قوانين الصراع واحدة لا تتغير..

11 يونيو 2020 12:29
الذكرة الرابعة لمذبحة رابعة.. الألم والأمل!!

هوية بريس – إبراهيم صرصور*

أينما تنظر في ارجاء عالمنا العربي والإسلامي بما في ذلك فلسطين، لا ترى الا الدماء والاشلاء … مجتمعات تنهار تحت وطأة الصراعات التي فاقت في وحشيتها وقوة تدميرها صراعات العرب في جاهليتهم الأولى!…

أيام سوداء، سواء تلك القديمة التي صبغت الأرض العربية فَهَدَّتْها من داخلها حتى ما عادت قادرة على تحقيق أي انجاز، او الحديثة التي قَدَّرَ الله ان نتجرع علقمها حتى الغثيان، والتي حَوَّلت الامة العربية والإسلامية الى غثاء كغثاء السيل، في الوقت الذي يسير فيه العالم بخطى متسارعة نحو تحقيق المزيد من الإنجازات التي تخدم الانسان وتحنو عليه وتعمل على اسعاده..

كانت (أيام العرب القديمة) مقدمة لبزوغ شمس الإسلام وبعثة خير الانام صلى الله عليه وسلم، فانتشل الامة من الحضيض، ووحدها بعد تمزق وفرقة، وأعزها بعد ذلة، وتقدم بها بعد انحطاط، وارتفع بها بعد تخلف، حتى أصبحت خلال عقود محدودة ملأ بصر الكون وسمعه، ومنارة لهداية الناس اجمعين، فأنقذت الانسانية بعد بوار، وحررت البشرية بعد ارتكاس وانحدار، واحيتها بعد ان ماتت فيها الروح وانطفأت فيها شعلة الحياة.

فهل يمكن ان يكون ما نراه اليوم من أحوال هي اشبه بأحوال الجاهلية الجهلاء والضلالة العمياء الأولى، مقدمة لميلاد جديد للأمة كما كان ميلادها القديم؟!!

لا استبعد، لأن نواميس الله سبحانه وقوانينه في إدارة الصراع واحدة لا تتغير ولا تتبدل، فما كان سببا في نهضة الأمة في الماضي، هو ذاته ما سيكون سببا في نهضتها في الحاضر. الحلقة المفقودة تبقى دائما العنصر البشري القادر والمؤهل لحمل الرسالة وتبليغ الأمانة على النحو الذي كان عليه سلفنا الصالح.. عندها وعندها فقط يبدأ العد التنازلي لهذا الظلم والجور الذي ملأ أرضنا، ليسود بدلا منه العدل والقسط …

( 1 )

حينما اتابع الاخبار من مصر في ظل الانقلاب الدموي ، والأوضاع في ليبيا والتآمر على تونس، ومأساة اليمن، وخراب العراق وسوريا، والحرب المعلنة على الله وعلى الإسلام ورموزه وثوابته في الاعلام العربي بما في ذلك الاعلام السعودي والاماراتي، وغيرها وغيرها، اتذكر قول الله سبحانه :

” إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ ” ………..

” ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ ” ………

” فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ ” ………..

” وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ”….

نعم ……….. الجيش والشرطة والمخابرات والاعلام والقضاء اللاوطني ، شركاء في جرائم الأنظمة العربية المستبدة والممارسة للإجرام داخل حدودها وخارجها، فالله سبحانه لم يميز بين فرعون (راس الهرم السياسي) وهامان (الحكومة) وجنودهما (الجيش والشرطة والمخابرات) والملأ (البطانة: رجال اعمال ، فنانون .. الخ) ، فكلهم واحد ، وحكمهم واحد ، وهذه هي الحقيقة.

دليل ذلك منطقيا، هو سكوت هؤلاء جميعا على جرائم أنظمتهم.. ليس هذا فقط ، بل مشاركتهم الفعالة في تنفيذ جرائمها ، وتحولهم الى ادوات المجرم في تنفيذ جرائمه…

لماذا نستغرب اذا ارتياح الكثيرين حينما يسمعون بسقوط ركيزة من ركائز هذه الانظمة وان كانوا من الجيش وملحقاته من الشرطة والمخابرات والاعلاميين والقضاء..

هؤلاء ليسوا ابرياء، بل هم اكثر اجراما من الانظمة ……. هؤلاء رضوا لأنفسهم ان يكونوا ممن باعوا دينهم وضمائرهم بدنيا غيرهم، فاستحقوا عقاب الله في الدنيا والآخرة..

 ( 2 )

الانظمة الاستبدادية كالتي في مصر وسوريا مثلا ترتكب المجازر ضد شعوبها لسببين:

اولهما، لأنها انظمة دموية عسكرية لا تفهم لغة الحوار ولا تعترف بالديموقراطية الحقيقة…

وثانيهما، حتى تمنع نفسها من فرصة المراجعات والتنازلات وحتى النزول عن السلطة لمصلحة حكم مدني رشيد وشوري حقيقي ، لأنها تعرف انها وفي حالة وقعت في يد الاحرار فستدفع ثمنا غاليا ..

