فرنسا الاحتلال: شباب مدارسنا المسلم (1929)

19 مايو 2018 13:57
فرنسا الاحتلال: شباب مدارسنا المسلم (1929)

هوية بريس – ذ. إدريس كرم

النص السادس من تقرير “روبير منطان”:

في أواسط سنة 1925 ونتيجة للانشغالات الخطيرة التي كانت تحاصر حكومة الحماية بسبب حرب الريف، وأيضا دون شك القلق الناتج عن أولى التجليات غير المشجعة التي كشف عنها الشباب المسلم المتخرج من مدارسنا، فإن المقيم العام الجديد لم يعد يضع محاولات تكوين نخبة محلية ضمن أولويات السياسة المغربية.

لقد حصل نوع من الاتفاق الضمني على إهمال هذا المشكل السياسي الصعب الذي لم يظهر أي حل مرضي لمعالجته، وأثناء فترة التأمل هذه التي كنا ننتظر خلاها أن يرتسم المستقبل بشكل أفضل، فإن للمجتمع الأهلي الذي تُرك يواجه مصيره بنفسه ويشعر بالقلق العميق إزاء أحداث شمال المغرب المشار إليها من قبل، لن يتأخر في إظهار ميولاته وتوجهاته، كما أن خصائص شباب مدارسنا ستتأكد أكثر في الوقت الذي ستظهر فيه مجموعة من مجددي الإسلام الذي أطلق عليهم بشكل خاطئ اسم الحزب “الوهابي”.

المسرح العربي، مظاهره وهدفه

لا شيء أصعب على هذه البرجوازية المغربية الأنانية التي تمكن المارشال ليوطي تقريبا من تهديئ حقدها من خلال التعبير لها عن احترامه، من النسيان الذي اعتقدت أنه طالها. أما بالنسبة للشباب على الخصوص، فقد ظهر لهم أن الصمت الذي أحيطت به مشاكل التعليم لم يعد محتملا، وأحسوا بالحاجة القصوى للتذكير بوجودهم وطموحاتهم، وكان تأسيس المسرح العربي هو الفرصة التي مكنتهم من القيام بذلك.

وكما أن المدارس الجديدة عرفت النور بفضل إرشادات مسلمين تونسيين، فإن المسرح المغربي ولد بدوره من خلال تقليد مسرحيات قدمتها بنجاح فرقة “الريجانس” بين1923 و1924 في مدن فاس والرباط ومراكش، ولازال مدير إحدى هذه الجمعيات المسرحية “النهضة العربية” يراسل أقرانه الشباب في فاس.

تأسست الفرق المسرحية المغربية داخل إطار جمعيات قدماء تلاميذ مدارسنا، وبذلك تجنبت طلب الترخيص لها الذي ربما قد يرفض، وهكذا استعد على التوالي قدماء مدارس الأعيان بسلا، لتقديم مسرحيات كتبت بالعربية الفصحى أمام حضور غفير يتكون من مثقفين برجوازيين، ويمكن الحكم على نشاط الممثلين الشباب من خلال لائحة أهم عروضهم خلال سنتين:

– صلاح الدين

– المنصور الذهبي

– هارون الرشيد والبرامكيين

– المنافق le tartuffe

– وفاء العرب

– مجنون ليلى

– شهيد الدم

– اليتيم المهمل

وتقدم أغلب هذه المسرحيات مرتين أو ثلاث، وتذهب فرقة سلا إلى فاس لعرض عملها، كما أن أعيان طنجة يوجهون الدعوة إلى الممثلين الشباب لتقديم عرضهم في المدينة، ويتكلفون بجميع المصاريف إن قبلت الفرقة زيارتهم، ويتم التبرع على مكناس ومراكش ببعض العروض.

وكانت المسرحيات تلقى نجاحا كبيرا إذا نظرنا لذلك من خلال حيوية وحماس الفرق المسرحية من جهة، وأهمية المداخيل من جهة أخرى، ففي العديد من المرات يترك الجمهور بين يدي المنظمين عشرات الآلاف من الفرنكات.

إن الهدف الأول -المعلن عنه في أغلب الأحيان- لقدماء تلاميذ مدارسنا المجتمعين في فرق مسرحية هو الدفع قدما بنهضة “اللغة العربية النبيلة” وتصاغ جميع المسرحيات باللغة الفصحى، أو تستعار من الأعمال المسرحية الشرقية، وتمثل إيجابية طريقة العمل هذه في كونها تجلب البرجوازية الميسورة التي تجد في هذا النشاط المتحذلق استجابة لميولاتها الأدبية.

إلا أن الشباب الذين يختارون مسرحياتهم حسب هواهم، ويؤلفونها دون مستشارين فرنسيين تكون لديهم اهتمامات محددة أكثر:

إنهم يريدون إما تعظيم العصور الذهبية للقوة الإسلامية “صلاح الدين، هارون الرشيد”، وخصال السلالة “وفاء العرب”، وأهم الأحداث التي سجلها تاريخ الأسر الحاكمة في المغرب “المنصور الذهبي “، وإما التعبير عن أماني جيلهم.

وهكذا نجد مسرحية “اليتيم المهمل والرجل الثري” تتطرق لموضوع طفل بدون موارد يريد الذهاب إلى فرنسا من أجل التعلم، وثري متخلف يرفض مساعدته ويخصص عطاياه لسادة الزوايا الدينية، ويتمكن الشاب من الذهاب إلى باريس ويعود منها بالطبع محاميا، وتأتيه الفرصة فيما بعد لينقذ من الإفلاس من رفض في الماضي المساهمة في تربيته.

