معارك الغزو والتهدئة الفرنسية بالمغرب 1907م-1934م

26 مارس 2019 17:59
معارك الغزو والتهدئة الفرنسية بالمغرب 1907م-1934م

هوية بريس – ذ. إدريس كرم

تقديم

يعتبر كتاب "اللسان المعرب عن تهافت الأجنبي على المغرب" لمؤلفه العلامة المؤرخ أبو عبد الله السليماني من الكتب الرائدة التي بحثت في أساليب التحديث والتطوير في البنية الاجتماعية والثقافية والدينية المغربية لمواجهة عوامل التخلف
إعداد وتقديم: ذ. إدريس كرم

سبق الحديث في مقالات لنا عن مراحل غزو المغرب، وكيف تحولت من مخطط لاجتياح البلاد (ظنا أنه لن تكون هناك مقاومة)، إلى الحديث عن محاربة السياب والنهاب وبث الأمن في الطرق والمسالك باسم السلطان وبطلب منه، ولما لم تفلح تلك التخطيطات تم الحديث عن (التهدئة) بغية القيام بإصلاحات كبرى تنفيذا لمؤتمر الجزيرة الخضراء (1906)، ومعاهدة الحماية (1912).

بيد أن تلك التهدئة طالت، وتطلبت حشد ما يزيد عن ثمانين ألف جندي مدججين بصنوف الأسلحة والاستعانة بالمتعاونين المحليين -تحت قيادة قياد المخزن- الذين لا يحسبون لا في الزحف ولا عند الموت أو الجرح، كما يدلّ التقرير الذي نحن بصدده.

وقد قامت “لجنة إفريقيا الفرنسية” بتتبع تحركات القوات الفرنسية في عمليات غزوها السالف ذكرها من خلال تقارير ميدانية نشرتها في إبانها بمجلتها (إفريقيا الفرنسية) التي كان من بين كتابها معد هذا الكتاب الذي يحمل عنوان “la pacification du maroc1907-1934″، رصد فيه عدد القتلى من جنود المتربول وعدد المعارك التي بلغت حسب رصده 814 معركة (سبق نشر كرونولوجيتها في “هوية بريس”).

وفي ما يلي مقدمة الكتاب المعنونة بـ: “السلام الفرنسي بالمغرب”.

(أشياء جديدة حصلت عليها فرنسا من عمل هؤلاء الأولاد) “الجنرال هنري”.

في 18 ماي 1934 حضرت للمركز العسكري ببوزكارن على تخوم الغرب الصحراوي آخر الفخذات المقاومة للغزوالعسكري الفرنسي طالبة الأمان من المقيم العام الفرنسي باعتباره القائد الأعلى للقوات، مصحوبين بثور التعركيبا على العادة المغربية في طلب الأمان، وتقديم الطاعة وإعلان الخضوع، وبذلك تكون قد انتهت عمليات التهدئة التي ابتدأت سنة 1907 ودامت 27 سنة من المجهودات.

لقد قامت “مجلة إفريقيا الفرنسية” بمتابعة ورصد وتسجيل لحظات الغزو يوما بيوم، ونحن اليوم نقوم بتلخيصها بعد ما تم الفراغ منها.

التهدئة -غزو في هذه الحالة-، لكننا سنحتفظ باستعمال لفظ (التهدئة) لأمد طويل للتمويه والتستر على حقيقة مجريات حرب حقيقية عنيفة أثرت بشكل كبير في عواطف وجهل المتربول -يجب قولها-أججت غضبا مزيفا لمن كان يتذرع بالإنسانية لملاحقة الذين يكرهون التنمية الفرنسية الكبرى.

يمكن لنا اليوم الإحتفاظ بمصطلح (تهدئة) لأنه وصف بالضبط العملية العسكرية لفرنسا في المستعمرات بصفة عامة وبخاصة في المغرب، إنها محدد يساعدنا على التراجع أمام ما يتضمنه مصطلح (حرب) خاصة أن مفهوم الحرب عند فرنسا في المستعمرات ليس هو مفهوم الحرب الأوربية التي تعني القضاء المبرم على الخصم بالقوة التي تصير للاشيء، فهي بالنسبة لموضوع الإنشاءات في النواحي المتواصل بشراسة غليانها الشعبي هذا السلام لن يتم إلا بتعاون بين الأهالي والأوربيين تحت مظلة السلم الفرنسي، فكلمة الحرب الإستعمارية التي ولدت التهدئة المغربية لم تكن موجهة ضد الأعداء الذين دمروا لكن تقود ضد الخصوم الذين سيكونون (متعاوني الغد) هذه هي العبارة النيرة للمرشال.

ما جدوى التذكير هنا بكل الميزات التي قمنا بها في إطار التهدئة المغربية إذا كان نموذجا تمثيليا للمشاريع الإستعمارية كافية لتبيانها، وقبل كل شيء ففي هذه الإدبارة المحررة من قبل الكلونيل ليوطي بعنوان: “du role colonial de l armee” (دور الاستعمار العسكري)،  ذكر فيها بمحددات جوهرية في عبارات (الغزو تنظيم متحرك، فكلما تم الإستيلاء على نقطة ما فكرنا فورا في إقامة سوق في اليوم الموالي، مع مراعاة الإختلاف بين النقاط، مما يعني أسواقا مختلفة وتصورات مغايرة للتهدئة، يجب إشهار القوة لكي نتجنب استعمالها، أعطوني طبيبا لأعيد لكم ثلاث سرايا، إقامة طريق يتطلب كتيبة).

كل هذا يجعلنا نقول بأن عقيدة هذه التهدئة تسجل بالضبط التفكير العميق في موضوع تقليص العمليات العسكرية للحد الأدنى من الإرغام على الإقتناع بسلاسة بدل الفرض.

