قضية الصحراء في الحاجة إلى بعث الروح التي كانت تحرك الآباء

16 نوفمبر 2020 14:54

هوية بريس – إبراهيم الطالب

إن الدفاع عن الصحراء هو استمرار للدفاع ضد الحملات الإمبريالية، التي أورثتنا ملفاتٍ اضطررنا للتحاكم لحلها إلى الأمم التي كانت ولا تزال متحدة علينا من زمن معارك التوسعات الإمبريالية إلى اليوم، حيث بعد اعتمادها لمبدأ تصفية الاستعمار الملتبس، أغرتنا بأن الحل يكمن فقط في الرجوع إلى قراراتها وحكمها.

فكما لعبت بالأمس بالقانون الدولي وامتلكت الحق في فرض الحماية على دولنا، هي تلعب اليوم كذلك بمبدأ الحق في تقرير المصير، لتكرس النزاعات الحدودية وتطيل عمر الصراع، حتى تحول دون نهضة البلدان التي كانت تستعمرها.

دفعتنا حكومات الدول المنتصرة علينا، للانضمام إلى منظمتها الدولية، التي أنشأتها ليتسنى لها تدبير مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، فصارت نفس الدول مرة أخرى تملك التدخل في أخطر الملفات الوطنية في سائر البلدان الإسلامية، فصرنا نشكو منها لها، وصارت هي الخصم والحكم.

وإلا، فمن خلق مشكل الصحراء سوى فرنسا وإسبانيا وتواطئ معها كل دول الغرب؟؟

ومن يوعز إلى الدول التي لا تملك قرارتها السيادية في القارتين الأمريكية والإفريقية ليعترفوا بالكيان الوهمي المسمى “بوليساريو”؟؟

وكم نخسر سنويا على السيناتورات من أجل أن نحشد التأييد لملف الصحراء في ردهات اللوبيات، وعلى الوساطات من أجل الاعتراف بأحقيتنا في الأقاليم الصحراوية والدفاع عنا في أروقة المنظمات والمؤسسات في أمريكا؟

الغرب لا يهمه أن تكون الصحراء للمغرب أو لغيره، هو يبحث عمن يستفيد منه أكثر، وبالأخص لا يريد أن ينهي هذا الملف لصالح المغرب رغم علمه بالتاريخ والجغرافيا المغربية العظيمة المجد، والرفيعة الذكر، فالمغرب كان يحكم دولا شاسعة الأطراف ولم يكن حينها في الأمريكيتين سوى الهنود الحمر وحضارة “الأنكا” قبل إبادتهما من طرف “الكاو-بوي” القادم من بلاد الإنجليز والإسبان.

والأنكى هو أن المغرب هو أول المعترفين باستقلال أمريكا عن أربابها الإنجليز الذين أصبحوا فيما بعد ذنبا لها، وقد جسد هذا المشهد طوني بلير عندما اشتغل ذيلا لبوش “الصغير” في حرب العراق المجيد.

هم يطيلون نزاع الصحراء، رغم أنهم يعرفون أن الصحراء في مغربها والمغرب في صحرائه، وذلك حتى لا يتفرغ المغاربة لبناء نهضتهم فيحرزوا التقدم الاقتصادي والتكنولوجي والعلمي من خلال تدبير ثروات الصحراء، فالمقطوع به وفق الحسابات الاستراتيجية الغربية، هو أن تقدم المغرب يشكل تهديدا حقيقيا للأمن القومي الإسباني، ويجعل المغرب مؤهلا لفتح ملف سبتة ومليلية، وهم كذلك لا ينسون تاريخ المغرب في أوروبا، لهذا يلعب الاتحاد الأوربي هو أيضا بالملف، ويطيل أمده، فهو يعلم أنه عائق دون الانفكاك من قبضة الديون والارتهان للصناديق والأبناك الغربية، ويهمه اقتصاديا أن يبقى المغاربة فقراء محتاجين جياع حتى تلتحق كل سنة آلاف النسوة المغربيات الكريمات بحقول الفراولة، وتلتحق كذلك مئات العقول المهاجرة سنويا من الأطباء والمهندسين بمختبراته العلمية وجامعاته وشركاته.

