مؤتمر الماسونية ومناهضة الإكليروس بالرباط 1937م

05 مارس 2021 19:21
مؤتمر الماسونية ومناهضة الإكليروس بالرباط 1937م

هوية بريس – ذ.إدريس كرم

تقديم:

الاحتجاجات التي حدثت في الخميسات سنة 1937 لم يُقل عنها إلا أنها كانت امتدادا لمناهضة الظهير البربري، في فترة كان الشعار هو تحقيق المطالب في الحريات العامة، وإنشاء الأحزاب والصحافة، لكن هذا المقال يبين سببا آخر لثورة الخميسات، وهي الاحتفال الكبير الذي أقيم بالمدينة بمناسبة رفع تمثال للقديسة تريزا، في إحدى الساحات بها، وهي تنظر لجبال الأطلس داعية سكانها للقدوم عليها للتطهر وتلقي الغفران باعتبارهم كفارا وثنيين، وذلك بحضور عناصر من الإكليروس العالمي ينتمي بالخصوص لإفريقيا والمتربول، مما جعل الماسونية الفرنسية، تعقد هذا المؤتمر، وتصدر بيانا تندد فيه بعمل الكنيسة هذا متهمة إياها فيه بزرع الفتنة بالمغرب، مما جعل مطران كنيسة الرباط يرد على ذلك البيان بالمقال التالي نشره في مجلة “المغرب الكاثوليكي”، مبرزا أن المغرب كفرنسا يتميز بتقاليد لائكية، وأن سلطانه لا يوقع إلا قرارات تستلهم اللائكية، وأن التبشير لا يشذ عن هذا المسار، إلى غير ذلك من التلبيسات التي ساقها للرد على البيان الماسوني وبيان الحزب الوطني، وتظاهر الشباب للتنديد بعمل الكنيسة.

نص المقال:

نشرت صحافة المغرب مؤخرا بيانا صادرا عن “مؤتمر الماسونية المناهض للإكليروس”، وبخ فيه “بعض الموظفين” قليلي الاحترام والمحرضين على “ممثلي فرنسا”.

الأمر يتعلق باتهام ومهاجمة المبشرين.

ليس لي الصفة للدفاع عن الموظفين وممثلي فرنسا، لكن أعتبر أنه من الواجب بالنسبة لي، الاحتجاج بصفتي أسقفا، وفرنسيا ضد افتراء اتهامات مغرضة في البيان الماسوني.

يقال في الواقع “إن الدعاية الوقحة لرجال الدين، في كثير من الأحيان، تعطي الذريعة والمناسبة للمظاهرات والاضطرابات -كبرنامج التبشير لدى بربر الأطلس، حوادث الخميسات- واستحضار مصير الأنشطة التبشيرية الدينية”.

نحن نعرف التفاصيل:

يذكر البيان الماسوني، بأن الكهنة هم المسؤولون عن اشتباكات الخميسات.

الحقيقة الواحدة التالية ستظهر ما وقع في الخميسات:

في شتنبر الماضي ظهر إعلان تذكيري بعيد القديسة تيريزا من قبل قديس كنيسة الخميسات، في جريدتين، تعبيرا عن إخلاصه، هذا الإعلان لم يأت من راعي الخميسات الذي كان في فرنسا.

كان العيد جذابا حيث أشادت به المذكرة “الحفل تعهد باتخاذ هذا العام نموذجا يحتذى”، وقد شارك فيه عدد من أساقفة إفريقيا الشمالية ومن المتربول الذين شاركوا لأول مرة بالخميسات في قداس حَبْري أحياه حبْر الرباط الذي صاغ دعوة الحفل، في سرية بحيث جاء وذهب، ذهب دون أن يقترح دعوة أساقفة إفريقيا الشمالية، أو المتربول للحفل.

على الرغم من الفرح الذي شعرت به الحياة الرسولية لاستقبالهم، كان عيد القديسة تريزة يقام في بساطة مثل كل عام، يوم الأحد 17 أكتوبر، لكن يوم الجمعة الموالي شكل متحمسون سياسيون من الطلبة بالمسجد في الخميسات، حشدا لاقتحام مقر المراقب ونعرف الباقي.

البيان الماسوني حمل مسؤولية حوادث الخميسات لراعي الكنيسة بها، ونشرت الجرائد مذكرة 08 شتنبر للحزب الوطني من أجل تحقيق المطالب، وفي يوم 09 عن طريق الصدفة، أذاعت الإقامة العامة للجمهورية الفرنسية بالمغرب، رسالة احتجاج “ضد البيان المقترح لأنه يحرف هدف نشر التبشير”.

جريدة le maroc socialiste s.f.i.o سعت لنشر رسالة موقعة من الحزب الوطني لتحقيق المطالب، أتبعتها بمقال عنوانه: “تحذير الكنيسة الرومانية” يندد بوقاحة رجال الدين الكاثوليك في بلد مسلم، ويصف احتفالية الخميسات بأنها استفزاز ديني.

