غلاء الأسعار.. وجهة نظر شرعية

04 مارس 2022 21:19

هوية بريس – د.يوسف فاوزي

إن من القواعد المالية التي قعدها الفقهاء استنطاقا لنصوص الشريعة: (المال مال الله والإنسان مستخلف فيه)؛ فالمال نعمة إلهية قرر فيه سبحانه اكتسابه من الحلال وإنفاقه في أوجه الحلال؛ ولذلك حرم سبحانه وتعالى الربا والسرقة والقمار وغصب المال والغش ونحوه من وسائل الكسب الحرام؛ وحرم أيضا التبذير وشراء المحرم كالخمر والرشوة وغيره من طرق البذل الحرام للمال.

ومن الجوانب الحامية للمال فقه البيوع في الشرع؛ فهو فقه قائم على حفظ  مصلحة التاجر والبائع؛ لا ضرر ولا ضرار؛ فلا يغش التاجر بسلعته ولا  يغبن حقه؛ ولذلك جاء النهي عن الاحتكار والغرر والغبن وغير ذلك.

وتعرف مسألة غلاء الأسعار نقاشا محتدما بين الناس في كل موسم؛ مما يجعلنا نطرح تساؤلا عن النظرة الشرعية لهذا الأمر.

مما هو متفق عليه أن غلاء الأسعار مرده إلى تقلبات السوق الذي يقوم على أساس العرض والطلب؛ وتوفر السلع يكون مرتبطا غالبا بحال الموسم الفلاحي كالجفاف أو نحوه والتقلبات السياسية كالحروب والخلافات بين الأنظمة والدول؛ ولا نغفل هنا جانبا آخر وهو جشع التجار القائم على تقديس مصلحتهم المالية دون النظر إلى ضرر الفقراء والضعفاء من الناس.

وغلاء الأسعار أمر حصل حتى في عصر النبوة فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (إنَّهُ غَلا السِّعرُ علَى عهدِهِ فقالوا: يا رسولَ اللَّهِ سَعِّرْ لنا قالَ: إنَّ اللَّهَ هوَ المُسعِّرُ القابِضُ الباسطُ الرَّازقُ وإنِّي لأرجو أن ألقَى اللَّهَ وليسَ أحدٌ منكُم يطالبُني بمظلَمةٍ في دَمٍ ولا مالٍ). رواه أحمد وصححه الألباني.

وجاء في بعض طرق الحديث أن هذا الغلاء حصل في عام جدب لا مطر فيه؛ فلما سأل الصحابة الكرام رسول الله صلى الله عليه وسلم التدخل لوضع سعر محدد للسلع حتى لا يزاد عليه من قبل التجار قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللَّهَ هوَ المُسعِّرُ القابِضُ الباسطُ الرَّازقُ). أي إن هذا الغلاء بيد الله فشاء سبحانه وتعالى أن يكون العام عام جدب فغلت الأسعار لحكمة ربانية يعلمها هو سبحانه؛ وذكر أهل العلم أن الحكمة من رفض النبي صلى الله عليه وسلم تسعير السلع مرده إلى مخافة امتناع التجار بيع السلع أو جلبها فتكون المفسدة أعظم ومن شروط صحة البيع التراضي وهو هنا منتف عند إلزام التاجر بثمن محدد.

غير أن هذا لا يعني المنع التام من التسعير؛ فلقد أجاز الفقهاء تدخل ولي أمر المسلمين في تسعير السلع حال الغلاء الفاحش المؤدي إلى ظلم الناس والتضييق عليهم؛ واشترطوا أن يكون هذا التسعير حافظا لحق التاجر في الربح بقدر معقول.

ومما يجب التنبيه عليه في هذا المقام هو أن غلاء الأسعار وقلة البركة في الأرزاق مردها سوء أدب العباد مع ربهم؛ فشؤم المعصية شأنه عظيم؛ وكلما صلح أمر الناس في دينهم صلحت لهم أمور دنياهم.

ومن الحلول العملية لمشكلة غلاء الأسعار:

1- التوبة والاستغفار: قال سبحانه وتعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا، وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا}.

2- ضرورة إعمال قواعد الفقه المالي الشرعي في معاملات السوق؛ كتحريم الربا والاحتكار.

3- إحياء مهنة الحسبة في السوق لمحاربة الانحرافات المالية في الأسواق.

4- إحياء شعيرة صلاة الاستسقاء لتقليص الضرر الحاصل في السوق.

5- إرشاد التجار وعموم الناس إلى فضل القناعة والتحذير من الطمع والجشع.

نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يرفع عنا الوباء والبلاء والغلاء..

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M