مسائل وأحكام شرعية متعلقة بالأمراض المعدية وفيروس كورونا

04 مارس 2020 11:51

هوية بريس – رضوان نافع

يشهد العالم هذه الأيام حالة من الذعر والخوف بسبب انتشار مرض معد أطلق عليه اسم كوفيد ـ 19 الذي يسببه فيروس (كورونا) ينتشر بسرعة كبيرة وأحدث ارتباكا عالميا وأثر على الحياة العامة للكثير من التجمعات البشرية عبر العالم، ورأيت أن من المفيد نشرمقال يتضمن بعض المسائل والأحكام الشرعية المتعلقة بالأمراض المعدية.

والأمراض المعدية هي الامراض التي يشهد الحس والواقع أو أخبر الشرع أنها تنتقل من شخص مريض بها إلى صحيح لسبب من الأسباب وبقدر من الله، وهذا الانتقال يسمى عدوى

يقول الأطباء: العدوى: Infection تعني دخول العوامل الممرضة Pathogenic Agents إلى جسم الإنسان ونموها وتكاثرها فيه وتفاعل الجسم معها.. وبهذا تختلف العدوى عن التلوث Contamination الذي هو مجرد وجود العامل الممرض في الجسم دون أن ينمو أو يتكاثر أو يتفاعل الجسم معه كما يحصل مثلا من تلوث عابر لليدين عند التعامل مع شيء ملوث.

والعوامل الممرضة التي تسبب العدوى هي الجراثيم Bacteriaوالفيروسات Viruses والطفيليات Parasites ويوجد من كل منها آلاف الأنواع Serotype التي تسبب أنواعا عديدة جدا من الأمراض السارية والمعدية.. وتصل هذه العوامل إلى الإنسان الصحيح من مريض Patient ظهرت عليه أعراض المرض أو من حامل لجرثومة المرض Carrier لم تظهر عليه أعراض المرض أو من حيوان أو من أدوات ملوثة بجرثومة المرض أو من الهواء أو من الماء(الموسوعة الطبية الفقهية لدكتور أحمد محمد كنعان)

والأمراض المعدية قسمان:

القسم الأول: الأمراض المعدية التي لا ينقلها غير المريض كالجذام فهو مرض معد لكن الصحيح من الناس لا ينقل هذا المرض.

القسم الثاني: الأمراض المعدية التي ينقلها المريض وغير المريض فيمكن أن ينقلها صحيح حامل للمرض كالطاعون وفقدان المناعة المكتسبة، وفي هذا القسم يدخل مرض (كورونا) حسب ما ذكره المختصون.

العدوى في الشرع بين النفي والإثبات:

لقد وردت أحاديث كثيرة بعضها يثبت العدوى وبعضها ينفيها، ولما كان ظاهر هذه الأحاديث التعارض أشكل على كثير من الناس فهمها، أما العلماء فلهم مسالك مختلفة في التعامل مع هذه الأحاديث، فمنهم من جعل بعضها ناسخا وبعضها منسوخا. ومنهم من ضعف بعضها ولم يجعله يقوى على معارضة الصحيح فاطرحه، وبعضهم جمع بين هذه الأحاديث بوجوه توافق أصول الشريعة وقواعدها.

لقد جاء في السنة النبوية أحاديث عديدة تثبت حصول العدوى ومن ذلك:

1- قال النبي صلى الله عليه وسلم: فر من المجذوم كما تفر من الأسد” رواه البخاري، وفي لفظ “إذا رأيت المجذوم ففر منه كما تفر من الأسد” ابن حجر في فتح الباري وسكت عنه فهو لا ينزل عن رتبة الحسن.

2- عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال: كان في وفْد ثقيف رجل مَجذوم، فأرسل إليه النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنا قد بايعناك فارجع)) رواه مسلم وابن ماجة.

3- قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إن هذا الطاعون رجْزٌ سُلِّط على من كان قبلكم – أو على بني إسرائيل – فإذا كان بأرض فلا تَخْرجوا منها فرارًا منه، وإذا كان بأرض فلا تدخلوها)). رواه البخاري ومسلم.

4- قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يُورد مُمْرِض على مُصِحٍّ)) رواه البخاري ومسلم، وفي لفظ البخاري: ” لا توردوا الممْرِض على المصح)).

5- قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اتَّقوا المجذوم كما يُتَّقى الأسد)). رواه البخاري في تاريخه الكبير وصححه الالباني في صحيح الجامع.

6- قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تُدِيموا النَّظر إلى المجْذومين)). رواه أحمد وابن ماجه والبخاري في تاريخه وصححه الألباني في صحيح الجامع.

7- قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تحدُّوا النظر إليه)“يعني: المجذوم” رواه الطيالسي و البيهقي وصححه الألباني.

أحاديث وآثار ظاهرها نفي العدوى:

1- قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا عدوى ولا طيرة))رواه البخاري ومسلم.
2- قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا عدوى ولا صَفَر ولا هامَة))، فقال أعرابي: يا رسول الله، فما بال الإبِل تكون في الرَّمل كأنَّها الظِّباء، فيجيء البعير الأجرب فيدخل فيها فيجربها كلَّها؟ قال: ((فمَن أعْدى الأوَّلَ؟)) رواه البخاري ومسلم.
3- عن جابر – رضي الله عنه – أنَّ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – أخذ بيد مَجْذوم فوضَعها معه في القصعة، وقال: ((كُلْ ثقةً بالله وتوكُّلاً عليه)).رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة و ابن حبان و الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وحسنه ابن حجر.
4- رَوى ابن أبي شيبة في “مصنَّفه” أنَّ “سلْمان – رضي الله عنه – كان يعمل بيديه، ثم يَشتري طعامًا، ثم يبعث إلى المجذومين، فيأكلون معه” صححه الالباني.
5- عن أمِّ المؤمنين عائشة – رضي الله عنها -: قالت: ((كان لي مولًى به هذا الدَّاء، فكان يأكل في صِحَافي، ويشرب في أقْداحي، وينام على فراشي)) رواه الطبري وحسنه ابن حجر.
6- عن عبد الله بن جعفر قال: “لقد رأيتُ عمر بن الخطاب يُؤتَى بالإناء فيه الماء، فيعطيه مُعَيْقِيبًا، وكان رجلاً قد أسرع فيه ذاك الداء فيشرب منه، ويناوله عُمَر، فيضع فمَه موضِعَ فمه، حتَّى يشرب منه، فعرفت أنَّما يصنع عمر ذلك؛ فرارًا من أن يدْخلَه شيء من العدوى” رواه ابن السعد في الطبقات، وقال شعيب الأرناؤوط سنده قوي.

الجمع بين الأحاديث المثبتة للعدوى والنافية للعدوى:

لقد سار كثير من المحققين إلى الجمع بين الأحاديث المثبتة والنافية في ظاهرها للعدوى وأعملوا الأدلة المثبتة والنافية لكون إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما.

وأما النسخ فلا قرينة تدل عليه، ولا يعرف تأريخ يكشف المتقدم من المتأخر من هذه الأدلة لهذا رده العلماء. يقول النووي رحمه الله-في تخطئة من قال بالنسخ: وهذا غلط؛ لوجهين: أحدهما أنَّ النسخ يُشترَط فيه تعذُّرُ الجمْع بين الحديثين، ولم يتعذَّر، بل قد جمَعنا بينهما، والثاني أنَّه يُشترط فيه معرفة التاريخ، وتأخُّرُ الناسخ، وليس ذلك موجودًا هنا.

وقال آخَرون: حديث ((لا عدوى)) على ظاهره، وأمَّا النهي عن إيراد الممْرِض على المصحِّ فليس للعدْوى، بل للتأذِّي بالرائحة الكريهة، وقُبْح صورته، وصورة المجذوم.

والصواب ما سبق، والله أعلم”

وقال الإمام ابن القيِّمرحمه الله – رادًّا على دعْوى النسخ بقوله: “وهذا غير صحيح…؛ المنهي عنه نوع غير المأذون فيه”.

وقال ابن حجر في الفتح: “وأما دعوى النسخ فمردودة لأن النسخ لا يصار إليه بالاحتمال ولا سيما مع إمكان الجمع”.

