مقدسات الإسلام ومقدسات العلمانية.. محاورة لأبي حفص وصلاح الوديع

21 أبريل 2017 15:31

 إبراهيم الطالب – هوية بريس

لعل أبشع ما يعاب على من يعتبرون أنفسهم حداثيين ديمقراطيين أنهم غارقون في التقليد أكثر من أولئك الذي يطوفون بقبر إنسان غادر الدنيا قبل مئات السنين، يستنجدون به وقد أصبحت عظامه رميما، يطلبون منه حل مشاكلهم ومدهم بالولد والرزق أو فكهم من السحر و”العكوسات”؛ دون أن يشغّلوا عقولهم ليدركوا أن صاحب هذا القبر لا يملك لهم ضرا ولا نفعا، وأن سلوكهم هذا سلوك الحامل عليه تقليد الآباء والأجداد وليس عليه أثرة من علم أو عقل.

فتقليد هؤلاء لصاحب القبر كتقليد الحداثيين الديمقراطيين بشكل آلي لكل ما ينتجه الفكر الغربي؛ فقط لأنه من الغرب دون إعمال لعقلهم، إذ أنهم لو اتبعوا صريح العقل دون تأثر بشهوة أو تقليد لاتفقوا مع صحيح المنقول من الشريعة والدين.

فتراهم يقدسون الحرية الفردية ولو دلت الحقائق الإمبريقية أن لتطبيقاتها انعكاسات مدمرة على الفرد والمجتمع؛ حتى أصبحوا يطالبون في بلاد الإسلام بتقنين المخدرات وتنظيم الدعارة ورفع كل القيود على الزنا والشذوذ، رغم أن كل المؤشرات والإحصائيات تدل على أن المغرب يعرف معدلات تنذر بالدمار في ملفات السيدا، والأطفال المتخلى عنهم، والنساء ضحايا تجارة الدعارة، والجرائم المرتبطة بالخمور والمخدرات، والتي يتكدس أصحابها بعشرات الآلاف في سجون تبتلع كل يوم خيرة شبابنا، وترسل عشرات المغاربة إلى القبور.

فهل موضوع الآثار المدمرة لتبني المفهوم الغربي للحريات الفردية أحق أن يفتح بشأنه النقاش المجتمعي نظرا لإلحاحيته وخطورته..أم موضوع الإرث الذي يحفظ للمرأة حقوقها حيث تحظى فيه بالتفضيل أو المساواة في كثير من حالاته؟؟

فما أثارته تصريحات أحد الناشطين المكنى سابقا بأبي حفص حين كان محسوبا على الإسلاميين بل السلفيين “المتشددين” بخصوص قضية أحكام الإرث؛ هو أمر طبيعي نظرا لهذا التسلط العلماني الذي يمارس على المجتمع المغربي المسلم؛ هذا الناشط صرح أن غرضه: “هو التقدم بالمجتمع لما هو أفضل وإلقاء بعض الحجارة في المياه الراكدة، علها تحرك النقاش في مثل هذه المواضيع”.

أي تقدم يرجى من نقاش أحكام الإرث ونساء المغرب تقذف بطونهن إلى الشوارع الآلاف من الأطفال المتخلى عنهم نتيجة تسيب في ممارسة الزنا لم يعد يردعها حد إلهي ولا قانون وضعي بشري؟

أي نقاش يريد أبو حفص أن يفتح في موضوع الإرث؟؟

ولماذا هذا الإسلامي السابق لم يجادل أحبابه الجدد من العلمانيين في قضايا الحريات الفردية؛ ويطالب بمزيد من الضبط للمفهوم؛ ويكسر هذا الطابو العلماني؛ الذي لا يجرؤ العلمانيون على نقاشه بحرية على الهواء.

