معركة الأساتذة المتدربين: بين الصمود البطولي ومكر الدولة 

08 أغسطس 2017 16:54

بقلم عبد الغني خالدي*

منذ ولوجهم للمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين بعد اجتياز انتقاء أولي ومباراة كتابية وشفوية في أكتوبر 2015،خاض الأساتذة المتدربون فوج أبريل نونبر معركة نضالية قوية كان من أهم مطالبها إلغاء مرسومين جديدين الأول يقضي بفصل التكوين عن التوظيف والآخر متعلق بتقليص قيمة المنحة.
معركة نضالية سلمية حضارية مشهودة عرفت التفافا كبيرا للجسم التعليمي وتضامنا واسع من مختلف فئات وشرائح المجتمع واستمرت بالضغط والاحتحاج رغم القمع والتنكيل والمجازر والتخويف والترهيب (مجزرة انزكان،مجزرة القنيطرة، تدخلات وحشية…) لأزيد من ستة أشهر متواصلة، تخللتها أشكال محلية و مسيرات وطنية واعتصامات ووقفات.. .
إلى أن رضخت الدولة تحت الضغط المستمر وبعد تدخل النقابات التعليمية الست والمبادرة المدنية لحل ملف الأساتذة المتدربين، للجلوس إلى طاولة الحوار، جلسات ماراطونية من الحوار مع ممثلي الدولة وبحضور ممثلين عن النقابات والمبادرة المدنية خلصت إلى توقيع محضر اتفاق ينص على تعليق الاحتجاج والرجوع إلى مقاعد التكوين وتوظيف الفوج كاملا وإرجاع المرسومين إلى طاولة الحوار القطاعي، على أن تستمر لجنة المتابعة في الانعقاد والسهر على تنفيذ بنود محضر الاتفاق.
فعلا قام الأساتذة المتدربون وبكل مسؤولية ونضج باحترام جميع بنود الاتفاق وعادوا إلى مراكزهم واستكملوا تكوينهم بنجاح وتفوق ليتم تعيينهم في المؤسسات التعليمية التي قضوا فيها دورة كاملة من التدريس وممارسة المهنة توجت بتقويم سهرت عليه لجان من المفتشين والممارسين ليحصلوا جميعهم على شواهد التأهيل التربوي التي تخول لهم اجتياز مباراة التوظيف ما عدا بعض أساتذة مركز العرفان اللذين تعهدت الدولة بدورة استدراكية لهم في أقرب الآجال .
بعد ذلك أعلنت الوزارة عن فتح مباراة التوظيف في الأسلاك التعليمية و أعلنت عن مناصب مالية أكثر من عدد الأساتذة المتدربين الحاصلين على شهادة التأهيل التربوي، حيث اجتاز جميع الأساتذة المتدربين الاختبارات الكتابية بنجاح وفق ما أعلنت عنه الوزارة
ليتم بعد ذلك اجتياز الاختبارات الشفوية و بعد تأخر كبير في إعلان النتائج أزيد من 20 يوما تخللها زيارات لرجال السلطة واستقصائهم عن الأساتذة المتدربين في بيوتهم، يفاجئ الجميع بترسيب تعسفي ممنهج في حق 150 أستاذ وأستاذة مشهود بكفائتهم وجلهم رموز ومناضلوا التنسيقية الوطنية للاساتذة المتدربين، ترسيب تعسفي لأن المفتشين واللجان الساهرة على الاختبارات الشفوية يؤكدون نجاحهم و حصولهم على نقاط عالية.
بعد ذلك سيستمر الأساتذة المتدربون في معركتهم النضالية بعدما سدت في وجوههم جميع الأبواب ولم يستجب ممثلوا الدولة لطلبات النقابات والمبادرة المدنية لعقد لقاء لجنة المتابعة من أجل ايجاد حل للملف، مما دفع الاساتذة المتدربين المرسبين إلى تقديم طلب الاطلاع على محاضر الاختبارات الشفوية التي تقول الدولة وفق تصريحات وبيانات وزارة التربية الوطنية أنهم رسبوا فيها، إلا أن جواب الدولة كان هو رفض تسليم المحاضر والقمع الوحشي للوقفة الاحتحاجية التي نظمت أمام مركز التقويم والامتحانات بالرباط و الذي أسفر عن إجهاض جنين الأستاذة المرسبة صفاء الزوين..
استمر الأساتذة المتدربون في الاحتجاج والنضال واعتصم الاساتذة المرسبون في الرباط و قاموا بعشرات الوقفات ومسيرات و اعتصامات لازيد من 4 أشهر قوبلت بالآذان الصماء والقمع الوحشي وتمرير المغالطات…