وبعد ما نفى العلماء النسخ في هذه الأحاديث، وقرروا إمكانية الجمع بينها اختلفوا في كيفية الجمع بينها على وجوه متعددة

قال النووي رحمه الله: قال جمهور العلماء: يجب الجمع بين هذين الحديثين، وهما صحيحان، قالوا: وطريق الجمع أنَّ حديث ((لا عدوى)) المراد به نفْي ما كانت الجاهلية تزعمه وتعتقده أنَّ المرض والعاهة تعْدِي بطبْعها، لا بفعل الله – تعالى. وأما حديث ((لا يورد ممرِض على مصحٍّ))، فأرشد فيه إلى مجانبة ما يحصل الضَّرر عنده في العادة بفعل الله – تعالى – وقدَرِه، فنفَى في الحديث الأوَّل العدْوى بطبْعها، ولم يَنْف حصول الضرر عند ذلك بقدر الله – تعالى – وفعله، وأرشد في الثاني إلى الاحتراز مما يحصل عنده الضرر بفعل الله وإرادته وقدَرِه، فهذا الذي ذكرناه من تصحيح الحديثين والجمع بينهما هو الصواب الذي عليه جمهور العلماء، ويتعيَّن المصير إليه”

لقد ذكر العلماء وجوها كثيرة للجمع بين هذه الأحاديث، ولعل أحسنها وأصوبها ما ذهب إليه البيهقي وتبعه عليه ابن الصلاح وابن القيم وابن رجب وابن مفلح وغيرهم أن قوله: “لا عدوى” أي على الوجه الذي يعتقده أهل الجاهلية من إضافة الفعل إلى غير الله تعالى وأن هذه الأمور تعدي بطبعها وإلا فقد جعل الله بمشيئته مخالطة الصحيح من به شيء من الأمراض سببا لحدوث ذلك ولهذا قال: “فر من المجذوم كما تفر من الأسد” وقال: “لا يورد ممرض على مصح” وقال في الطاعون: ” من سمع به في أرض فلا يقدم عليه”, وكل ذلك بتقدير الله تعالى.

ومن القواعد التي ذكرها بعض العلماء في مثل هذا المقام (أن الشرع إذا أثبت شيئا ثم نفاه فالنفي منصب على ما هو قائم بالأذهان من الاعتقادات الباطلة).

ومما تقدم يعلم بأن حصول العدوى لا يكون إلا بإذن الله تعالى فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر بالفرار من المجذوم ثم أكل معه ليقرر هذه الحقيقة وأما قوله: “لا عدوى ولا طيرة” فيحمل على أنه لا شيء يعدي بطبعه وفي ذلك نفي لما كان عليه اهل الجاهلية من اعتقاد أن الأمراض تعدي بطبعها فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم اعتقادهم الفاسد بنفيه لحصول العدوى إلا بإذن الله.

ونحن نقول مما أصبحنا نعرفه اليوم من طبيعة الأمراض: إن حصول العدوى أمر ثابت لا ريب فيه فقد أصبحنا نعرف اليوم آلاف الأمراض المعدية التي تصيب البشر بطرق مختلفة غير أن حصول العدوى يحتاج إلى شروط conditions معقدة وكل مرض من الأمراض المعدية يعدي بطريقة خاصة به فمنها ما ينتقل عن طريق الطعام والشراب ومنها ما ينتقل عن طريق الدم بالحقن مثلا ومنها ما ينتقل عن طريق الممارسات الجنسية.. أضف إلى هذا أن لكل نوع من العوامل الممرضة جرعة نسميها: الجرعة المعدية infecting dose فلا تحصل العدوى إلا بدخول عدد معين من تلك العوامل إلى جسم صحيح كما أن الاستعداد للعدوى susceptibility يختلف من شخص لآخر ومن عرق بشري race لآخر وللظروف الجوية وغيرها من الظروف أثر في حصول العدوى علما بأن العدوى نادرا ما تحصل من ملامسة واحدة أو مخالطة contact عابرة بل تحتاج في الغالب لمخالطة حميمة طويلة الأمد.

وهكذا نجد أن للعدوى شروطا كثيرة معقدة لا تحصل من دونها ولهذا لا تصيب العدوى كل الذين دخل العامل الممرض في أجسامهم وعلى سبيل المثال فقد وجد أن فيروسات شلل الأطفال poliovirusإن أصابت مائة طفل فإن طفلا واحدا فقط هو الذي يصاب بالشلل الفعلي أما بقية الأطفال 99% فلا يصابون بالشلل بل على العكس يكتسبون مناعة دائمة ضد الشلل (الموسوعة الطبية الفقهية ص 702).

مخالطة المريض والخوف من نقل العدوى:

لقد جاءت الشريعة بحفظ النفوس وصيانتها عن الأذى والتهلكة ويدخل في ذلك الامراض والأوبئة فهي من جملة ما يجب اتقاءأسبابه، والتعرض لها من الإلقاء بالنفس إلى التهلكة والنبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى هذه السبيل بقول صلى الله عليه وسلم: “فر من المجذوم فرارك من الأسد” ولما قدم وفد ثقيف لمبايعة النبي صلى الله عليه وسلم كان فيهم رجل مجذوم فأمره صلى الله عليه وسلم بالبقاء في الرحل وعدم الوفود عليه وقال: ” بايعناك وأنت في الرحل” وكذلك نهيه عن دخول أرض الطاعون وقوله: ” لا يورد ممرض على مصح”.