والعجيب أن الثروات الطبيعية التي يحتجّ الاتحاد الأوربي وبعض الدول الغربية على المغرب في الاستفادة منها وتصديرها هي ذات الثروات التي بنت بها إسبانيا وفرنسا اقتصاديهما نهبا من مناجم المغرب خلال مرحلة الاحتلال، ولا يزالان وحلفاؤهم يستغلونها إلى اليوم بأبخس الأثمان، ليُصنِّعوها بالأيدي العاملة المغربية في بلدانهم، ثم يعيدونها إلى المغرب في شكل بضائع تعمق العجز في الميزان التجاري، وتؤبِّد الارتهان لصناديقهم ومؤسساتهم النقدية والمالية، كما تؤبِّد معه البطالة والتخلف والضعف في صفوف المغاربة الأماجد المساكين.

الأمر نفسه بالنسبة للصهاينة يهمهم جدا أن يبقى الملف مفتوحا حتى يبتزوا المغرب في قضية فلسطين، من أجل أن يقبل بالتطبيع ويتخلى عن القضية الفلسطينية، لينضم إلى جوقة الإمارات.

إن العالم كله يعلم أن السيادات الوطنية مستهدفة في ملفات النزاعات الحدودية التي افتعلتها دول الاحتلال حتى تبقى آلية في يدها للابتزاز وكسب الصفقات الكبرى وتمويلها عبر بنوكها، وضمان الاصطفاف في الملفات الخطيرة التي تعرض عليها في الدكان الدولي المسمى مجلس الأمن للتصويت.

ينبغي أن نعيد تخريج قضية الصحراء، فأغلب الأجيال التي ولدت بعد استرجاع وادي الذهب والساقية الحمراء، لا تعرف شيئا عن القضية، ولا تحس بالخطر، ولا تحس بأهمية الموضوع أصلا.

إنه من الحمق السياسي التعويل على الاحتفال بالمناسبات الوطنية، واستعمال خطباء المساجد بشكل سمج ممجوج في التحسيس بالقضية، مع الفقر المدقع على مستوى التناول الدرامي، والاكتفاء في الإعلام بالأغاني المهترئة التي تشيد بالمسيرة الخضراء، مع ضعف التقارير الإخبارية، والاقتصار في التعليم على دروس التربية الوطنية التي يكرهها التلاميذ قاطبة.

لو تجولت في الشوارع وسألت الدكاترة من تخصصات مختلفة عن قضية الصحراء لما استطاع كثير منهم أن يقول لك شيئا سوى الحديث عن المسيرة الخضراء، مكررا رقم 350 ألف المضمن في كلمات الأغنية المعلومة التي يحفظها الجميع، ويرددونها تطربا لا علم فيه ولا إحساس سوى متعة الغناء، التي لن تصمد في حالة الابتلاء.

فربما نحتاج اليوم إلى الروح التي كانت تحرك آباءنا وأجدادنا في مثل هذه الملفات، روح نقرأها في كلام الأبطال أمثال عبد الكريم الخطابي الأب، وابنه محمد أسد الريف، البطل الذي غطى عليه صاحب أغنية “المعلم” وأبطال “مون بيبي”، فعندما لم يعط الأبطال الحقيقيون حقهم في صناعة القدوة لدى الأجيال، قُدّم لهم أبطال الغناء والتهريج، فلا غرابة إذا استحوذت عليهم التفاهات واكتنفهم الضعف واحتنكهم الانحراف من كل جانب.

ولنستشعر أهمية هذه الروح التي ذكرنا وتلك القدوة التي يمثلها الأبطال الحقيقيون، نتأمل في الشهادة التي أدلى بها أحد مؤسسي جيش التحرير الأستاذ مناضل عبد الرحمن بن عبد الله الصنهاجي في مذكراته المطبوعة في سنة 1987 حيث قال:

“وفي سنة 1921 قامت حركة المقاومة الكبرى في قبائل الريف الشجاعة الغيورة بقيادة الزعيم الفذ والبطل الشهم محمد بن عبد الكريم الخطابي، بعدما تسلم لواء الجهاد عن والده الفقيه الغيور عبد الكريم الذي استشهد مسموما في بلدة «تفريت» يوم 20 غشت من سنة 1920؛ وهو يقيم خطط الدفاع عن الوطن ضد هجوم الإسبان عليه.

وقبل أن يموت أخبر ولده محمد وأخاه عبد السلام باقتراب ساعته، وهو يعلم أنه أكل السم فقال لهما وصيته الخالدة: «يجب أن تدافعوا عن حوزة هذا البلد ضد الغزو الأجنبي، وإني موقن بأن المتاعب التي ستعترض طريقكما صعبة وكثيرة، ولكن يجب عليكما أن تقوما بواجبكما، وكونا آخر من يضع السلاح، فمن العار على المؤمن أن يقبل احتلال الأجانب لوطنه»، وكانت هذه الكلمات آخر ما نطق به هذا المجاهد الفقيه عبد الكريم الخطابي رحمه الله”.

