«محاربة الزوايا» من طرف «حزب المجددين» (المغرب 1929)

09 مايو 2018 17:50
«محاربة الزوايا» من طرف «حزب المجددين» (المغرب 1929)

هوية بريس – ذ. إدريس كرم

هذا هو (النص الثالث) من تقرير “منطان”:

“في الوقت الذي كانت تسمو فيه مكانة القاضي بلعربي زعيم المجددين، كانت مكانة خصمه في فاس الشريف الكتاني، تتزايد صعوبتها شهرا عن شهر، لن نصف من جديد الشخصية الغريبة لهذا الشريف الإدريسي زعيم زاوية لها أتباع سواء وسط برجوازيي مدن الشمال أو بين برابرة الأطلس المتوسط الأكثر حرمانا، بل نشير إلى أن مقدمي زاويته يساهمون في الجبال بعناية في أسلمة القبائل، ويعيش في يسر كبير داخل بيت مريح يستفيد من الموارد التي يوفرها له تنطيمه الديني.

وحين يؤاخذ عليه البعض العيش من الزيارات وتبرعات الأتباع فإنه يرد قائلا: “كل واحد يرمي شباكه في هذا العالم، ومن حظي بشيء يصبح عرضة لحقد من لم يحصل على أي شيء”.

وهكذا يقضي وقته بفاس بين الدراسة -إذ أنه يتوفر على أغنى خزانة في المغرب- والتمتع بالحياة، وذلك بفضل المال الذي يحصل عليه من أتباعه بدون عناء، إن ذكاءه وكبرياءه وطموحه يجعلون منه خصما لذودا.

وفي الماضي لما انتصر مولاي احفيظ على مولاي عبد العزيز، اعترض أخوه السيد محمد على إعلان السلطان الجديد، فاتهموه بكونه ينوي الاستيلاء على السلطة لنفسه، وبدعم من البرابرة، فأمر السلطان بضربه حتى الموت.

ونتيجة لذلك احتفظ عبد الحي الكتاني بحقد دفين على الأسرة الحاكمة، بل يحدث أحيانا أن يظهر هذا الشعور في أقواله، الأمر الذي يفسر الضغينة التي يكنها له المخزن.

ومنذ وصولنا إلى فاس أظهر الكتاني دائما إخلاصه لنا بسهولة كبيرة، خاصة وأن أعداءه الكثيرين الذين يجب عليه مواجهة مؤامرتهم هم أيضا الذين يحاولون في غالب الأحيان الإساءة إلينا، لذلك يتم اعتباره بشيء من المغالاة “عميلا” وإنسانا “باع نفسه” للمسيحيين، إلا أن الأمر الأكيد هو أن حضوره كافيا في الغالب لمنع حصول إجماع ضدنا في هذه المدينة المنغلقة جدا التي نجهل أحيانا ما تخفيه من أفكار ومشاعر.

ومع أن عبد الحي صاحب تفكير عصري في بعض جوانبه -بحكم اهتمامه بالعلوم والتاريخ-، فإنه يبقى مع ذلك متشبثا بالتقليد بقوة كبيرة.

إن مكانته كزعيم ديني كبير(ربما بشيء من الفتور في عمق نفسه) تجعل من واجبه الدفاع عن الإسلام ونشره.

وجوابا على تساؤلات ملحة لأستاذ دنماركي عالم زاره منذ شهور، عبّر الكتاني عن قناعته بقيام هوة بين الشرق والغرب اللذين لن يتفاهما أبدا، إن رغبته المباشرة هي إعادة تنظيم القرويين وإصلاح الشعب التقليدية فيها، لكن دون تقليد الجامعات التي تم تحديثها في الشرق.

ومهما كان الحال، فإن عبد الحي الكتاني يضع كامل تأثيره في خدمة سياسية محافظة، وذلك بحكم المصلحة، إن هذا الرجل الذي كان من الممكن أن يظهر قبل خمس عشرة سنة كإحدى أمال المغرب الجديد، يجد نفسه حاليا معزولا تقريبا في وضعية المدافع عن التقاليد وسط شباب متعلم يجتذبه المثال الوطني ومظاهر التحرر الثقافي في مصر.

