مأساة المغرب (ثورة الملك والشعب)

19 أغسطس 2020 00:27

هوية بريس – إدريس كرم

تقديم للمقدمة:

يقول مؤلف كتاب “le drame du maroc” بول بيتين نقيب المحامين الفرنسيين بمكناس سنة 1954 في ثنايا كتابه:

“لا يمكن البحث في معرفة المغرب من غير الوقوف على ماضيه الذي ليس هو بالماضي الميت وإنما هو ماض حي على الدوام، والواجهة العصرية التي ألصقتها فرنسا عليه منذ 1912 لم تستطع قتل كلما وجدته به، لذلك فماضيه حاضر باستمرار.

وإذا كان الفرنسيون يقولون بأننا حسنوا النية عازمون على أن نقود المغاربة نحو استكشاف مفتاح الحياة الجديدة بعدما جعلناهم يفقدون مفتاح حياتهم التقليدية التي كانوا عليها، والذي بقي هو نفسه يفتح باب نفس الحياة على مدى العصور، معتبرين ذلك من أولويات مهامنا لتحقيق اقتراب أكثر بين المغرب والغرب الأوربي.

وفي هذا الإطار تدفق الفرنسيون على المغرب بعد نداء ليوطي سنة 1918 بالالتحاق به في إمبراطورية الغنى الشريفة، فانتقلوا من بضعة أفراد قبل 1912 إلى 350000 سنة تأليف الكتاب، يمتلكون ما بين 800000 إلى 1000000 هكتار من أجود الأراضي، كلها تتوفر على الماء والكهرباء والطرق.

(فماذا عن ساكني المدن الجديدة المعدة خصيصا للأروبيين الممنوعة عن المغاربة) والتي تنموا كل يوم حيث تضم الدار البيضاء 175000 والرباط 40000 ومكناس 25000 وفاس 15000 ومراكش 10000.

هؤلاء الفرنسيون سلم ممثلوهم مذكرة باليد لرئيس الجمهورية الفرنسية في دجنبر 1952 يطلبون فيها عزل السلطان محمد بن يوسف، وقد اعتبر الرسميون بان أثر ذلك سينتهي في ثلاثة أشهر، بل ذهبت جريدة لفيجي ماروكان الصادرة بالدار البيضاء في 23/8/1953 بأنه سينتهي بعد ثلاثة أيام من العزل.

فماذا فعل السلطان ليعزل؟

يقولون بأنهم يريدون عزله لـ:

غموض موقفه من حزب الاستقلال، ورفضه مقترحات الفرنسيين في قبول السيادة المشتركة،

مطالبته منذ 1944 بإصلاحات سياسية،

تبنيه مطالب المغاربة المقدمة قبل20 غشت 1950، وهي:

– إلغاء الاعتقالات التحكمية

– تعديل اتفاق الحماية

– توسيع المشاركة في الإدارة

– سياسة عادلة لخدمة مصالح المغاربة

هذه أهم مرتكزات الكتاب الذي نقوم بترجمة مقدمته التي تتطرق لحقيقة ما سمته الدراما المغربية التي لا تزيد على قتل حضارة من أجل إقامة سياحة في غرائب حطامها.

نص المقدمة:

يمر المغرب بأزمة خطيرة تنفلت أسبابها الجدرية من سكانها بشكل أو بآخر سواء كانوا مغاربة أو فرنسيين، وتشير المحاضر الرسمية إلى أن هذا الغموض كبير في باريس كما هو في الرباط.

نحن نشعر بإحراج مؤلم وانزعاج معين عند سماع خطاب -الله وحده أعلم بكنهه- يحيي الصداقة الفرنسية المغربية بتعويذة تظهر أنها ستضع حدا لهذه الأزمة.

منذ عشرين سنة، بل منذ خمس وعشرين سنة تكرر نفس الصيغ النمطية الفارغة المحتوى والمضمون البائس، فمنذ عشرين سنة بل خمس وعشرين سنة والوضع يتدهور أكثر فأكثر وإن بشكل بطيء كل يوم.

عندما ظهر الإرهاب بعد انقلاب 20 غشت 1953 كانت الأطروحة الرسمية مرة أخرى هي الصداقة الفرنسية المغربية التي لا يستطيع حفنة من المحرضين تقويضها، بيد أن الإرهاب مستمر والأخطر من ذلك بكثير المعارضة الصامتة لشعب بأكمله للسياسة التي نريد فرضها عليه.

من الصعب تحليل أسباب الدراما المغربية، الرجل في الشارع حتى ولو كان يعمل بكفاءة يجد صعوبة في اكتشافها.

