“فرنسة التعليم” ليست سوى معركة جديدة للـ”الطُّلبة” عند الفرانكفونيين؟!

10 أغسطس 2019 16:42
"فرنسة التعليم" ليست سوى معركة جديدة للـ"الطُّلبة" عند الفرانكفونيين؟!

هوية بريس – ذ. إدريس كرم

اعتبر موليم لعروسي في مقال له نُشر في مجلة “زمان” ع:105-106 (غشت-شتنبر 2019)، تحت عنوان “la revanche des tolbas”، أن مناهضة قانون فرنسة التعليم، أتاحت الفرصة لعودة الطُّلبة للمشهد العام قصد الانتقام من الاستعمار والمستعمرين باعتبار ذلك معركة حياة أو موت بالنسبة لهم، بعدما هُزموا أكثر من مرة وصاروا على هامش التاريخ.
فكيف عاد هؤلاء الطلبة إلى المشهد العام لمناهضة قانون “فرنسة التعليم”، وهم الذين قال عنهم: ليسوا سوى مرددين للكتاب المقدس وبعض شروحه، والذين تم إقصاؤهم من الحياة الاجتماعية بفضل المدرسة الحديثة التي سلحت خريجيها باللغات الأجنبية المتمثلة في لغة وحيدة هي الفرنسية؟
لقد بيّن الكاتب أن هؤلاء الطلبة الذين لا يفقهون شيئا في إدارة الناس والمجتمع لأنهم مجرد حفاظ بيولوجيين لا يحتاجون لتطبيق ما يحفظونه لفهم أو تفكير، وليعطي الدليل على دونيتهم وتأخرهم وعمالتهم عرج في تعريف الطالب على الفهم الدارج الذي يصف الطالب بأنه حافظ القرآن الكريم المنتسب للقرويين أو الزيتونة أو الأزهر.
وبعد عودة الحروب الدينية التي جاءت بعد الثورة الإيرانية اتخذ مفهوم “الطلبة” أهمية دولية بفضل تلاميذ المدارس القرآنية الأفغانية والباكستانية، حيث اكتشف العالم الغربي هذا المصطلح تحت اسم “طالبان” وهو يعني مصطلح الطُلبة بالمغرب، مضيفا أن الذي نفض عن طالبان الغبار هي مصلحة سرية باكستانية بالتعاون مع “CIA” لاستخدامها ضد الاحتلال السوفياتي.
وهكذا يظهر أن الباحث المشهود له بالتمكن يقدم فدلكة تدليسية مشوشة على فئة مجتمعية لم يقو في تطوافه التاريخي والجغرافي على النيل من وطنيتها وانتمائها للمغرب ونضالات أبنائه ضد الاستعمار والعملاء عبر التحقيب الذي أراده قبل الاحتلال وأثناء الاحتلال والآن.
الغريب في الأمر أنه وهو الباحث المتمكن جعل المناهضين للفرنسة هم الطلبة الذين ذهبوا للبادية وحفظوا القرآن الكريم وشروحه، ثم عادوا للمدن وحولوا مجتمعها في العمق على مستوى القوانين والمواقف والملابس نحو ما ينادون به، مع أنهم لا يزيدون حسب زعمه عن مرددين للشرع بدون تفكير ولا روية، وكأن الناس بلا تفكير ولا يعرفون مصالحهم، مع أن نجوم الغناء والسينما والفنون تتربع على أفكار هؤلاء الناس، مستفيدين من وسائط الاتصال المختلفة التي حرم منها الطلبة بعدما وضعوا على هامش التاريخ.
لكن المدهش في التحليل أن الباحث يقول بأن الطلبة عادوا للعمل السياسي بالرغم من أنه لا قاعدة توفيقية وعملية لديهم، فهم وعاظ وسيبقون كذلك، دون معرفة بالحياة المعاصرة، لذلك باؤوا بالخسران، وهم في عودتهم الأخيرة لإدارة معركة التعليم باللغات الأجنبية الممثلة في الفرنسية معتبرينها معركة حياة أو موت مستحضرين مجددا الاستعمار والمستعمرين سيبوؤون بالخسران مجددا على نفس القاعدة التي زعم.
فهل كان من الضروري للدفاع عن “فرنسة التعليم”، أن يقوم باحث متمرس بهذا التلبيس على القارئ، فيلوح بالثورة الإيرانية، ويتحدث عن الحروب الدينية، وعمالة طالبان للمخابرات الأمريكية، والتذكير بتصدر خريجي المدارس العصرية للمجتمع وقيادته وإقصاء الطلبة.. وغيرها من الإيحات التخويفية والتغويلية والتقديحية والظهور بمظهر المطلع على النوايا والمقاصد من الدفاع عن الهوية الوطنية وفضح المخطط الاستعماري في العودة للهيمنة مجددا على المغرب من باب اللغة الفرنسية التي لم تغادره منذ أن دخلت والتي لم يفلح عبيدها في توطينها بدل استعمالها فقط؟!
