ما يتقاضاه البرلماني تعويض وليس راتبا..والعائلوقراطية تدفع الشباب إلى الكفر السياسي

11 يناير 2020 12:10

هوية بريس-أحمد السالمي

بعد تصريح الحبيب المالكي رئيس مجلس النواب في الندوة الصحافية التي نظمها البرلمان يوم الثلاثاء 7 يناير الجاري بمناسبة إطلاق البوابة الإلكترونية الجديدة لمجلس النواب، حيث قال المالكي، خلال جوابه عن أسئلة بعض الصحافيين، أن “معاشات البرلمانيين ليست بريع، لأن النائب يؤدي شهريا مبلغ 2900 درهم”، مضيفا أن “ذلك سيكون ريعا إذا كان المعني بالأمر لا يُقتطع من أجره ويستفيد في مرحلة ما من المعاش”، توالت ردود الأفعال الغاضبة من هذا التحليل للمالكي ومنها ما جاء على لسان الدكتور رشيد لزرق الخبير في الشؤون الدستورية والبرلمانية، ورئيس جمعية حقوق الإنسان- جهة الرباط-.

وفي الرسالة التي وجهها الدكتور لزرق للحبيب المالكي والمعنونة ب”ما هكذا يرقى عمل مجلس النواب!”، والتي بناها على إلحاحية محاربة ثقافة الريع التي تعد من أهم ما تعمل عليه لجنة بنموسى، وأن الدفاع عن الريح أصبح منبعث من اللاوعي واللامسؤولية.

وشدد لزرق على أن المدخل الثقافي له راهنيته التي تتطلب تغيير عقليات الريع البرلماني – حتى لو كان في شقه المالي رمزي-، لكنه في شقه الدستوري هو المبدأ الذي ينبغي السير في طريقه قدما من أجل اسقاط مختلف أشكال الريع السياسي ومكافحة التمييز بين أبناء الوطن الواحد، وتكريس مفهوم المواطنة، وحث الفاعلين السياسيين على الإيمان بمغرب المساواة والحقوق والواجبات هذا من جهة.

ومن جهة أخرى أي الناحية المالية فإن الصندوق المخصص لأداء معاشات البرلمانيين عرف اختلالات أدت به إلى الإفلاس لكون طريقة احتسابه تفترض أن عدد المشتركين ينبغي أن يكون أكبر من عدد المتقاعدين، مما وضع مسألة المعاشات أمام إفلاس لكون مجموع الاشتراكات لم يعد بمقدورها تغطية معاشات تقاعد جميع البرلمانيين الذين غادروا المجلس يضيف الخبير في الشؤون الدستورية والبرلمانية.

كما أشار إلى أن التكييف القانوني للعضوية في البرلمان هي صفة وليست وظيفة أو مهنة كباقي المهن، وبالتالي ما يتقاضاه البرلماني هو تعويض وليس راتبا أو أجر، وعليه فإن التعويض لا يستوجب المعاش.

معللا ذلك بأن تمثيل الأمة هي علاقة سياسية بين البرلماني وبين الشعب وليست علاقة تعاقدية، أو نظامية تستوجب الأجر وما يتقضاه البرلماني هو تعويض فقط لأنه يفقد راتبه في مهنته الأصلية طوال فترة انتدابه حيث يخصص البرلماني جل وقته بالانشغال بالتشريع والمراقبة.

ثم ذهب لزرق إلى أن قانون المعاشات يتعارض مع نصوص واضحة وصريحة في الدستور، وهذا الأمر كان يجب الانكباب على تحيين القوانين وملاءمتها مع دستور 2011 في الولاية الحكومية السابقة، لكن على حد تعبير الخبير الدستوري ظلت النخب السياسية تمتهن المزايدة، فلو كانت عندنا نخبة برلمانية مسؤولة لكانت جعلت من هذا القانون أول القوانين التي تستحق التحيين والملاءمة مع الدستور ، عبر الإنطلاق من ذاتها.

وعزز وجهة نظره بما جاء في تصدير الدستور: والذي ينص على “حظر ومكافحة كل أشكال التمييز بسبب الجنس أو اللون أو المعتقد أو الثقافة أو الانتماء الإجتماعي أو اللغة او الإعاقة أو أي وضع شخصي مهما كان” والفقرة الأولى من الفصل 6 التي تنص على أن “القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة والجميع أشخاص ذاتيين واعتباريين بما فيهم السلطات العمومية متساوون أمامه وملزمون بالامتثال له” الأمر الذي يوضح بشكل لا غبار عليه بأن القانون الذي يؤسس لمعاشات البرلمانيين، يتناقض مع الدستور، فالأغلبية لم تبادر بالتحيين كما أن المعارضة لم تدفع بعدم دستوريته، بحيث لو تم الدفع بعدم دستوريته. كانت المحكمة الدستورية في هذا الاتجاه كذلك لأنه لا أعتقد شخصيا بأن هذه المحكمة ستعتبره متطابقا مع الدستور.

