لأقاوم هذا القرار بكل ما أوتيت من قوة”.

وفي إطار سعيه في هذا الملف قام بزيارة الوزارة للحوار مع المسؤولين فقوبل بالصدود واللامبالاة، مما اضطره إلى الوقوف أمام بيت الوزير “التوفيق” للقائه والحوار معه، وهنا تدخلت السلطات واعتقلته من أمام بيت الوزير، لتوجه له تهما ثقيلة تمثلت في: “خرق حالة الطوارئ، والتنقل بين المدن بدون رخصة، وتحريض الأئمة على أعمال من شأنها القيام بعنف”.
كل هذا لأن هذا الإمام والأستاذ والمؤلف طالب بتحسين وضعية الأئمة والقيمين الدينيين.

عزل وسجن وغرامة، في قضية مطلبية؛ الأصل فيها أن تحل بالحوار، لكن يبدو أن الأئمة مستثنون من كل الحقوق والحريات.

الأستاذ سعيد هو حامل لشهادة الماستر ومؤلف لكتاب “المساجد بالمغرب رؤية من الداخل”، المؤلَّف قال عنه كاتبه: “الكتاب طبع سنة 2008 يحمل رؤية إصلاحية للنهوض بالأوضاع الاجتماعية للقيمين الدينيين. ويعرض رؤية ورواية أخرى لأوضاع أسرة المسجد قد لا تتفق مع الرؤية الرسمية للوزارة. وهو ما اعتبرته الوزارة كذلك تجاوزا للخصوصية”. (مقتطف من حواره المذكور مع هوية بريس).

أما بخصوص الأسئلة التي سبق طرحها أعلاه:

لماذا لم نر تفاعلا قويا مع قضية الإمام سعيد أبوعلي؟!

لماذا تم التعتيم على القضية في وسائل الإعلام؟؟

لماذا لم تأخذ حظها لتصير قضية رأي عام على الأقل كما وقع في قضية فتاة طنجة التي تم التحرش بها؟؟

بكل بساطة لأن هذا الإمام ينتمي شكلا ومضمونا إلى الإسلام الفاعل الغيور على الدين والعاملين فيه، ويدعو إلى الاهتمام بالأئمة والقيمين الدينيين، ومعلوم أن الكرامة تورث الحرية، والحرية تنتج الفاعلية والقوة في العمل، ولا أحد سواء من العلمانيين أو الأحزاب الليبرالية ولا فلول اليسار “المتلبرل”، يهمه أو يحب أن يكون العاملون في الشأن الديني فاعلين مؤثرين في الواقع موجهين للناس وفق ما جاء في القرآن والسنة.

أما الإعلام فأغلبه غير مستقل وأغلبه تهيمن عليه فئة العلمانيين، ويعلم أربابه أن تبني هذه القضية لا يخدم مصالحهم في الإشهار، فضلا عن تحكم العداء فيهم على أغلب المؤسسات الإعلامية العلمانية اتجاه كل ما يشبه الإسلاميين أو يشترك معهم في القناعات والمطالب.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى، الإشكال الأعظم في وزارة الأوقاف؛ فهي تتعامل مع الأئمة والوعاظ بمنطق السخرة والاستعباد، تزرع في قلوبهم الخوف من العزل، وتذلهم بالأجور الهزيلة والتحكّم السالب للكرامة، لا رأي لهم ولا حرية في المطالبة بحقوقهم.

إن الإسلام والمسلمين عبر العصور يعتبرون إمام الصلاة من أكرم الناس وأجدرهم بالاحترام والتقدير، لكن وزارة السيد التوفيق تجعل منهم قطيعا من البشر تحكمهم بنظام شبه عسكري، وقد سمعت المرحوم بإذن الله المدغري العلوي يرفض عسكرة المساجد، لكن في زمن الوزير الأديب وأستاذ التاريخ والأستاذ الزائر بالجامعات الأمريكية أحمد التوفيق، صار الأئمة والقيمون الدينيون مجرد خدمة عند المندوبين وفي الآن نفسه متسولين يعيشون على صدقات المقابر، وهذا هو عين جرم الأستاذ السجين سعيد أبو علي حيث قال باللفظ في إحدى الوقفات التحسيسية بقضيتهم: “إننا نخجل أن نتلقى الصدقات وأن نعيش ونقتات على فتات الموائد وصدقات المقابر، أنا مبغيتش يشوفوني ولادي كنشد 400 وألف فرنك في المقبرة، أنا بغيت نعيش كريم”.

