مراجعات في العمل السياسي: من أجل رؤية سياسية جديدة (ج2)

31 أكتوبر 2018 15:46
مع هاجر الريسوني ضد ممتهني كرامتها وضد المتاجرين بقضيتها

هوية بريس – امحمد الهلالي
طرحنا في الجزء الاول من هذا المقال بعض الاسئلة الاساسية التي تساعد على تقييم الاداء السياسي للاسلاميين في تفاعلهم مع بيئتهم السياسية وفي ارتباط بمطلب الدمقرطة بوصفها الطريق الاساسي للنهضة والتقدم. وفي انتظار الاسهام في تقديم اجابة على تلكم الاسئلة من زاويتي سينتقل هذا الجزء من المقال في طرح سؤال العمل وذلك كما يلي :

سؤال العمل
الرؤية الجماعية هي تعبير عن تصور ناظم للجواب عن سؤال العمل في الامادات المختلفة في ارتباط وثيق بين محددين اثنين هما الحلم والطموح المستقبليين ثم الامكان وموازين القوى والعوامل المؤثرة الدافعة والكابحة على السواء. وضمن هاته الرؤية يتم الجواب عن سؤال من نحن وماذا نريد وكيف نصل الى ما نريد او بتعبير اخر الاحابة على سؤال الهوية والدور والمنهج وبيئة العمل التي تحدد في الزمان والمكان والعلاقة مع الفاعلين.
وهنا سوف نقترب من اعادة تحديد وتعريف وتوصيف وتجديد للعناصر التالية :
– اداة الاصلاح : الطبيعة والمرجعية والموقع والعلاقات
– منهج الاصلاح : الاسس والخصائص
– خطاب الاصلاح المعالم والضوابط
– مشروع الاصلاح : الغاياته والاولويات
– بيئة الاصلاح : الشركاء والحلفاء

