فرنسا والإسلام: وجهة نظر مغايرة

15 أكتوبر 2020 13:54
السيرة النبوية على ضوء شرطنا التاريخي.. قراءة في كتاب “متطوع مكة”

هوية بريس – محمد زاوي

 لا يمكننا تصور موقف فرنسا من “الإسلام” تصورا سليما، دون تصور مصالح الرأسمال الفرنسي في الشرط التاريخي الحالي. وكذلك كان الأمر في شرط الاستعمار العسكري، حيث كانت فرنسا تعادي “إسلاما” بعينه، هو ذلك “الإسلام” الذي كان يحول بينها وبين نهب خامات المستعمرات وفائض قيمتها. لقد كانت على النقيض من: الجوامع التي تخرّج المقاومين، الفقهاء مؤسسي الحركة الوطنية والمنتمين إليها، الأمازيغ المتشبثين بدينهم ولغتهم العربية، “الإسلام” الذي يحرّض المغاربة على مواجهة الاستعمار… إلخ.

وكما استهدفت فرنسا الجوامع والفقهاء وتدين الأمازيغ والمغاربة جميعا، فقد وجدت نفسها مستهدَفة من قِبلهم أيضا. فخلف استهداف فرنسا للدين، كان الرأسمال الفرنسي. وخلف تشبث المغاربة وفقهائهم بالدين المقاوِم، كانت البورجوازية المغربية الصاعدة والعمال والفلاحون… إلخ. فتحت كل خطاب ديني، توجد مصلحة، بغض النظر عن وعي أصحاب هذا الخطاب بتلك المصلحة من عدمه. هذا ما يجهله كثيرون، فتراهم حبيسي إيديولوجيات الحاضر، كما كانوا حبيسي إيديولوجيات الماضي. ينظرون إلى فرنسا كدولة لا تتحول في زمن العالم، وإلى موقفها من الإسلام كموقف ثابت أيضا. والحقيقة أنّ:

– فرنسا الاستعمار العسكري: كانت على النقيض من “إسلام” الحركة الوطنية، كما أنها لم تكن تجد حرجا في “إسلام” عبد الحي الكتاني وغيره ممّن وضعوا أيديهم في أيدي المستعمِر الفرنسي.

– فرنسا الاستعمار الجديد: هي اليوم، على النقيض من “إسلامَين”: “إسلام” رسمي مغربي، و”إسلام” عولمي وفوضوي أمريكي. إلا أنها على العكس من ذلك، لا تجد أدنى حرج في “إسلام” فرنسي يشرف على وضعه كبار خبرائها ومفكريها وقساوستها.

******

إن الشغل الشاغل للرأسمال الفرنسي اليوم، هو أن يحافظ على قلاعه القديمة. ومن خلالها، على مصالحه في كل من: دول المغرب العربي، إفريقيا السوداء، لبنان… إلخ. ومما يزيد من مخاوف هذا الرأسمال، هو أنه:

– أصبح مستهدفا في تلك القلاع من قِبل رأسمال آخر، هو الرأسمال الأمريكي (الرأسمال العسكري خصوصا).

إن الخطاب الديني للكثير من الجماعات الإرهابية المتواجدة في بعض الدول الإفريقية، ليس إلا قناعا لمصالح الرأسمال الأمريكي في تلك الدول. وقد دلت القرائن العديدة على دعم “المجمع الصناعي العسكري الأمريكي” للجماعات الإرهابية الإفريقية، عبر وساطات (قطرية) أو تسويات (مع تركيا).

– وجد نفسه أمام منافس جديد وواعد، يعيد الارتباط بتاريخه الإمبراطوري والتوسعي في إفريقيا السوداء، وهذا هو الرأسمال المغربي.

إن فرنسا لا تنظر إلى النشاط الديني للمغرب، في إفريقيا السوداء، نظرة من يحسن الظنّ بمستعمَرة قديمة. بل إنها تنظر إليه كمنافس لها، في أرض كانت لها وحدها. أضف إلى ذلك أنّ المغرب، بالنسبة إليها، مختلف عن باقي المنافسين. فالدولة المغربية: ذات رأسمال وطني ينافس الرأسمال الفرنسي في المغرب وخارجه، ذات شرعية تاريخية في إفريقيا، تضرب بجذورها عميقا في الجغرافيا الإفريقية، قادرة على تصدير الرأسمالين المادي والمعنوي إلى غيرها… إلخ.

******

لا بدّ من استحضار كل ما ذكر أعلاه، ولا بد أن نستحضر معه المعطى الأكثر خطورة بالنسبة لفرنسا، وهو المتجلي في:

– تزايد عدد المسلمين في أوروبا، مهدّد للرأسمالية بصفة عامة، وللرأسمالية الفرنسية بصفة خاصة. ف”استراتيجية الإسلام” (دين الفطرة) تحمل معها: تحريما للاستهلاك الفاحش، تكثيرا للأفواه، تحريما للاستعمار ونهب خامات البلدان الإفريقية… إلخ. وكل هذا يعني نهاية الرأسمالية الفرنسية، وحسم عروقها بلا شك.

– تهديد “الإسلام” العولمي والفوضوي الأمريكي لمصالح الدولة الفرنسية في داخلها (كما يهددها في خارجها)، فهو بمثابة ورقة ضغط يتم إعدادها، لا في فرنسا وحدها، ولكن في كل دول الاتحاد الأوروبي (خاصة: فرنسا، بريطانيا، ألمانيا). وكما تسعى كل دولة إلى تحصين سيادتها من أي اختراق، وخاصة إذا كان أمريكيا (الطرف الرجعي في الداخل الأمريكي)، فإن فرنسا لم تكن لتشذّ عن ذلك، وهي من هي في اعتدادها بتاريخها وخصوصيتها واستقلالها.

******

هل بإمكان فرنسا تصفية “الإسلام” على أراضها، بمنع محاضنه ومساجده ومظاهره كلها؟

إنها غير قادرة على ذلك، لعدة أسباب، لعل أبرزها:

– المسلمون يشكلون كتلة كبيرة في فرنسا، وبخسارتهم ستخسر فرنسا كتلة لا يستهان بها من منتجي فائض القيمة (=العمال) في المزارع والمصانع والبنوك… إلخ.

– وهم أيضا يشكلون كتلة ناخبة لا يستهان بها، ولا يستطيع أي مرشح للرئاسيات الفرنسية التضحية بها، إلا بغرض الحصول على دعم كتلة أخرى أكبر منها (كاليمينيين الفرنسيين).

– استهداف فرنسا “للإسلام” بشكل مباشر، سيستعدي عليها المسلمين أكثر من ذي قبل، كما سيجعلها محطّ هجوم من قِبل إعلام “المجمع الصناعي العسكري الأمريكي” والمؤسسات الحقوقية التي اختطفها من كافة دول العالم.

… إلخ.

******

وهكذا، فقد اختارت فرنسا وضع “إسلام فرنسي” على مقاس مصالح رأسمالها، تفرضه في داخلها، وتقدّمه كنموذج في قلاعها القديمة، عوض أن تهاجم الإسلام وتعلن عليه الحرب. إنها فضلّت “التأويل” على “التصفية والمنع”، فكان ما شهدناه من تحركات وخطاب فرنسي جديد، بخصوص الموقف من “الإسلام”، في فرنسا وخارجها.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M