مدرسة الصيام مدرسة البناء والتأسيس

25 مايو 2019 14:51
مدرسة الصيام مدرسة البناء والتأسيس

هوية بريس – دة. صفية الودغيري

إن مدرسة الصيام هي مدرسة البناء والتأسيس، للنُّهوض بجيلٍ من الرجال والنساء؛ ليتحمَّلوا مسؤولية الرِّعاية للبيت والأسرة والأبناء، وينهضوا برسالة الدعوة والإصلاح للفرد والمجتمع.
فالصيام يخرِّج القادة في مختلف مجالات الحياة؛ ليكونوا أَهْلًا للاحتِذاء والاقتداء، لا عالَة على أنفسهم وعلى أبنائهم ومجتمعاتهم، وهذا البناء إذا أُسِّس على منْحدرِ السُّقوط، كان مصيره الانهيار، والانحلال، والانحراف، والتَّشرد والضَّياع، وصدق الحق سبحانه حين قال: ﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [التوبة:109].
ومدرسة الصِّيام هي مدرسة التربية والتعليم، وتقوم على أساس الاحتواء والتشجيع، وبعث مكامن القوَّة والنَّشاط، وحَثِّ الأبناء على المُضِي في طريق النجاح بجدٍّ واجتهاد، والتَّصَدي للفشل بتَمْتين رباط العزيمة، وتَوْثيقِ ساعدِ الهِمَّة.
ومدرسة الصيام هي مدرسة تهذيب الأخلاق والذَّوق؛ لأن الذَّوق إذا لم يُؤَسَّس على مبادئ الدِّين الصَّحيح، والقِيَم والأخلاق النبيلة، كان خِلْوًا من الفضيلة، وخطرا عامًّا يهدِّد الفرد والمجتمع، فالذَّوق أسمى من أن يكون مجرَّد ملاذ للحضارة المترفة، أو خصلَة من خصال الشَّخصية المثقفة والمهذَّبة، بل من كمال الذَّوق الإنساني الرفيع الارتقاءُ بالنوع البشري بمبادئ الدِّين الصحيح، والأخلاقِ الفاضلة، وتربية النفس على الحياة الطيبة الكريمة، وحَضِّ الإنسان على حُسْنِ العناية بالشكل والمظهر كما الجَوْهَر والمَخْبَر، والإنصاف بين أداء حقوق الله وحقوق النفس وحقوق العباد، وبين أداء واجب الرِّعاية للبيت والأسرة، والإخلاص للوظيفة وإتقان العمل المنوطِ به.
فمن امتلك عقلًا رشيدا، وقلبا مؤمنا، وضميرا صاحِيا، يميِّز به الحلال من الحرام، والحقَّ من الباطل، والجيِّد من الرَّديء، والحَسَن من القبيح، وما يليق ممَّا لا يليق – فقد امتلكَ ذوقًا رفيعًا، فلا تكاد تَرمقُه الأبصار حتى تنحني لشموخ هيبته ووقاره، ولا تتحَوَّل عنه الأنظار إلى ما سواه؛ لعظمة أخلاقه وحسن خلالِه، فمحبَّته ثابتة في القلوب، وعشرته تطلبها النفوس.
ولهذه الغايات والمقاصد يهذِّب الصيام ذوقَ الإنسان، ويحثه على تحقيق التَّوازن والانْسِجام الذي يحافظ على صَفاء فطرته، ونقاءِ سجيَّتِه؛ حتى لا يَفسد ذوقه، ولا ينحرف عن صفاته الإنسانية، ولا تتساوى أمامه الفصول والأشهر والمواسم، فيأتي رمضان ويرحل، ولا شيء يتغيَّر في تفكيره وأسلوب حياته، وحتى لا ينسلخ عن جذوره، ويجتث أصوله وفروعه.
فما أَحْوجَنا إلى أولئك الذين يرتقون في صيامهم وإفطارهم بذوقهم الرَّفيع في الفهم والممارسة للتديُّن الصحيح، ويهتدون ببصيرتهم المشرقة إلى اكتشاف الحقائق الجلِيَّة، وإدراك أسرار ما أُحِلَّ لهم وحُرِّم عليهم، ومعرفة غايات وجودهم واستخلافهم على الأرض.
وما أَحْوجَنا إلى صيام يخلِّص العقل من خمولِه، ويحرِّره من استعباد قيودِ التَّفكيرِ النَّمطي الجامِد على أفكار مكرَّرة ومستنسخة، تبني قواعِد مجدها على أنقاضِ الماضي البائد؛ لأن تقَدُّم مجتمعاتِنا رهينٌ بانْبِعاثِ أفكارِ أبنائها، وارتِقائهم مدارِج العلوم والمعارف الحديثة، ورهينٌ بارتِباطهم في كلِّ الشهور والفصول والأيام بحركةٍ نَشِطَة ومتطوِّرة تخدم مجالات الفكر والثقافة، وتنهض بدعوة ذات رسالة عظيمة تحافظ على أصول الإيمان، وعلى عقيدة التوحيد، وعلى مناهج متماسكة في أصولها والفروع.
ولأن تقَدُّم مجتمعاتِنا رهينٌ بانْبِعاثِ العلوم النَّافِعة، والأفكار الرَّائدة التي تمهِّد للأجيال الصاعدة طريقً مُزْهِرا يحتوي آمالهم العريضة وأحلامهم العظيمة وطموحاتهم الكبيرة، وتفتح أمام المبدعين والمجدِّدين آفاقا أوسع للابتكار والإبداع في مجال البحث العلمي الرَّصين؛ حتى يساهموا في تنمية وازدهار حركة الإشعاع العلمي وتنمية مجتمعاتهم.
وما أحوجَنا إلى صيام يبعث معاني التغيير في النفس الضعيفة والمنهزمة، ويوقد صحوة الضَّمائر، ويفكُّ أقفال القلوب الصَّدِئَة فتستنير البصائر بسراج الحق، وتهبُّ الجوارح من مرقدها الخامل لترفع قواعد مجد حضارتها وتاريخها، وتتقدَّم بوجودها الإنساني.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M