كان شيعيا ثم أسلم!!

07 مارس 2017 23:36
إلى أين المسير يا وطني العزيز؟

هوية بريس – محمد بوقنطار

كان شيعيا ثم أسلم، كان شيعيا ثم انتقل إلى أن يكون سنيا، كان شيعيا ثم دخل الإسلام، عبارات واحدة المعنى متباينة المبنى، عبارات ظلت مبانيها حبيسة الدواخل موؤودة في الوجدان السني، عبارات ظلت معانيها ثقيلة مستكرهة، متوارية ظهريا، بل منبوذة متهمة بالإرهاب والتطرف والطائفية، عبارات حالت بيننا وبين اعتقاد معناها حينا من الدهر طويل طويل خدعة دعاوى التقريب، كما حال بيننا وبين عيش لوازم حقيقة معناها استماعنا لمن كان يشيع بيننا حتى العهد القريب أن ثمة مذهب خامس غير المذاهب الأربعة لأهل السنة، عبارات ولازم معاني وتجليات أضاعها علماء وصلحاء وقدوات بددوا جهودا وجهودا في مد يد السلام والمشاكلة والتعاون على نصرة الإسلام إلى من لا زال ولم يزل يجذب أيدينا إلى هلاك الشرك وإحراقات المجوس تحت ضابط قول الهالك الخميني في كتابه الحكومة الإسلامية: “طاعتنا نظاما للملة وإمامتنا أمانا من الفرقة”.

نعم لقد اكتشف دعاة التقريب ورواده منا ولو بعد حين أنهم كانوا يراودون خيطا من دخان، حقيقة مُرة اكتشفوها بعد سيل عرم من الحوارات والمطارحات والنقاشات، وبعدما اتضح لهم على وجه اليقين أن هؤلاء المعممين هم نسخة طبق الأصل عن تراثهم الأسود المنحرف، وقطعة النار محاكية لما حملته كتبهم الطافحة بالسب والملاسنة والتكفير والتجريح في عدولنا وأئمتنا، من نقلة الوحي صحابة رسول الله رضوان الله عليهم أجمعين، بل في الطعن المباشر والتشكيك والنسف لأصول التلقي عندنا قرآنا وسنة وفهما لسلفنا الصالح.

وربما اغتر جمهرة من دعاة التقريب بالشعارات المعادية لليهود والصليبيين، من جنس تلك التي دأب ملالي إيران وآياتهم وأذنابهم في المنطقة، يرفعونها في وجه من أذن لهم برفعها، وسمح لهم بالتمثيل علينا بشنشنتها وجعجعتها معشر أهل السنة.

لقد طال زمن تبديد الجهود وطي عجلة الزمن في اجترار المساكنة واستمراء الصبر على أذاهم حتى حسبونا قطيعا يرعى في أودية الغباء ويشرب من غور السذاجة.

ولربما كنا أهلا لهذا الوصف والحسبان إذ كيف نسعى سنين عددا في تقريبهم والتقرب إليهم، وقد علمنا أنهم لو كانوا صادقين في دعواهم لكان عربون صدقهم البدء والشروع العاجل في رفع الحرج وسوء الحال عن أهل السنة من الشعب الإيراني نفسه، ولكانوا سلكوا مسلك المقاربة والتقارب هذا بين صفوف الشعب عينه سنته وشيعته، ولكانوا قد أذنوا بفتح مساجد لسنة الشعب الإيراني، كما فتحوا الأديرة والكنائس والمعابد وأوقدوا مواقد النيران في وجه طوائف من اليهود والنصارى والبوذيين والمجوس في طهران وقم وسائر بلاد فارس، ولكانوا فتحوا دورا وحواضن محلية لاحتواء حوارات ومناقشات مأمول التقريب المزعوم…

وفي هذا يقول أحد رواد وعلماء دعاوى التقريب الدكتور مصطفى السباعي في كتابه السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي: “فتحت دارا للتقريب بين السنة والشيعة في القاهرة منذ أربعة عقود لكنهم رفضوا أن تفتح دور مماثلة في مراكزهم العلمية كالنجف وقم وغيرها لأنهم إنما يريدون تقريبنا إلى دينهم”.

لقد اكتشف دعاة التقريب ووقفوا على حقيقة حكم الله المقرر في هؤلاء وشواكلهم ممن وسمهم الله بمؤبد الضلالة عدلا وجزاء وقولا واحدا مفاده :”أن الله لا يهدي كيد الخائنين” وقوله جل جلاله: “إن الله لا يحب الخائنين”.

وهل هناك خيانة أكبر ولا أفظع ولا أشنع من خيانة القوم قديما وحديثا، بل أكبر من اعتبار هذه الخيانات والاعتقاد المحموم في فعلها المشين بكونه دينا وقربة يتقربون بها إلى الله، بله يتقربون بها بين أيدي أئمتهم المعصومين.  وهذه كتب التاريخ المنخولة، صفحاتها حبلى بممالأة ومعاونة أسلاف هؤلاء المعممين للكفار والظالمين، بل وغدرهم ومخادعتهم للمسلمين في أحلك الأوقات وأحرجها، وقد تداعت سيوف ورماح وسهام وأسنة الكفر وقرعت طبول حرب التتار والصليبيين تبغي اجتثاث عرى الأمة من على الأرض، بل تريد تشييعها في غير رجعة ولا مأمول بقايا حياة وأنين أنفاس إلى جبانة الوأد والنسيان.

