محاولة تكوين نخبة جديدة (من قبل الاحتلال الفرنسي 1915-1925)

18 مايو 2018 14:48
الدور السيء لليوطي في المغرب من خلال "الصناديق السرية" (ج.الأخير)

هوية بريس – ذ. إدريس كرم

النص السادس من تقرير الضابط الفرنسي “روبير منطان”:

“لقد كان أحد المبادئ الذي غالبا ما تم التأكيد عليه في سياسة المارشال “ليوطي” هو: المحافظة على الإطارات السياسية للمجتمع المغربي وتوظيفها.

وهكذا ظهرت للمارشال ضرورة توطيد المخزن وتوظيف هيبته العريقة، وذلك أولا بهدف:

– التمكن بسهولة أكبر من البلاد.

ثم على أمل تجنب أن يعرف المغرب تطورا سريعا كما حدث في البلدان الإسلامية بالشرق.

ثم وضع تصور لمشروع يهدف التعويض التدريجي لموظفي الحكومة الشريفة القديمة بعناصر مكونة جيدا وقادرة على تفهمنا والمساهمة في عملنا الإداري الكبير.

هكذا وجد المقيم العام نفسه إذن يتوجه إلى البورجوازية المثقفة في المدن ليطلب منها مده في المستقبل بموظفي الإدارة الشريفة والقواد والباشوات، أما من جهة ثانية، فإن مصالح الحماية كانت تتطلب تكوين أعوان من درجة دنيا وتراجمة، وأخيرا كانت المحافظة على النخبة الاجتماعية للمدن نفسها تتطلب بالضرورة تنمية المهن التجارية باستثناء احتمال تسهيل تكوين أطباء ومحامين من الأهالي خشية تأثيرهم السيء.

لذلك أسست مدارس لأبناء الأعيان، ومدارس إسلامية في فاس والرباط، لتسهيل تحقيق هذا البرنامج، وبما أنه كان من المستحيل الاعتماد على نتائج التكوين في التعليم التقليدي -دروس المساجد والقرويين- نظرا لأن الشيوخ المغاربة أظهروا كونهم غير قابلين للتأقلم مع الوضعية الجديدة للمغرب، وبما أننا كنا عازمين على سدّ الطريق في وجه التطور الشامل والسريع للشباب الأهلي في الاتجاهات الأكثر حداثة، فقد اعتمدنا تطبيق صيغة وسطية وهكذا عملنا بعناية فائقة على:

– احترام التقاليد الغالية جدا على المجتمع الأهلي.

– تدريس الدين.

– إلزامية الصلاة.

– منع ارتداء البذلة الأوروبية.

– تدريس اللغة العربية والفقه الإسلامي.

وأعطيت من جهة ثانية عناية خاصة لدراسة اللغة الفرنسية وآدابها.

إضافة إلى معرفة المبادئ الأساسية في العلوم الحديثة.

وأخيرا تم وضع نظام للشهادات والديبلومات مغاير لذلك الذي يتوج الدراسات في المدارس والثانويات الفرنسية.

ورغم حرصنا على تجنب الأحكام المسبقة الأكثر تخلفا لدى النخبة الإسلامية، فإن هذا البرنامج لم يمر دون أن يثير قلق المغاربة القدامى، فمنذ البداية أخذوا على مؤسساتنا كونها مدارس للجحود والشك.

وفي الثانويات لم يتعد عدد التلاميذ أبدا المائة، بل لاحظنا، خلال الحرب الكبرى -وفيما بعد أيضا خلال قضية الريف- أن هذا العدد يعرف تقلبات هامة حسب البيانات الرسمية التي تنقل إما انتصاراتنا أو متاعبنا.

وكانت هناك صعوبة، بل عدم فعالية لجان رعاية المدارس الإسلامية التي شكلناها على أمل جعل الأجيال القديمة تهتم بعملنا المدرسي.

وفي سنتي 1921 و1922 تخرج أول فوج من التلاميذ أنهوا مرحلة الدراسة بكاملها في المدارس الإسلامية، وقد تم توظيفهم للتدريب في مختلف المصالح الإدارية للحماية، بهدف إعدادهم للقيام بوظائف دنيا لدى المخزن إلا أنه ما أن تم وضعهم في التدريب، حتى ظهرت براهين ضعفهم وغياب الجدية لديهم وغرورهم. وفي نفس الوقت قلق بعض الطلبة والأعيان لما لاحظوا انعدام الجدوى العملية لشهادات الثانويات الإسلامية.

وبعد أن فكر لوقت وجيز في إقامة نوع من المعادلة بين هذه الشهادة وباكالوريا التعليم الثانوي الفرنسي الأمر الذي كان سيحطم كل بنية عمله، قرر المارشال أن يحاول تجربة جديدة أكثر تمشيا مع خط سياسته التعليمية.

لقد تم إحداث درس “التعليم العالي الإسلامي” داخل معهد الدراسات العليا المغربية، وكان هذا الدرس يضم حوالي عشرة تلاميذ خريجي الثانويات الإسلامية ومتوفرين على منح، الهدف منه استكمال التكوين الذي ظهر للمقيم العام أن مجهودات أستاذ واحد لا تمكننا أن نكبح ميولات الذهن والطبائع التي لا تتماشى والهدف المتوخى تحقيقه، لذلك ثابر المارشال لكي يجتذب التكوين الأخلاقي لهؤلاء الشباب، العديد من أساتذة معهد الدراسات العليا المغربية وأعضاء ديوانه المدني والعسكري، وبشكل عام كل أولئك الذين بدا له أنه بحكم تكوينهم الذهني وثقافتهم يمكنهم أن يمارسوا تأثيرا جيدا عليهم.