أما اختيار وأداء مسرحة “المنافق tartuffe” التي ترجمت إلى العربية وكيفت مع الظروف المحلية، فإنه يكشف عن نوايا هجومية أكثر، وكانت شخصية رجل الدين أضحوكة في المسرحية، ستأخذ جميع المظاهر الخارجية للشريف عبد الحي الكتاني الذي يكرهه المسلمون الشباب، فأعلن هذا الخبر أن بربر أيت يوسي سيحضرون العرض لكي يفرضوا احترام زعيم زاويتهم، في الوقت الذي تشبث فيه الممثلون الشباب في الفرقة المسرحية متحمسين للدعم الذي تلقوه من عدد كبير من “المسلمين المتنورين”.

وأمام هذا الوضع ارتأت السلطات العليا أنه من الحكمة في أن واحد منع المسرحية ومنع بيع ترجمتها المغرضة، ولا شك أن إحدى النتائج الأولى لهذه العروض المسرحية كانت هي تقوية غرور الممثلين الشباب الموجودين فوق الخشبة أمام جمهور غفير منتقى يتكون من شخصيات محترمة، وينصت بجد إما لخطبهم الدينية أو لأوهامهم السياسية.

أما من الناحية الفنية، فإن وقع عروضهم على الجمهور يبقى أمرا مشكوكا فيه، لقد لوحظ من جهات متعددة الأداء الرديء لممثلين لم يتم إعدادهم جيدا، وقلة الانتباه لبعض المشاهد، وسلبية الجمهور، ومن المؤكد أنه بإمكان مجموعة من المتعلمين المسلمين أن تتحمل بصبر لا محدود سماع خطب أدبية لا تفهمها بشكل جيد، وهذا دليل أخر “على حدود وقع العمل”.

ومن جهة أخرى فإن استعمال العربية الفصحى نفسها باعتبارها لغة فكر لا يتطور، يحكم مسبقا بالعقم على عمل هؤلاء المسلمين الشباب.

إن اللغة الدارجة التي تعبر عن الحياة الفعلية للشعب المغربي دون تمييز بين الطبقات الاجتماعية، هي وحدها المؤهلة للتعبير عن المشاعر والوصول حقا إلى أبعد من الخيال، أي الوصول إلى ضمير الناس، إلا أن التقليد جعل من كل عمل مجرد لهو حقير لم تعرفه العربية الفصحى.

ومع ذلك فإن هذه الانتقادات تؤكد الأهمية العملية للنتائج المحصل عليها، فلأول مرة يتلقى تلاميذ مدارسنا الشباب التشجيع الكامل من قبل جزء كبير من البرجوازية، ووجد هذا الدعم ترجمته في حصولهم على تبرعات مالية هامة.

من السهل أن نلاحظ الدور الهام الذي تقوم به العقول الأكثر جرأة والأكثر تقدما داخل كل “فرقة مسرحية” من فرق جمعيات قدماء التلاميذ، ولكننا نجد المنظمين يعملون بحذر يستحق التقدير، لتجنب أي حدث مناهض لنا، وهكذا يتم إشراك فرنسا في الدعاء الذي يوجهونه للمخزن فيقولون:

“يا أبناء الإسلام والوطن، لنؤكد جهارا على المكانة السامية للتعليم، لقد ولى زمن الجهل، ليعنكم الله على تحقيق هدفكم، فالسلطان يفهمكم، وفرنسا لا تقف في وجه مشاريعكم، بل على العكس إنها ترشدكم، إن ملك هذا الزمان يؤالف بيننا وبينها، حفظنا الله وإياها”.

ويعلن أحد المشرفين على الفرقة المسرحية لثانوية مولاي ادريس بسخاء خلال حفل يرى أن الفرقة مستعدة لتقديم مسرحية “اليتيم المهمل” وستتخلى عن مداخلها لفائدة عمل خيري.

مرة واحدة خان الحدق الشباب السلاويين حين وجهوا الدعوة للجنرال “فيدالون” ورفضوا تسميته بقائد قوات الاحتلال وأعطوه التسمية التي اعتبروها كافية وهي قائد “الجيوش التي نزلت في المغرب”، وهو تعبير يوحي بأن الجيش الذي “نزل” في البلاد يمكنه منطقيا أن يعود إلى بلده الأصلي.

هناك سحابة واحدة يمكنها أن تجعلنا نتنبأ للممثلين الشباب بأيام أقل إشراقا:

إنها مزاحمة الفرق المسرحية بعضها لبعض، ولكن يمكن لرغبتهم في التفاهم أن تسمح بتجاوز هذه الصعوبات، إن أكثر فائدة حصل عليها هؤلاء الشباب هي بالتأكيد استحقاقهم لتشجيعات المغاربة الشيوخ الذين ظلوا مناهضين لهم حتى ذلك الوقت.

أما الإيجابية الأخرى الهامة جدا فهي كونهم استطاعوا من خلال تنقل الفرق المسرحية فقط -أن يقيموا- علاقات مستمرة بين الجمعيات المحلية لقدماء التلاميذ التي نجحنا في الإبقاء عليها معزولة برفضنا قبول مشروع جمعية عامة لها.

وأخيرا هناك نجاح آخر لا يقل أهمية يتمثل في تشكيل صندوق غني جدا: 50.000 خمسون الف فرنك على الأكثر لا مراقبة لنا على استعمالها، ومنذ الآن يعتزم عبد اللطيف الصبيحي توظيف هذه الأرباح لتأسيس مجلة فرنسية-عربية مفتوحة بحُرية في وجه الشباب المسلم، وتعتمد متعاونين فرنسيين معها كواجهة لا محيد عنها، أمثال الإخوة “طارو”، و”كلود فارير”، و”درمين” و”الأستاذ بيكرت..” الخ”.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M