في زمن كورونا أقول: شكرا أستاذي

25 أبريل 2020 18:23

هوية بريس – حسن المرابطي

اِعلم حفظك الله، أن تقديم  الشكر لمن علمنا واجب أخلاقي، في كل وقت وحين، لأن “من لا يشكر الناس لا يشكر الله” كما جاء في الحديث الشريف، لكن بعض الأحيان، يكون فعل الشكر أمرا لا يقبل التأجيل أو الكتمان، بل وجب الجهر به، حتى يعلم القاصي والداني بدور المعلم ومكون الأجيال.

إن زمن كورونا أظهر دور المعلم وقيمته، حيث نتلمسه في كل النتائج الإيجابية التي يتحصل عليها بلادنا، كيف لا وهو الذي علم الطبيب والممرض ورجل الأمن والمهندس والفنان والصحفي واللائحة طويلة ولن يكفي المقام لذكر كل أصناف التلاميذ. بيد أن المعلم الذي لم ينل المقام في سياسة البلاد، جعل منه ذلك الموظف البسيط، حتى أصبح كل تلامذته يحضون بدرجات تفوق درجته، وإنما وُجد بينهم من تنكر لفضله  في الوصول وتحقيق هدفه. لكن هيهات أن يدرك مقام المعلم من يحمل في قلبه ذرة كبر على من علمه، لا أقصد من يُظهر ذلك للعيان، بل قصدي كل من يُظهر التواضع وفي قلبه الكبر.

وعليه، نعتذر للقارئ الكريم هذه المرة، ونطلب الإذن منه حتى نتشارك جميعا بعض من الذكريات التي جعلتنا نتأمل تضحيات رجل التعليم، ونقدم له الشكر علانية، بينما كان يقدم لنا ما به اليوم نرى العالم وندرك بعض خفاياه. ومما لا شك فيه، أن كل واحد منا قرأ عن أعمال بطولية على المواقع الاجتماعية، وغالبا ما تحكي عن بطولات عفى عنها الزمن، إن لم نقل انتهى دورها بانتهاء البطل، لكن رجل التعليم بطل لا كالأبطال، ونحن نحكي عنه في الأيام العادية، فكيف إن عايشنا أعماله البطولية في ظروف خاصة، وبالأخص في ظروف الزلزال، كما حدثنا معنا في سنة 2004 بمدينة إمزورن.

إن زمن كورونا أعاد لي الذكريات وانتقل بي إلى زمن الزلزال، وأنا أتابع دراستي بثانوية إمزورن مستوى ثانية باكالوريا، أي السنة الحاسمة في مسار كل تلميذ. لقد أحدث لنا الزلزال صدمة نفسية قوية، مهما حاولت الوصف لن تسعفني الكلمات. وما يجعل اللغة تعجز أكثر عن الوصف، هو حال ذلك الأستاذ، الذي سارع إلى استكمال دروسه والبحث عن تلامذته وتقديم الدعم النفسي والمعنوي، لتجاوز الأزمة مع بث الأمل والأخذ بالعزم قل نظيره، وبإمكانيات جد محدودة وبسيطة، لكن قوته وحبه لأبنائه التلاميذ جعل منه بطلا حقيقيا، لا يضاهيه قوة أبطال السينما والرياضة، ذلك أن مشاهد الدمار والخراب في كل مكان، في بناية الثانوية، في الطريق إلى الثانوية، بل أشد المناطق تضررا بالزلزال هو  حي مؤسستنا، وتصوروا معي كيف هي الأجواء، وعشرات المنازل في خطر ومحاطة بسياج مهددة بالوقوع في كل لحظة، ومنها ما انهار اليوم الأول، فضلا عن هزات ارتدادية لا تتوقف، حتى صارت جزءا من حياتنا، ترافقنا خلال الدرس والنوم والأكل والشرب، وهكذا كان.

في هذه الظروف التي مرت بنا، استطعنا بحمد الله تجاوز الأزمة وحصلنا على الشواهد بمعدلات معجزة، ولم يتمكن من ذلك إلا من عاش ظروفا قاسية جدا لم يتمكن من تجاوزها بسهولة. وكل هذا الفضل بعد الله سبحانه وتعالى، يعود لرجل التعليم الذي قدم مصلحتنا عن أي شيء آخر، بل أحسسنا منه قوة إيمانية لم يشهدها في الأيام العادية، حتى صار التعليم في الخيام أمرا مسليا عكس ما كنا اعتقدنا في البداية. ليس من السهل تجاوز آثار الزلزال، لكن من المستحيل نسيان الأعمال البطولية التي قام بها الأستاذ، وهو الذي يشارك كل الناس الظروف القاسية، بل تجده كغيره من السكان استبدل بيته بخيمة صغيرة، بعدما أصبح البيت مكان الخوف وشبحا يصعب الاقتراب منه، سيما بعد اسدال الظلام، رغم كل هذا تجده يبدع في تقديم الدرس واستيعاب بعض التصرفات غير الارادية بسبب الأزمة النفسية نتيجة الزلزال.

وفي الختام، أقول: إن أزمة كورونا مهما بلغت من التأثير في نفسية الأستاذ أو التلميذ، يصعب مقارنتها بظروف الزلزال، ويكفي أن المنزل الذي يؤوينا اليوم خوفا من كورونا، كان شبحا يصعب الاقتراب منه، فضلا عن الدخول إليه والنوم فيه. لذا، إن الأزمة مهما طالت يحل الفرج إن شاء الله.

أما أساتذتي، أقول لهم: شكرا وألف شكر، ولن أنسى فضلكم، واعذرونا إن غفلنا يوما عن ذكركم علنا، لأن قلوبنا لم تنساكم ولن تنساكم أبدا.

إهداء لكل هؤلاء: أكراد، المحدالي، العزيزي، أمينة، الصديقي، الأحمدي، الفاضلي، أعروص، توفيق، لكل أستاذ لم تسعفنا الذاكرة ذكر اسمه.

اللهم احفظ كل من علمنا واجعل أعماله في ميزان حسناته يوم القيامة يا رب العالمين.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M