عن الكتاب والمكتبةِ أتَحدّثُ (ج1)

06 سبتمبر 2016 22:58
الرّفق بالحيوان وتدمير الإنسان

هوية بريس – ربيع السملالي

قالوا: حَدّثنا عن الكتاب، وعن الكتب، وعن المكتبة، فقد ازددنا شوقًا لسماع أخبار هذا الحبيب الذي ملأ سمعك وبصرك وقلبك فلم تعد ترى في الحياة شيئا سواه ..حدّثنا لعلّنا نصبح للكتاب من العاشقين، ولجمع الكتب من المدمنين.. ولك منّا أجمل التّحايا، وأفضل التّمنيات مع هذه الرّفقة الرائعة ( الكتب ) التي اخترتها لنفسك مذ كنت يافعًا ..وقالوا: ألستَ القائل: لم أجرّب مذ وعيتُ كيفَ تكونُ الحياةُ بعيدًا عن الكتب ! الظّاهرُ أنّها ستكون قاسيةً وتافهةً وبلا معنًى..

إذًا فحدّثنا عن هذه التّجربة المُوفّقة ولا تصمت…

فكتبتُ هذه التّغريدات والشّذرات استجابةً وحبّا وكرامة لهم..

* أبو عُثمان عمرو بن بحر الجاحظُ عاشقُ للكُتب بامتياز، أخلص لها إلى آخر رمق، لم يقع بيده كتاب قط إلا استوفى قراءته، حتى إنّه كان يكتري دكاكين الكتبيين، ويبيتُ فيها للمطالعة، وكتب فصلاً ماتعًا مطوّلا عن الكتاب في موسوعَته (الحيوان) لم أرَ من كتبَ مثله قديمًا وحديثا، وفي آخر حياته سقطتْ عليه بعض المجلّدات وهو في مرضه فقتلته، فكان شهيدَ الكتب بحقّ…

* الجلوسُ وسطَ المكتبةِ وحدَه مُتعة، حتّى ولو لم تقرأ أيّ كتاب، تشعر بشيء جميل يعتريك، كحلم من أحلام الصّبايا الفاتنات.

* قِمّةُ السّعادة القراءةُ في كتاب ورقيٍّ طَبْعَتُه فاخرة، تحت سقفٍ دافئٍ لا تسمعُ فيه لغوًا ولا ضجيجًا، ويكون الجوّ معتدلاً في غير إسراف ولا مبالغة.

* رآني ابني أسامة مهمومًا شاردَ الفِكر أحَمْلِقُ في الفراغ بعينين حمراوين، ولا أحمل بين يدي كتابًا كما عهدني، فجاءني بكتاب وقال لي: اقرأ.

*كثيرة هي الكتبُ والرسائلُ والمجلاتُ التي قرأناها، ولكنَّ تطبيقَ ما فيها يحتاج منا إلى إيمانٍ كإيمانِ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي.

* كثير من النّاسِ يرون السّعادة في سيارةٍ فاخرة، وفتاةٍ باهرة، ودارٍ على الشّاطئ ظاهرة… لكنّني أراها في الخَلوة بكتاب الله وصحيح البخاري.

* اقرأ كتابًا، ثُمّ عُدْ له بعد عشرِ سنواتٍ واقرأه مرّة أخرى، فإنْ وجَدتَه كما قرأتَه أوّل مرّة فراجعْ نفسَك؛ لأنّك لستَ بقارئٍ، ولا نصفَ قارئ.

* أعرضت عن قراءة جرائدنا الوطنية اليومية، وأغلقت صفحتي الفيسبوكية إلى الأبد، ولُذْتُ بمكتبتي فازداد وزني، وقلَّ انفعالي، وتلاشى حزني واكتئابي..

*علَّمتني القراءة ألا أغتر بعناوين الكتب والرّوايات البرّاقة، وإن بالغَ في الثّناء عليها أدعياءُ النقد، وعباقرة المجاملة.

* أرأيت يا فتى كم هو رائع أن تتحلّى بالصّبر وأنت تطالع أمهات الكتب، فتقرأ الجزء بعد الجزء فتشعر في نفسك وكأنك فتحت قارّة كانت مجهولة في ضميرك.

* المؤرخ الذي سيكتب ترجمتي سنة 3000م سيقول: كان جلدًا على القراءة جمّاعةً للكتب، لكن كان غضوبا سؤوما ضجورا يروم العزلة ولا يحمد أحدا من الخلْق.

