كوننا متوازيين لا يعني إلغاء أحدنا الآخر؟

30 نوفمبر 2015 20:26
عن واقع نقل صلاة الجمعة تساؤلات واستفهامات؟؟؟

د. محمد وراضي

هوية بريس – الإثنين 30 نونبر 2015

صوته القادم من وراء الهاتف، اعتراف وتقريع. صاحبه لم تكن تربطني به غير علاقة معنوية أو روحية. يقرأ لي وأقرأ له. لم يسبق لنا أن تقابلنا أو تعارفنا، كما يستخدم هذا الفعل الذي يعني تعرف كل منا إلى الآخر بكيفية مباشرة. لكن الآخر بالنسبة إلينا لا يمكن إلغاء وجوده. حصل الاتفاق معه أو لم يحصل؟ وإنما الذي حصل، هو الاختلاف الكلي أو الجزئي؟

فإن أخبرني صراحة عبر الهاتف -وأنا مع صديق لنا نحن الاثنين في منزله- بأننا معا كخطين متوازيين، انطلاقا -كما يتصور- من مصطلح الهندسة الأقليدية المعتمدة على فهم خاص، لمجال رسم الخطوط والأشكال على سطح الكرة الأرضية. فإن الموازاة لغويا بالنسبة لمن لم تكن لهم دراية ولا سابق معرفة بالرياضيات على إطلاقها، تعني التساوي، حيث يصح الحديث عن “موازاة بين ذكائنا وطبعنا”، أو بين نفس التوقيت الذي حققه عداءان في قطع مسافة عشر كيلومترات! ونفس المعنى -وفي نفس السياق- يفيده التوازي. فالتوازي هو التقابل، كتوازي عمارتين أو منزلين. أو كتوازي حصص الورثة في تركة. وقد يجري الكلام عن خطين متوازيين، يقعان في مستوى واحد، بحيث إنهما لا يلتقيان مهما طال امتدادهما. هذا إن نحن أصررنا على قبول مسلمات الرياضي الإغريقي أوقليدس.

غير أن مسلمة التوازي عنده على وجه التحديد، لا تشكل إلى الأبد حقيقة مطلقة. فعند كل من ريمان ولوباتشوفسكي في هندستهما، يلتقي الخطان اللذان قيل ويقال: إنهما متوازيان. ولما كان الأمر هكذا، صح أنهما لن يلتقيا على الإطلاق. لكن العلم البشري النسبي، تصورهما خطين يلتقيان عند منطلقهما، وعند وصولهما إلى نقطة النهاية التي تمثل في الآن ذاته نقطة البداية!!

لن نتحدث هنا عن الكرة الأرضية، وإنما عما يقرب صورتها إلى أبصارنا وأذهاننا. فلنرسم خطا منطلقه أعلى “بيضة نعامة” مرورا بأسفلها، وعودة إلى منطلقه أعلاها، ولنرسم إزاءه من نفس المنطلق خطا أو خطوطا غير محصورة في عدد، فإننا في النهاية، لا نجد غير خطوط يصعب التدليل على أنها متوازية بالفعل؟ وأنها سوف تظل كذلك إلى ما لا نهاية؟

فإن قلت إن مخاطبي عبر الهاتف قرعني، إذ حاول أن يفهمني بأن مضامين مقالاتي في واد، وأن مضامين مقالاته في واد آخر، مما يعني عنده أنني أنا وهو كخطين متوازيين لا يلتقيان. فإنه بمحاولته التقليل من شأن كتاباتي، والرفع من شأن كتاباته، يعترف بوجودي على الأقل! والاعتراف به، ليس مجرد اعتراف بشبح! ولا يضير بعدها أن يحول دون مقابلتنا نهر هو على ضفته اليسرى، وأنا على ضفته اليمنى -كما يتصور- ولم لا، فالفيلسوف الفرنسي بليز بسكال، يخبرنا -دفاعا منه عن نسبية السلوك والمعارف- بأن ما هو حرام ممنوع لدى سكان الجانب الأيسر من النهر، هو حلال مباح ومقبول لدى سكان الجانب الأيمن له؟ لكن سكان الضفتين يتبادلان المنافع أو المصالح. وحتى على الصعيد الاقتصادي، فكلاهما -وهما فلاحان- ينتج ما يساهم به في توسيع دائرة الاكتفاء الذاتي من أنواع الزروع.

فإن توازيت أنا والآخر، بالمفهوم الهندسي الأوقليدي، كتوازي خطين، فإن لكل منا قراءه ومحبيه المتعاطفين معه. وهذا ما ندركه من تعليقات القراء، التي تتراوح بين القبول والترحاب، والرفض أو الاعتراض، سواء على ما أكتبه، أو على ما يكتبه ذاك الآخر. والقبول والرفض، اختياران واردان بمنطق الدين والعقل والتجربة “فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر” كما ورد في الذكر الحكيم.

فإن كان اليسار السياسي على عهد الحرب الباردة، يقوم بحملات قاسية عنيفة، ضد ما يعتبر رجعية، ومصدرا للتخلف، نظير الطرقية والقبورية، كسلاحين سياسيين ماكرين، في يد الأنظمة العربية العلمانية بدون ما استثناء، فإن اليسار -وقد قطع أشواطا في التسليم بواقع الليبرالية المتفسخة العاهرة- لم يعد يمارس نفس الحملات العنيفة ضد مصادر الرجعية، وإنما ركز حملاته بأقوى حدة على ما يعتبره سياسيا مصدرا لإزعاجه! لكونه يهدد أيديولوجيته الاشتراكية؟ مما يعني أن القبورية والطرقية، ممارستان، لم يعد ينظر إليهما كمصدرين لتكريس الخداع السياسي في يد الحكام! مما دفع أطرافا من قادة اليسار إلى مهادنة ممثلي الفكر الظلامي الديني! وإلا فاسألوا عن سبب وجود رموز حزبية يسارية ووطنية في قلب هذا الضريح أو في قلب ضريح آخر، بركات صاحبه موازية (= مساوية) لبركات صاحب الضريح الأول أو تفوقها! (مولاي إدريس الأصغر، وعبد السلام بن مشيش)!!! ثم اسألوا إن شئتم عن وجودهم في هذه الزاوية التي ينتمي إليها الوزير الحالي للأوقاف! كما كان قد انتمى إليها وتخرج منها الراحل: عبد السلام ياسين، رأس مسمى “جماعة العدل والإحسان”!!!

