قراءة في كتاب “في الحاجة إلى صحبة رجل”

08 مارس 2019 19:02
قراءة في كتاب "في الحاجة إلى صحبة رجل"
هوية بريس – مصطفى الحسناوي

لم يكن الأمر يستدعي كل ردود الفعل العنيفة والمتشنجة تلك، بدا لي كتاب: “في الحاجة إلى صحبة رجل”، لصاحبه محمد العربي أبو حزم، عاديا جدا، فلاهو يخرج عن أدبيات الجماعة، ولاهو يعارض الجماعة، ولا هو يغرد خارج سرب الجماعة، ولاهو شق عصا طاعة الجماعة….

بالعودة لفكرة الكتاب، يمكن أن أقول أنها تناقش فكرة داخلية للجماعة، بأدوات وأدبيات الجماعة لاتخرج عنها، وبالتالي فهو نقاش داخلي، لا أراه يرقى حتى لما يمكن تسميته خلافا أو اختلافا في وجهات النظر.

صاحب الكتاب عضو في جماعة العدل والإحسان، لم ينقلب أو يثر أو يخرج عليها أو يستقيل منها، وكتابه هذا حاول من خلاله تصحيح مسار الجماعة في نقطة رأى أنها حادت فيها عن توجيهات وقناعات مؤسسها.

النقطة موضوع الكتاب هي مبدأ “الصحبة”، والذي يعني ضرورة مصاحبة شيخ مربي والارتباط به، وهذا من الأسس والمبادئ الأساسية في العقل الصوفي، ناقشها الكاتب على امتداد ثمانية فصول، مؤصلا لها من أدبيات مؤسس الجماعة عبد السلام يس رحمه الله.

يطرح المؤلف مقاربتين لمبدأ “الصحبة”:
الأولى: إثبات الصحبة لعبد السلام يسن ثم لمن يخلفه رجلا بعد رجل.
الثانية: إثبات الصحبة لعبد السلام يسن وجعلها في الجماعة بعد موته.

هاتان المقاربتان محل نزاع بين المؤلف والجماعة التي اختارت المقاربة الثانية، فراح المؤلف يناقشها ويحاججها، مستدلا من كتب ورسائل ودروس وتوجيهات عبد السلام يسن، محاولا إبراز أن مدار حديثه عن الصحبة في كل خطاباته، يتمحور حول “صحبة رجل حي”.

ويبدو من خلال الاسترسال في فصول الكتاب، أن “الصحبة”، أنتجت أزمة داخلية، حول من يخلف الشيخ المربي والمرشد المؤسس، في مهمة التربية والصحبة والدلالة على الله، بين قائل أن الشيخ هو المربي حيا وميتا، وبين من يقول أن التنظيم ككل، سيقوم بهذا الدور، وبين من يقول بضرورة، مصاحبة رجل وليس جماعة، وأن يكون هذا الرجل حيا يمشي في الأسواق، وليس من خلال كتبه وتراثه.
هذا الجدل، أنتج مفاهيم تم نحتها من مصطلحي “الصحبة” و “الجماعة” ومنها:
“الصحبة والجماعة” و “الصحبة في الجماعة” و “الصحبة الجماعية” و الصحبة الأصلية” و “الصحبة الطارئة” و “صحبة رجل حي” و “ذوبان الصحبة في الجماعة” و “انتقال وظائف الصحبة إلى الجماعة” و “وانبثاق سر الصحبة في الجماعة”. كانت محط تأصيل وتفسير وتأويل وتجاذب.

وتم استدعاء مرحلة النبوة، التي صاحب فيها الصحابة نبيهم، ومرحلة الخلافة التي تأسست فيها خلافة راشدة، تقوم بالأدوار التربوية من موقع المسؤولية، وإسقاط ذلك على واقع غابت فيه النبوة وغابت فيه الدولة التي تقوم بتلك الأدوار، وهل سيناط واجب التربية/الصحبة، بأشخاص أم بجماعات؟ فيذهب صاحب الكتاب إلى أن الصحبة لاتكون إلا عن طريق رجل، يربيك ويرشدك ويربطك بالجماعة، مستدلا بكلام كثير من أقطاب التصوف، ومن أدبيات عبد السلام نفسه، في حين يعتبر مخالفوه، أن المرشد جدد في هذا المفهوم، وأنه من خلال عمله وحركته على مدى أربعين سنة، أرسى مفهوما جديدا للصحبة من خلال جماعته التي أسسها ومشروعه الذي أبدعه، وبالتالي لاصحبة إلا في الجماعة ولاصحبة إلا الصحبة الجماعية، وأن صحبة رجل حي انتهت بموت المؤسس المرشد.

يظهر من هذا كله، ومن خلال عنوان الكتاب، أن الأمر يتعلق بالجانب التربوي والسلوكي داخل الجماعة، أو الجانب الإحساني كما تحب الجماعة تسميته، لكن في آخر الكتاب، كانت هناك إشارات أن الأمر يتجاوز ماهو إحساني إلى ماهو تنظيمي، حين طرح الكاتب مبدأ الصحبة في مقابل التنظيم، وأيضا حين ذكر بوصية مؤسس الجماعة بضرورة توسيع الاستخارة وتوسيع الاستشارة، ولام التنظيم وانتقده لأنه ضيق مجلس الشورى، محذرا من ابتعاد الجماعة عن مرجعيتها النبوية، واستحالتها إلى تنظيم صارم، بنهج ستاليني (قيادة جماعية كما فعل ستالين، انتهت بتصفيات جسدية)، ينتهي إلى تصفية معنوية والتهميش التدريجي لباقي طاقات الجماعة، فيظهر كأن هناك صراعا تنظيميا خفيا، أو على الأقل نقاشا، حول أدوار الجماعة ومهام القيادة وتوسيع دائرة اتخاذ القرار وتضييقها….
الحقيقة أن الكتاب طرح مواضيع داخلية خاصة جدا، ولم يكن كما صوره أو تصوره أنصاره الذين اعتبروه ثورة داخل الجماعة أو ثورة عليها، ولا كما صوره خصومه، الذين اعتبروه خروجا عن الجماعة، وتجاوزا لهيئاتها التقريرية وافتئاتا عليها.

الكتاب وصاحبه لايزال يدور في فلك الجماعة يمتح من أدبياتها ويدافع عن أطروحاتها، والخلاف أقرب لما يسميه الأصوليون بالخلاف اللفظي، أو مايعبر عنه الفقهاء بأنه خلاف في الفروع، بل هذا الخلاف هو خلاف في فروع الفروع، وجزئيات الجزئيات، التي لاتقدم ولاتؤخر ولاتؤثر.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M