كان الله في عون من تولّى أمرا من أمور المغاربة!

30 ديسمبر 2015 17:24
هكذا تريد هولندا أن تضبط «إسلامها» ودون أن تخرق الدستور

شريف السليماني

هوية بريس – الأربعاء 30 دجنبر 2015

لدينا نحن المغاربة ولله الحمد العديد من الصفات التي نعتز ونفتخر بها والتي يشهد بها كل من زار المغرب أو عاشر المغاربة. وبما أن الكمال من صفات الله ولا يمكن أن يتحقق في مجتمع من المجتمعات، وجب أن نقر أيضا أن لدينا صفات يجب أن نعمل على تصحيحيها. ومن تلك الصفات السلبية: القسوة المفرطة في النقد تجاه من يتحمل المسؤولية.

نقد المسؤول ونصحه ومحاسبته صفة صحية وأمر مطلوب لا يستغني عنها فرد ولا مجتمع. وما دام الإنسان إنسانا فهو قابل للتصحيح والاستدراك والتوجيه. لذلك اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم الدين النصيحة! وقد أثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: “لا خير فيكم إذا لم تقولوها ولا خير فينا إذا لم نسمعها” يعني النصيحة من عامة المسلمين تجاه المسؤولين. ومن أقواله أيضا: “رحم الله من أهدى إلي عيوب نفسي”.

 لكن النصيحة التي أمر بها الإسلام لا بد أن تكون بآدابها وشروطها، وإذا لم يحترم الناقد أو الناصح هذه الشروط ولم يراع هذه الآداب، انقلبت النصيحة (التي هي طاعة وواجب) إثما وعدوانا، وأصبحت أداة تخريب بدل أن تكون أداة إصلاح!

إن الناظر إلى ردة فعل الكثير من المغاربة على تصرفات أو قرارات بعض المسؤولين ليرى أن ردات الفعل هذه تتجاوز في الكثير من الأحيان حدود الشرع، ويقع أصحابها في المحرمات والمنكرات وهم يظنون أنهم يحسنون صنعا! فكون الإنسان مسؤولا (مهما علت مسؤوليته) لا يجيز أبدا أن نعتدي عليه ولا أن نسقط حقوقه الشرعية التي يجب أن تصان، كحرمة تناول عرضه أو سوء الظن به أو بغضه أو الاستهزاء به أو السخرية منه… لأن سوء الأخلاق كالظلم والحقد والحسد والغيبة وغيرها مذموم سواء كان في حق عامة الناس أوفي حق المسؤولين منهم. بل ربما تكون حقوق المسؤول أعظم لأن ما يترتب على انتهاكها من ضرر لا يقتصر على شخص المسؤول فحسب، وإنما قد يتعداه ليضر بالصالح العام! ومهما اختلفنا أو اتفقنا مع من يتحمل المسؤولية، يجب أن نصون حقوقه الشرعية التي ذكر الله بعضها في هاتين الآيتين من سورة الحجرات: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)﴾. وفي نفس السياق يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”.

فمن الآداب التي يجب أن نلتزم بها عندما ننتقد أو نعارض أي مسؤول ما يلي:

أولا: الصدق والإخلاص في النية

 وأعني بذلك أن يكون الهدف من وراء انتقادنا لبعض المسؤولين التقويم والتصحيح الذي يخدم الصالح العام في النهاية، وليس التشويه أو التشهير أو التنفيس عن الأحقاد والضغائن أو حب الظهور أو غيرها من الدوافع الشيطانية الخفية! فليسأل كل واحد منا نفسه ما ذا يريد من وراء تناوله لفلان أو علان؟ ولا ننسى أن الله مطلع على النيات ولا تخفى عليه خافية. فالذي ينتقد بنية الإصلاح سيجزيه الله خيرا ما دام ملتزما بآداب الإسلام في نقده. والذي ينتقد لدوافع أخرى فليراقب ربه.

