مذكرة بلمختار وتبادل الأدوار…

28 نوفمبر 2015 23:26
مذكرة بلمختار وتبادل الأدوار...

رشيد سعيدي

هوية بريس – السبت 28 نونبر 2015

لا يكل مناصرو التوجه الفرانكفوني في المغرب من العمل بصورة دؤوبة، ومنتظمة على ضرب كل الجهود المبذولة لإعادة الاعتبار للغة الرسمية للمغاربة كما أقرت بذلك الوثيقة الدستورية.

فبعد التوصية المشؤومة فكرة وطريقة وهدفا، الصادرة عن المختص في الإشهار نور الدين عيوش، وبعد الوقفة القوية لمختلف القوى المدافعة عن لغة الضاد وهوية البلد في وجه تلك التوصية، وبعد التواري النسبي لهذا التيار انحناء لعاصفة الانتقادات القوية الموجهة لفكرته، وبعد زلة لسان الوزير الداودي الذي سخر من اللغة العربية ومن الأدب عموما وامتعاضه من جدوى وجود كليات الآداب في عصر الطابليت والآيفون؛ ها هو ذات التيار يعود للواجهة مرة ثانية بمذكرة لا تقل شؤما وعبثا بمكتسبات الأمة المغربية وكفاحها الطويل والصعب والمستميت لتحقيق الاستقلال اللغوي والفكري عن فرنسا.

المذكرة التي أصدرها السيد الوزير بلمختار تكشف عن مخطط لا يستهدف المغرب وحده فقط،وإنما كل الدول المغاربية الناطقة باللغة العربية، لاسيما المغرب والجزائر بهدف الحفاظ على إرث استعماري اعتبره هذا التيار مكتسبا بواقع القوة والتاريخ.،خاصة بعد التراجع المهول الذي يعرفه الإقبال على لغة موليير في هذه الدول،مقابل الإقبال الواضح على اللغة الانجليزية كأداة للمعرفة والعلم.

وإنه لمن غريب الصدف فعلا أن جل الدول المستهدفة، والتي يبذل فيها التوجه الفرانكفوني مساعي حثيثة للتمكين للغة الفرنسية، تعاني نفس الوضعية التربوية المزرية والغير مشرفة، في ما يخص مؤشر جودة التعليم متذيلة  بذلك تصنيف منظمات الأمم المتحدة في هذا المجال.

طبعا لا يمكن إرجاع فشل المنظومة التعليمية والتربوية في هذه الدول إلى اللغة الفرنسية.لكن ألا يدعو هذا التقارب في الترتيب واحتلال رتب متأخرة بالنسبة لدول راهنت ولا زالت على لغة في تراجع مستمر بحسب كل الدراسات،وتم تجاوزها كلغة للعلم، إلى التساؤل فعلا حول جدوى الاستمرار في  هذه المراهنة الخاسرة وهذه المغامرة الفاشلة والغير محسوبة العواقب على الأجيال الصاعدة؟!  ألا يدعو هذا الفشل إلى إعادة النظر في هذا  التشبث المريب و الغير مفهوم بالتمكين للغة الفرنسية مقابل محاصرة وشيطنة اللغة العربية؟

تعلم اللغات الأجنبية والانفتاح عليها أمر مفيد ولا شك، لكن الأفيد منه أن نهتم بلغتنا الوطنية ونرتقي بها نصا واستعملا،ونوليها ما تستحق من مكانة اعتبارية أثبتت كل الدراسات أنها تستحقها وأن مستقبلها واعد في مجالات العلم والثقافة والتكنولوجيا وغيرها. وما لا يكمن استيعابه أن نجد دولا رائدة على المستوى الدولي علما وتطورا تعمل على تبني مشاريع تعليمية لتعليم اللغة والثقافة العربية لأبنائها وتدمجها كلغة رسمية في جل مراحل التعليم، ونحن في بلد يقر نصه الدستوري أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة/الأمة ونجد هذا التهميش والإقصاء الممنهج لها، عبر إدخالها في ثنائية غير لائقة عربية=بطالة،عدم الاندماج،تراث… مقابل /فرنسية=الاندماج في سوق الشغل، الانفتاح…

هذه المقارنة البئيسة، لا يمكنها النهوض بالوضعية التعليمية في البلاد. فنحن نعاين كيف أن كثيرا من التلاميذ يجدون  أنفسهم مجبرين على اتباع مسلك الباكلوريا الدولية، ليس حبا للفرنسية وإنما لكونها ستفتح له آفاق واعدة بالنسبة لسوق الشغل، ناهيك عن ضغط الواقع والمجتمع والأسرة التي لا ترغب في أن يعيش أبناؤها تحت رحمة البطالة.ومن ثمة، يجد التلميذ نفسه وقد أخذ مقعدا ضمن أقسام باكلوريا فرنسية اضطرارا لا اختيارا،وتذهب رغبته في التعلم باللغة العربية أدراج الرياح!

غير أن المثير والجميل في الأمر -رغم مذكرة الفرنسية هاته- أن جل تلاميذ  التخصصات العلمية يكنون حبا جما للغة العربية؛ بل ويحصلون على تقديرات عالية و نقط مميزة فيها.والأجمل أن تجدهم يحفظون من نوادرها وطرائفها ما يثلج الصدر… فتجدهم يحفظون بشغف نصوص شعرية مؤسسة في الشعر العربي ما لا تجده لدى تلاميذ المسلك الأدبي. وكم يكون الفخر والاعتزاز كبيرا أن تجد تلميذا علميا يحفظ قصائد للمعري أو يقرأ عن شعر النقائض وسجالات الأخطل وجرير والفرزدق أو حفظ أبياتا من حكم المتنبي أو أنه على علم بمفاخر عنترة في معلقته، وأشواق قيس في حبه،ومغامرات أبو نواس في مسامراته..

أما حب جل تلاميذ المسلك العلمي لدرويش وعبد الصبور وتميم البرغوثي، وقصص زفزاف والمنفلوطي وبوزفور فذاك أمر بديهي بالنسبة لهم… وحكاية تستحق أن تكتب بماء من ذهب…

فلماذا يصر هؤلاء على فصل هذه الأجيال عن تراثها الأدبي الغني، وإبعادهم عن سحر هذه اللغة الجميلة والفاتنة بدعوى مسايرة سوق الشغل؟!

التسريع من وتيرة فرنسة التعليم ليس حلا جذريا لمعضلة اللغة في التعليم العالي العلمي،والمؤكد أن تشبث أبناء هذا الوطن العزيز بهويتهم اللغوية لن يمنعهم من إتقان لغات أخرى، والتسابق مع الزمن من أجل سلخهم عن جذورهم لن يجدي.. فرجاء ارحمونا من مذكراتكم المشؤومة، وكفاكم تبادلا للأدوار، وكفى استهتارا بمصير أجيال الأمة، وتواضعوا واسمعوا من أهل الدراية من الباحثين اللسنيين والتربويين المختصين.ولا تخرجوا من الباب لتعودوا من النافذة.. فمن صدكم في الباب هو نفسه من سيقف لكم في النافذة..!

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M