1 – اداة الاصلاح طبيعته ومرجعيته وموقعه وعلاقاته
عندما كان البعض يزايد على حزب العدالة والتنمية ويصفه بنعت “اسلاميي الملك” او “اسلاميي المؤسسات” خاصة في المرحلة التي كان يتصدر فيها المعارضة السياسية كانت قلة قليلة هي التي لم تكن تتضايق من هذا الوصف ولا تعتبره تقديحا في الحزب، ان لم يكن نوعا من الخدمة يختصر مسافات بعيدة من الجهد التواصلي لمحو اثار خطاب اتهامي وتحريضي على الاسلاميين بوصفهم ثوريين او انقلابيين او اصحاب اجندات خفية للوصول الى الحكم وليس المساهمة في تدبير شؤون وطنهم بمشاركة وتشارك مع كل قوى البناء والاصلاح في احترام للثوابت الدينية والوطنية وفي انسجام مع المقومات التاريخية والحضرية لبلادنا.
وضمن هذا الاطار لم يكن الاسلاميون في حاجة الى ابعاد تهمة التزلف للسلطة او التنكر للاصلاح لان السلوك والموقف وحدهما من يقدم الصورة الفعلية والحقيقة على الفاعلين .
غير ان الممارسة السياسية اثبتت ان الثقافة السياسية للاسلاميين تحتاج الى مراجعات عميقة لفك التقابل الموهوم بين بعض الثنائيات من قبيل الدولة والسلطة وبين الارادة الشعب والخطاب الشعبوي. ذلك ان دعم الدولة والحرص على استقرارها لا يعني التماهي مع السلطة وعدم معارضة فسادها واستبدادها، كما ان الوفاء للارادة الشعبية وصيانتها لا يعني بحال من الاحوال التصادم مع الدولة، وفي المقابل فانه ليس هنالك من تقابل بين ارادة الدولة واصلاح الدولة واي مسعى للمس بهيبة الدولة او باستمرارها بل بالعكس فالاصلاح المستدام هو سر بقاء وقوة الدول واستمرارها وان الفساد هو المنذر بخرابها واضمحلالها وبسقوطها وان الارادة الشعبية بلا دولة قوية لا يساوي شيئا في موازين القوى الدولية والعكس صحيح.
امام هاته الحقائق فان حزب العدالة والتنمية باعتباره اداة للاصلاح والحامل الاساسي للفكرة الاصلاحية والقائد لمشروع الاصلاح يبقى في امس الحاجة الى اعادة تعريف نفسه بوصفه “حزب دولة” الى جانب كونه الممثل الديموقراطي للارادة الشعبية. وهو بهذا الوصف المؤهل لفك الارتباط بين الارادة الشعبية والمعارضة وبين خطاب الاصلاح وخطاب الاحتجاج . فليس كل من في السلطة هو في الهانة المقابلة للارادة الشعبية وليس كل من المعارضة هو في تماه مع الاصلاح . وعلى العكس من هذا الاختزال فان الدولة هي الموقع والقاطرة واداة الفعل الاكثر نجاعة وفاعلية في الاصلاح ولذلك وباستحضار الوعي التاريخ والمنطق الاستراتيجي، يتعين على الاصلاحيين ان يحرصوا دائما ومن اي موقع على ان تتم الاصلاحات الكبرى والمهيكلة من الدولة وباسم الدولة ومن موقع الدولة اختيارا وليس اضطرارا، توافقا وتشاركا وليس تصادما او استقواء او تفردا .
ومز هنا فان حزب الدولة هو وصف وموقع يصل اليه ويتعاقب عليه كل تيار اصلاحي جاد مستقيم ونزيه، وعبر مسار طويل من الكفاح والتضحية . وحزب العدالة والتنمية اليوم هو بدون شك حزب دولة بامتياز تصرف بمقتضى ذلك منذ نشأته حيث انتقل من حزب في الهامش الى حزب مؤسساتي ومن حزب المعارضة الى حزب الدولة وفي كل هاته المراحل والمواقع كان يجسد هذا المنطق وهذا السلوك وعليه ان يواصل ذلك سواء في حالة رضاه او في حالة غضبه.
وبالعودة الى ما نعيشه اليوم من تباين في التقدير واختلاف في التحليل سوف نجد السبب العميق يرجع الى هذا الفهم وليس كما يتم الترويح اليه باختزالية ان هناك رؤيتين الاولى مع الارادة الشعبية والثانية مستسلمة لارادة التحكم او بين شجعان وخائفين او بين اوفياء للتعاقدات الشعبية ومتمسكين بالامتيازات والمصالح والتعوبضات كلا .
وبالعودة الى اصل المشكل لا اعراضه يجدر بنا ان نطرح جملة من الاستفهانات ومن ذلك ما يلي :
– ما هي مواصفات حزب الدولة ؟ وهل ما صدر ويصدر عن الحزب او عن بعض قادته يصدر من هذا المنطق او يتنكب عنه؟
– وما هي مظاهر الوفاء لهذا الفهم ومؤشرات الانزياح عنه ؟
– ما هي المراجعات والتكييفات التي يتعين على الحزب ان يقوم بها لكي يكون جديرا بهذا الموقع وهذا الدور ؟
-ثم لماذا تضطر الدول في حالة تحول او انتقال الى البحث عن حزب لها ليضطلع بما تسميه التوازن بعيد عن الاجابات الاختزالية؟
– ثم الا نساهم بسلوكنا ومواقفنا الى دفع الدولة اضطرار الى نهج خيارات غير ناجعة في البحث الفوقي عن حزب لها يضطلع بهاته الادوار حتى من غير مقومات ولا اهلية ورغم الكلفة العالية لهذا الخيار ؟.
– لماذا لا تقوم الاحزاب الجادة والاصلاحية بما بعفي الدولة من اللجوء الى هاته الخيارات الفوقية رغم تاريخ الفشل التي تراكمه والكلفة المادية والزمنية التي تكلفه هاته الخيارات ؟.