أود في هذه المقدمة القصيرة أن ألقي لمسة أصبع عن هذه الصعوبة وشرحها بنفس ما حاولت به القيام في هذا الكتاب الجديد عن المغرب الذي جاء بعد ما نشر غيري كثير من الكتب في الموضوع المغربي.

نحن جميعا نسكن المغرب نحن في هذه الدراما في نفس الوقت الشهود والممثلين والضحايا، نحن شهود لمجرد وجودنا، نحن ممثلون لأن الدراما ترجع -بعد ذلك- إلى أسس التعايش على هذه الأرض بين الفرنسيين والمغاربة، وهكذا فكل فرنسي وكل مغربي بغض النظر عن رتبته الاجتماعية وقدراته الشخصية وخياراته السياسية أو الفلسفية، هو بلا شك مرتبطة ارتباطا وثيقا بالدراما التي سأقول بأنها تتكشف لنا ونحن في نفس الوقت ضحاياها وهذا لا يعني أن كل واحد منا يواجه خطر الوقوع تحت رصاص إرهابي.

ضحايا الإرهاب أقل بكثير من حوادث السيارات لكن المجتمع المغربي في حالة اختلال تام في التوازن، أما بالنسبة للفرنسيين فهم يعانون من الأجواء المؤلمة من المناخ النفسي والاجتماعي، إنهم قلقون على مستقبلهم متسائلين إلى أي مدى هو مضمون، وهل هناك أحداث غير متوقعة مع عواقب لا تقل خطورة يمكن التنبؤ بها والتي قد تظهر فجأة أمامهم لتغير بشكل أو آخر مسار وجودهم.

كونك شاهدا أو فاعلا أو ضحية فهذا لا يؤهلك للقيام بتحليل أوضح للأحداث وإصدار حكم موضوعي.

نحن نعيش الأحداث يوما بيوم نحن لا نعرفهم جيدا، خدعتهم الروايات المزيفة المقدمة لنا، وليس لنا الوقت ولا الوسائل لا إمكانيات البحث عن معرفة ما يجري.

السبب الثاني هو أننا نومن بأننا أحرار في أحكامنا، بينما في الواقع نحن أسرى عن كثب في الدوائر الاجتماعية التي ننتمي لها، لقد تبنت هذه الدوائر عددا من البديهيات، مترجمة لشعارات حول كل المشكلات التي نتصدى لها، هذه البديهيات، هذه الشعارات لها قوة القانون.

كل من يحاول التغلب عليها وتطبيق حسه النقدي عليها وسؤال نفسه عن الحقيقة وكشف القناع عنها ينبذ من محيطه، ويصير مخطئا لأنه يعلن كذب حقيقة معترف بها على هذا النحو من قبل كجميع الأتباع، لذلك يصبح الأمر “خطيرا” من هناك إلى التصريح بأنه “فرنسي سيء” هذه مجرد خطوة سريعة.

قال لي أحد زملائي ذات يوم “إنك تنتمي لمجموعة الفرنسيين في المغرب، ولا يحق لك التفكير بخلافهم”، وهذا يعني بالنسبة لهم الكلام الصحيح، أخلاق العشيرة أو العشيرة البدائية، هذه الشعارات تهيننا إنها لا تؤثر على الفكر الفرنسي فقط بل هي نفي للفكر ذاته.

لكن الحقيقة أن الفرنسيين قد نطقوا بها، واعترفوا بها، فهي تعكس فرنسا، القول للمغاربة بأنهم لا يصلحون لشيء، وإبعادهم لهذا السبب عن المناصب المهمة ووصفهم بصفات يرفض القلم الصادق كتابتها ليست هي العلامة الوحيدة المحددة للذكاء المستنير.

سألت ذات مرة إحدى قريباتي؛ لماذا الإدارة العليا للحماية ترفض إعطاء مراكز للمغاربة المتخرجين من كلياتنا؟ ردت علي ساخرة بقولها: إن هؤلاء المثقفين مجرد مبيضي أوراق عديمة الفائدة، لقد نسيت ببساطة أن زوجها كان في نفس الوضعية علاوة على ذلك أنه خريج مدرسة عليا.

في الحقيقة الشعار لا يجعل الحكم صعبا فقط بل يجعله مستحيلا بل يقضي عليه يقتله، دعنا نقول بأن الكثير من الفرنسيين في المغرب هم الضحايا الذين خرج منهم هذا الشعار، فلهذه الأسباب التي تخصنا، يجب أن نظيف لها أسبابا أخرى أصلها بين شركائنا المغاربة، إن تحليل الحالات الذهنية.