ثانيا: لا بد من التثبت قبل رد الفعل

 الكثير من الناس يطلقون ألسنتهم في المسؤولين ويصدرون في حقهم أحكاما بناء على إشاعات لم يتأكدوا من صدقها! خاصة ونحن نعيش في زمن أصبح فيه تلفيق التهم وفبركة التسجيلات والصور ونشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي أمرا سهلا جدا. وكم من الأخبار الكاذبة والقصص المفبركة راجت بين الآلاف وربما الملايين وظنوها حقيقة، ليتبين في الأخير أنها مجرد أكاذيب! فكل من يعين على نشر خبر دون أن يتأكد من صحته ومن الفائدة المترتبة على نشره! فإنه يجازف مجازفة خطيرة. إذ قد يكون ما صدقه أو روجه كذبا، وترويج الكذب على الناس بهتان. والبهتان أشد من الغيبة التي هي من أكبر الذنوب والعياذ بالله! فالتثبت التثبت قبل تصديق الاخبار أو ترويجها.

ثالثا: اجتناب سوء الظن واتهام النيات!

أقول ذلك لأن بعض الناس فقد الثقة في كل المسؤولين وأصبح يرميهم وبدون استثناء بشتى التهم المشينة. فكل المسؤولين في نظره “شفارة وكروش الحرام وأصحاب المصالح…!” حال أصاحب هذه النظرة السوداوية ذكرني بنكتة تحكي قصة رجل مغفل بيّت الذهاب إلى السوق ليبيع بقرة. وقبيل ذهابه إلى السوق حاول بعض الأقارب أن ينصحوه لأنها أول مرة سيقصد فيها السوق بمفرده، فبدأوا يحذرونه من خطر اللصوص ومكرهم وأنهم قد يتنكّرون في صورة أناس يريدون شراء البقرة، وقد يبدون له اهتماما بشرائها فيسألونه عن ثمنها، فقط ليوهموه! فعليه أن يكون حذرا جدا! ذهب الرجل إلى السوق يجر بقرته، وكل ما في رأسه أن لا يقع ضحية اللصوص! ولما وصل السوق وعرض البقرة للبيع، بدأ الناس يسألون عن ثمنها وسنّها لأنهم يرغبون في شرائها. لكن صاحب البقرة كان ينظر إليهم بنظرة أخرى! لقد أخبره أقاربه أن اللصوص قد يتنكرون في صورة من يريد شراء البقرة، فكل من يبدي اهتماما بالبقرة فلا بد أن يكون لصّا! وهكذا ظل الرجل طول يومه، كلما سأله أحد عن ثمن البقرة أو أبدى اهتماما بشرائها إلا أدار الرجل (السّي الفاهم) رأسه وردّد هذه العبارات في نفسه: “هاي هاي…!!! شحال البقرة…!!! معي أنا..!!! عقنا بكم…!!!” حل المساء وأقفل عائدا إلى بيته يجر بقرته (وقد كان بإمكانها أن تجره، لأن من يفكر بهذا الشكل لا يختلف كثيرا عمن يمشي على أربع)، وحينما سأله أقاربه عن أحوال السوق أجابهم: “الحمد لله أنني كنت فطنا (لقاوني قافز)، ولولا فطنتي لكانت البقرة قد ذهبت في مهبّ الريح… ثم أضاف: “السوق عامر غير بالشّفّارة!”.

بهذا الشكل تماما ينظر بعض الناس مع الأسف إلى كل المسؤولين! إن خطبوا فهم يمثلون، وإن وعدوا فهم كاذبون وحتى إن بكوا حرصا على مصلحة الوطن، فدموعهم دموع التماسيح…! إن النظر إلى الناس بهذا الشكل يعني توقف الحياة! يعني أننا لن نبيع البقرة أبدا! لا نشارك في السياسة ولا ننتخب ولا نهتمّ ولا نصدّق أحدا… وعندما ينحدر فكر شخص أو مجموعة إلى هذا المستوى فإن باطن الأرض أولى بهم من ظهرها! إن الخير قد يقل، ولكنه لا ينقطع من الناس أبدا. ومع مرارة التجارب وسوء الواقع لا بد أن نؤمن أن هناك فعلا من يريد خدمة هذا الوطن بصدق، ولتكن أنت أولهم!