اعتقد ان العدالة والتنمية في ممارساته طيلة التسعينات من العقد الماضي والعشرية الاولى من هذا القرن كان في المجمل يوفر على الدولة كلفة اللجوء الى هذا الخيار بمواقفه المتوازنة وبالحد الذاتي من وزنه الانتخابي الذي لا يتحمله ميزان القوة الداخلي والخارجي، وهو ما جعله حزبا ناجحا افتخرت به الدولة في زمن كان يضيق محيطه باسلامييه وينصب لهم مخططات المنع والاستئصال .
وفي ذات السياق عندما حاول البعض الرجوع الى حزب الدولة ما بعد 2003 وفي غياب مبررات لذلك كان المصير الحتمي له هو الفشل حيث اعتبرت عشرية 2003 2011 سنوات الردة والنكوس بامتياز . بل لقد كان الخيار الانجع هو اللجوء الى حزب وطني اثبت انه يغلب مصلحة الوطن واستقراره على مظلوميته او شعبيته وهو ما جعل المغرب يشق طريقا ثالثا يلبي فيها اشواق الحرية ومطالب الاصلاح وفي ذات للوقت تمتين الاستقرار والوحدة وتوقي المآلات السلبية التي سقطت فيها بلاد كثيرة، وبفضل ذلك ايضا حقق المغرب اشعاعا خاصا لنموذج الديموقراطي وصارت وصفته هاته اعز ما يطلب حتى في الدول التي شهدت ثورات وسقطت فيها رموز الانظمة .
لكن السؤال هو هل ما زلنا نتصرف بنفس المقضى وبنفس المنطق الذي كان وراء هذه النتيحة، وذلك بغض النظر عن مواقف الاخرين وسلوكاتهم؟ وبغض النظر عن وجود مظلمة ما للحزب لان تاريخه مع الصبر على مظلمته معروف وتاريخ تضحياته بهذا الشان معروف ايضا .
ثم الى نسعى بمواقفنا وسلوكياتنا الاخيرة، الى توفير مبررات لدفع الدولة الى النكوص والرجوع عن منهجها هذا واعادة تبني الخيار المكلف المتمثل في البحث الفوقي عن حزب دولة بوصفة اخرى؟، وذلك رغم علمها بغياب الفرص لنجاحه، ولكن على الاقل يبقى الحل الممكن قي الرد على هاته المسلكيات بحجة تحقيق التوازن ومنع الهيمنة، رغم ان ذلك يبقى حلا مصطنعا وهشا وغير مامون العواقب على سمعة البلد وعلى الثقة في مؤسساته وفي تعطيل الاصلاح والرفع من تكاليفه .
لذلك فان الرفض الحقيقي لمسلكيات اللجوء الى صناعة حزب للدولة من فوق هو في القطع مع الاسباب التي تدفع الى هذا الخيار ومنها ان تتصرف الاحزاب القوية والتي تمثل الارادة الشعبية بمنطق احزاب الدولة وان يشتغل مسؤولوها في المسؤولية العمومية بمقتضيات رجال الدولة وفي خدمتها وليس بمنطق منافستها او الندية معها او معارصتها انطلاق من مؤسسات الحكم والتدبير . وإلا فاي قراءة يمكن ان تتم بموضوعية عندما نحكم في الصباح ونعارض في المساء واي دلالة على توفرنا على اكبر فريق حكومي يسير جنبا الى جنب مع اكبر فريق برلماني يعارض اكثر مما يؤيد . كيف نقنع الاخر باننا حزب المشاركة والتشارك والشراكة في الاصلاح ونحن لا نترك لهذا الاخر حتى مساحة ضيقة في منصة المعارضة المؤسساتية، والاكثر من ذلك هو كيف نترك للمعارضة المساحة كاملة للدفاع عن الدولة وتأييد خياراتها الاضطرارية، وندفعها الى معارضة الارادة الشعبية بشكل معاكس لكل نماذح الديموقراطية،؟ الا نسعى الى تقويض الديموقراطية واعتبارها افشل منهج للحكم وتبرير اطروحات المستبدين بعدم امكان المزاوجة بين الديمقراطية والتنمية وبين العدالة الاحتماعية وانتاج الثروة وبين الحرية والنهضة .
لذلك فلا يمكن الاسهام في الحكم ممارسة التدبير في اهم مؤسستين للديموقراطية وهي الحكومة والبرلمان وفي نفس الوقت عدم الكف عن التشكي والاعتراض الممنهج. ولا يستقيم الجمع في الآن ذاته بين التسيير والمعارضة، ولا يمكن الترويج لخطاب يقابل بين الارادة الشعبية وارادة الدولة او لخطاب يحتكر الاصلاح ويصادره لفائدته ويقصي الاخر عنه لا يمكن في المحصلة جعل المشهد السياسي النسبي بطبيعته والقائم على الاجتهاد في جوهره معركة بين فصطاط المصلحين وفسطاط المفسدين .
ان الخطاب السياسي السليم هو الذي يميز بين الدولة والسلطة ويميز على وجه الخصوص داخل الدولة بين اركان الدولة المتعالية والمتسامية على الجميع وفوق الجميع ولو نظريا والتي يتعين الدفاع عنها في كل الاحوال ودعمها من اي موقع في المعارضة او التدبير باعتبارها تمثل المصلحة العليامت جهة، وبين السلطة والمؤثرين فيها والحقل السياسي ومكوناته والفاعلين فيه بوصفه جزءا من الدولة حيث تقوم العلاقة على اساس التعاون والوفاء في حالة التحالف والتدافع السلمي والتنافس الشريف في حال المعارضة وذلك في نطاق الاحترام والاعتراف المتبادل .
في الاجزاء المقبلة سوف اتطرق لما يلي :
2 – منهج الاصلاح : اسسه وخصائصه
3 – خطاب الاصلاح معالم وضوابط
4 – مشروع الاصلاح : غاياته واولوياته
5 – بيئة الاصلاح : الشركاء والحلفاء

مراجعات في العمل السياسي: من أجل رؤية سياسية جديدة 

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M