وقد تقدم أن قوله صلى الله عليه وسلم: “لا عدوى” تحمل على أنه لا شيء يعدي بطبعه وكذلك أكله مع المجذوم إنما هو لبيان ذلك ولنفي ما كان يعتقده الناس في الجاهلية من أن هذه الأشياء تعدي بطبعها.

ونهيه صلى الله عليه وسلم عن القرب من المجذوم ومخالطته فيه دلالة على أن هذا الامر من أسباب الضرر وهذا الضرر اختلف فيه العلماء فمنهم من حمله على الضرر في الدين والعقيدة فيكون ذلك من باب سد الذرائع حتى لا يظن أن هذه الأمراض تعدي بطبعها إذا ما قدر الله عليه المرض. والمسلم عليه ألا يعرض نفسه لما يحتاج إلى مجاهدة كما ذكر ذلك أبو العباس القرطبي في المفهم والخطابي وابن قتيبة وابن الأثير وغيرهم. وهناك من أهل العلم من حمله على الضرر الحسي وان هذا الأمر أجرى الله عادة أن يكون سببا يفضي إلى انتقال العدوى وهو الصواب. ولا يشكل على هذا مخالطته صلى الله عليه وسلم لمصاب مرة من المرات فإنما كان ذلك لبيان أن تأثيرهذا السبب منوط بمشيئة الله سبحانه وتعالى فإن شاء سبحانه أبقاه على العادة فأثر وإن شاء سلبه قواه فلم يؤثر أو خلق أسبابا غيره تدفعه علمه الناس أو لم يعلموه.

ومن حكمة الله أن ربط الأسباب بالمسببات، وأمرنا باتخاذ هذه الأسباب كما أمرنا بعدم الاعتماد عليها من دون الله، والناس في الأسباب طرفان ووسط. فإنكار الأسباب قدح في الحكمة والإعراض عنها نقص في الدين كما أن الاعتماد عليها من دون الله يقدح في إيمان المسلم وعقيدته.

ومخالطة المريض مظنة الضرر والضرر يزال خاصة إذا شهد الشرع و الواقع على تحققه في شيء فإن الأصل فيه المنع كما قعده الفقهاء، وإن لم يصرح في النصوص بمنعه، فإذا نص على المنع وصرح به لزم الأخذ به قطعا، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر بمجانبة من به مرض يسري أو يعدي كالجذام أو الطاعون ويقاس عليه مما ثبت عليه بالحس أو شهد به الأطباء أنه يعدي دفعا للضرر وحفظا للنفس عما يؤذيها ويهلكها، بل ناقش الفقهاء حق جماعة المسلمين في عزل المريض مرضا معديا عن الأصحاء وذهب أكثرهم إلى جوازه بل إلى وجوبه وسيأتي معنا التفصيل في هذا الأمر عند الحديث عن أثر المرض المعدي في حضور الجمعة والجماعات.

فعزل المريض والبعد عن مخالطته إلا لضرورة قد أمر به الشرع كما في قوله صلى الله عليه وسلم: “فر من المجذوم كما تفر من الأسد ” وفي قوله: “لا يورد ممرض على مصح” وقد قرر الفقهاء عزل المريض بالجذام ويقاس عليه باقي الأمراض السارية والمعدية. وقد ذهب المالكية والحنابلة والشافعية على منع المجذوم من مخالطة الأصحاء دفعا للضرر والأذى الذي يحصل بمخالطتهم ولم أقف على قول للحنفية في المسألة لكن أصولهم في الأخذ بقواعد الشريعة في الحفاظ على الكليات الخمس ودفع الضرر تقتضي موافقتهم للجمهور.

وذهب بعض العلماء على أن الصحيح إذا أذن في ورود المريض عليه مع معرفته بحاله فحينئذ لا يلحق المريض إثم ولا حرج ويدخل في هذا ذهاب المرضى إلى الأطباء ، والأصل في هذا حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بيد مجذوم فأدخلها معه في القصعة وقال: ” كل ثقة بالله وتوكلا عليه” وعليه يحمل ما ثبت عن أبي بكر وعمر وسلمان وعائشة رضي الله عنهم في إذنهم لبعض المرضى للوفود عليهم والأكل معهم وإلى هذا ذهب الحنابلة فقالوا: لا يحل للمجذوم مخالطة الصحيح إلا بإذنه للحديث المتقدم كأنهم حملوا الحديث ” لا عدوى ولا طيرة” على المعنى لا يحل لأحد أن يعدي أحدا.