من الطبيعي أن تنشر جريدة le cri marocain بدورها رسالة الحزب الوطني واحتجت على ذلك، ومما جاء فيه:

طائفة دينية بعيدة عن تجمع الغالبية من الفرسيين بالمغرب بينت وأظهرت وكشفت خصوصا استفزازات الكاثوليك الذين أقاموا كنائس مماثلة للتي بالخميسات، وكامب مارشاند، في تحدٍّ سافر للمسلمين”.

وبهذا أظهرت الكنيسة بمظهر المسؤولة عما حدث يوم الجمعة، بعد الحفل الذي أقامته يوم 22 أكتوبر بالخميسات.

ويجدر التذكير بحقيقة رصدت الحفل، من أجل إعطاء الدليل بالوقائع التالية:

في “تقرير تبنته المجموعة اليسارية بالمغرب” نشر بعدد maghreb أكتوبر 1932 موقع من قبل:

غرفة “الأخوة المغربية”

وغرفة “يقظة المغرب”

الفكر الحر،

منظمة حقوق الإنسان،

نقابة التعليم اللائكي،

فرع الحزب s .f .i .o

الحزب الردكالي الاجتماعي،

محاربو الجمهورية.

وقد حكوا ما يلي:

لم تكن للراعي الفرانسيسكان، فكرة نصب تمثال للقديسة تريزا بالخميسات، وقد وجهت نظرتها نحو الأطلس، مع شعار: “من أجل جلب الشفاعة للكفار والوثنيين”.

أعترف بأنه لم يكن لي نية بهذه الفكرة، كان لي الشرف بالتوصل في هذ العهد من قبل السيد “دوميرك”، وأصرح في هذه المناسبة بأن السيد رئيس الجمهورية، أوضح بلطف رائع، بأنه لم يكن له اعتراض إطلاقا على تمثال القديسة تريزا.

البيان الماسوني يتحدث عن “دعاية وقحة للإكليروس” و”الإكلوريسية” جمعاء، هذا يذكرني بمستند يرجع لسنة 1930 بعد الاحتجاج على الظهير البربري في 16 ماي المتعلق بالأحكام القضائية، هذه بعض فقرات من التقرير الذي قُرء في مقصورة:

الحقيقة تأتي منا لتكشف بطريقة واضحة وخطيرة، عليك أن تكون حذرا، لأنه بعد معاهدة الحماية، أصبح من الواجب علينا العمل للحفاظ على السيادة الدينية للسلطان، لكن هذا الالتزام أجبرنا بالولاء التام.

على العكس، كثير من تقاليدنا المميزة لفرنسا والمميزة للمغرب، تؤدي بنا لنرى أكثر فأكثر في السلطان قائد دولة لائكية، ولا تجعله يوقع إلا قرارات تستلهم اللائكية.

لقد افترضنا بأن مناسبة قياس استلهام اللائكية مع وجود إكليروس للمسلمين مستيقظ، ونحن نذكر بموضوع عقد الحماية، ألم يكن ذلك هو الأخطر، لأنه وضع كل شيء في حالة غليان”.

كما أننا لم نتغير شكلا، فكذلك يجب على إكليروس المسلمين والشعب المسلم، فعلى إكليروس المسلمين الاختفاء، أو سينهار أمام قوة الرأي الذي سيحاربه”.

التقرير استنتج أنه:

“إذا كان هذا التوجيه قُدم قبل تعلم المغرب الموضة التونسية أو المصرية فإن حرية الرأي لن تكون مستحيلة نتيجة عداء كثير من الناس، يجب أن يصير المغرب مقرا لفكر حر قادر على تجديد وإصلاح الشعوب المجاورة”.

ألا يشعر هذا بأن للإكليروس فكرا حرا، وأن التبشير هو لصالح الفكر الحر؟

وما دام الفكر الحر ابن الماسونية الفرنسية على المحك، وفي خطر، فلماذا لا أندد بعمل المعادين للتبشير بالمغرب؟ في حين أن بعضهم أثار ببساطة بعض الأحداث.

في 19 مارس 1932، كتبت جريدة le maroc socialiste عضو في s.f.i.o:

“نستأنف الصراع مع الإكليروس بلا رحمة، منذ أن أعطانا القانون سنة 1905 فصل الكنيسة عن الدولة، تصبين وإزالة مفتاح أضرار هؤلاء السماسرة المعبودين، في إشارة للتطلع نحو تكوين هيمنة باستخدام الجانب الروحي في الوقت المناسب”.

في أية شروط دقيقة تقال هذه الأشياء؟!