ثنائية صعبة وشرسة ستدفع الشعوب ثمنها غاليا، ولكن لا بد مما لا بد منه .. اعتقد ان هذه الانظمة الى زوال لأنها ضد طبائع الاشياء ، ولا بد للشمس ان تشرق يوما في سماء شعوبنا فينداح هذا الظلام المجرم والى الابد ..

الأنظمة المستبدة لا تغير ولا تبدل ، فهي ماضية في استعمالها لأدواتها القديمة التي أكل عليها الدهر وشرب … هذا العمليات التي تحدث في ظل القبضة الحديدية التي يفرضها نظام السيسي الانقلابي، لا نشك في انها مدبرة من قبل النظام الانقلابي، وهي سيناريو قديم، يعتبر حسب الموديل الكلاسيكي مقدمة لتهيئة الراي العام لقبول تنفيذ المزيد من الجرائم ضد الشعب المصري ورموز ثورة يناير عموما، وقيادات الاخوان المسلمين خصوصا ، كما حدث في عهد النقراشي ( رئيس وزراء فاروق )، ومسرحية اغتيال عبدالناصر في العام 1954 ، واللتين كانتا بترتيب مسبق من النظام المستبد الحاكم لتمرير مجازره ضد نفس الجماعة التي يعتبرها خصما لدودا ومعارضة شرسة في مصر ؟!!!!!!

 ( 3 )

مرت سنوات منذ ثورات الربيع العربي وما تلاها من انقلابات ضد الشرعيات التي أفرزتها الثورات في اكثر من موقع أعادت دولنا العربية الى عصور الظلام من جديد.. كنت اعتقد ان طبائع الاستبداد يمكن ان تتغير زمانا ومكانا وحالا … الا ان الوقائع في كل يوم ( مصر وسوريا كنموذج ) تثبت ان هذه الطبائع العفنة لا يمكن ان تتغير ، ولذا لا بديل عن اجتثاثها اذا ما اراد المجتمع / الامة / الشعب ان يعيش حرا بحق وحقيقة ..

كنت اعتقد ايضا ان الحكام المستبدين يمكن ان يستخلصوا العبر من تجارب امثالهم في الماضي والحاضر … الا ان الحقائق الشاخصات تثبت مرة بعد مرة ان هؤلاء المستبدين مصابون بعمى الالوان ، ولذلك يمضون في طريق الانتحار حتى النهاية حتى لو اخذوا شعوبهم معهم الى الهاوية …

كنت اتوقع ان ينهض من اصحاب الفكر والسياسة وممن يدعون النسبة الى الدين (علماء السلطة)، ليطالبوا بإعادة النظر في كل ما يجري ، وتصحيح الاعوجاج الخطير الذي طرأ بسبب الانقلاب ، والاعلان عن مصالحة تبدأ بإسقاط الانقلابات والعودة الى روح الثورة ، واطلاق جميع الاسرى ، والغاء جميع القرارات الظالمة ، واعادة الامور الى الشعب بعيدا عن صفحة الانقلابات السوداء .. هذا على الاقل …..

إلا أن الأمور تسير على غير هذا النحو حتى الآن، مما ينذر بمزيد من الدمار والانهيار الذي تتحمل الأنظمة المستبدة مسؤوليته كاملا..

(4)

هذا الواقع الذي تعيشه الأمة العربية والإسلامية بما فيه شعبنا الفلسطيني ليس ثابتا.. هو متغير فعلا.. إلا ان التغيير لا يمكن ان يتحقق إلا إذا اخذت الأمة بأسباب النهوض.. أول هذه الأسباب التخلص من الأنظمة الدكتاتورية الفاسدة والتي هي السبب المباشر في انحطاطها وانكسارها..

من المعروف من الدين بالضرورة، أن من أهداف الإسلام تكوين أمة صالحة تقودها دولة صالحة، وتكوين الفرد المسلم والأسرة المسلمة الفاضلة والمجتمع المسلم الفاضل الصالح، كما ويسعى لتكوين الأمة الصالحة، وهذا واضح في القرآن الكريم يقول: (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً) ويقول: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله). ويقول: (وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون). (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون)، (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)..

إن مما يخيف أعداء الأمة ان تعود من جديد لتكون موحدة في مرجعيتها الفكرية والعقائدية، موحدة في حكومتها وقيادتها السياسية، موحدة في برامجها وسياساتها، موحدة في جغرافيتها، حرة في التصرف بإمكاناتها المادية والبشرية الهائلة، وقادرة على حماية اوطانها ومقدساتها وردع اعدائها، والمساهمة الندية والمباشرة في سعادة البشرية في كل أماكن توجدها..

لذلك كله، يحرك الغرب والشرق جيوشه الخفية والعلنية بما في ذلك عملاءه في العالم العربي والإسلامي لمنع هذه النهضة، إلا أنهم نسوا ان نهضتنا حتمية شاء من شاء وأبى من أبى، والله غالب على أمره..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

* الرئيس السابق للحركة الإسلامية في  الداخل الفلسطيني

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M