إن المياه الراكدة اليوم في المغرب هي المياه العلمانية الآسنة التي يحرس ركودها المتعلمنون المتنفذون في بنياتنا المجتمعية السياسية والثقافية والجمعوية والحزبية؛ ويحرصون على استمرار هذا الركود في المياه العلمانية بتكميم أفواه الوعاظ والخطباء والعلماء؛ وبمحاربة الإسلاميين والحيلولة بكافة الطرق والأساليب دون تشكيلهم لحكومة قوية تحدث التغيير.

العلمانيون دأبوا على الهجوم على مقدسات الإسلام وأحكامه؛ لإشغال العلماء والمفكرين عن عمليات العلمنة؛ ممارسين إرهابا فكريا يجعل العلماء الرسميين في حالة عجز شبه كامل، ويمتنعون على الرد والمدافعة حتى لا يثيروا غضب مسؤوليهم، خصوصا وأن العلمانيين يستغلون ما تحت أيديهم من مؤسسات عامة؛ مثل المجلس الوطني لحقوق الإنسان..

ألم يجد أبو حفص سوى الإرث موضوعا لإثارة النقاش؛ وهو يعلم يقينا أن منظومة الإرث مستهدفة دوليا ووطنيا من خلال المنظمات الحقوقية العلمانية؛ التي تذهب بعيدا في تَمَثّلها لمفهوم المساواة؛ حتى أنها ترفض الوظائف الطبيعية للمرأة كالحمل والولادة والرضاعة؛ وتسوى بين الرجل والمرأة؛ فتسمح للمرأة أن تتحول جنسيا وتلعب دور الرجل؛ وللرجل أن يتحول جنسيا أيضا ليلعب دور المرأة؛ في انحراف تأباه الطبيعة البشرية؛ تقره لا لشيء سوى لاستصنام مفهوم الحرية الفردية؛ المتفلت من كل دين أو عقل صريح موافق للفطرة.

ثم إن احتجاج “أبو حفص” بتغير البنيات الاجتماعية وتطورها لفتح نقاش حول نظام الإرث؛ هو منطق ملتبس يستند إليه العلمانيون دوما لإقرار كل انحراف سلوكي أو عقدي بموجبه.

فالتطور الاجتماعي تطوران:

– تطور موافق لأصول الشريعة وقواعدها الكلية فهو معتبر في تغير الأحكام الجزئية الاجتهادية.

– وتطور مخالف لأصول الشريعة لا تغير الأحكام بموجبه؛ بل يعتبر انحرافا والواجب أن يُسعى إلى تغييره وإرجاع المجتمع إلى استقامته.

فما تعرفه المرأة من ابتذال وقهر واستغلال في سوق العمل أفرزه انحراف طرأ على المجتمع المغربي عند تغيير بنياته فجأة بفعل الاحتلال واغتصابه لوسائل العمل وعلى رأسها الأراضي النافعة وتسلطه على مصادر المال والأعمال؛ الأمر الذي أحدث تطويرا اجتماعيا سريعا وفق علمانية فرنسا وقوانينها البشرية دون مراعاة لضبط هذا التطوير وفق الشريعة الإسلامية؛ فتشكلت تجمعات اقتصادية تحلقت حولها أمواج بشرية هاجرت بحثا عن القوت في زمن الاضطهاد فتكونت مدن صناعية كالدار البيضاء التي تضم أكبر تجمع بشري في المغرب رغم حداثة تشكلها؛ الأمر الذي أفرز سلوكيات وانحرافات؛ عبر عنها من يقرها “بكازا نيگرا”.

فهل الواجب تصحيح الانحرافات والسلوكيات المخالفة للدين؛ أم الاحتجاج بالتطور الاجتماعي لإقرار الزنا باسم الحرية الفردية، واللواط باسم احترام الاختلاف في الميولات الجنسية؛ وتقنين الدعارة باسم احترام حرية المرأة في جسدها.