إن على وزارة الأوقاف أن تعيد النظر في تعاملها مع الأطر الدينية وأن توفر لهم أسباب العيش الكريم، حتى تضمن أن يكونوا عدولا يستحقون القيام بوظائف المسجد وأعباء الشأن الديني.

إن الإسلام قد اشترط العدالة والمروءة في القيم بالشأن الديني، واعتبر أن تفقير القائم بالدين وإهدار كرامته والدفع به إلى الطمع فيما في أيدي الناس من أخطر أسباب سقوط العدالة وانخرام المروءة ولهذا جعل للمساجد أوقافا تكفيهم ذل السؤال ومعرة أخذ الصدقات.

والعجيب أن الوزير يعتبر -كما قلنا- أئمة المساجد نوابا عن أمير المؤمنين، فهل يا سعادة الوزير يشرف إمارة المؤمنين أن يكون نوابها يتكففون الناس، ولا يستطيعون حتى تدريس أبنائهم في مدارس محترمة ولا يستطيعون حتى الوفاء بحاجيات أبنائهم وذويهم.

إنه لا يغيب عن علم سعادة الوزير أن إهانة الإمام هي إهانة للدين وتنقص من حملة القرآن، ومساس بالإسلام، الذي هو أساس نشوء الدولة في المغرب من عهد المولى إدريس الأول إلى يوم الناس هذا من جهة ثانية.

ومن جهة ثالثة تبقى قضية الإمام سعيد العاصفة التي عرت سوءات كل الحقوقيين والمنظمات التي تدعي الدفاع عن الحريات والحقوق، فلم يتكلم سوى المركز المغربي لحقوق الإنسان مشكورا، ولم يدافع عنه من الإعلاميين سوى الأستاذ حميد مهداوي الذي تناول الموضوع بشكل متحضر رائع.

إن الأستاذ سعيد يسجن ويهان ويغرم أمام كل العالم لأنه تكلم عن حقوق فئة مهمشة مستعمَلة بنظام هو أشبه بنظام السخرة، ولا حق لها لا في الكلام ولا الشكوى ولا الاعتراض، لكن المنظمات الحقوقية لا تتحرك في الغالب إلا إذا انتهكت حقوق الناس في الزنا والعري الفاضح والسحاق والسدومية والإفطار في رمضان، وينشط بعضها بقوة إذا مست مقدسات العلمانية.

إن المساجد هي مؤسسات عمومية وهي بيوت الله، فكما لا ينبغي أن تسيس كذلك لا ينبغي أن يتحكم فيها الإداري سواء كان مندوبا أو وزيرا، الواجب أن يهتم بشؤون المساجد علماء المجلس العلمي الأعلى، والمجالس العلمية الإقليمية، إذ كل ما يجري في المسجد ينبغي أن يضبطه العلماء لا الإداريون، كما يجب أن ترفع الداخلية وملحقاتها يدها عن الشأن الديني.

نعم للمراقبة ونعم للأمن ونعم لمنع أي تسيب، لكن بشرط عدم المساس بوظيفة العلماء والأئمة والقيمين في تدبير الشأن الديني وفق ما تمليه الشريعة الإسلامية وتفرضه أحكامها.

