كيف نتجاوز السخرية في زمن “كورونا”

20 مارس 2020 12:31

هوية بريس – الحبيب عكي

   كما هو ملحوظ هذه الأيام العصيبة، أن هناك موجة من السخرية الفظيعة تجتاح في هيجان مواقع التواصل الاجتماعي بنكتها السخيفة وتكتسح أرض الواقع بتصرفاتها الرعناء،  وهي تستخف بجائحة “كورونا” وتحاول التقليل من خطورة هذا الفيروس الوبائي الفتاك وإظهاره على غير حقيقته، وهو الذي ظل ينشر المنايا ويحدث الضحايا في كل أرجاء المعمور؟؟، وهذا أمر مقلق جدا وغير مسؤول البتة، ولاعتبارات عدة لعل أولها وأخطرها كونه يحاول النيل من البحوث العلمية الجادة والجهود الوقائية الجبارة وما ينبني عليها من تدابير إجرائية قاسية ولكنها لازمة لإدارة الأزمة بنجاح، أزمة حرجة وغير مسبوقة يخشى الجميع فشل إجراءات الخروج منها – لا قدر الله – بمثل هذه السخرية الرعناء واللامبالاة البلهاء، من هنا ضرورة الحرب على واجهتين إحداهما لا تغني عن الأخرى، واجهة الحد من انتشار الفيروس وحصده للأرواح، و واجهة انتشار السخرية التي تعبد له الأجواء بما تحصده من الوعي وتزيفه من الحقائق وتثبطه من الهمم والعزائم؟؟.

لا بأس من السخرية الإيجابية المحفزة المصلحة على عادة أبناء الشعب الظرفاء، وفي ذلك بعض الإيجابية الباعثة على التفاؤل وحمل الأمور من جانبها الأخف، وترك شؤون الخلق للخالق ففي نهاية المطاف ومهما دفع المرء القدر بالقدر واحتاط واتخذ الأسباب، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وهو القائل: “لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بنصر الله”الروم/4، وقديما كان الساخر ظريفا طريفا مكديا ذكيا مصلحا اجتماعيا حاضر البديهة مخيالا مبصرا بزمانه، وسخريته هادفة سياسية اجتماعية وإصلاحية بانية، وكثير من الساخرين كانوا هم صوت الشعب لدى الحكام وفي موائد الكرام واللئام، وصوت المقهورين الذين حموهم بسخريتهم من قساوة الحياة ومن الضرب والتأديب والتنكيل والزج بهم في السجن على باطل، فسخروا من السياسات ومن المسؤولين…وسخروا من الفقر والبطالة ومن الجهل والأمية ومن الغلاء والهجرة ومن المتردي بصفة عامة في حياة الناس وفي الحياة الأسرية والصحية والتعليمية وغيرها، وكل ذلك كان يخلق الفكاهة لدى المتلقي ويدفعه إلى المبادرة بالتغيير في الاتجاه الصحيح؟؟.

على عكس اليوم، الذي نجد فيه جل الساخرين في زمن “كورونا” من ذوي السيكولوجية المتهورة واللامسؤولة، ربما نرجسيون يشعرون بالنقص في ذواتهم وفي حياتهم، ويسعون للتعويض وفرض ذواتهم بهدم الآخرين وانتقاد تصرفاتهم ولو بقلب الحقائق وتزييف الوعي وجعل الشيء الخطير تافها والشيء التافه عظيما، وقد يتفننون بالصوت والصورة وStatut  وLive   وstory   و Copier & Coller و J’aime  وGroupe وPage…عبر كل مواقع التواصل الاجتماعي والتطبيقات الذكية،  وعبر كل أنواع السخرية وطيفها من قبيح الأفعال التي قد تمتد من الهزل الخفيف والضحك السخيف إلى السخرية الآثمة والفكاهة الثقيلة، إلى التندر والتهكم المبكي والهمز واللمز والاستهزاء المرير، إلى التعريض الفصيح والهجاء الواضح والبلطجة واللامبالاة بوصفهما عنفا صريحا واعتداء جريحا، حتى إذا جد الجد كان الساخرون أول الكافرين بسخريتهم، كما يظهر اليوم من تهافتهم على اقتناء المواد الغذائية والمؤونة بجشع واحتكار ومضاربة، و هم الذين ما فتؤوا يضحكون من الجائحة ويعتبرونها مجرد حكاية لا تستحق كل ما اعتبروه بهرجة؟؟.

نعم واليوم، لا يمكننا أن نتجاوز السخرية في زمن “كورونا” ونحارب بلاهتها،  إلا إذا علمنا أولا لماذا تنتعش، وكيف تنتعش ومن طرف من إلى غير ذلك.تنتعش السخرية في زمن “كورونا” لأسباب وأسباب على رأسها:

1-غياب المعلومة الصحيحة في البداية، مما فتح الباب على مصراعيه لشيوع الإشاعة بعدها، وممن هب ودب؟.

2- هول الكارثة الوبائية وصدمة الوضع الصحي المتردي، إلــى درجة قد تبلغ  80 ضحية على سرير واحد؟؟.

3-غياب البرامج الحوارية ذات المصداقية والواسعة الانتشار، والتي يمكنها نشر الإيجابية ومحاربة السخرية؟.