إن الفرق بين الإسلاميين والعلمانيين في جدل الإرث هو فرق بين مرجعيتين، مرجعية تستصنم منتجات العقل العلماني الغربي المنفصل عن الوحي والدين، ومرجعية إسلامية قرآنية تقف عند حدود الله وتعتقد أن واجب الإنسان في الأرض هو امتثال الوحي مع استعمال للعقل وفق ضوابط الشريعة وقواعدها؛ بعيدا عن ضغط الشهوات المفلسفة بالفكر والحريّة.

والعجيب أن بعض النخب العلمانية التي دافعت عن أبي حفص؛ لم ترض عنه إلا عندما أصبح خادما لأطروحاتهم، ساكتا عن نقدهم، جالدا لذاته بدعوى النقد والمراجعة؛ الأمر الذي أوهمهم أنه أصبح تائبا يصلي في محراب العلمانية؛ تاليا أنشودات الحداثة ونبذ المقدس؛ فحسبوه متماهيا مع مفاهيمهم وتصورهم للكون والحياة والإنسان.

من أمثال هؤلاء نجد صلاح الوديع الذي انتصر لأبي حفص ضد الشيخ الكتاني مؤكدا على أنه: “لا يمكننا أن نتسامح في مصادرة الرأي لأي كان في أي مجال من مجال المعرفة والفضاء العمومي الذي يجمعنا، خاصة أن القضايا التي تسببت في هذا الهجوم تعتبر من القضايا المشتركة والملك المشاع للرأي العام التي لا يمكن لأحد أن يفرض الحجر عليها أو الوصاية كالإرث مثلا”. الأحداث المغربية ع6189/بتاريخ 19/04/2017.

ونحن نسائل بكل جدية “الرفيق” صلاح: هل فعلا تعتبرون القضايا المجتمعية ملكا مشاعا للرأي العام لا يمكن لأحد فرض الحجر عليها؟؟

لماذا لا تتحدثون وأنتم المطالبون بشراسة بالحداثة والعقلانية؛ عن إحياء عبادة القبور ونشر التخلف والخرافة بين المغاربة من خلال إحياء نوع من التصوف الخرافي؟؟

لماذا لم تشجبوا هدر الملايير من الدراهم من الأموال العامة على الأضرحة والزوايا؛ وأنتم من عرفتم التنقل من أقصى اليسار وسافرتم إلى أقصى اليمين حيث الاستبداد السياسي في حزبكم المهمين.

لماذا لا تنتقدون كل الإخلالات التي تعرفها المواسم من تهديد للصحة العامة، ونشر للخرافة المحضة والشعوذة والشعبذة؟

ألا يخالف ذلك الحداثة والعقلانية والتنوير؟؟

بالتأكيد هو يخالف كل ذلك لكن لافتقاد أغلب العلمانيين للنزاهة الفكرية نراهم يتواطؤون مع الخرافة والدجل ويساهمون في تشجيع نوع من التدين واستعماله أفيونا لعقول أفراد الشعب؛ فقط لأنه يخدمهم في محاربة التدين الواعي المهدد لمشروع العلمنة المناقض لمشروع الأسلمة.

ثم نُسائل “الرفيق” الوديع ألا ينبغي عليه أن ينتقد؛ -وقد شاب رأسه وهو يتكلم في أمور السياسية والفكر والأدب-؛ الحضارة الغربية وجرائم أمريكا وأوربا؛ ويُعْمِل مبضع النقد في المفاهيم التي أقامتها فلسفات الثورة الغربية والأنوار؛ رغم وضوح نتائجها المدمرة على الإنسان الغربي؛ الذي أصبح أسير دكتاتورية الرأسمالية؛ مستعبدا لبنوكها؛ وجعلت المرأة سلعة في سوق النخاسة تتمنى وضعية المرأة المسلمة في الإسلام وليس في واقع المسلمين الذي أفسدته عقود الاحتلال الغربي ومسخته عقود التبعية الاقتصادية والثقافية؟؟

لماذا لا يفتح مع إخوانه العلمانيين الحداثيين نقاشا حول آثار الحريات الفردية التي يقلدون فيها الغرب والتي ذكرنا بعضها أعلاه؟؟