* اجعلْ من مكتبتِك بُستانًا، حديقةً، جنّةً وارفة الظّلال فيها الأشجار والأزهار وسعادة العصافير.. وإياك وشجر الصّبار، وطحالب الوديان الرّاكدة.

* ما أتعسَ الحياةَ لولا الكتبُ والنّساءُ وابتسامةُ الأطفال.

* الكتاب الرّائعُ هو الذي كلّما تذكرتُه ابتسمتُ راضيًا عنه وعن اللّحظاتِ الجميلةِ التي قضيتها في صحبته.

* ثلاثُ ساعاتٍ متتاليةٍ من القراءة في سكون اللّيل، أفضل بكثير من قراءة عشر ساعات في ضجيج النّهار، وكلٌّ مُيسّر لما خُلِقَ له.

* الكتب التي تُدهشني تمرّ لحظاتُ قراءتها سريعةً كلحظات الحبّ، كأمنيات المرضى، كابتسامات الأطفال صبيحة العيد.

* عَوِّد نفسك يا صديقي أن تَدُسَّ بين ملابسك وأنت على أهبة السّفر كتابًا أو كتابين، كما تَدُسّ قارورة عطرك الجميل، وفرشاة أسنانك الأنيقة .

* لا يجوز التّحدث عن الوحْدَة وفي مكتبتي شيخُ الإسلام ابن تيمية، وإمامُ البيان العربي أبو عثمان الجاحظ، وسيدُ أهل الأندلس ابن حزم، وعبد الفتاح كيليطو المغربي، وزوربا اليوناني.

* حملت نفسي البارحة على ما تكره وزرت مكتبة فيها كلّ ما لذّ وطاب من الكتب الفكرية والأدبية، فلم أشتر شيئا، وعدت بحسرات أطوي عليها جوانحي!

* حين يُسرع إليّ الملل وتتلقّفني أيادي الضَّجَر والسّأم أفتح كتاب (حياة الحيوان الكبرى) لعلّي أعثر على الحيوان الذي يسكنني فأطرده .

* قراءة فهارس الكتب فنّ لا يحسنه إلاّ الأذكياء، وإنّي لأعجب من قوم عندهم مئات الكتب لا يعرفون عنها إلا ما تعرفه جدتي عن الحب في زمن الكوليرا.

* حين خطبتُ أمّ أسامة سألتها عن حالها مع القراءة، وكنت أحمل في يدي روضة المحبّين لابن القيّم، فأطرقتْ خجلا وقالتْ: أطمع أن تعلّمني على يديك.

* كنت اقتنيت مجلدًا ضخما للملحد عبد الله القصيمي [ قبل أن أعرف أنّه ملحد] عنوانه: العرب ظاهرة صوتية، فطالعته فأظلم قلبي، فتخلصت منه كما فعل الإمام النووي بكتاب القانون.

* أصحبُ الإحساس المادّي في قبيلتنا حين يرون مكتبتي، لا يبالون بدُرَرها ولا كنوزها ولا محتوياتها.. فقط سؤال واحد متّفق عليه: كم يُقدّرُ ثمنها؟

* ساءَني قبل أيام ذلك الرّكود الذي يخيّمُ على مكتبةٍ عامّة في مدينتي، حين زرتُها لقراءةِ بعضِ الفُصول في كتابٍ لا يوجدُ عندي …إنّها والله فارغةٌ على عُروشها تَشكو إلى الرّحمن هذا العزوفَ وهذا الإعراضَ وهذا الغُبارَ الذي يعلو مجلداتِها، وهذا النّومَ الذي يداعبُ أجفانَ القائمين عليها، والغريبُ حقّا أنْ تجدَ أمامَها محلاًّ لبيع الفطائر والقهوة والشّاي وقد ازدحمَ عليه النّاسُ، حتّى يُخيّلَ إليك أنّ الجوعَ يوزّع ضرباتِه على الأحياء والأزقّة، لذلك فهم يُسرعون إلى أخذِ حظّهم من الطّعام، ونصيبهم من المشروباتِ السّاخنة، قبل هجوم الكارثة.

* قلتُ في مُقدِّمة مقالتي (إعارة الكتب من منظور عاشق): الكتابُ، وما أدراك ما الكتاب؟! إنه العِشقُ الدَّفين الراسخ في أعماق مَن اختاروه صديقًا وفيًّا وحبيبًا دائمًا، واتخذوه وليًّا ونصيرًا! إنّه شيء كالهواء في قلوبهم، وكالماء العذب الزُّلال في أعماقهم العطشى، بل هو الحياة التي لا حياة بعدها.