إن القضاء على التأثير الذي لا يزال يمارسه عبد الحي الكتاني المكروه فعلا بما فيه الكفاية من طرف عدد كبير من الفاسيين، ستكون له إيجابيات كبيرة بالنسبة لمجددي الإسلام، ففضلا عن متعة الاستجابة لأحقاد شخصية قوية ضده في دار المخزن، ستكون هناك فائدة في القضاء على الزعيم الأكثر وقاحة في هذه الزوايا التي تتركز في جهل البرابرة، والمثقف المغربي الكبير الوحيد الذي لا يريد استقلال البلاد، والعدو القادر -دفاعا عن نفسه- على إخبار المسيحيين بالأسرار التي عادة ما تبقى بين المسلمين.

وتفسر لنا هذه الأسباب مجتمعة عنف الحملة القائمة التي ظهرت أولى تجلياتها منذ 1922 كما سلف الذكر، ولا زال الصراع مستمرا في الخفاء توظف فيه كل الأحداث الملائمة.

ومن اللازم أن نعبر عن إعجابنا على الخصوص بالدقة التي تم بها خلق منافس للسيد عبد الحي الكتاني، في شخص ابن عمه السيد الزمزمي ابن السيد محمد جعفر صاحب كتاب “سلوة الأنفاس”.

لقد انخرط هذا الرجل الشاب أثناء المنفى الاختياري لأبيه في سوريا من 1911 إلى 1926 في الكفاح الذي خاضه الشيخ السنوسي في تركيا ضد اليونان، وعاد إلى فاس منذ سنتين.

وعلى الرغم من المعارضة الشكلية للسلطة الإقليمية، فقد تمكن بمهارة فائقة وبفضل الكثير من الدعم الذي تلقاه من فاس والرباط، أن يؤسس زاوية ستؤدي حسب اعتقاد أعداء السيد عبد الحي إلى القضاء على الزعيم الحالي للكتانيين، واستطاع السيد الزمزمي تحقيق مشروعه بفعل انتهاك مصطنع لحرمة قبر أبيه لكي يحصل على (ترخيص) بدفن هذا الأخير داخل مدينة فاس، إضافة إلى تعاونه مع أحد محميي الإنجليز، ميمي لحلو، لكي يسهل الحصول على رخصة للبناء، فضلا عن العديد من التدخلات الخفية لدار المخزن.

وهذا ما سيؤدي دون شك إلى التقاء التصورات السياسية للكتاني الجديد مع تصورات المغاربة الشباب أكثر من التقائها بتصورات عبد الحي.

وقد سبق أن تكلمنا عن دور العروض المسرحية في الصراع ضد الزوايا، إذ ساهمت ترجمة “tartuffe البخيل”، وتأليف مسرحية “اليتيم والغني” في جعل شيخ الكتانيين محط سخرية.

والواقع أن هجوم “المجددين” انصب بالكامل تقريبا على السيد عبد الحي، مع الإشارة فقط إلى بعض المظاهرات المحتشمة من قبل الشباب المغربي ضد الزوايا الأخرى خلا ل موكب عيساوة في مكناس.

يحب أن نضيف بداية ظهور اتجاه جديد داخل العديد من الزوايا كالدرقاوية والتيجانية والناصرية، وهكذا نجد داخل بعض الزوايا الحضرية عددا من المريدين المتعلمين الذين جذبتهم حركة الأفكار الحديثة، وبدأوا يميلون من تلقاء أنفسهم نحو الاتجاهات الجديدة، أما أولياء القبائل فإنهم على العكس ظلوا متشبثين بالأشكال القديمة التي ربما ترتبط بممارسات أقل أرثدوكسية، ولكنها تتلاءم على الأقل مع الحياة البربرية بشكل تام”.

آخر اﻷخبار
1 comments
  1. مساكين هاد الوهابيين، لا زالوا يجترون التاريخ لأن ببساطة الزاوية معقداهم. عياو مايحاربوا فيها، عياو ميكدبوا عليها ومع ذلك كل مرة تظهر بشكل جديد وأكثر إشعاع أكثر مما يتصورون. وتبقى الوهابية الحشوية رمز التطرف والإقصاء والتعصب والكذب على المخالف الذي هو من علامات الحشوية

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M