وتيارات الأفكار التي تحركها وتهيجها يصطدم بعقبة غالبا ما تكون هي المراقبين غير المطلعين

أريد أن أتحدث عن هذا الشعور الذي يسمى احشومة وهي كلمة غير قابلة للترجمة للفرنسية تعني في نفس الوقت: العار، التواضع، التحفظ، هذا هو أحد الجوانب الأكثر حساسية في الأدب المغربي الرائع، احشومة لإبن أن يدخن أمام أبيه، لعضو في جماعة لا يحترم تقاليده، وعاداته، لمسلم يتحدث مع أوربي بالعربية ويحاول أن يصحح له أخطاءه، لأن ذلك من شأنه إشعار محدثة بالدونية والتقليل من قيمته.

ومن الحشومة أيضا السماح بعدم موافقته على فكرة مطروحة أو وجهة نظر عبر عنها محاور بشكل علني للغاية لفضح رأي يعرف المرء أنه يختلف عن رأيه، يتعارض معه، لأن ذلك سيعني إجباره على الاعتراف بأن كلامه ليس صحيحا.

كل سياسة صعبة خاصة الممارسة في بلاد المغرب، لأنه أحيانا الجيد من الموظفين يكون مقتنعا بأن أفعاله تحظى بموافقة أحاسيس مرؤوسيه، في حين أنه في الواقع يثير غضبهم بشكل سيادي، وليس هناك طريقة للقبول بها في داخلهم، لكن سيكون احشومة تركها تظهر حتى يحين اليوم الذي سنتفجر فيه.

لقد أتيحت لي فرصة جمع بعض الأسرار من المغاربة الذين يعيشون في المناطق السكنية حيث تم قبولهم بها، لأنهم كانوا يعتبرون (مأمونة الجانب)، وأنه يمكننا (الاعتماد عليهم) (لقد كانوا أصدقاء مخلصين لفرنسا).

الحقيقة صحيحة: لقد كانوا أصدقاء مخلصين لفرنسا، لكنهم كانوا أعداء للسياسة الفرنسية غير قابلين للاختزال، للأسف! وهو ما تواصل اتباعه فيهذا البلد لعدة سنوات من قبل منتدبيه العظام المعينين من قبل الذين لا يمتلكون فكرا يحيط بما يجري هنا من الأحداث حتى ولو بشكل بسيط.

في أقل الأحداث التي تكون بسيطة بالرغم من صعوبتها فلن تكون عصية عن الفهم عند طرحها في شموليتها لا في عمقها.

الشمولية أولا، لأننا لا نعلم شيئا قبل ولادة مأساة من تواجد حضارتين مختلفتين للغاية بل أحيانا متعارضتين معارضة غير قابلة للاختزال حول نقاط معينة، وعلى كل حال فإن الوقت وحده كفيل بتخفيف تصادمها الاستعمار والعنصرية والرأسمالية موجودة بلا شك في المغرب وهي بصفة عامة ما سنجعلها كبش فداء للاشتباكات التي سنعرفها، تفسير سهل ومبسط، لأن الدراما أخطر بكثير من تلك التي تسببها الحقائق المخفية وراء هذه الأسماء في “اسم” نسيء له كثيرا.

الدراما الحقيقية في عمقها ناتجة عن تلامس واحتكاك، فصراع بين حضارتين ولدت إحداهما في حدائق تورين، والأخرى في رمال الصحراء، واحدة تحت ظلال فرنسية ناعمة وأخرى تحت سماء حارقة ورمال عنيدة، حضارة مستقرين وحضارة رحل.

ولمعرفة وتحديد مدى هذه المأساة يجب أولا أن نتوفر على الإرادة في بذل الجهد اللازم، ونادرون من لديهم هذه الإرادة، إذ من الضروري بعد ذلك معرفة الحضارتين ثم مقارنتهما ببعضهما البعض لتبين نقاط الاتصال والتعارض إن كانا موجودتين لمعرفة الوسائل التي يمكن بها إعادة استيعاب كل محددات الاحتكاك والصراع لحله أو التخفيف من آثاره.

من الواضح أن هذا الجهد صعب في استعراضه، وهو أصعب في واقع تحققه والتعامل معه يقتضي التعاون والتكاثف والتفاهم.

من أجل ذلك تم السعي في الدار البيضاء التي يبلغ عدد سكانها 75000 فرنسي بتوزيع نشرات وإقامة دورات تكوينية في علم الاجتماع الإسلامي، حضرها في السنوات الأخيرة أربعة أو خمسة أشخاص، بالمقابل قام المسيحيون الذين تم تنبيههم لتدارك الموقف بعد وقوع المأساة بتعبئة الفرنسيين لحضور دروس كنسية بكثافة، لكن الحاضرون لم يكونوا شبابا ولم يتجاوز عددهم العشرين.