وأما إذا لم يأذن الصحيح أو لم يعلم بحال المريض فإنه لا يجوز لهذا المرض الوفود على الصحيح أو مخالطته والأصل في هذا حديث عمرو بن الشريد عن أبيه قال كان في وفد ثقيف رجل مجذوم فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم: “إنا قد بايعناك فارجع” ولم يأذن له بالوفود عليه.

ومن التدابير المعروفة اليوم في مواجهة الأوبئة والأمراض المعدية والسارية ما يسمى بالعزل الطبي والحجر الصحي وما تقدم يعتبر مستندا شرعيا لها، ويلزم المريض شرعا الاستجابة والتقيد بهذه التدابير التي يتخذها المسؤولون عن الصحة العامة.

أثر المرض المعدي في حضور الجمعة والجماعاتوالحج والعمرة:

إن من قواعد الشريعة الحفاظ على النفس ودفع الضرر وإزالته والتخفيف عن المريض لذلك قال جماهير العلماء بسقوط الجماعة والجمعة عن المريض مرضا معديا، بل صرحوا أن لجماعة المسلمين وإمامهم منعه إذا أصر على حضور الجماعة والجمعة ومخالطة الناس في المسجد لما يترتب على ذلك من الضرر لغيره من الأصحاء، وتعريضهم للتأذي بأعراض المرض أو سريانه إليهم وإعدائه لهم، كما أن في ذلك مخالفة للإرشاد النبوي في النهي عن مخالطة المريض للأصحاء.

واستدلوا لذلك بما رواه البخاري في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((وفر من المجذوم كما تفر من الأسد)). وقال صلى الله عليه وسلم ((لا ضرر ولا ضرار)).

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من أكل من هذه الشجرة –يعني الثوم- فلا يقربن مسجدنا)). فمنع آكل الثوم من الحضور لأنه يؤذي غيره، وفي حضور المصاب بمرض معدٍ أذية كبيرة للغير كما هو معروف، ولذلك جاء في التاج والإكليل في شرح عبارة خليل لما قال: “وعذر تركه-الجمعة-والجماعة شدة وحل في مطر أو جذام. قال: “قال ابن حبيب: على الجذماء الجمعة ولا يمنعون من دخول المسجد فيها خاصة وللسلطان منعهم من غيرها من الصلوات وقاله مطرف. وقال سحنون: لا جمعة عليهم، وإن كثروا ولهم أن يجمعوا ظهراً بغير أذان في موضعهم ولا يصلون الجمعة مع الناس، قال ابن يونس: لأن في حضورهم الجمعة إضراراً بالناس وأوجب –عليه السلام- غس الجمعة على الناس، لأنهم كانوا يأتون إليها من أعمالهم فيؤذي بعضهم بعضا بنتن أعراقهم، فالجذام أشد، ومنعهم يوم الجمعة أولى لاجتماع الناس، وكما جاز أن يفرق بينه وبين زوجته إذا تجذم كان أحرى أن يفرق بينه وبين الناس في الجمعة.”

ونقل شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في أسنى المطالب عن الأسنوي أنه: “توقف في الجذام والبرص، قال الزركشي: والمتجه أنه يعذر بهما لأن التأذي بهما أشد من أكل الثوم، قال وقد نقل القاضي عياض عن العلماء أن المجذوم والأبرص يمنعان من المسجد ومن صلاة الجمعة ومن اختلاطهما بالناس… قال الأسنوي: وإنما يتجه جعل هذه الأمور أعذاراً لمن لا تتأتى له إقامة الجماعة في بيته وإلا لم يسقط عنه طلبها لكراهة الانفراد للرجل وإن قلنا إنها سنة، قال في المجموع: ومعنى كونها أعذاراً سقوط الإثم على قول الفرض والكراهة على قول السنة لا حصول فضلها ويوافقه جواب الجمهور عن خبر مسلم (سأل أعمى النبي صلى الله عليه وسلم أن يرخص له في الصلاة ببيته لكونه لا قائد له فرخص له فلما ولى دعاه فقال: هل تسمع النداء فقال: نعم ،قال: فأجب) بأنه سأل هل له رخصة في الصلاة ببيته منفردا تلحقه بفضيلة من صلى جماعة فقيل: لا” .

