فرنسا شؤما على المغرب والمغاربة

14 يناير 2020 17:23
فرنسا شؤما على المغرب والمغاربة

هوية بريس – ذ.إدريس كرم

تعليقات على تصريح المسيو بيو المدهش حول المجاعة المغربية

حقائق ووقائع يجب أن يعرفها الرأي العام الدولي

تقديم

عندما نقول ونعيد بأن دور الفقهاء في تحرير المغرب والدفاع عن مؤسساته ومقدراته كان كبيرا وأساسيا، لا نكون مجازفين ولا مبالغين، وإنما نعطي القوس باريها ونميط اللثام عن مواقف عملية تطبيقية على مختلف الصعد، ليعرف الخلف جهود السلف، فينهج منهاجه ويقدر أسلافه ويعرف أن له تاريخا مجيدا يصعب تجاوزه والتعمية عليه.

من ذلك هذا المقال الطنان للشيخ المكي الناصري الذي يناقش فيه تصريح المقيم العام الفرنسي بالمغرب “بيو” حول المجاعة التي ضربت البلاد في الأربعينيات نتيجة سياسة الغزو الاستعماري وما قام به من نهب، مدعيا رغم ذلك أن فرنسا منقذة للمغاربة من الجوع والفاقة.

وقد نشر المقال في جريدة الوحدة المغربية في 27/12/1945، وهذا نصه:

لا شك أن قراءنا الأعزاء طالعوا باهتمام وإمعان تصريح المسيو بيو ممثل فرنسا بالمغرب، ولا شك أن كثيرا منهم تنبأ بالتعليقات التي يمكن أن يستثيرها ذلك التصريح المدهش.

فقراؤنا والحمد لله يمتازون بذهن فاحص، وفكرة نقادة، وبصيرة نافذة.

ولكننا مع ذلك كله نريد أن نلقي ضوء كاشفا على التصريح الفرنسي الرسمي في موضوع سياسة تجويع المغرب، وإبادة المغاربة بطريقة تدريجية متواصلة.

إن أول شيء يستلفت النظر في تصريح المسيو بيو هو أنه يريد أن يلقي المسؤولية على عاتق القضاء والقدر، وهذه حيلة كل عاجز متى وجد نفسه مرتبكا محتارا، ذلك أن المغرب بصفته بلدا زراعيا، بلد خصب ممتاز بخصبه من أقدم العصور إلى الآن، فهو ينتج كل ما يحتاجه أهله إنتاجا كافيا، ولو بقي المغاربة أحرارا في بلادهم ولم ينزل بهم الشؤم الفرنسي، ولم تسيطر على بلادهم الأنانية الفرنسية الجامحة التي لا نعرف لاستغلالها ومطامعها حدا ولا نهاية، لكان المغاربة في أرغد عيش من كل الوجوه، ولما احتاجوا إلى من يتصدق عليهم بلقمة خبز لا في هذه السنة ولا في غيرها من السنين.

فقد كانت العادة الشائعة في المغرب هي أن سنوات الصابة الجيدة الممتازة يعتبر محصولها الجيد الممتاز شبه محصول احتياطي دائم لسنوات الجفاف والقحط، وكانت الأهراء والمطامر السلطانية والشعبية في كافة القبائل المغربية وأرباض العواصم الكبرى مليئة بالأقوات والحبوب التي تكفي لعشرات السنين، غير أنه لم يكن المغرب إذ ذاك رقا لفرنسا، ولم يكن مفروضا على المغاربة أن يطعموا الفرنسيين من جوع.

وكان الشعب المغربي شعبا آمنا في سربه لا يعادي أية دولة من الدول ولا يزج بنفسه في أية حرب من الحروب الأجنبية الكبرى، فلما ألمتنا الدواهي بالطاعون الفرنسي أصبح المغرب قبل كل شيء مزرعة لفرنسا، وأصبح المغاربة عبارة عن خماسة بل عبيدا في هذه المزرعة، كل ما ينبت في أرضه يأكله الفرنسيون أولا، وتبتلعه الأسواق الفرنسية قبل الأسواق المغربية، وأصبح المغرب ذنبا لفرنسا في كل حروبها، تفرض عليه التضحية في سبيلها بقوته وماله، وزهرة شبابه، وكل ما عنده من موارد صالحة، فتنزع منه بالقوة والقهر، لتنصر فرنسا وتتحرر وتنتعش، ثم يدخل هو رويدا رويدا في دائرة الشعوب الجائعة المفلسة، في انتظار الفناء والانقراض، ولو كانت الإدارة الفرنسية حريصة حقا على مصلحة المغرب والمغاربة لما زجت به في حروبها، فكان لها الغنم وعليه وحده الغرم، انهزمت أو انتصرت، ولحافظت على تقاليد المغرب الزراعية، فادخرت الأقوات الوافرة في سني الصابة الجيدة لسني الجفاف والقحط، ولما مرت بالمغرب هذه المجاعة العديمة النظير.