لحل هذه الدراما نحن راضون عن استحضار (العظمة الفرنسية) و(مصلحة فرنسا) و(الصداقة الفرنسية المغربية) و(الاعتراف بأن المغاربة مدينون لنا بالمزايا التي قدمناها لهم) أو حتى (الحاجة لتقوية أواصر المحبة) نستمر في هذه الصيغ الفارغة المنفصلة عن الواقع المنافية لما نريد إعطاءه.

لا أعرف ما هي القوى السحرية والمذهلة التي تلاقينا بهذا الفشل.

عمق الدراما: ربما يكون هذا الجانب الأكثر تهربا من معاصرينا، يشهد العالم الإسلامي بأسره تغيرا سريعا مع عواقب غير متوقعة، في اتصاله مع الغرب الذي لعب دور المحفز لقد استيقظ من خمول ربما كان متخيلا أكثر منه حقيقيا، انفتح فجأة على الحس النقدي، يراجع كل مفاهيمه، كل شيء اعترف به لقرون دون مناقشة صار يدقق في أحكامه ومسلماته.

المغرب أحد آخر البلاد الإسلامية المتصلة بالغرب، لكن وقعت بها تطورات فجائية مقلقة وهو ادعاء فرنسي لتحقيق شهرة المساهمة في تطوير بلد مسلم، هو ادعاء لا يمكن لأحد أن ينتقص منه، لقد ذهب هذا التطور إلى حد أن المرء يتساءل إلى أين سينتهي؟

يتخرج العديد من طلاب القرويين إحدى أشهر كليات اللاهوت في العالم الإسلامي، وعندما يلتحقون بمراكز عملهم، يواجهون سؤالا محفوفا بالمحاذير حول مكانة المرأة ومساواتها بالرجل لأغراض الزواج، البعض يرفض تعاليم القرآن في الموضوع، أخرون يدعون أنهم مؤمنون لكن لا يتفقون مع الجاري في الموضوع، ماديون ماركسيون لهم رأي مغاير، لكن المرأة المغربية نفسها تطور نفسها بنفسها بسرعة كبيرة لدرجة أن المراقبين الأكثر معرفة، بالكاد يتمكنون َمن متابعة مراحل تطورها، فجأة تركت (الحجبة) لتلقي بنفسها بحماس في النضال السياسي ومطالب الشارع.

القوميون والنقابيون المعتقلون في دجنبر 1952 والمفرج عنهم في غشت 1954 لم يقدروا على التعرف على زوجاتهم بسهولة فقد تغيرن بعد غيابهم بشكل كبير حيث اكتسبن نضجا ذهنيا معرفيا متقدما.

لم يكن تطورا بل ثورة أكثر عمقا وأثقل عواقب في تاريخ الشرق الأوسط، لقد تمت مراجعة جميع المفاهيم، وأصبحت جميع العقول متحفزة نحو المستقبل الذي يشعرون به، لكنهم لا يعرفون عن مآلاته شيئا فهو ليس تطورا طبيعيا، بل قفزة من وضع معروف لوضع مجهول، لقد حاولت في الصفحات التالية تقديم السمات الأساسية للمغرب القديم ، أن أصف بعض جوانب التطور الجاري، إنه اختبار يمكن أن يكون مجرد محاكمة، أنا لا أنسى أنني أعيش في المغرب منذ 34 عاما مثل أبناء وطني، ومثل الشهود المسلمين، الممثل والضحية للمأساة بكل الهموم التي يفرضها هذا الشرط أود من القارئ الذي سيوافق على متابعتي حتى النهاية أن يستخلص استنتاجا واحدا فقط من قراءته وهي الحاجة لمراجعة جميع مواقفنا كل سياستنا تجاه مفاهيم مواجهة المغرب وربما تجاه افريقيا الشمالية وضمنها الجزائر لأنها لن تبقى بعيدة عن التطور الذي تتبعه باهتمام.

عشية الأحداث التي وقعت بالأوراس في نهاية 1954 يمكن ان تكون مجرد استنتاج تستوجب حاجة ملحة لمراجعة سياستنا الإسلامية بأكملها من أعلى لأسفل تماما كما يراجع المسلمون أنفسهم جميع قيمهم السابقة.

بالتأكيد لا يزال لذينا صفحة جميلة نكتبها في شمال إفريقيا بشرط أن نقلب صفحة الأمس لنعرف من اليوم كيف نكتب صفحة الغد.

هل سنعرف؟

الأحداث التي شهدنا نهايتها عام 1954 الروح الثابتة لمعظم الإدارة على جميع المستويات الخوف من تبني الحلول الجديدة الجريئة الضرورية، تجعلني متشائما.

مكناس نونبر 1954″.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M