لماذا يفضّل هو ومن معه السكوت عن الآثار المدمرة للإجهاض على المرأة؟؟

أليس ذلك تقديسا للحرية الفردية واستصناما لنتاج العقل الغربي؛ وجريا وراء ما يصدر إلينا؟؟

لماذا لا يفتح الوديع نقاشا يدرس أثر المفهوم الغربي للحرية الفردية في إنتاج ما يسميهم العلمانيون: الأطفال الطبيعيون والأمهات العازبات؟؟

لماذا يرفض هو وإخوانه كل مقدس في الإسلام؛ في حين يعتبرون الحريات الفردية المتعلقة خصوصا بالجنس والمخدرات مقدسة، لا يجرؤون على انتقاد آثارها حتى لا يتهموا بالانغلاق والتعصب؟

فالمتأمل الحصيف يلاحظ بيسر أن التقليد والجمود والتعصب الذي يستنكره الرفيق ورفيقي صديقه، هو في الضفة العلمانية التي بلغ بها التقديس للمفهوم الغربي للحرية والمساواة حدا أصبح العلمانيون يَعتبرون معه كل تلك الموبقات التي ذكرناها -وغيرها كثير- تطورا مجتمعيا يتطلب المزيد من التضيق على الدين والأعراف.

وتراهم يهربون إلى الأمام عندما يواجهون بآثارها المدمرة على المرأة والأسرة والمجتمع؛ معتبرين آثار الزنا المتمثّلة في الأطفال المتخلى عنهم وأمهاتهم، وكذا الجرائم المتعلقة ببيع الخمر وتعاطي المخدرات من قتل واغتصاب لا يحب أن تكون مسوغا للمس بالحريات الشخصية؛ بل يحب النظر إليها على أنها آثار جانبية غير مهمة؛ يجب التخفيف منها بتحفيز مؤسسات المجتمع المدني؛ حتى لا يؤثر فشوها على معنى الحرية الفردية وقداستها.

فالطابوهات اليوم والمياه الراكدة هي في المستنقع العلماني؛ أما الشعب فقد اختار الرجوع إلى التقيد بالدِّين وشريعة الإسلام رغم مشاريع محاربة أسلمة المجتمع المغربي الذي يقودها حزب الرفيق صلاح.

فرجاء ناقشونا في مقدساتكم العلمانية؛ وسنكون مستعدين بعدها لمناقشة مقدسات الإسلام.

وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.

آخر اﻷخبار
5 تعليقات
  1. بارك الله فيك اصبت العدو في مقتل .جزاك الله عن الاسلام والمسلمين خيرا ودمت حاميا واسدا هصورا في الدود عن ديننا الحق وشكرا

  2. كثر الله أمثال التي حملتك في بطنها يا أستاذنا إبراهيم. ونفعنا بعلمك وزعزع تيجان العدمانية الورقية بقلمك السيال ما شاء الله. ’’حفنة’’ اليسار كما وصفهم الدكتور النجار أو ’’رباعة’’ بقايا أيتام الإرهاب الماركسي اللينيني الستاليني في المغرب وغيره يعلمون أن نهاية تربعهم على عروش الجهل ستكون على يد توبة الشعوب إلى ربها توبة نصوحا, لذلك تراهم يغرقون في تعميق جهل الشعوب لإطالة أمدها في مستنقع النتانة حتى تدوم السيطرة العدمانية الإرهابية ألف عام.. وخسؤوا فالله ناصر دينه رغما عن أنوف الحاقدين بقايا أنظمة الدم.

  3. هؤلاء العلمانيون يبحثون عن ظهور يركبونها ليحققوا شيئا مما يحلمون به و هو إضعاف الوازع الديني لدى المغاربة , لكن هيهات هيهات , المغاربة اليوم و الحمد لله لم تعد تنطلي على أغلبهم ألاعيب بني علمان و أهدافهم الوسخة , شكرا للأخ صاحب المقال الذي عرى سوأة العلمانيين أكثر .

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M