رابعا: اختيار الألفاظ والأساليب اللائقة في النقد

 سبق أن كتبت مقالا تحت عنوان: “ماذا تنتظرون من الحطيئة وقد اعتلى منبر السياسيةّ؟” انتقدت فيه المستوى المنحط الذي وصلت إليه لغة الخطاب بين السياسيين. لكن يبدو مع الأسف أن انحطاط الخطاب ليس مقتصرا على السياسيين فيما بينهم، بل أصبح ظاهرة يعاني منها المجتمع ربما بأكمله. إن الذي ينظر إلى الطريقة التي يتناول بها الناس أخبار الساسة وأحوالهم ليشعر بالاشمئزاز. لقد أصبح الكثير منا لا يقتصر على نقد القرار أو الموقف السياسي للمسؤول أو الاعتراض عليه، وإنما يتجاوز ذلك ليتناول شخصه وشكله وعرضه وربما أسرته بالسب والقذف والشتم والتهكم والاستهزاء! ولا يكاد يسلم من هذا الأسلوب المنحط أو ينجو من هذه السهام المسمومة أحد من الوزراء ولا من رؤساء الأحزاب ولا حتى من أعضاء البرلمان! فهل أعراض هؤلاء حلال؟ ألا ينتقم الله لمن يظلمهم يوم القيامة؟ إنهم مشغولون وربما لا يتابعون كل ما يقال أو يكتب ضدهم، لكن الله بالمرصاد. وقد أخبرنا أن ملائكته الكرام يدوّنون كل صغيرة وكبيرة مما نكتب أو نقول! فكل كلمة أو صورة أو رسم يسيء لأي مسؤول في شخصه أو عائلته فإنه محفوظ عند من لا تضيع عنده الحقوق. وسيقتص الله لذلك المسؤول ممن تناول عرضه أو آذاه بغير حق! وإن نشر صورة أو جملة على الفيس بوك تسيء إلى مسؤول مثلا، قد لا يكلفك ثوان، لكنه قد يكلفه أو يكلفـ”ها” معاناة لا يعلمها إلا الله! وقد يكلفك سنين في عذاب الجحيم! فهؤلاء المسؤولون لهم أحاسيس وما شاعر مثلي ومثلك. تعجبهم وتفرحهم الكلمة أو الحركة الطيبة، وتقلقهم وتؤذيهم الكلمة أو الحركة السيئة. ولهم أيضا أقارب وعائلات وأزواج وأولاد يتأذون بإذاياتهم ويتألمون لآلامهم.

في الأخير أقول: إن هذه التجاوزات لا تقع في حق المسؤولين في مجال السياسة فحسب، بل تطال المسؤولين في باقي المجالات الاجتماعية والرياضية وحتى الدينية مع الأسف! وإنني لا أدعو أبدا إلى الخنوع والرضا بالظلم أو النفاق، كلا. ولكن من أراد أن يطلب حقه فليطلبه برفق وعدل ولا يتجاوز حدوده. ومن أراد أن يعترض أو ينتقد فلينتقد، لكن على بينة وبعد تثبت. وليكن نقده من أجل الصالح العام، خالصا لوجه الله خاليا من حظوظ النفس، وليعتمد الحكمة وليدفع بالتي هي أحسن. ألم تر ان الله أرسل موسى أحد أفضل رسله مع أخيه هارون إلى فرعون أحد شر خلقه، ومع ذلك أمرهما أن يقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى؟ قال تعالى: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (طه:43-44).

[email protected]

آخر اﻷخبار
2 تعليقان
  1. السلام عليكم
    شكرا جزيلا على هذه المقالة. ونرجو أن نرى لك الكثير على هذا الموقع.
    كلامك معقول ويصل القلب ولعله نابع من القلب
    بارك الله فيك وفي الجريدة التي تمنعنا بمثل هذه المقالات الرائعة

  2. جزاك الله خيرا على المقال للاسف اصبحت اخلاقنا بعيدة كل البعد عن اخلاق الاسلام وسماحته ارجو من الله ان ينير بصائرنا ويهدينا الى طريقه المستقيم .

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M