و بعدما استنفذوا كل السبل و طرقوا كل الابواب قرر الاساتذة المرسبون خوض اضراب مفتوح عن الطعام من أجل انتزاع حقوقهم المشروعة و التي أجمع على عدالتها الجميع، ووضعوا مطالبهم وكرامتهم فوق حياتهم، و أثناء الاضراب المفتوح عن الطعام الذي تجاهلته الدولة رغم المخلفات الصحية الخطيرة وحالات الاغماء(8 حالات إغماء نقلت للمستشفى) و التدهور الكبير لصحة المضربين عن الطعام، تشكلت مبادرة وطنية لدعم الاساتذة المتدربين المرسبين من هيئات حقوقية ونقابية وشخصيات وطنية و التي تقدمت بملتمس من أجل تعليق الاضراب المفتوح عن الطعام على أن تتبنى المبادرة الملف وتترافع حوله في مختلف الواجهات، و في نفس الأسبوع انعقد المجلس الوطني للتنسيقية الوطنية للاساتذة المتدربين الذي رفع بدوره ملتمس للمرسبين من أجل تعليق الاضراب وتسطير برنامج نضالي تصعيدي…
بعد ثمانية أيام من الاضراب عن الطعام المتزامن مع صيام رمضان المبارك قرر الاساتذة المرسبون الاستجابة لملتمس تعليق الاضراب المفتوح عن الطعام من أجل فسح المجال للمبادرة الوطنية لدعم الاساتذة المتدربين المرسبين و المجلس الوطني من أجل تسطير برنامج نضالي ترافعي لحل الملف..
و في هذا السياق قامت المبادرة الوطنية بمراسلة رئاسة الحكومة ووزارة التربية الوطنية والتعليم العالي و البحث العلمي ووزارة الداخلية بمراسلات مستعجلة كما قامت بمراسلة جميع الفرق النيابية بالبرلمان، إلا أن الجواب الوحيد للدولة كان ولايزال هو الآذان الصماء وعدم التجاوب مع جميع المراسلات.
في نفس السياق دعى الاساتذة الجدد إلى انزال وطني بالرباط ابتداء من 2 غشت 2017 من أجل الضغط على الدولة للوفاء بالتزامها و محضرها الموقع حيث تعرضوا للتعنيف والقمع من جديد، ومازالت المعركة مستمرة…
إن أهم ما يستفاد من هذه المعركة البطولية رغم اختلافنا حول تقدير نجاحها من فشلها ، هو أنها كانت باعثا للأمل في نفوس العديد من شباب هذا الوطن ضاربة أروع الأمثلة في النضال المبدئي و الصمود البطولي،جاعلة من النضال والصبر والاتحاد و تجاوز الخلافات منارات مضيئة لجميع الحركات الاحتجاجية في المغرب.
و طبعا هذا لا يخجلنا من الوقوف عند بعض المظاهر السلبية التي طفت على السطح مثل الانتهازية والخيانة والخوف المبرر وغير المبرر، كما لا يبعدنا عن أصل المشكل و هو أننا في دولة كاذبة لا تحترم اتفاقتها ومحاضرها والتزاماتها، وتتربص كل فرصة للانتقام من المناضلين والحركات الاحتجاجية، و لكن رغم كل ذلك ففي تقديري الشخصي أن المعركة انتصرت للأسباب التالية:
– انتصر الاساتذة المرسبون بصمودهم وإصرارهم وبذلهم الغالي والنفيس لمدة 8 أشهر خاضوا خلالها كل الاشكال النضالية السلمية المتاحة وصولا إلى الاضراب المفتوح عن الطعام، رغم شروط اليأس والخذلان والهزيمة،
– انتصر الشرفاء الأوفياء من الأساتذة الجدد الذين امتحنوا مبدئيتهم و شعاراتهم فنجحوا في الامتحان وحجوا إلى الرباط متجاوزين كل الأعذار والاسباب وجسدوا الانزال الوطني..
-انتصرنا لأننا نناضل من أجل الكرامة والحرية و العزة و لاننا دافعنا عن فكرة النضال وانتزاع الحقوق بالنضال والصمود، و الوقوف في وجه الظلم والاستبداد.
– انتصرنا لأننا نؤمن أن النضال و مدافعة الباطل والظلم لم يبدأ مع الترسيب ولن ينتهي بعد خذلان الاصدقاء، فقد كنا نناضل قبل هذه المعركة النضالية و سنبقى أوفياء لمبادئنا في النضال و الصمود و مجابهة الظلم إلى أن ينتصر الخق بإذن الله.
-انتصرنا لأننا نعلم يقينا أن أرزاقنا بيد الله تعالى وحده ولم تكن يوما بيد أحد و لن يستطيع أن يمنعها عنا أحد،
-انتصرنا لأننا تعلمنا دروس وعبر كثيرة خلال هذه الجولة وهذه التجربة، تعرفنا على معادن نفيسة من رجال ونساء، تعرفنا وتذوقنا مرارة الخذلان والخيانة، تعرفنا على مكر المخزن وخداعه.
-انتصرنا لأننا ولله الحمد واثقون من كفاءتنا ومستوانا، بشهادة الأكفاء من فضلاء هذا الوطن، و سنثبتها أكثر في المقبل من الأيام…
-انتصرنا لأننا اخترنا أن نعيش أحرار كراما ولانرضى بالذل والمهانة، و نضالنا سيبقى مستمرا مادام الظلم والجور والاستبداد…
المعركة مستمرة والنضال مستمر
موعدنا يوم الخميس 17 غشت

*أستاذ مرسب

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M