لقد كان يأمل من خلال خلق هذه العلاقات الوصول إلى تصحيح الحكم الخاطئ في الغالب لدى تلاميذ مدارسنا، وإقامة علاقات مفيدة بيننا وبينهم لتجنب تطور لا يخدم سياستنا في المستقبل.

أكيد أن الاهتمامات التي حظي بها هؤلاء الشباب العشرة خريجي الثانويات الإسلامية المجتمعين في المعهد، قد جعلت بعضهم يحس بمشاعر الزهو الغير المبررة، ولكن يمكننا على الأقل أن نعترف على العموم بالدور الإيجابي لتأثيرات الأساتذة على تلاميذهم، إضافة إلى أنه كان لهذه الدروس الفضل الكبير في تمكيننا من التعرف بشكل أفضل على مزايا وعيوب النخبة المغربية الجديدة.

ولكي يكتمل العمل الذي أنجزناه، كان علينا أن نضمن “العمل” لهؤلاء الشباب المكونين في مدارسنا.

وكان أوائل المتخرجين محظوظين -مع أنهم كانوا للأسف الأكثر ضعفا- بتعيينهم كتابا لدى المخزن على الرغم من الكره القوي الذي عبر عنه قدماء موظفي الإدارة الشريفة.

أما الأخرين، فإنهم بفضل الديبلومات التي حصلوا عليها من معهد الدراسات العليا المغربية، أصبحوا مترجمين في مختلف المصالح الإدارية للحماية.

وبعد رحيل المارشال ليوطي، وفي غياب أية توجيهات، تم وضع حد لمحاولة التكوين الإضافي التي كان يقوم بها معهد الدراسات العليا المغربية خلال ثلاث سنوات، وأصبحت العناية بـ”توظيف” قدماء تلاميذ الثانويات متروكة للمبادرات الفردية.

بقي أن نتكلم عن بعض الأحداث التي أبانت قبل 1925 عن التوجهات المقلقة لدى بعض شباب تلاميذ مدارسنا:

– إحداث فوضى في فاس سنة 1922 ناتجة عن نزاع بين تلاميذ الثانوية الإسلامية والشريف عبد الحي الكتاني، اتخذ أثناءها التلاميذ موقفا ضد الزوايا الإسلامية وتقديس الأولياء.

2- رحلة مغامرة بطولية -هزلية إلى مصر- قام بها ثلاثة شبان تخرجوا مؤخرا من ثانويتنا: العربي الديوري، محمد قسارة، المهدي الفاسي، وتصريحاتهم لدى عودتهم والصخب الذي أحدثوه في مراكش (ربيع 1923).

3- القضية الأولى لعبد القادر التازي، رئيس جمعية قدماء تلاميذ الثانوية الإسلامية:

لقد كتب هذا الشاب، وبعلم جميع أصدقائه، رسالة وقحة إلى الجنرال “ديشيريف” قائد المنطقة، وعلى إثر ذلك تم إرساله لدى والده نائب السلطان في طنجة.

4- تصرفات مجموعة من الشباب قدماء تلاميذ مدرسة الأعيان بالدار البيضاء، الذين بعثوا برقية متحمسة إلى مصطفى كمال، قد انتهى هذا الاضطراب الذي وقع بإيعاز من عائلة اليعقوبي، بعد إرسال مسيري الفوضى إلى المنفى بموكادور.

وسنضيف للذاكرة عددا من الوقائع الصغيرة التي لم تحتفظ الأرشيفات الإدارية بأثر لها، مع أنها أقل دلالة.

وهنا تجدر الإشارة إلى المجهودات التي أدت في حوالي 1922 إلى ظهور المدارس الإسلامية المسماة “المجددة”، لقد ظهرت في حوالي سنة 1921 حركة فكرية ذات أصل تونسي بالكامل على ما يبدو، لصالح خلق مدارس قرآنية تتم إعادة تنظيمها من قبل معلمين اعتادوا على المناهج الدراسية الحديثة المعمول بها في مصر.

وأسست هذه المدارس من خلال توظيف مغاربة شباب واستعمال الكتب المدرسية المعمول بها في الشرق، واستقبلت أطفال أفضل الفئات البرجوازية في الرباط وفاس، وما أن مر وقت وجيز حتى أصبح عدد تلاميذها يفوق عددهم في مدارسنا، ومن وسط هؤلاء سيتم استقطاب تلاميذ الفقيه الغازي سنة 1927 بفاس.

وقد بدا للسلطات أنه من الحكمة عدم الاعتراض على خلق هذه المدارس التي ستكون عاجزة في المدى البعيد على محاربة مدارسنا بشكل فعال، وبذلك تم التساهل مع ما لا يمكن منعه حسب اعتقادنا”.

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏4‏ أشخاص‏، و‏‏أشخاص يقفون‏‏‏

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M