ثم إننا نشم من بين سطور التصريح الفرنسي رائحة الإهمال لا نريد بوحدتنا الدينية والقومية بديلاوالاستهتار وسوء التقدير، فالمسيو بيو يشير من طرف خفي إلى أنه قد قام بواجبه، ونبه الحكومة الفرنسية لخطورة الحالة، ولكن هذه الحكومة لم تهتم بالأمر كما يجب، وارتابت في المخاوف التي أبداها، وأرادت أن تنتظر حتى يتحقق الخطر فعلا، والذي يعرف العقلية الفرنسية الضيقة، وروح الأنانية الفرنسية المسيطرة على الرجال الرسميين وغير الرسميين، لأدرك تمام الإدراك أن الحكومة الفرنسية لا يهمها هل جاع المغاربة أو شبعوا، أستغفر الله، بل يهمها فعلا أن يجوعوا ويمرضوا وينقرضوا، لأن في ذلك كما نظن ضمان مستقبلها ومستقبل أبنائها.

ونحن لا ننسى جميعا ما قامت به الإدارة الفرنسية في سوريا ولبنان، أيام الحوادث السورية الدامية في السنة المنصرمة، فقد تعمد الموظفون الفرنسيون الذين كانوا مسيطرين على مكتب القمح ومصلحة التموين أن يجوعوا السوريين واللبنانيين، وأن يحولوا بينهم وبين القوت حتى يموتوا جوعا، أو يستسلموا لإدارة فرنسا.

ووقعت مجاعة كبرى في البلدين الشقيقين، حتى اضطرت أنكلترا للتدخل في الأمر، وعُزل الموظفون الفرنسيون من مكتب القمح ومصلحة التموين، وأسس مكتب جديد لم يدخل فيه الفرنسيون تحت إشراف الحكومة السورية واللبنانية، وبذلك عاد الخبز حرا طليقا في سوريا ولبنان لأول مرة.

أما ما ادعاه المسيو بيو من توزيع 300غرام من الخبز يوميا في المدن وسبعة كيلوغامات من القمح كل شهر في البوادي، فهذا كذب وزور ولا سيما بالنسبة للقبائل، حيث أن كثيرا منها لم يوزع عليه شيء إلا في وقت متأخر جدا، أي منذ نحو شهر لا أقل ولا أكثر، مثل قبائل اولاد الناصر، اولاد الطالبي، ومرابطي الحجوي، وغيرهم فهؤلاء إنما وزعت عليهم كمية من القمح لأول مرة في أواخر نونبر الماضي، ولم توزع عليهم سبعة كيلوات في الشهر كما ادعى المقيم العام في تصريحه، وإنما وزعت عليهم خمسة كيلوات لا غير، على يد القبطان بيريطو والقايد لحسن بن محمد وافقير.

يضاف لذلك أن هذا القدر البسيط من القمح الذي التزمت الإدارة الفرنسية نظريا بتوزيعه في القبائل يوزع بشكل فوضوي يزيد من خطورة الحالة بدلا من أن يخففها، حيث أن كثيرا من المراقبات والنواحي لا يوجد فيها إحصاء رسمي للسكان، وهؤلاء السكان لا توجد بيد واحد منهم ورقة التموين، فتبنى عملية التوزيع على أساس مخطئ هو في أكثر الأحيان ضد منفعة السكان لا في صالحهم، إذ يبقى كثير منهم ضائعا جائعا دون أن ينوبه شيء، والتوزيع نفسه تبعا لذلك، يجري لصورة فوضوية تؤدي لكثير من الاختلاس والاستغلال، فالمراقبة تدفع القدر المعين للتوزيع إلى القائد، والقائد يأخذ منه ما يشاء وبدون حساب حتى يكتفي ويدفع الباقي للأشياخ، وهؤلاء يأخذون منه ما يريدون ويدفعون الباقي للمقدمين وهؤلاء بدورهم يقومون بنفس عملية الطرح المتفق عليها من الجميع، فلا يصل إلى السكان البائسين إلا أقل قسط من ذلك القدر الشهري المعين.

