عواقب توطين الفرنسية بالمغرب سنة 1922

26 نوفمبر 2018 17:40
عواقب توطين الفرنسية بالمغرب سنة 1922

هوية بريس – ذ. إدريس كرم

جاء في جريدة السعادة عدد 2429؛ بتاريخ11/10/1922 موضوع تحت عنوان: (انتشار اللغة الفرنسية بالمغرب)، معتمدا على تقرير أعد من قبل المسيو هاردي مدير المعارف العمومية بالمغرب بتكليف من قبل (جمعيةالإتحاد الفرانساوي)، وهي جمعية أسست كي تعمل بجميع الوسائل المساعدة على تعلم اللسان الفرانساوي والرغبة فيه، كإنشاء المدارس في الأقطار الأجنبية، وإلقاء المسامرات في أندية الطبقات الراقية، لتشجيعها على تحصيل ما تيسر منه، حتى يكون رقيها جامعا لسائر الكمالات، مستكملا لجميع المحسنات، كما جاء في الجريدة المذكورة مضيفة.

وقد قدم ذلك التقرير في مؤتمر عقد لدرس ما وصل إليه اللسان الفرانساوي في الحالة الراهنة من الشيوع والإنتشار بالأقطار الموجودة على سواحل البحر المتوسط، وذلك بمناسبة إقامة معرض مرسيليا في 1922.

قال في فاتحة تقريره السالف الذكر: إننا بقطع النظر عن الفرانسويين الذين هم من أصل فرنساوي عريق نسعى لشيوع اللسان بين عناصر أخرى متباينة، وهي:

أولا: الذين يحملهم حب فرنسا على اعتناق الجنسية الفرانساوية، فإن هؤلاء يتكلمون غالبا بمزيج من لسانهم الأصلي ومن اللسان الفرانساوي.

ثانيا: الأجانب، وجل هؤلاء من الإسبانيين والإيطاليين.

ثالثا: المسلمون.

رابعا: الإسرائليون المغاربة.

وقد وقع الشروع في تنظيم أمر التعليم ابتداء من سنة 1912 أي على إثر الحماية، فتأسست في بادئ بدء مدارس قليلة كان عدد تلاميذها في أول نشأتها هكذا: 54 إيطاليا، 47 إسبانيا، 31 من انكليز ويونان؛ 2328 إسرائليا، 210 من المسلمين؛ ولم تمض على هذا التاريخ سنتان حتى بلغ عدد التلاميذ في سنة 1914 أي قبل الحرب: 1927 من الفرانساويين، 682 من الإيطاليين، 1412 من الإسبانين، 124 من النكليز واليونان، 3329 من الإسرائليين، 2390 من المسلمين، ثم استمر حال المدارس في تطور ونمو رغم وجود الحرب.

وإليك بيان عدد التلاميذ الذين كانوا يتعاطون تعلم اللغة الفرانساوية في المدارس نقلا عن إحصائية وقعت في شهر مارس من سنة 1922، فمن الفرانساويين 7147، ومن الايطليين 2159، ومن الإسبانيين 3482، ومن الاسرايليين 6585، ومن النكليز واليونان 435، ومن المسلمين 5004.

هذا ولم يفتأ عدد التلاميذ المقبلين على تعلم اللسان الفرانساوي في نمو مضطرد أولا لأن الناس شاعرون بحاجتهم الشديدة لتعلم هذا اللسان.

وثانيا لأنه لا يوجد في الإيالة الشريفة لسان آخر من الألسن الأوربية يزاحم اللسان الفرانساوي.

ولا شك أن دائرته ستزداد اتساعا لأن سعادة المشير ليوطي وافق على جميع الاعتمادات المالية المساعدة على البلوغ إلى هذه الغاية في أمد قريب.

وقد أخذت إدارة المعارف في إعداد المعدات اللازمة لمجاراة هذا النمو ومواجهته بما يتطلبه، ففتحت في العاصمة مدرسة للمعلمين، وأرسلت فريقا آخر منهم ليتمرنوا في مدرسة المعلمين بالجزائر، ولن تمضي خمس سنوات حتى يكون أمر تعليم اللغة الفرانساوية منظما في الإيالة الشريفة على أحسن ما يرام (انتهى منه).

وتجدر الإشارة لوجود تعليم فرنسي قبل الحماية كانت تشرف عليه (الرابطة الفرنسية)، وهي مؤسسة فرنسية أسست سنة 1883 لنشر اللغة والفكر الفرنسي في بلدان ما وراء البحار، وقد أسس تبعا لها مجلس طنجة comite de tanger سنة 1884، والمجلس الجهوي المغربي comite regional marocain سنة 1904.

وقد أنشأت لفائدة أبناء الفرنسيين مدارس فرنسية خاصة يلجها بعض الأجانب والمغاربة منهم، ومدارس فرنسية عربية لتكوين متعاونين ونخبة موالية لفرنسا في كل من طنجة وتطوان والعرائش ووجدة، بلغ عددهم من 1898 إلى 1907 ما مجموعه 217 متعلم تحت إشراف المفوضية بطنجة، وكذا مدارس (الرابطة الإسرائلية العالمية) التي ظهرت أول مدرسة لها بتطوان سنة 1862 بمنهاج لا يختلف عن مناهج المدارس الفرنسية من حيث المناهج والفلسفة.