يَقرؤونه ويقلِّبون صفحاتِه بمتعةِ من يبحث عن كنز نفيس لا مجال للشك في وجوده، يتلذَّذون بمسامرته كما يتلذَّذ العاشقُ الولهانُ بقرب حبيبته التي طال انتظاره لها؛ بشوق محرِق، وحنين مُرهِق.

* وجدتني أمّ أسامة مبتسمًا في وجه الكتاب الذي أدفن فيه وجهي فقالت: أراك فرحًا فقلت وكيف لا أفعل وقد تحررت من ضعفي الإنساني في هذا الشّهر المبارك.

* فقدتُ أبي في سنّ السّابعة، فلازمني اليُتم والضّياع سنوات، حتّى إذا بلغت سنّ العشرين بدأت ألمم شظايا روحي باحثًا عنّي بين ثنايا الكتب.

* هناك بعض الكتب لا تعطيك مفاتيحها ومتعَها إلاّ بعد تجاوز مائة صفحة أو أكثر، فحذارِ أن يتسلّل إليك الملل قبل الوصول ويستولي عليك الضّجر.

*جلستُ في مقهى قبل أيّام لأطالعَ كتابًا وأكتب شيئًا عنّ لي، فرأيت من يجلسون بجواري ينظرون إليّ بحقد كما لو كنت أحمل في صدري حزاما ناسفًا.

* لا تترك نفسك تذهب حسرات على كتاب نسيت تفاصيله مع مرور الأيام، وأنت تستطيع الابتسام راضيًا عنه كلّما تذكرت المتعة التي قضيتها في صحبته .

* من أسباب تعلّقي بالأدب قطّة رأيتها تبحث عن صديق لها في شارع هادئ بمدينتي، وتموء بحنان أنثوي لم أستطع تحريره في قصّة قصيرة، ومن تمّ عكفت على القراءة الكثيرة لعلّي أستطيع نقل مشاعرها إلى القارئ، كما فعل صاحب كتاب: مذكّرات دجاجة.

* لم تترك لي القراءة صديقًا ولا حبيبا ولا أخا، وحالت بيني وبينهم، وكانت كجرير بن عطية الذي أخمل ثمانين شاعرًا في زمانه كلّهم مجيد.

* أنا مصاب بالملل، يعتريني قلق دائم، تتدفّق من عيني أنهار من الدّموع مرّة كلّ شوق، وألوذ بالكتب إذ ليس لي خيارٌ آخر ..فابقيْ بقربي يا ذكريات التّعاسة ولا ترحلي.

* من جنون عشّاق الكتب أن تجد في مكتباتهم آلاف المصنّفات، لم يقرأوا ثلثها، ومع ذلك يبحثون عن الجديد في معارض الكتاب وأسواق الكُتبيين.

* بقرب وسادتي دومًا ثلاثة كتب: جدّد حياتك، ودع القلق وابدأ الحياة، ولا تحزن، لكن الواقع المرّ يكون له رأي آخرُ كلّ صباح.

* لا أنتمي لأي حزب، ولا أمنحُ ولائي لأي جماعة ولا أكتب بقلمي ما يرضي سيّد القبيلة، وفي مكتبتي تجد ابن حزم الأندلسي وابن تيمية الحرّاني يجلس تحتهما هاروكي موراكامي الياباني و نيكوس كازانتزاكيس اليوناني.

* حُبِّبَ إليَّ من الدّنيا الأمنُ والعافيةُ وعيونُ حبيبتي، وجُعلتْ قُرَّة عيني في مُطالعة الكتب.

* أغلبُ النّاس عندهم فراغٌ عاطفي ..وأنا عندي فراغ في مكتبتي لاسيما كتب التّاريخ والفقه الحنبلي.

* ينبغي أن يكون من قِرى الضّيف عند العلماء والمثقّفين والأدباء= إهداء الكتب! فحين يزورك صديق فتكرّم عليه بكتاب يرفع عنه الجهل.. ومن الكتب الجميلة التي يُستحب إهداؤها=صيد الخاطر لابن الجوزي، أدب الدنيا والدين للماوردي، وجدّد حياتك للغزالي، ودع القلق وابدأ الحياة لكارنجي … وليسَ شرطًا أن يكون الضّيفُ مثقّفا أو شبيهًا بالمثقّفين، فإهداء كتاب لرجل من عامّة النّاس قد يكون مفتاحًا له لخوض غمار العلم والأدب..

يُتبع..

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M