لماذا تفشل المؤسسات الغربية غالبا في التعامل مع حوادث العنصرية والتمييز؟

29 ديسمبر 2019 17:06

هوية بريس – متابعات

على الرغم من أن التمييز يعتبر أمرًا مجرماً في المجتمعات الغربية منذ عقود طويلة، ومكافحة العنصرية أمر تنص عليه القوانين والدساتير، فإنه لا تزال الحوادث والقضايا المرتبطة بالتمييز العنصري تمثل مشكلة، وغالباً ما تفشل المؤسسات في التعامل معها، فما السبب؟

ووفق “عربي بوست” فقد ذكرت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية نشرت تقريراً بعنوان: «لماذا تفشل العديد من المؤسسات في التعامل مع مسائل الاختلاف العرقي وحوادث العنصرية؟».

حالة مذيعة بي بي سي

كيف يجب أن نتعامل مع مسائل العِرق والعنصرية في مؤسساتنا؟ تبرز حالتان في عام 2019 كأمثلة قوية على سبب الإدارة الخطأ لتلك المسائل في العديد من المؤسسات، ولماذا أصبح تصحيح تلك الأخطاء الآن أهم من أي وقت مضى.

الحادثة الأولى كانت في سبتمبر الماضي، عندما تعرضت مذيعة BBC ناغا مونشيتي للتوبيخ من وحدة الشكاوى الخاصة بالمذيعين، إثر تعليقاتها على دعوة دونالد ترامب لأربعة من أعضاء الكونغرس الأمريكيين «للعودة من حيث أتوا».

كانت مونشيتي، التي ولدت في لندن من أصل هندي، قد أبدت وضوحاً وامتثالاً للمعايير وتحكماً في النفس خلال تعليقات أصدرتها بعد أن سألها مذيع مشارك، والذي كان على خلافها ذكر أبيض، عن شعورها حيال تصريحات رئيس الولايات المتحدة الأمريكية. لتقول: «كل مرة طُلب فيها مني، كوني امرأة ملونة، أن أعود إلى المكان الذي أتيت منه، كان ذلك الأمر بالنسبة لي أمراً طافحاً بالعنصرية. وأنا الآن لا أتهم أي شخص بأي شيء، لكنك تعرف مثلي أن بعض العبارات تحمل معاني معينة»، مضيفة «أتصور أن كثيراً من الناس في هذا البلد سيشعرون بالغضب الشديد من أن رجلاً في مثل هذا المنصب يرى أنه من المقبول تجاوز الحدود باستخدامه لغة كهذه».

وكانت هيئة الإذاعة البريطانية قد قالت إن مونشيتي خرقت مبادئ الإذاعة التوجيهية فيما يتعلق بحياد المؤسسة. لكن احتجاجات داخلية وخارجية كبيرة، دفعت توني هول، المدير العام للهيئة، للتراجع عن القرار بفرض عقوبة عليها.

جراح بريطاني من أصل هندي

أما الحادثة الثانية فكانت في أكتوبر الماضي، وذلك عندما كشف رادهاكيشنا شانبهاج، وهو جراح كبير من أصل هندي ويعمل لصالح «هيئة الخدمات الصحية الوطنية» بالمملكة المتحدة منذ ما يقرب من 30 عاماً، عن واقعة تعرض فيها لإهانة كبيرة، عندما طلبت مريضة «بأن يكون طبيباً أبيض» هو من يجري لها عمليتها الجراحية المقررة. وقال شانبهاج لـ ITV News: «جزء من المشكلة هو أنني لا أعرف الكيفية التي ستدعمني بها المؤسسة في مثل هذه المواقف».

وانتظر مات هانكوك، وزير الصحة البريطاني، أسبوعاً بعد تلك الحادثة ليقول لموظفي هيئة الصحة الوطنية إن هذا السلوك كان سلوكاً غير مقبول.

ومع ذلك، فإن حقيقةَ أن هول وهانكوك كان لا بد من انتقادهما علناً (في نهاية المطاف) لكي يعيدا اعتبار موظفيهما، تسلّط الضوء على كيف أنه حتى المنظمات التي يعمل فيها قوى عاملة متنوعة عرقياً تفشل في التعامل مع مسائل العِرق وحوادث العنصرية.