ولمن يوجه كل هذا التهديد والوعيد؟ ولصالح من هذا الاستعداء؟
ولمن أراد الاطلاع على النص المتحدث عنه والمعنون بـ: “انتقام الطلبة” (موليم لعروسي؛ المستشار العلمي لزمان)، نقدمه فيما يلي:
الطلبة جمع طالب وتعني في العربية الكلاسيكية etudiant متعلم، لكن في اللسان الدارج تعني الشخص الذي قضى جزء من حياته في حفظ القرآن ليردده في المناسبات البهيجة كالأعراس والتدشينات أو الختان أو المناسبات الحزينة بالموت والمرض.
لا يطلب منه فهم الكتاب المقدس ولا شرحه، نفس المفهوم يطبق دائما على متعلمي الجامعات الدينية كالقرويين بفاس، الزيتونة بتونس والأزهر بالقاهرة.
لكن بعد عودة الحروب الدينية التي تبعت الثورة الإيرانية اتخذ هذا المفهوم شأنا دوليا بفضل تلاميذ المدارس القرآنية الأفغانية والباكستانية، فاكتشف العالم الغربي هذا المصطلح تحت مسمى طالبان، وهو يعني الطلبة بالمغرب.
طالبان أفغانستان نفض عنهم الغبار من قبل مصلحة سرية باكستانية بالتعاون مع CIA لاستخدامهم ضد الاحتلال السوفياتي.
طالبان كما يعرف الجميع استبعدوا بمجيء المدرسة العصرية، بعدما أنتجوا منطقا نتيجة الاختراق الاستعماري لبلادنا فوضعوا على هامش التاريخ وصاروا لا يريدون قتالا ولا توقيف كوارث ولا إرواء غليل معرفي فزهد فيهم الناس، لأن الفن والسينما والأغاني التي استخدمت الراديو والتلفزيون كوسائط جعلت نجومها يتربعون على عرش السلطة، فرأى الطالب أنه أبعد عن الحياة فعاد للسياسة، عاد ليعمل السياسة لكن السياسة التي لا تفيد ولا تكفي لأنها بلا قاعدة توفيقية وعملية تمكنها من الاستقرار في عادات الناس.
قبل الغزو الأجنبي الطالب كان بإمكانه بسهولة القيام بتحركات تبوؤه لها المدرسة في المدينة والقرية والدوار، وإذا ما خُصَّ بذاكرة بيولوجية قوية فإنها تضمن له الدخول لجامعة تقليدية ليكون ضمن مجموعة لاهوتية في بلده مرددا للكتاب المقدس وعدد من الشروح والتعليقات، فيصبح بذلك عالما، هؤلاء العلماء لا يقومون إلا باتباع تطبيقات الشرع، ومراقبة تقليدية لها، لذلك لا يحتاجون لكبير ذكاء أو كثير تفكير.
طبيعي أن يحتفظوا بعداء جيني للاختراق الاستعماري بالرغم من المسائل السلبية على عموم المجتمع، هذا الاختراق فكك البنيات التقليدية للمجتمع، الطلبة أدوا الثمن غاليا، جاءتهم الفرصة مع الحركة الوطنية للانتقام لكنهم قهروا مرة أخرى من قبل أشخاص تعلموا اللغات الأجنبية وعرفوا كلا أو بعضا دواليب سير العالم.
الطلبة اختاروا العودة للبداية من الصفر، ذهبوا إلى البادية وفي القرى هيأوا قوتهم قبل العودة بكثافة للاستثمار في المدينة، فحولوا المجتمع من العمق، القوانين المواقف الملابس، الكل أرجع للوراء، فقضوا على جوانب الحداثة التي تعني بالنسبة لهم الاستعمار، لكن بقوا وعاظا بدون معرفة بإدارة الحياة المعاصرة، فباؤوا بالخسران مرة أخرى؛ اليوم استأنفوا المعركة عبر اللغة، بالنسبة لهم يتحدون عن تعليم العلوم بلغة أجنبية، يقصد الفرنسية، معركة حياة أو موت بقيادة إيديولوجيتهم، مستحضرين مجددا الاستعمار والمعمرين”.

آخر اﻷخبار
1 comments

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M