قتل السَّائحتين: بين الداعشية والإسلام

25 ديسمبر 2018 23:51
قتل السَّائحتين: بين الداعشية والإسلام

هوية بريس – محمد أمين خُلال

استيقظت ساكنة إمليل بنواحي مراكش-المغرب بداية الأسبوع الماضي على وقع جريمة نكراء بشعة، راح ضحيتها سائحتان في عمر الزهور كانتا في نزهة بضواحي المنطقة.. لِيَتمَّ بعد ذلك ترويج شريط مصوَّرٍ يقوم فيه بعض الأشخاص بذبح فتاةٍ على طريقة عيد الأضحى وفصل رأسها عن جسدها، مع ترديد بعض العبارات من قبيل “هذا ثأر لإخواننا في هجين“.. “هذه رؤوسكم يا أعداء الله“.. والواضح أن هذه الذبيحة قد تمت بعد الاغتصاب كما تفيد المعطيات الأولية..

جذور البلاء
قبل أن نستعرض حكم الإسلام المعروف في هذه المسألة، أريد أن أرجع بكم قليلاً إلى زمن الصحابة رضوان الله عليهم، بالضبط سأحكي لكم قصة مختصرة عن صحابي جليل اسمه عبد الله بن خباب، هذا الرجل وقع ذاتَ يومٍ في أيدي مجموعة من الرجال، فأخذوه وسألوه بِضع أسئلةٍ في الدين.. ثم قاموا بذبحه، وانطلقوا بعده إلى زوجته يريدون قتلها، فقالت لهم إني حامل، ألا تتقون الله، فقالوا: “نريد أن نعرف هذا الذي في بطنك أهو ذكر أم أنثى”، فشقوا بطنها واستخرجوا منه الحميل..
هل تعلمون ما هو العجيب في هذا الأمر كله؟
أن هؤلاء الرِّجال عندما كانوا يقتادون عبد الله بن خباب ليقتلوه، سقطت ثمرة من نخلة، فأخذها أحدهم ووضعهاَ في فمه، فقال له صاحبه: “ويحك، أتأخذ ما لا يحل لك بغير إذنٍ من صاحبها ولا ثمن؟”، فألقاها من فمه.
هل تعلم من هؤلاء الذين أمرُّوا السكين على عنق هذا الصحابي، وبقَروا بطن امرأته الحامل، ومع ذلك تورعوا عن أكل ثمرة بغير إذن صاحبها؟ إنهم الخوارج يا سادة، جذور البلاء في الأمة الإسلامية وأصول الفِتن والدعشنة.
ووالله إن هذه الطائفة لاتزال تعيش بيننا بأساتذتها وشيوخها وطلاَّبها، يقرؤون القرآن يحسبونه لهم وهو عليهم، يأخذون آيات القتال وينزلونها في غير محلها، يحفظون النصوص ويرددون العبارات والشعارات دون وعي أو فهم، يقتلون ويسفكون ويفسدون في الأرض بغير حق، ويحسبون أنهم يحسنون صنعاً، العجيب أنهم يُصلُّون ويصومون.. ويتورَّعون عن أكل ثمرة بغير إذن صاحبها، ولكنهم لا يتورعون عن ذبح نفس بغير حلٍّ من خالقها، إنهم الدواعش يا سادة.

ما قول الإسلام في مثل هذا؟
قال الله تعالى في سورة الإسراء: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ}.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري: (من قتل نفسا معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما).
وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو داود واستحسنه السخاوي: (ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفسه فأنا خصمه يوم القيامة).
تخيل أن النبي صلى الله عليه وسلم يتبرأ منك يوم القيامة لمجرد أنك تظلم ذميا بغير حق، فكيف بك تنحره نحر الجزور دون حق؟ فصراحة لا أعرف من أين جاء هؤلاء الذين يقتلون باسم الدين بدينهم، خصوصا وأن المرأةَ لا تُقتل أصلاً في الإسلام حتى ولو كانت مُحارِبة، لقوله عليه السلام من اللفظ الذي أورده البيهقي: (ولا تقتلوا وليدًا طِفلًا، ولا امرأةً، ولا شيخًا كبيرًا).
لقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الولدان والشيوخ والنساء في الحرب، في الحرب يا قوم.. فكيف بهؤلاء الذين قتلوا هاتين السائحتين المُسالمتين المُعاهَدتين !؟
إن الإسلام بريء من هذه الأفعال، ومن هذه الطوائف الداعشية براءة ابن آوى من دم ابن يعقوب.

هل نلوم الإسلام؟
ما إن سقطت أول قطرة من دم السائحتين على الأرض حتى جُنَّ جنون المتربصين بالإسلام، الذين ينتظرون فرصة كهذه بصبر أيوب كي يوجهوا سكاكينهم نحو التراث وآيات الجهاد والقتال، ونحن لا ننكر آيات القتال في الإسلام ولا نعطلها، ولكن يجب تنزيلها منزلَها ووضعها في سياقاتها.
أما ما يقوم به هؤلاء المرضى والمجرمون حتى لو اتَّخذ طابعاً تأويليا للدين فيجب عزله عنه.
قبل عدة سنوات فقط قام سائح إسباني “دانيال كالفان” باغتصاب عدة أطفال عندنا بالمغرب، ومع ذلك لم يقم أحد باتهام خلفية دانيال كالفان العقدية. عندما يرتكب مسيحي جريمة فلا أحد يتهم المسيحية، عندما يرتكب علماني جريمة فلا أحد يتهم العلمانية، لا أحد يتهم الإلحاد أو الشيوعية أو اليهودية.. ولكن الإسلام كل الطرق تؤدي إليه.
قد يقول قائل أن أولئك النصارى واليهود لا يقتلون باسم الدين، فنقول له كلا، ابحث مثلاً عن جمعية كو كلوكس كلان-Ku Klux Klan المسيحية بالغرب الأمريكي، التي تقوم بأبشع الجرائم قتلاً وتعذيباً وحرقاً على الصليب باسم الدين، ومع ذلك فلا أحد يتهم النصرانية بما تقوم به جماعة KKK.

الكيل بمكيالين
نحن تماما ضد هذه الجريمة القذرة الحقيرة أيا كان الفاعل والمفعول به، ولكن في نفس الوقت نعجب لأمر هذا النفاق الاجتماعي والإعلامي المحلي والدولي، فمثيلات هذه الجرائم ليست بجديدة على ساحة الإنسانية، يحدث مثل هذا يوميا في فلسطين، في سوريا تغتصب فتيات لا زلن يلعبن بالدُّمى وتشق رؤوس أطفال فوق الأرجوحة، تسقَط القنابل والصواريخ فوق رؤوس الشيوخ والعجائز، بل عندنا في المغرب يحدث ما هو أبشع وأشنع..
لكن لأن المفعول بهما هذه المرة غربيتان، قامت الدنيا ولم تقعد، هل دماء الرجل الأشقر من مسك وزعفران، ودماؤنا من غسلين وحنظل وقطران؟

الخلاصة
الإسلام يستقبح هذه الجرائم النكراء ويستبشعها ويتبرأ منها، لكن لا يجب أن يلام الدين على هذه الجرائم، فإذا ارتكب مجرم مخالفة في الطريق، فإن المَلوم ليس هو مدونة السير، بل إنه المخالف للقانون نفسه، إما لأنه لم يأخذ بقواعد القانون أو أساء استعماله، أو لأنه لم يقرأ القانون أصلاً..

(المصدر: مركز يقين).

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M