ولعل من استقصى طُرفا من هذه الخيانات القديمة للشيعة تسنت له وفتحت أمامه أبواب المقارنة، وهي أبواب وقواعد انطلاق على أساسها لابد له أن يفهم ركز القوم اليوم وحقيقة زعمهم لنصرة قضايا الأمة والقضايا الكبرى للإسلام والمسلمين، وعلى رأس المزاعم طبعا دعوى نصرتهم لقضيتنا الأولى ونعني بها قضية القدس وأول قبلة للمسلمين، وما تفرع عنها عند خط التماس مع بؤر التوتر الساخنة من جغرافية أهل السنة والجماعة، وحقيقة تلك الشعارات التي انتشرت عباراتها انتشار النار في الهشيم، شعارات “الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، الموت لليهود” بينما لم نر على الأرض إلا قتلهم ونهبهم واغتصابهم وتنكيلهم بالدم والأرض والعرض السني.

 كما تسنى له الوقوف في غير ريب ولا غرو على حقيقة أنه متى ما أمكن الجمع بين اليهود والنصارى والوثنيين وأهل السنة، أمكن الجمع بين الرافضة وأهل السنة، فإن هذا من ذلك وذلك من هذا، وإن الأمر سيان قد لا يحتاج إلى دليل أو برهان، كما لا يحتاج إلى الاستدراك عليه من قبيل قول القائل مستفهما في إنكار: أليس في الالتفات إلى خطر الشيعة الروافض غفلة واستغفال وصرف للأمة عن مدافعة الخطر الحقيقي خطر الصهيونية والصليبية؟؟؟

ولعل الجواب على هذا الاستدراك يستمد منطقه من الاعتبار الذي يذهب مذهب أن هذه الجبهات إنما هي في الحقيقة جبهة عاتية واحدة، خيوطها متشابكة وبطشها متجانس البغي والعربدة، مع امتياز للمنافق على الكافر في هذا البطش والتشابك، من جهة تقييم حجم الضرر والغرم والمغنم، وقد علمنا من مصدر تشريعنا الأول أن الله وعند حديثه عن الكفار وبيان يأسهم من النيل من ديننا وجّه الأمر والطلب مطمئنا معشر المسلمين، ومقررا عبودية الخشية منه لا من عدوه وعدونا إذ قال جل جلاله: “اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون”، بينما نجده جل جلاله يخاطب القدوة القائد عليه الصلاة والسلام وقد تعلق الأمر بالمنافقين حيث قال سبحانه في قالب تحذيري يحيل على حصر وقصر العداوة في المنافقين مع الإقرار في مواضع أخرى بوجودها في معشر اليهود والذين أشركوا: “وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنّى يوفكون”.

لقد مرَّ زمن كبير من تاريخ الأمة، قبل أن يصل أبناؤها إلى المستوى العقدي والمعرفي الذي أهّلهم ولا يزال يأخذ بيدهم للوصول لمعنى تلك العبارة الثقيلة، عبارة “كان شيعيا ثم أسلم”.

بل لم يغب عن هذه الأجيال حجم ما راكمه الضرب صفحا وتهاونا مع حقيقة معنى هذه الجملة الثقيلة، وما دفعته الأجيال المتعاقبة من دم وركام ضحايا ضارب في الطول والعرض.

حتى جاء هذا اليوم الذي سقطت فيه ورقة التوت، وعرّى سقوطها عن بشاعة ذلك الوجه الغادر الآثم المتواري وراء معسول لسان التقية، ومقبوح كذبة رفع شعار الخصومة لأعداء الأمة، وتم تقييم الخسائر التي تسببت فيها خياناتهم المترادفة، تقييما يفي بمطلوب أخذ الحيطة والحذر، ومأمول الوقوف على حجم الجرح الغائر الذي استوعب عمقه العراق ولبنان وسوريا واليمن والبحرين وبؤرا هنا وهناك من الثغر السني المتهالك، بل انقشع غبار الانبهار على عجيب أمر ومستغرب قدر مفاده أن قبيلة شيعية من قبائل اليمن استطاعت أن تصمد بندّية فائقة الجرعة أمام تحالف تنضوي تحت لوائه دول عربية إسلامية كبرى لها مكانتها المالية والعسكرية والبشرية.

تحالف تقوده دولة السعودية بخيلها ورجلها وعسكرها وطائراتها وكل عدتها وعتادها، ومع كل هذا لا تزال القبيلة تسجل كرا على الأرض تحمل في تقدمها وعبور اعتسافها يافطات تحكي عوارض عباراتها المتتالية وجهة الحرب ومهوى القلب: الموت مع وقف التنفيذ نية لأمريكا واليهود وإسرائيل.

وفعلا وتوقيعا مع النفاذ المعجل توجه فوهات المدافع والبنادق وراجمات الطيران لنحور النواصب والوهابيين والتكفيريين أطفالا وشبانا ورجالا وشيوخا ونساء وحرائر… وحميرا وبغالا وأنعاما… وبقلا وقثاء وفوما وعدسا وبصلا… ودورا وأكواخا وصوامع ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا… خليط من الضحايا وبقايا أطلال يحكي أننا لم نجانب التوسط والاعتدال ولم نقتحم عقبة التكفير بقولنا: “كان شيعيا ثم أسلم”.

[email protected]

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M