مؤخرا مرة أخرى، في مقال بنفس الجريدة، نأخذ عنوان “sous le sang de la croix، تحت دم الصليب”،

نيافة الكردنال بودريلا من الأكاديمية الفرنسية أهين بسبب أحد الكتيبات “لنكن مستعدين”.

في نفس الجريدة، نيافة الكردنال فرديي، كان أيضا موضع هجوم في مقال بعنوان “تناقضات”، والحقير “كالوط” العضو المشهور بالفكر الحر، يمثل بشكل شائن البابا والقساوسة، يتساهل مع المغرب، ويعرض تلك المنشورات في واجهات المكتبات ليشاهدها الأطفال، ويباع للأهالي، دعاية جيدة لصالح السيادة الفرنسية!

في الأيام الأخيرة نشرت رسمة كاريكاتورية مؤثرة، لقس يفتح ساعديه لصورة دعاء ومعها:

“إلى فارِس الدَّفة، نَكِّل بمن في التاسعة عشر من العمر، حتى لا يبقى راكب في فاتح يوليوز 1766” مرفقا بمقال:

“ما هي الكنيسة؟”، كومة من القمامة لا اسم لها.

المنشور يوزع على تلاميذ المدرسة اللائكية!

لقد صعد كثيرا في الماضي، بل يكفي أن نقتبس من عناوين بعض الموضوعات التي عالجها محاضرون قادمون من فرنسا في معظم مدن المغرب:

دو لورلو: الكنيسة والحرب، الدين يمكنه إنقاد العالم -مع التعاليق التي نخمنها-.

دو ماريستان: التربية الجنسية والاعتبارات الأخلاقية الشائنة، الإباحية الدينية، الكنيسة والإباحية.

دو ليكسابي كلراز: الإفلاس والانهيار الديني.

المحاضرون الثلاثة استدعوا من فرنسا من قبل la libre -pensee de rabat

يذكر أن المؤتمر الأخير تم برعاية المجموعة التالية التي استدعت مواطنيها للجلوس في المؤتمر:

“الحزب الرديكالي الاجتماعي، الاتحاد الاجتماعي الجمهوري، الحزب الاشتراكي S .f. i .o الحزب الشيوعي، إنقاذ الشعب الفرنسي، اتحاد حقوق الإنسان والمواطن، الفكر الحر بالرباط، دائرة الدراسة والعمل، ضباط صف احتياطي الجمهورية، تجمع النساء العالمي المناهض للحرب، والفاشية، الاتحاد الفرنسي لحق النساء في التصويت، الشباب الاشتراكي s. f .i .o؛ و l .i .c .a ، ضباط احتياط الجمهورية.

ليس هناك طيش، ولا عدم تقدير في نقل هذه الاقتباسات والنقول، منذ ظهورها في الصحافة، ليس هناك في الحقيقة والواقع بعض الجدوى والفائدة من معرفة تعاطفات هذه المجموعات!

حتى المؤيدين القدماء لمعاداة الإكليروس صرحوا بأن مناهضة الإكليروس ماتت بفرنسا، وهل يمكن القول بأنها ماتت بالمغرب؟

فالمغرب إذن ليست هي فرنسا، ولا هي الجزائر طبعا، أو تونس، في المغرب حيث مناهضة الإكليروس تحت سِمة وشارة الماسونية الفرنسية، التي لجمعية حقوق الإنسان، والشيوعية، تأثير كبير عليهما.

المؤتمر الماسوني ببرلين سنة 1911 قال:

“الكاثوليكية التي أمامنا نحن الماسونيين الفرنسيين تسعى للهدم التام والنهائي”.

الماسونية الفرنسية ليس لها سلاح، وهذا هو سبب إدانة الكنيسة، وقيامها بعمل سيء بالمغرب.

كأسقف وكفرنسي، أستنكر مرة أخرى كما هو واجبي هذا “العداء للكنيسة” ومساعديها.

إذا كان الماسونيون الفرنسيون، ومناهضو الإكليروس يفهمون الحكمة والاستحسان في أقوال المارشال ليوطي:

“ما يجب أن تكون على دراية جيدة به، لو كنت تريد خدمة فرنسا حقا في بلاد الإسلام هو أنه ما عليك إلا احترام دينهم، وكذلك الآخرون، ينشأ عليه أطفالنا منذ الولادة ويشبون عليه من غير أن يتنازلوا عن ممارسة حرية الفكر الفردي، لتفعيل هذا الالتزام، ولممارسة وتطبيق هذا الاحترام يجب فهم عمق وعظمة الروح الدينية، ليس فقط عند شعب بل عند كل من التقيته، قوتنا وسيادتنا لا يمكن لها إلا تثمينها والاستفادة منها”.

‏Fr.henri vielle

أسقف مطران رسولي بالرباط

مجلة المغرب الكاثوليكي /دجنبر 1937/ص312-314.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M