ثم تساءلوا عما يعنيه حضور السفير الأمريكي الأسبق، إلى الحضرة البودشيشية، هو وحرمه منذ أعوام لزيارة ولي عارف واصل كنموذج لشيخ معاصر متصوف! يقود خلفه آلاف الأتباع، وهو مع ذلك يمثل في ممارساته الصوفية، مع سنة رسول الله، خطا موازيا لها بالفعل في صورته الهندسية عند أوقليدس كما أوضحنا قبل الآن! وأدلتنا القوية على ما ندعيه موجودة ضمن كتابنا الذي صدر لنا في الشهر الرابع من عام 2010م تحت عنوان: “خريج المدرسة البودشيشية المشبوهة: عبد السلام ياسين”.

فإن كان الخوف من مسمى الإسلام السياسي، هو هاجس اليسار العربي في العقود الأخيرة من المحيط إلى الخليج، فإن العون الذي قدمه الأمريكيون للحكام العرب، قصد التخفيف من وتيرة تسارع حركات تبني الإسلام كمشروع نهضوي، حمل اليسار في كافة الدول العربية، على الاستفادة أو على محاولة الاستفادة من نفس العون الأمريكي الإمبريالي للحكام. إنه التخطيط القاضي بتشجيع الفكر الظلامي الديني الذي يعني: الانتماء إلى الطرقية الصوفية المدعمة من طرف قادة الدول المعنية بإسكات صوت الإسلام السياسي؟ هذا إن لم يقبل ممثلوه الهبات السخية المجسدة في فتح الأبواب أمامهم، للاندماج مع العلمانيين في تسيير شؤون الدولة بشروط. منها الإبقاء على التصور العلماني للدين وللتدين، كما يريدهما الحكام، وبإملاء الأمريكيين وحلفائهم الغربيين! (ينظر كتابنا: “عن تدبير الشأن الديني والتطرف. أية هفوات وأية مفارقات”!!!).

فضلا عن كون مواجهة الفكر الظلامي الديني، مسؤولية مشتركة بين كافة متنوري كل الدول العربية والإسلامية. ومن ضمنها بلدنا الذي عرف على عهد الاستعمار، ذلك النشاط المتميز للسلفيين النهضويين. وفي طليعتهم العلامة الراحل محمد بن العربي العلوي رحمه الله. هذا الذي لم يساير سياسة الحكام بعد حصولنا على الاستقلال! فقد انضم بعد حين مما شاهده من انحراف عن جادة الحرية والديمقراطية، إلى صف الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، كحزب معارض ناشئ. وتوفي الراحل الذي لا بد من الإشادة به، وهو في صف المعارضة، بعد أن كان شعلة متقدة لإنارة الطريق أمام المتطلعين إلى معرفة خطورة القبورية والطرقية على العقلية المغربية كنموذجين للتخلف والرجعية.

فخطواته وخطوات من كانوا معه على نفس النهج -لكنهم تراجعوا- هي التي أعتز بكوني أحذوها الآن حذو نعل بنعل. فقد ربطت الحداثة والعصرنة بتحرير العقول من الفكر الظلامي بمختلف أنواعه وألوانه. ومن هنا تحدثت منذ عام 2008م، عن الفكري الظلامي السلطوي والحزبي. والسلطوي منه هو الذي يعكف من يقرعني على فضحه بمختلف الطرق الحضارية ما أمكنه. وعبر أكثر من موضوع يكتبه في هذه الصحيفة الإعلامية أو في تلك. وأنا من مؤيديه، ومن مؤيدي أمثاله، متى تعلق الأمر بتقديم براهين الإدانة. وبمعقولية الخطاب الصحفي أو الفكري. وإن هو أدرك ما أستهدفه من وراء كتاباتي لتراجع عن القول بكوننا نمثل خطين متوازيين.

ثم إنني لا أريده أن يعتقد بأنني أناصر جهة سياسية رجعية في الوقت الراهن على حساب جهة ثانية أو ثالثة أو رابعة. فالحكومة الحالية بكيفية أو بأخرى، كنت وراء التمهيد لها منذ عام 1992م! وإن كان رئيسها قد تحاشى ذكري في المقابلة الصحفية التي أجرتها معه مجلة “المغرب كما كان زمان” عدد 21 يوليوز 2015م تحت عنوان “عبد الإله بنكيران: أسرار واعترافات تنشر لأول مرة”. مع الإشارة الفورية هنا إلى أن بعضا من هذه الأسرار، أعرفه معرفة جيدة، وهو ما تجنب الإفصاح عنه! وأنا عازم على كشف المسكوت عنه في تصريحه الطويل. وعندها يدرك من توازت أفكاري مع أفكاره -حسب اعتقاده- أن العمل الذي يرمي إلى تحرير العقلية المغربية من الأوهام والخرافات، هو نفسه العمل الذي يرمي إلى تحرير المغاربة من الفكر الظلامي الديني من جهة، ومن الفكر الظلامي السلطوي والحزبي من جهة ثانية!!!

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M