وقال البهوتي يرحمه الله في كشاف القناع شارحا لعبارة الماتن: “وكذا من به برص وجذام يتأذى به”، قياسا على أكل الثوم ونحوه بجامع الأذى، ويأتي في التعزير منع الجذمى من مخالطة الأصحاء.”

قال الرحيباني الحنبلي في شرحه لقول الماتن: (يعذر بترك جمعة وجماعة مريض ليس بمسجد)؛ لأنه «صلى الله عليه وسلم لما مرض، تخلف عن المسجد، وقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس» متفق عليه. (و) يعذر بذلك (خائف حدوث مرض)”.

قال ابن عبد البر رحمه الله: ” وفي الحديث المذكور أيضا من الفقه: أن آكل الثوم يبعد من المسجد ويخرج عنه، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقر بمسجدنا أو مساجدنا لأنه يؤذينا بريح الثوم) وإذا كانت العلة في إخراجه من المسجد أنه يُتأذى به،ففي القياس: أن كل ما يتأذى به جيرانه في المسجد بأن يكون ذرب (سليط) اللسان، سفيهاً عليهم في المسجد، مستطيلاً، أو كان ذا ريحة قبيحة لا تريمه لسوء صناعته، أو عاهة مؤذية كالجذام وشبهه و كل ما يتأذى به الناس إذا وجد في أحد جيران المسجد وأرادوا إخراجه عن المسجد وإبعاده عنه كان ذلك لهم، ما كانت العلة موجودة فيه حتى تزول، فإذا زالت بإفاقة أو توبة كان له مراجعة المسجد “.

عن ابن أبي مليكة: “أن عمر رضي الله عنه مر بامرأة مجذومةوهي تطوف بالبيت فقال لها: يا أمة الله لا تؤذي الناس لو جلست في بيتك لكان خيرا لك، فجلست في بيتها فمر بها رجل بعدما مات عمر، فقال لها إن الذي نهاك قد مات فاخرجي، فقالت: والله ما كنت لأطيعه حيا وأعصيه ميتا”.

قال ابن وهب – في المبتلى يكون له في منزله سهم، وله حظ في شرب فأراد من معه في المنزل إخراجه منه، وزعموا أن استقاءه من مائهم الذي يشربون منه مضر بهم، فطلبوا إخراجه من المنزل، وقال أيضا: إذا كان له مال: أمر أن يشتري لنفسه من يقوم بأمره، ويخرج في حوائجه، ويلزم هو بيته فلا يخرج، وإن لم يكن له مال: خرج من المنزل، إذا لم يكن فيه شيء، وينفق عليه من بيت المال.

قال سحنون: وأما مرضى القرى فلا يخرجون منها، وإن كثروا، ولكن يمنعون من أذى الناس وقال أصبغ: ليس على مرضى الحواضر الخروج منها إلى ناحية أخرى، ولكن إن كفاهم الإمام المؤنة منعوا من مخالطة الناس بلزوم بيوتهم والتنحي عنهم وقال ابن حبيب: يحكم عليهم بتنحيهم ناحية إذا كثروا، وهو الذي عليه فقهاء الأمصار.

فالحاصل أن من كان مريضا مرضا يتأذى الناس بمخالطته لنتن ريحه أو خبث هيئته أو كان المرض ساريا أو معديا فإنه يعذر عن حضور الجمعة والجماعات، ويلزمه التحرز من مخالطة الناس حتى لا يتأذوا منه، وإلا جاز لجماعة المسلمين ولإمامهم إلزامه بذلك مع مراعاة حاجته إلى الطعام والشراب والدواء.

ومن الأمراض المعدية الشائعة اليوم التي ينبغي التحرز منها ومن سريانها في المجتمع مرض كوفيد ــ19 الذي يسببه فيروس (كورونا)، فقد أكدت منظمة الصحة العالمية أن هذا المرض معد بدرجة كبيرة وينتقل الفيروس ( كورونا) المسبب للمرض عن طريق الرذاذ والقطيرات التي تتناثر من أنف المصاب وفمه عند السعال و العطاس، وعند استعمال بعض الأواني في الأكل والشرب، أو عند تقصد تلويث شيء يستعمله الأصحاء بتعريضه للعاب المريض.

فيتعين شرعا دفع المفسدة والضرر عن الأصحاء يقول ابن القيم رحمه الله في الزاد: “إن النبي صلى الله عليه وسلم شرع التحرز من الأدواء المعدية وأرشد الأصحاء إلى مجانبة أهلها “.

