ماذا تعني المعارضة؟   

21 نوفمبر 2021 11:56

هوية بريس – ابراهيم أقنسوس

تعتبر أسئلة الماهية والمعنى، من أصعب الأسئلة وأعمقها، لأنها تتغيا تقييم الإختيارات النظرية، والكشف عن ثغراتها التصورية، وتعرية نقائصها المبدئية، ومساءلة أهدافها ومراميها القريبة والبعيدة، إذ كيف يقدم الفرد (الذات)، أو الجماعة (الحزب والهيئة )،على فعل ما، دون امتلاك دراية كافية به، ودون القدرة على تحرير جواب معرفي دال، ومقنع بصدده ؟؟.

وموضوع هذه المقالة، في تقديري المتواضع، يقدم مثالا للتدليل، في علاقة بما يسمى في أدبياتنا السياسية بالمعارضة، وفي علاقة بالنقاش الذي يحتدم عندنا حول هذا الموضوع، بين الحين والآخر، حيث تتعدد الأجوبة، ويدعي كل طرف، فردا أو جماعة، ريادتهم في الإضطلاع بدور المعارضة، وفهم معانيها، سياسية كانت أم ثقافية، أو هما معا.

فما هي المعارضة؟

ويهمني في هذا المقال المعنى السياسي للكلمة.

يفترض في المعارضة مبدئيا، أن تمتلك بديلا نظريا وتدبيريا، مشابها، أومخالفا، أو معارضا، لما تقترحه الأغلبية، تساهم به في تعميق النقاش، وفي الرقي بالتحليل إلى مستويات متقدمة، بما يخدم القضايا المعنية بالرصد والمعالجة.

فالمعارضة بداهة، تتأسس على المعرفة العلمية، وتستند إلى مشروع مجتمعي بديل، يتم تقديمه والدفاع عنه، بمنطق العلم، ولغة العقل، وأخلاق الحكمة، فلا معارضة مع الجهل والأمية، وإلا فهو التهريج والبؤس، كما لا معارضة مع أخلاق السوقة والدهماء، التي تنشغل بإثارة الخصومات الشخصية والحزبية الهامشية، وتقضي جل أوقاتها في تصيد هفوات الخصوم، وإثارة الزوابع الشكلية حولها، بلا أفق نظري متين، ولا قدرة على إنتاج بدائل حقيقية، ما يعني أن كل غاياتها من المعارضة هي إفشال خصومها، وتبخيس اختياراتهم، فقط لأنهم خصومها، ولأنهم في النهاية، يهددون مصالحها وامتيازاتها الذاتية، ليس إلا.

ولذلك يسهل أن نلاحظ، أن أكثر ألوان المعارضات عندنا هي، المعارضات الشخصية، والحزبية، والطائفية، وقلما نعثر على معارضة سياسية، بخلفية ثقافية واعية ومواطنة.

إن المعارضة مسؤولية فكرية وتدبيرية، تنطلق بالضرورة من اختيارات نظرية، عالمة وممنهجة، ومن خطة تدبيرية واضحة وهادفة، فليست المعارضة شغل من لا شغل له، وليست مضمارا لإقامة الحروب الكلامية، وتبادل عبارات التبخيس والسخرية، والتناوب على استعراض مختلف أشكال العنتريات الفارغة، والمثيرة للشفقة، لأنها لا تعني شيئا، عدا المزيد من إضاعة زمن الوطن والمواطنين، عبر الهروب من القضايا الأساس، وتجنب الأسئلة الجوهرية والحارقة، جهلا أو خوفا أو عجزا، وكلها في النهاية سواء.

لا علاقة للمعارضة، بالمعنى العلمي والنضالي للكلمة، بلغة السوقة والدهماء، وليست المعارضة مضمارا لتصفية الحسابات الشخصية والإديولوجية، وليست أيضا وبالضرورة، الصورة المناقضة والمقابلة للأغلبية، وإنما هي فعل سياسي مسؤول، واختيار دستوري، يتم تدبيره داخل مؤسسة منتخبة، وفي مستويات أخرى موازية، داخل الهيئات السياسية، ومؤسسات المجتمع المدني، التي تتكلف مبدئيا بتأطير المواطنات والمواطنين، وتتقاضى مقابل ذلك دعما ماليا، يقتطع من ضرائبهم، فإذا كان يطلب من الأغلبية أن تبدع في تقديم البرامج والحلول الناجعة، للإشكالات والإعاقات التي يعانيها المواطنون والمواطنات، فإنه وبنفس الدرجة، يطلب من المعارضة أن تبدع، في مواكبة ومتابعة، ومراقبة ومساعدة السلطة التنفيذية، على الإحسان في القيام بدورها الدستوري، وعلى التنزيل السليم والناجع للمعالجات والحلول.

هل يفكر من يتولى دور المعارضة في مثل هذه المعاني، التي تبدو بدهية؟ وهل يجيبون على السؤال المحوري، ماذا تعني المعارضة الآن، قبل الإقدام عليها؟

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M