4-ظهور عادات غريبة فعلا في حياة الشعوب، يصعب على المواطن قبولها والتأقلم معها، لا تجمع..لا مصافحة..لا صلاة جماعية..لا حج لا عمرة..لا دراسة..لا عمل..حتى طربت علينا المطربة بطربها الطروب فعلا:”ما فيش حاجة تجي كدة..اهدى حبيبي كدة”، وطربنا نحن أيضا على طربنا:”الزين بالكمامة..والمشية كيف الحمامة..زينك زين كورونا..وخا بغاو يفرقونا”؟؟.

5- سيادة بعض السياسات الكارثية الرسمية والقطاعية، التي لم تفلح إلا في استدامة الأزمة واستفحالها في العديد من المجالات، على غرار.. وعلى غرار..وعلى غرار، مما لا يقنع المواطن في شيء فبالأحرى أن يعبئه للانخراط فيها والترافع عنها، وربما يرى الساخرون في تدبير هذه الأزمة نفسها بعض الأخطاء من هذا الطرف أو ذلك  رغم كل الجهود الجبارة  التي نسأل الله تعالى أن تكلل بالنجاح؟؟

6- غياب المقاربة التشاركية في التدبير، مع ما يبدو في ذلك أو يتوهمه البعض من الإجهاز على بعض المكتسبات في هذا الصدد وخاصة بعض الجهود المدنية؟.مع العلم أن الأمور في عمومها غامضة، ولا يستطيع تدبيرها إلا ذوو علم وخبرة، وقدرات وصلاحيات، خاصة وأن الناس في كل العالم قد تشتتوا بين كونهم ضحايا سياسات دولية ومؤامرات وحروب جرثومية، وبين كونهم مستهدفين من طرف فيروس حقير جشع لا يبحث إلا عن جسد يهلكه ليحيا، بغض النظر عن جنسه ولونه أو بيئته وموطنه أو دينه ومنصبه، عنصر قيادة دولية كان أو أداة دفع وتنفيذ محلية؟؟.

7- انتشار الهواتف والتطبيقات الذكية ومواقع التواصل الاجتماعي التي يختفي وراء لوحات مفاتيحها الأخيار والأشرار، ويتفرج على شاشتها الجميع في كل الأوقات وعبر كل الأقطار، ودون حسيب ولا رقيب؟؟.

8- طغيان السلبية والتشفي بدل الإيجابية والمشاركة، وسياسة العدمية والرفض لكل شيء، وفقدان الثقة في المؤسسات والسياسات، مما يؤدي إلى النقد والتشهير، للأشخاص والمبادرات بدل الأفكار والبدائل؟؟.

فعلا، إن قيمنا التربوية والثقافية قد تغيرت كثيرا في اتجاه اللامعنى، وخطابنا السياسي والاجتماعي والديني أيضا تغير في اتجاه اللاجدوى، وسنظل نحن نساءل سياستنا التعليمية والتكوينية عن الأسباب والحلول، وستظل مواطنتنا وإنسانيتنا تساءلنا عن مداخل الإصلاح وحوامله، ولا شيء في الأفق متيقن منه غير السخرية التي ستظل تسخر منا ومن الجميع، إلى إشعار آخر بلغة قرارات “كورونا” – رفع الله بأسها و وبائها عن العالمين – هذا الإشعار الذي قد يكون قريبا أو بعيدا:

1- ما ضعف فينا الوازع الديني، وقوي فينا التفلت الأخلاقي، وما يحملنا عليه من الفضح والتشهير بدل النصح.

2- ما فقدنا معايير السخرية المباحة من غيرها، ومعايير صنع المحتوى وتبادل الرسائل من حبسها وإقبارها؟؟.

3-، ما افتقدنا إلى مراقبة ذاتية وقانونية فعالة، وقبلها إعلام وطني مواكب على قاعدة”الخبر مقدس و الرأي حر”، وهو التجسيد الحقيقي لمرسوم “الحق في المعلومة” الذي دخل هذا الشهر حيز التنفيذ؟؟.

4- وأخيرا، ما لم يبادر أهل الخير بمبادراتهم الخيرة، فما ساد أهل السخرية واللامسؤولية إلا بتواري أهل الجد والمسؤولية والمبادرة، وهكذا كما رأينا فقد كثر الهزل و اللغط، وما أن ظهرت المبادرات التضامنية على السطح حتى خرس الخراسون، وما أن أحدث صندوق التضامن ضد “كورونا” حتى كدنا لا نسمع لهم حسا، فالمبادرة المبادرة فما نزلت الرحمة بشيء أكثر وأفضل من التضامن، فدعوا سخريتكم على صفحاتكم ومواقعكم وهواتفكم وتطبيقاتكم وارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، ألف قفة وقفة..ألف توعية وتوعية..ألف التزام بالبيت والتزام..ألف مساعدة ومساعدة..ألف طمأنة وطمأنة..ألف حكاية وحكاية..، ذلكم الدواء..ذلكم الدواء..الوعي والمسؤولية والمبادرة..فبادروا وبادروا بنظام وانتظام..رفع الله عنا وعنكم وعن العالمين البلاء؟؟.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M