(تطويع) هذه هي الكلمة الكبيرة التي تطبع هيأة هذا النوع من المنشآت المخالفة للحروب الأخرى.

بهذه الإنشاءات تم هيمنة المور على استعمال الإمكانيات: السياسة بالنسبة للمختصين في التجنيد، التعليم، الإستعلامات، الشؤون الأهلية، عندما يتكلم البارود سيكون في شكله النهائي نسبيا، وبشكل أقل فضاضة وتعجرفا لأنه استعمل لغاية محدودة باعتباره آخر حيلة نلجأ لها، مع بقائنا قادرين على إيقاف استخدامه بالسرعة الممكنة لتحقيق الهدف من تكلمه، إضافة لمحدودية الخسائر، وهذه العقيدة تطرح أيضا التدقيق في اختيار المعدات المستعملة نفسها حتى لا تكون عرضة للإتلاف والإستخدام غير الناجع، لذلك لا تستخدم المعدات المكلفة إلا في حالة الاضطرار المؤدن بالموت أو الهجوم المتعذر تسكينه وتشتيت القائمين به ودحرهم.

في هذا المنحى تم ظهور مغرب آخر ضدنا نتيجة انفجار حرب 1914 حيث سيكون ترك المغرب يتقرر على “الرين” لكن من قبل من؟ في نفس المكان والظروف لينتظم قبل ساعة الرهان، أيضا يراد من المغرب أن يكون دعامة لكن كيف سيتم ذلك؟

أضفنا (ابتسامات) السياسة للتحركات في (الشواطئ) الذين يدعمون الضربات التي تأتي من التجمعات المقدسة للثوار النشطين المثبتين في عين المكان بسبب قلة فهم رئيسهم.

حرب الريف في لحظة أخرت تنمية التهدئة، وأخيرا تمت السيطرة على المغرب (النافع)، وبعد عدد من السنوات سيسود الأمن بواسطة الغزو المغرب (الضروري) عامة.

مع توالي المجهودات تم تجاوز الحواجز المتراكمة في طرق احتلالنا حيث تجاوزنا المرتفعات الأكثر من 200م مندفعين نحو الصحراء، بيد أن قواتنا اصطدمت بمقاومة سكان رافضين تواجدنا على أراضيهم لأنهم لا يعرفون ما حملته فرنسا من عتاد وعدة، فأخر ذلك انتشارنا وشيئا فشيئا كلما تقدمنا في العمق زاد ذلك الكره والمقاومة والإجرام المطبق من قبل قوانينهم المحلية هاربين من عدالتنا.

أخيرا توقف الصراع بين المتحاربين، ووجدت فرنسا في قبايل المغرب عددا من الموالين حتى في التي قاومتها لمدة طويلة بالسلاح للحفاظ على استقلالها، لكن النصر الفرنسي قد تحقق على المعادين لها ودفع البرابرة العصاة الثمن غاليا نظرا للوسائل المستعملة، وخاصة النظام المتماسك في العمليات العسكرية والسياسية التي أكد أن النصر محدد بالذكاء أكثر من المدافع والطائرات، وأنه ليس هناك مثل على أن البربرية قاومت ودافعت اجتياح الأجانب من رومان، ووندال، بزنطيين، وعرب، برتغال، اسبان، انجليز، تُرك، لكن لا أحد في هذا الأمد الطويل هزم البربر بزيادة قوة التفكك المهيمن عموما على ذهنيتهم.

أحيانا يحدثنا التاريخ أنه في عهد مولاي اسماعيل (كان بإمكان المرأة واليهودي أن يتنقلا من وجدة لسوس دون خوف من أحد كما يقول الزياني)، أمن وقتي قصير، عشر سنوات عشرين، بعدها تتجدد الحرب بمجرد ما يبدأ السيد يشيخ وهو ما لا نجده في فرنسا إلا نادرا، وأن الأهالي (الوطنيين) لو جاز لنا القول قبل إعلان (القانون) لم يدركوا التضحيات التي قدمتها فرنسا للوفاء بتعهداتها الموقعة في 30 مارس 1912 لحماية السلطان من كل المخاطر التي تهدده، والذي لم يكن بقادر حتى على الذهاب لزيارة مدافن أجداده بتافلالت نظرا لاقتصار مجال سيطرته فقط على بلاد المخزن بين فاس ووجدة، في حين أن سيدي محمد الذي خلَف مولاي يوسف يسيطر اليوم على السهل والجبل من الغرب إلى السوس الأقصى.

لقد واصلت فرنسا مهمتها الحضارية بالنسبة للأهالي بتنمية مجالهم في الفلاحة وكافة الممتلكات من أجل إنشاء المغرب.

هل انتهت المهمة بانتهاء عمليات التهدئة؟

لا، بل بقي لاحق للغد وتكملة.

لكن من اليوم ضباطنا وجنودنا سواء بيض أو سود والذين يعيشون في المتربول بإمبراطوريتنا المستعمرة، في المغرب نفسه حيث هناك هدأنا، غَزَونا المغرب به نفسه لو جاز التعبير، رابطين بإحكام الإمبراطورية الشريفة للأبد، وبلا انفكاك مع الوطن الحامي، يجب أن لا ينسوا وكذلك في فرنسا والعالم والغرب أن فرنسا هي التي فرضت به القانون على الفلاح والعالم، على الشلح والفاسي المشتركين في توقير واحترام الولاء الذي ورثوه لأحسن أبنائهم الساقطين من جراء انجذابهم للتشويش العريق بهذه الأرض الإفريقية، الدعوة اليوم للإنماء تحت شعار “السلام الفرنسي”.

إفريقيا الفرنسية تقدم لهؤلاء والآخرين هذه الفرصة للتذكر”.

(لادرييت دلشاريير).

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M