وقد تطورت هذه المدارس وتزايد روادها حيث انتقل من 1688 سنة 1912 إلى 11216 موسم 1919/1920، ليصل عددهم سنة 1956 حوالي 30000 تلميذ في 75مؤسسة، ولذلك كان تلامذتها أول من استفاد من مؤسسات الحماية سنة 1912، حيث أوردت جريدة السعادة عدد3305؛16/10/1928، بأنه ما إن استقر قدم الحماية في البلاد حتى اتسع نطاق الأعمال واحتاجت لأيد عاملة وعقول مفكرة من أبناء البلاد، فتقدم الإسرائليون للإحراز على تلك المناصب التي أهلتهم لها معارفهم وجدهم واجتهادهم، كما استفادوا بدون شك من الفرص التي أتاحها استقلال البلاد في المجالات التي تركها الفرنسيون في المجالين العمومي والخصوصي.

ولتوسيع قاعدة نشر تعلم الفرنسية بين أبناء المغاربة الأهالي تم إنشاء مدارس أبناء الاعيان les ecoles des fils de notables، والمدارس الحضرية les ecoles urbaines، ومدارس التدريب les ecoles d apprentissage، والإعداديات الإسلامية les colleges musulmans، والمدرسة (الفرنسية البربرية) التي علق عليها الأمل في ربط أبناء الأمازيغ مباشرة بالفرنسية والمسيحية تنفيذا لتعاليم ليوطي الذي كتب: (لا بد لنا من فتح مدارس فرنسية بربرية تتعلم فيها الشبيبة البربرية الفرنسية) مارتي في كتابه “مغرب الغد” ص:228؛ وقد اعتبرت السياسة التعليمية الفرنسية (تعليم اللغة العربية في مدرسة قروية أمر في غير محله كتدريس اللاتينية في قرية فرنسية).

وقد وجدنا غداة استقلال البلاد أنه من بين 350 قايد سنة 1960، هناك 250 منهم تخرجوا من مدرسة ازرو التي كانت تدخل في هذا النطاق، وقد صار بعضهم وزراء مما يشرح سلاسة تحول الغزو العسكري لغزو معرفي.

جاء في جريدة السعادة عدد3305؛16/10/1928 مقال بعنوان “الإقبال على المدارس” لأحمد النميشي: ما إن “ارتبطت البلاد بربط الحماية، واستقبلت عصرا جديدا مجيدا، فكانت الجيوش الإفرنسية التي طهرت البلاد من أدران الثورة لا تلبث في ميادين العمل إلا بقدر ما يستقر الأمن في نصابه، ثم تحل محلها جيوش العلم المقوِّمة للأخلاق التي لا تقوِّمها الأسنة والرماح”.

وفي هذا الإطار وصل المستشرق لوست لمدينة اخنيفرة في 13 يوليوز 1914 حيث حرر تقريرا بـ”إنشاء المدرسة البربرية الفرنسية، واقترح ترافق الطبيب والمدرس فيها، الأول يحمل الدواء للجسم والثاني يحمل شعاع المعرفة لعقل البربري الجاهل كي يدخله إلى العالم الجديد”.

وبذلك تكونت نخبة جديدة تسلمت مقاليد الحكم بعد الإستقلال، فمن خلال 5500 موظف غداة الاستقلال من الدرجات العليا بالقطاعات الهامة الموروثة عن إدارة الحماية، كان هناك 165 مغربيا فقط، فسارت تلك النخبة التي خلفتها تحت ظروف الحاجة والحزبية والزبونية مواصلة تطبيق ما وجدته مرسوما، وزادت في تطويره وتحسينه بدعوى التحديث والتطوير ومسايرة العصر، دون الإلتفات للنجاعة والفعالية والكفاءة، فكانت التبعية، وكانت الأعطاب التي تحولت لأخطاب تنوعت وتراكمت كقطع الليل المظلمة، بحيث لا يعرف لها أول من آخر، بعدما تمفصلت في النسيج المجتمعي، وجعلت مفاهيم عديدة استعمارية تسود وتتناسل بسلاسة لتعرقل كل حركة تحريرية لكرامة المواطن وتحريره من هيمنة الإدارة التي كانت تعتبر المغربي في خدمتها، لأنها بدورها تخدم مواطنين آخرين، مما أفشل كل المبادرات، وعرقل نهوض كل السياسات العمومية الهادفة للنهوض بالمجتمع بدل الاهتمام فقط بالانتاج أو المجال دون الإنسان وفي أولويات ذلك التعليم والقضاء والصحة والثقافة، بل إن عدم احترام الدستور في تطبيق استعمال اللغتين الوطنيتين في الإدارة خير دليل على استمرار استعمار اللغة الفرنسية ببشاعة للمجال الإداري مما لا يوجد له تفسير إلا كون النافذين فيها هم المتفرنسون الذين قلنا عنهم ممثلو الاستعمار الجديد، والذين بات ولاءهم لماما فرنسا رغم أنوف المغاربة وشهدائهم الذين قاوموا الغزو المسلح، لكنه غزا أبناءهم من خلال غزو لغوي قدم كشكل من أشكال المثاقفة لدى فئة من النخبة، وكشكل من أشكال مسخ الهوية وفصل عنصري لدى فئات أخرى، لكنه انتهى بهيمنة على البلاد من خلال الإدارة التي بقيت وفية للنهج الاستعماري الذي اعتبر المواطن غنيمة عليه تنفيذ ما يطلب منه إن هو أراد السلامة في الحل والترحال، وبذلك تكون اللغة قد تحولت لأداة استعمار وليست وسيلة إعمار، فمتى نتحرر من استعمار اللغة لنا لتتحرر إدارتنا وتعود لنا كرامتنا لنساهم في إصلاح ما نراه فاسدا وبناء ما نحتاجه ملائما.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M