غياب التفكير في حلول تناسب الوضع الحالي

تقول سونيا كانغ، وهي أستاذة بجامعة تورنتو تدرس التنوع العرقي في بيئات العمل، إن أصحاب العمل والمديرين تقاعسوا عن مراجعة وإعادة التفكير في الكيفية التي يديرون بها مؤسساتهم، وأضافت: «لقد بات التنوع يدور حول الحصول على مزيد من العاملين والسماح بانضمامهم، لكن لم تفكر المؤسسات على نحو كافٍ فيما يتعين عليها القيام به، بعد أن يكون لديها بالفعل قوى عاملة من خلفيات عرقية مختلفة».

يتمثل أحد أبسط الأسباب وراء عدم إحراز تقدم في هذا الملف وفقاً لبسمة المومني، الأستاذة بجامعة واترلو الكندية، في أن إدارة قوى عاملة من خلفيات عرقية متنوعة أمر صعب في البداية. وتقول: «الأمر بالطبع ليس سهلاً في البداية، ومع ذلك فإنه يؤتي ثماره في زيادة الإنتاجية والأرباح على المدى الطويل».

ويذهب كلا الأستاذين إلى أن المؤسسات تتعرض لضغوط لإجراء تغييرات من داخلها، ويرجع ذلك إلى موظفي الأقليات والقوى العاملة من جيل الألفية، إذ تنظر تلك الفئات إلى ما هو أبعد من مجرد الحوافز المالية عند اختيار أصحاب العمل والوظائف التي يلتحقون بها.

ترامب وجونسون

السياق السياسي الأوسع أمر حاسم في هذا الأمر أيضاً، فدونالد ترامب، على سبيل المثال، لديه تاريخ طويل فيما يتعلق بتوجيه الانتقادات والهجوم الخطابي على الأقليات والمجموعات المختلفة عرقياً. وقد سبق لرئيس الوزراء البريطاني الحالي بوريس جونسون أن دافع أيضاً عن استخدام لغة بذيئة قبل توليه رئاسة الوزراء، مثل وصفه الأفارقة بـ «الزنوج الصغار» (piccaninnies)، ذوي «ابتسامة البطيخ»، في مقال صحفي له.

بوريس جونسون

لقد عرف الدكتور شانبهاج العنصرية ومرّ بالكثير من مواقفها على امتداد سنوات خدمته في هيئة الخدمات الصحية الوطنية، لكن المديرين لم يفعلوا شيئاً. لقد تحدث الآن لأن الوضع صار أسوأ منذ التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فهو يقول إن «الناس ازدادت جرأة بعده. فقد منح الخروج من الاتحاد الأوروبي والحملات المصاحبة له بعض الناس ثقة للاعتقاد بأنهم ليسوا وحدهم من يشعرون على هذا النحو، وأن نصف هذا البلد لديه الموقف ذاته، ومن ثم فلا بأس أن نعلن مواقفنا على نحو ما».

ويساعد هذا التحول في تفسير أسباب انزعاج كثير من الموظفين من خلفيات الأقليات في إثر تلك التغيّرات، وإلى أن يدرك مزيد من الأشخاص الموجودين في السلطة بالفعل مسائل مثل العنصرية أو التمييز العنصري، فإن خطوات الإصلاح في هذا الموضوع ستظل بطيئة للغاية. ويتطلب إصلاح ذلك تولي مزيد من الأقليات مواقع السلطة لإحداث تغيير حقيقي، عوضاً عن التركيز على استطلاعات داخلية لا جدوى منها، تظل تسأل الناس عن شعورها حيال تلك المسائل دون اتخاذ قرارات وإجراءات مناسبة.

وهذا يعني أيضاً أنه ينبغي حث الموظفين على التحدث عن الأمر في صراحة وعلانية، لا معاقبتهم، ولقد ترددت دائماً في الكتابة عن مسألة التعامل مع الاختلاف العرقي والعنصرية. إذ لم أكن أريد أن أكون موظف الأقلية الذي يكتب عن موضوع بدا من الوضوح بمكان. لكن لم يعد أمامي خيار. ولأصحاب العمل دور كبير ينبغي لهم الاضطلاع به في معركتنا، والمديرون أيضاً بحاجة إلى أن يفيقوا من غفلتهم.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M