ومن هذه الأحاديث التي أشار إليها ابن القيم ـ رحمه الله ـ قوله صلى الله عليه وسلم: “لا يورد ممرض على مصح ” وفي لفظ البخاري: ” لا توردوا الممْرِض على المصح”.

ومنها حديث عمرو بن الشَّريد عن أبيه قال: كان في وفْد ثقيف رجل مَجذوم، فأرسل إليه النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -: “إنا قد بايعناك فارجع”.

فلئن ساغ شرعا إرجاع مسلم جاء لمبايعة النبي صلى الله عليه وسلم وإبعاده عن المدينة لكونه مريضا مرضا معديا، فإبعاد المريض الذي يريد المسجد للجمعة والجماعة من باب أولى.

وقد سُئِل شيخ الإسلام ابن تيميَّة-رحمه الله – عن رجل مبتلًى سكن في دار بين قوم أصحَّاء، فقال بعضهم: لا يمكننا مجاورتك ولا ينبغي أن تجاور الأصحَّاء، فهل يجوز إخراجُه؟ فأجاب: نَعم، لهم أن يَمنعوه من السكن بين الأصحَّاء؛ فإنَّ النبي قال: ((لا يورد ممرض على مصح))، فنَهى صاحب الإبل المِرَاض أن يوردها على صاحب الإبل الصِّحاح، مع قوله: ((لا عدْوى ولا طيرة))، وكذلك روي أنَّه لما قَدم مجذومٌ ليبايعه أرسَل إليه بالبيعة، ولم يأذن له في دخول المدينة.

وقد ناقش الفقهاء منع الحاج المريض مرضا معديا من الحج حتى لا يتأذى به الحجاج وكتبت في ذلك بحوث علمية، وخلص كل من وقفت عليه من الباحثين الذين تطرقوا الى حكم منع الحاج المصاب بمرض معد إلى أنه إذا شهد الأطباء الثقات بخطورة مخالطة هذا الحاج المريض لباقي الحجاج أو غلب على الظن أن العدوى ستنتقل إليهم أن منعه من إتمام حجه متعين، ويجب ابعاده الى بلده ويكون في حكم المحصر تنطبق عليه أحكام الاحصار في الفقه الإسلامي.

وقد ذهب بعض الفقهاء والمفتين إلى مشروعية منع أهل بلد محجور عليه صحيا بسبب الوباء من الحج الحاقا للوباء بالطاعون.

فهذه فريضة عظيمة وركن من أركان الاسلام وقد جوز العلماء إبعاد أو منع المصاب بمرض معد من دخول البلد الحرام لأداء هذه الفريضة دفعا للمفسدة والضرر الذي يحصل بمخالطته للأصحاء، ودفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة، وتحقيق مصلحة جموع المسلمين في السلامة من المرض مقدم على مصلحة المريض في أداء فريضة الحج.

وقد راعت السلطات السعودية- بناء على فتاوى كبار العلماء فيها –هذا فمنعت في عام 2001 مواطني دولة أوغندا من دخول الأراضي المقدسة لأداء مناسك الحج نتيجة انتشار مرض إيبولاالقاتل في البلاد، كما ألزمت عددا من الدول الموبوءة وفقا لآخر نشرات منظمة الصحة العالمية، بتقديم شهادة تطعيم ضد الحمى الصفراء سارية المفعول، وشهادة أخرى تفيد بإبادة الحشرات والبعوض على الطائرات القادمة من هذه الدول، وتقديم شهادة تطعيم ضد الحمى الشوكية (بلقاح A/C) بمدة لا تقل عن عشرة أيام ولا تزيد عن ثلاث سنوات، كما يمنع حجاج هذه الدول من جلب أي مواد غذائية معهم.

الموت بسبب المرض المعدي وقياسه على الطاعون في حصول الأجر:

جاءت نصوص كثيرة تدل على حصول الأجر والثواب العظيم للمريض الذي رضي بقضاء الله وقدره وصبر على مرضه، واحتسب الأجر عند الله، وكلما كان المرض أشد وأرزأ على المسلم في صحته وعافيته، كلما كان أعظم لأجره. فإذا قضى في مرضه فإن الله يضاعف أجره ويرفع درجته ويلحقه بالشهداء.

روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما تعدون الشهيد فيكم؟، قالوا: يا رسول الله من قتل في سبيل الله فهو شهيد، قال: “إن شهداء أمتي إذا قليل” قالوا: فمن هم يا رسول الله قال: “من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في الطاعون فهو شهيد، ومن مات في البطن فهو شهيد”.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله: المطعون شهيد، والغريق شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد، والمبطون شهيد، والحريق شهيد، والذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت بجمع شهيد”

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: المَطْعُونُ، وَالمَبْطُونُ، وَالغَرِقُ، وَصَاحِبُ الهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ).

ومن ذلك ما روته عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: “سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون فأخبرني أنه عذاب يبعثه الله على من يشاء وأن الله جعله رحمة للمؤمنين ليس من أحد يقع الطاعون في مكث في بلده صابرا محتسبا يعلم أنه لايصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد”.

وهناك نصوص كثيرة تجعل أنواعا من الموت شهادة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ ابن حجر: “وقد اجتمع لنا من الطرق الجيدة أكثر من عشرين خصلة..” وذكر منهم: اللديغ، والشريق، والذي يفترسه السبع، والخار عن دابته، والمائد في البحر الذي يصيبه القيء، ومن تردى من رؤوس الجبال.

ولا شك أن الأمراض المعدية التي صنفها الأطباء في درجات متقدمة في الخطورة تقاس على الطواعين والأدواء التي جعل النبي صلى الله عليه وسلم من مات فيها شهيدا وهذا مما يسلي به المسلم الذي ابتلي بهذه الأمراض نفسه، وهو مما يتسلى به من فقد حبيبا أو قريبا بسبب هذه الأمراض.

والمتأمل لأصناف الشهداء الذين ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث السابقة يجد أن الله قدر عليهم ميتات فيها شدة، مع كونهم في وعي تام وحضور عقل، وإحساس كامل بالألم وهذه الصفات كلها تنطبق على من ابتلي بهذه الأمراض المعدية وقضى فيها.

قال النووي: “قال العلماء: وإنما كانت هذه الموتات شهادة يتفضل الله تعالى بها بسبب شدتها وكثرة ألمها”.

وقال ابن التين: “هذه كلها ميتات فيها شدة تفضل الله على أمة محمد صلى الله عليه وسلم بأن جعلها تمحيصًا لذنوبهم وزيادة في أجورهم يبلغهم بها مراتب الشهداء”.

وقد وضع بعض العلماء ضابطاً للشهيد فقال: “كل من مات في عِلَّةٍ مُؤْلمةٍ متماديةٍ، أو مرضٍ هائلٍ، أو بلاء مفاجئٍ، فله أجر الشهيد، فمن النوع الأول: المَبْطُون، ومن النوع الثاني: المَطْعُون، ومن الثالث: الغريق.”

ولنيل أجر الشهادة الوارد في هذه النصوص شروطا كما ذكر العلماء، قال السبكي عندما سئل عن الشهادة وحقيقتها. قال: “إنها حالة شريفة تحصل للعبد عند الموت لها سبب وشرط ونتيجة”. اهـ

سئل شيخ الإسلام ابن تيمية: عن رجل ركب البحر للتجارة فغرق فهل مات شهيدًا؟ أجاب: “نعم مات شهيدًا إذا لم يكن عاصيًّا بركوبه…” اهـ

وقال في موضع آخر: “ومن أراد سلوك طريق يستوي فيها احتمال السلامة والهلاك وجب عليه الكف عن سلوكها، فإن لم يكف فيكون أعان على نفسه فلا يكون شهيدًا”. اهـ

فهذه الأمراض إذا كان المصاب بها صابرا محتسبا ولم يتلبس بمعصية تكون سببا في إصابته بهذا المرض أو تقحم أسباب الإصابة به متعمدا فإنه إن قضى فيها رجي له أن يكون شهيدا عند الله.

ومما أختم به مقالي التنبيه على ما شاع بين الناس والشباب منهم على وجه الخصوص من التفكه واختلاق الطرف والمضحكات تندرا بمرض كوفيد ـ 19 (كورونا)، و هذا مما ينبغي على المسلم الابتعاد عنه، فالمرض قدر الله وابتلاؤه الذي ينبغي مقابلته من الصحيح بحمد الله على العافية واتخاذ أسباب الوقاية منه، والصبر والاحتساب واتخاذ أسباب العلاج من المريض.

آخر اﻷخبار
2 تعليقان
  1. لا يوجد نص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بالعدوى..

    والذي جاء عنه صلى الله عليه وسلم هو نفي العدوى فقط

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M