وأوضح ذلك بأن نظام معاشات البرلمانيين يقوم على الاقتطاع الإجباري لمبلغ 2900 درهم كواجبات للاشتراك الشهري بالنسبة إلى النواب والمستشارين، والمبلغ نفسه تدفعه الدولة من المال العام في صندوق معاش البرلمانيين، يحدد المعاش الشهري لأعضاء البرلمانيين في مجموع 1000درهم، عن كل سنة تشريعية كاملة، وهو مبلغ يستفيد منه البرلماني بمجرد انتهاء عضويته بالمجلس، مما يجعله نظاما مشوبا بالتمييز بين المواطنين اذا ما قارناه مع باقي أنظمة التقاعد. لكون أن نواب الأمة جلهم يتوفرون على إمكانية الاستفادة من التقاعد بعد نهاية ولايتهم النيابية، فالذين يشتغلون في القطاع الخاص يستفيدون من نظام الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في 63 سنة، و كذلك الشأن بالنسبة البرلمانيين الموظفين في الوظيفة العمومية يستفيدون من التقاعد الخاص بهم.

وفي مفارقة غريبة قال لزرق من المفروض في ممثلي الأمة أنهم يحاسبون الحكومة، ويرصدون الممارسات الخاطئة، سندهم في ذاك التفويض الشعبي الذي حصلوا عليه، غير أن دفاعهم عن ريع المعاش الحزبي هو مناقض للتعاقد الدستوري الذي دستر مبدأ المساواة، ويتنافى مع تحقيق العدالة الاجتماعية والالتزام الأخلاقى.

ويضيف أن بهذه النخب التي تحاول تدبير الريع بدل إسقاطه، يصعب الحديث عن تكريس الديمقراطية وتنزيل المبادئ الدستورية كممارسة عملية ويحول المؤسسة التمثلية إلى ممارسة مظهرية لا تخدم عموم المواطنين.

وأن هذا الأمر الذي يطرح جدية في تنزيل مطلب إسقاط الريع الذي هو شكل من إشكال الفساد، أمام نخب برلمانية تشجع استمراية الممارسات الريعية وهي ممارسات لا تتناسب مع دولة القانون وسمو الدستور، ويعطي انطباعا محبطا حول مستقبل الديمقراطية فى ظل وجود نخب حزبية عائلوقراطية مدافعة عن امتيازاتها الريعية، هذا الموضوع يوضح أن النخب السياسية غير قادرة على مجارات الزمن الدستوري، وإعادة تشكل المشهد الحزبي بات حاجة ملحة لكوننا نحتاج  تغييرات جذرية فى العقلية، للقطع مع الريع وما يحدث الآن هو تدبير الريع، ولتحقيق القيم الدستورية يتضح أن الطريق لازال طويلا وشاقا لكن  لابد من السير فيه، إلى نهايته.

وختم رسالته بشارته إلى أن القانون رقم 92-24 المتعلق بإحداث نظام المعاشات لفائدة البرلمانيين، كان يهم بداية إحداث نظام المعاشات لفائدة أعضاء مجلس النواب، قبل أن يتم تمديده إلى أعضاء مجلس المستشارين أيضا بمقتضى القانون رقم99-53 ، والذي يدبر من قبل الصندوق الوطني للتقاعد والتأمين التابع لصندوق الإيداع والتدبير.

وأن المثير في الأمر أنه تم التطرق لهذا الموضوع بإسهاب وطرح نقاشا كبيرا ولكن ذلك بدون أسس علمية، بل وتم اليوم تحوير النقاش من طرف الحبيب المالكي في اتجاه منحى يروم المزايدة والإثارة، وهذا إن دل على شيءٍ إنما يدل على أن ثقافة الريع وتيار العائلوقراطية يدفعون الشباب المغربي نحو الكفر السياسي بالأمل ويدك مصداقية المؤسسات المنتخبة في قبر النفور عن المشاركة في استكمال بناء دولة العدالة الدستورية.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M