ثم علق الأستاذ مناضل عبد الرحمن بن عبد الله الصنهاجي على هذه الوصية بقوله:

“ولقد كانت ثورة قبائل الريف موجهة في هذه المرحلة النضالية ضد الوجود الاستعماري خصوصا في المنطقة الشمالية، وأحدثت دويا في العالم كما خلقت معايير جديدة في الحروب السريعة، تذكرنا بالفتوحات الإسلامية الأولى، حيث كان الإيمان هو الزاد والسلاح، وكان النصر أو الجنة هي الغاية، ذلك أن هذا المجاهد الكبير؛ كما سجل له التاريخ؛ كان من الزعماء العظام القلائل في عصره، استطاع تكوين جيش التحرير، وابتكار حرب العصابات المنظمة ضد الاستعمار”(*).

إن ما يجب أن يؤخذ بالاعتبار -كما سلف- هو أن الصراعات الحدودية التي افتُعلت بعد قرار دول الحلفاء تصفية الاستعمار بعد قرن ونصف من الحملاتها التوسعية في بلداننا، كان استراتيجية مبتكرة من رعاة الإمبريالية حتى تستخدمها في تكريس التبعية واستمرار عوامل الضعف في دولنا ولتتخذها ذريعة لفرض الولاء لها، والاصطفاف معها في استراتيجياتها في الهيمنة على دول العالم الأخرى.

لذا لن يكون حل لمثل هذه القضايا من خارج بلدنا وشعبنا، فالحل يكمن في نشر الوعي بالقضية وبخطورة التحديات، والسعي إلى الإصلاح الشامل حتى نحقق امتلاك القوة المادية والحربية لنتوفر على الهيبة والقوة التي يحتاجهما كل من تُوكل إليه مهمة التفاوض والجلوس إلى طاولات المساومة والتباحث مع أطراف النزاع أو المتدخلين الدوليين في القضية.

وليست قضية تركيا مع أكرادها في شمال سوريا عنا ببعيد، فما الذي جعل تركيا رغم استعمالها للقوة والسلاح في سوريا حماية لحدودها ومصالحها مقبولا دوليا؟؟

الجواب يكمن في القوة التي تمتلكها بعد الإصلاحات السياسية ومحاربة الفساد، وتطوير الشعب التركي وتأهيل الاقتصاد، حتى غدت تركيا منافسا حقيقيا لدول الناتو وأوروبا برمتها، وحليفا استراتيجيا لعدوها روسيا في أسخن نقط التوتر في العالم مثل أذربيجان.

فالبناء البناء والكرامة الكرامة والعدالة العدالة، ولن يكون هذا إلا باستثمار أبناء المغاربة الأصيلين الأنقياء الأوفياء، لا خريجي البعثة الفرنسية المحضيين المحميين مزدوجي الجنسية الذين تكونوا علميا ونفسيا في جامعاتها ليعودوا فتسلم لهم الوكالات الوطنية والمكاتب الشريفة، ويحكموا فعليا البلاد والعباد، فهؤلاء يستوي عندهم الولاء لفرنسا مع ولائهم للمغرب، بل حين التعارض يقدِّمون الأول، لأنهم لم يعرفوا تاريخ المغرب ولم يعلموا ملوكه وعلماءه ورجاله وتضحياتهم، فهم يعرفون أمثال نابوليون حيث درسوا في مدرسة تحمل اسم ليوطي أو ديكارت وتدرس تاريخ فتوحات القائد الكورسيكي المغامر في دول أوروبا وتحفظ معاركه لنشر الأنوار الكسيفة مثل معركة “يينا” و”لايبزج” و”واترلو”.

فلا مجال لتحدثهم عن محمد بن عبد الكريم الخطابي أو عسو وباسلام أو موحى وحمو أو السبعي أو ماء العينين ولا عن أنوال والهري وبوغافر، رحم الله شهداءنا أجمعين.

وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.

ــــــــــــــــــــــــــ

(*) مناضل عبد الرحمن عبد الله الصنهاجي، مذكرات في تاريخ المقاومة وجيش التحرير من 1947 إلى 1956م، طبعة 1407-1986/1987، ص:54.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M