ومعنى ذلك أن البدوي المغربي لا يصله في الشهر حتى نصف ما خصصت له الإدارة من الأرقام الخيالية.

ثم إن عباقرة الإدارة الفرنسيين اخترعوا اختراعا جديدا في تموين القبائل، فأخذوا يؤخرون واجبها الشهري عن موعده ثلاثة أيام وهكذا بالتدريج، ومرور المدة جعلتهم يختصرون شهور السنة في إحدى عشر شهرا بدل اثني عشر، وأصبح التوزيع يجري إحدى عشر مرة في السنة لا غير، ومعنى ذلك أن البدوي المغربي ينوبه في السنة كلها من القمح مقدار خمسة وخمسون كلغ لا غير.

فماذا يفيد هذا القدر القليل من القمح طيلة سنة كاملة وهو القوت الوحيد لأكثر من تسعين في المائة من سكان المغرب باعتراف المسيو بيو نفسه الذي يقول: (إن الفلاحين ليست لديهم أغذية إضافية تحت يدهم زيادة على ما يدفع لهم، وأن غذاءهم أقل بكثير مما يجب أن يتناولوه).

أليست هذه سياسة متعمدة متفق عليها لإبادة الشعب المغربي والقضاء عليه؟

أليست هذه جريمة كبرى ترتكبها فرنسا؟

فلماذا يتعمد تشويه الحقيقة مقيمها العام، ويقول أن تموين القبائل الشهري يجري على أساس 7 كيلو من القمح للفرد الواحد؟

أما ما أشار إليه المسيو بيو من (إمكان تغذية القبائل دون حاجة إلى أن تغادر أماكنها بدافع الجوع نحو المدن الكبرى) فهو واضح المغزى بين الهدف، ولا حاجة بنا أن نقول: إن الإدارة الفرنسية تبذل كل جهودها لعزل البادية المغربية عن المدن، ولتطويق البوادي القبائل بسدود فولاذية حتى لا يتسرب منها ملايين الجياع العراة فيراهم الملاحظون الأجانب ويشاهدوا عمل الحماية الفرنسية التي تطبق عليهم بدون شفقة ولا رحمة سياسة المعتقلات النازية المتوحشة، دون أن ينتقدها منتقد، من تلك الهيآت الكثيرة، التي طالما تبجحت بالدفاع عن الإنسانية والتحمس لقضايا البائسين والمظلومين.

وإننا نعرف أنه يموت يوما في البادية المغربية بالجوع والعري والسل والتيفوس عشرات النفوس دون أدنى مبالغة ولا إغراق، وفرنسا هي التي تعد لهم هذا المصير المفجع إعدادا مقصودا حتى تستريح من مطالبهم اليومية الثقيلة..

ولتكميل قائمة التموين المخصص للبوادي المغربية نسجل هنا زيادة على ما اعترف به المسيو بيو، أن الإدارة الفرنسية تخصص شهريا لسكان القبائل والمدن التي ليس بها بلديات 400 اكرام من السكر ومائة اكرام من الزيت وخمسين اكراما من الصابون هذا هو كل ما ينوب الفرد الواحد خلال ثلاثين يوما كاملة.

فقل لله أيها القارئ ماذا تستطيع أن تزيل من الأوساخ خمسون كراما من الصابون طيلة شهر كامل؟ وماذا تستطيع أن تؤثر مائة اكرام من الزيت على غذاء الفرد خلال ثلاثين يوما؟ أليست هذه أبسط طريقة لجلب الأوبئة وأعداد الطواعين لوأد الأمة المغربية في قبر الجوع والفناء والانقراض؟

ثم أليس من السخف أن يقول المسيو بيو زورا وبهتانا (أنه استمع إلى كثير من المغاربة يقولون: لولا فرنسا لمات الشعب المغربي كله جوعا)؟

فماذا عند فرنسا حتى تعطي المغرب ما يسد به جوعه وهي التي نهبته ثم تمن عليه أن أعطته القمح الوارد من كندا وأمريكا هدية للجوعى من سكانها؟

ولكنها فرنسا الأنانية والرياء والخداع، والشؤم الدائم.

فأنقذنا اللهم من حمايتها ووساطتها إنك على كل شيء قدير.

يتبع..

آخر اﻷخبار
1 comments

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M