فشعار المملكة (الله، الوطن، الملك) وضعه آباؤنا الوطنيون في مواجهة تدخلات الاحتلال الفرنسي العلماني وتعسفاته، فجعلوا الله سبحانه فوق الوطن وفوق الملك، أي جعلوا الدين والعقيدة ووظيفة المساجد والشريعة وأهل العلم فوق تراب الوطن وحرمة البلاد وفوق السلطة السياسية مهما علت، هكذا عاش المغاربة الأحرار وبهذا استعصوا على القوى الإمبريالية وجيوشها الجرارة وهذا هو الأساس الذي بنيت عليه ثورة الملك والشعب ضد الغازي الغاشم.

إننا إذا كنا نريد أن يعيش المغرب والمغاربة الكرامة والعدالة والعيش الكريم، فعلى الدولة أن تنتصر لحقوق الأئمة والأساتذة والأطر التربوية والعلمية في مختلف الميادين، فعندما يهان هؤلاء ويكرم السياسيون مع كثرة الفسدة فيهم، ينظر المغربي بعين السخط إلى دولته وهذا يضعف علاقته بها.

وإذا أراد المسؤولون الاطلاع على الحقيقة فليسمعوا انطباعات الناس المحملة بالسخط على كل الإدارات التي تؤطر عمل الفئات التي ذكرناها.

على السيد الوزير وكل المسؤولين أن يدركوا أن المساس بأئمة المساجد بهذا الشكل الفج، والفشل في تدبير ملف مطالبهم لا شك أنه سيترك خدشا كبيرا ومساسا بإسلامية الدولة، فالإسلام كما أسلفنا هو الأساس الذي بنيت عليه قواعد الدولة المغربية، ولا إسلام بدون علماء وأئمة وفقهاء، فعزهم من عز الدولة وذلهم مِن ذلها.

فبلاد يهان فيها عقلها ومن يمثل نخبتها المثقفة والعالمة، من أساتذة وأئمة مساجد ودكاترة، وبلاد يهجرها خيرة أبنائها من المهندسين والأطباء إلى غيرها من الدول حيث الغربة والبعد عن الأهل، هي بلاد لن تنهض أبدًا ولو وضع نموذجها التنموي كل عقلاء الكوكب جميعا.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.

آخر اﻷخبار
2 تعليقان
  1. اللادنيين هم الذين تولوا أمر الدين الحنيف، منهم من نسف وألغى مادة التربية الإسلامية، وهذا يتنافى تماما مع ثوابت الدولة ولا الدستور الذي ينص على أن المغرب دولة إسلامية منذ أن إدريس الأول، ومنهم من يأمر بوقف الأئمة وسجنهم إن قالوا كلمة حق أو طلبوا بتسوية أوضاعهم المعيشية رغم أن من المفروض بالنسبة للأئمة والخطباء والأطباء والأساتذة والمعلمين هم أولى بالدرجة الاولى في تحسين أوضاعهم هم يعلمون ويربون جيل على المبادئ والأخلاق والسلوك الحسنة. وهذا احسبه كما تفضل بها أحد العلمانيين الذي انطقه الله الذي انطق كل شيء وهذا إنقلاب على الدين وعلى الدستور عندما نقول الدستور نقول الدولة. والذي استوقفني كثيرا هو أن وزير الأوقاف الذي تكلم بعظمة لسانه وقالها من قبل في قبة البرلمان إن أمر المساحد برمتها بيد الملك؟ كيف ذلك ؟ هل تحدى هذا الرجل الملك أم بأمر منه ؟ أريد جوابا شافيا.

  2. الفقيه الموظف من أول يوم يخضع لتمحيص كالمنخرطين في سلك الشرطه والجيش ووافق على ذلك فهو ليس غبي ليتأكد أنه يعمل بالأوقاف تحت إشراف الداخلية فقد ملأ إستمارات تشبه الإستنطاقات التفصيلية للمجرمين من نهار دخل للتحضيري حتى يوم تقدم لشغل المنصب
    الفقيه إذا أراد أن يتفيقه فليس من داخل المؤسسات بل يستقيل من شغله بعد ذلك يؤلف يحدث ويناقش فهو حر

    1
    3

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M