مناقشة علمية هادئة لقرار الداخلية بخصوص النقاب

21 يناير 2017 19:38
برلمان النمسا يعتمد مشروع قانون يحظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة

هوية بريس – حسن فاضلي أبوالفضل

مناقشة علمية هادئة لقرار الداخلية بخصوص النقابكشف قرار وزارة الداخلية المتعلق بمنع بيع وخياطة وحيازة النقاب قضايا وخبايا خطيرة ذات أبعاد اجتماعية وثقافية ودينية وقانونية وتاريخية وفكرية، كشف عن مسار مقصود بدأ تنفيذه منذ ما قبل 1912، ولازال القائمون عليه يسلكون كل مسلك خفي وظاهر لتحقيق غايته العظمى، وهي الفصل التام لسكان هذا البلد عن تاريخهم وثقافتهم وحضارتهم ودينهم ومقومات استقرارهم ونموذجهم في العقيدة والشريعة والحياة الذي آثروه عن وعي وقناعة منذ القرن الأول الهجري.

وهذه مناقشة مختصرة هادئة في الموضوع كاشفة شيئا من جوانبه الأساسية الثلاثة الفقهية والتشريعية والفكرية، لا أقصد توجيهها لأتباع حزب فرنسا (الحزب هنا ليس بالمعنى السياسي -وإن كان أكثرهم يشملهم- وإنما بالمعنى الفكراني، الذي تجتمع حوله كل هذه الأشباه مستهدفة حق هذا الشعب في التدين والاستقرار والأمن بالتشكيك والتحريف والطعن، ومستجيبة لأمر آمرٍ من الخارج مقابل دريهمات!!)، وإنما مَن وقف في الوسط إذ تشابهت عليه الأمور، فهو يسعى في أن ينجو بنفسه، وأما من اطمأن لدينه ونجا بنفسه، فهذا لا خوف عليه .

فقهيا: خلاصة أقوال العلماء في النقاب

خلاصة أقوال العلماء في النقاب :

كل أقوال العلماء في الأرض -المالكية وغيرهم- لم تخرج عن هذه الأحكام:

1- القول بالإباحة.

2- القول بالندب/الاستحباب.

3- القول بالوجوب.

أما من قال بتحريمه وبدعيته، فلا فرق عندي بينه وبين من قال إنه رأى فلانا في القمر !!

وأما من قال من المالكية بالوجوب فنجد:

1- روى الإمام مالك في الموطأ،ح 918 (عن فاطمة بنت المنذر أنها قالت: كنا نخمر وجوهنا ونحن محرِمات مع أسماء بنت أبي بكر الصديق).

2- الزرقاني، شرح الموطأ، ج2،ص234 (يجوز للمرأة المحرمة ستر وجهها بقصد الستر عن أعين الناس، بل يجب إن علمت أو ظنت الفتنة بها).

3- الأُبِّي، جواهر الإكليل، ج1، ص41 (مشهور المذهب وجوب ستر الوجه والكفين…).

4- الحطاب، مواهب الجليل، ج1،ص499 (وآعلم أنه إن خُشي على المرأة الفتنة يجب عليها ستر الوجه والكفين).

5- إبن العربي، أحكام القرآن، ج3،1579 (…فلا يجوز كشف ذلك [أي الوجه والكفين] إلا لضرورة أو حاجة، كالشهادة عليها أو داء يكون ببدنها).

6- الدردير، الشرح الكبير، ج2، ص215

7- الونشريسي، المعيار المعرب،ج11،ص193 .

8- القرطبي، التفسير، ج12، ص 229

9- ابن عبد البر، التمهيد، ج6، ص364 .

10- ابن جزي، التسهيل، ج3، ص144

هؤلاء بعض من قال بالوجوب من المالكية -ولا يعنينا تتبع الأقوال كاملة-، ومن قال بالندب والاستحباب أوجبه عند حصول الفتنة، ومنهم من قال بالإباحة، ولا أحد منهم قال بمنعه أو حظره أو إباحة السفور قط !!

تشريعيا: دين الدولة هو الإسلام، والأمة تستند في حياتها العامة على الدين الإسلامي السمح

وأما من الجانب التشريعي فقد جاء في الفصل 3 من دستور المملكة (الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية)، وجاء في الفصل1: (تستند الأمة في حياتها العامة على ثوابت جامعة، تتمثل في الدين الإسلامي السمح، والوحدة الوطنية متعددة الروافد…).

فإذا كان دين الدولة هو الإسلام، والأمة تستند في حياتها العامة على الدين الإسلامي السمح، فإن هذا الدين له مظاهر لابد وأن تظهر في مؤسسات الدولة وفي الشارع العام وفي القانون الذي يحدد حقوق وواجبات كل من المواطنين ومؤسسات الدولة والحاكم!

ومن مظاهر الدين الإسلامي ما يتعلق بالزي الإسلامي وحجاب المرأة المسلمة ونقابها. وقد سبق في النصوص أعلاه أن أقوال المالكية تتراوح بين الإباحة والندب والوجوب، والدولة حسب الفصل 3 من الدستور تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية؛ فالدولة حسب هذا الفصل ملزَمة بحماية من يعتقد أو تعتقد وجوب النقاب وحماية من يعتقد أو تعتقد ندبه أو إباحته، وضمان حريتهم وحريتهن في ممارسة الشعائر الدينية وفي التجول والسفر والتجارة وغيره دون مضايقة أحد كان شخصا أو مؤسسة أو سلطة أو وزارة…

فلم منعت الداخلية بيع وخياطة النقاب وعلى أي أساس تشريعي أو قانوني اعتمدت؟! وقد نص الفصل 6 من الدستور على (القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة، والجميع. أشخاصا ذاتيين واعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه وملزمون بالامتثال له)!!

فمن أين اكتسبت وزارة الداخلية والسلطات المحلية -الآمرة بالتخلص من النقاب من المحلات التجارية في ظرف 48 ساعة- هذه القوة التشريعية والقانونية؟

 إن ما صدر عن الداخلية والسلطات المحلية يعتبر مخالفا للقانون، بل يعتبر طعنا في أسمى وثيقة قانونية وهي الدستور!!

فلا وزارة الداخلية ولا السلطات المحلية ولا أي مؤسسة كيفما كانت قوتها ومكانتها تمتلك حق مخالفة الدستور والطعن فيه، بما هو -أي الدستور- تعبير عن إرادة الشعب/الأمة .

وإذا كانت سلطة الإمام [الحاكم] مقيدة في نظام الإمامة بألا ينتهك القانون وأن يوافق مصلحة الأمة في ممارسة السلطة، فإن ما صدر عن الوزارة المعنية يعتبر انتهاكا للقانون وإساءة في استعمال السلطة .

يقول د. محمد العلمي: “تتقيد سلطة الإمام الأعظم [الحاكم] في نظام الإمامة الكاملة بمبدأين جوهريين :

– أولهما: ألا ينتهك القانون وإلا ارتكب ظلما [تجاوز السلطة].

– والثاني: ممارسة السلطة في مصلحة الأمة، وإلا اعتبر ذلك فسادا [إساءة استعمال السلطة] ولضمان تحقيق هذين المبدأين وفرت الشريعة ضمانتين :

– أولهما: مبدأ الشورى، إذ تحتفظ الأمة بحقها في تقديم النصح للحكومة في كل المسائل الإدارية والتنفيذية .

– وثانيتهما: مبدأ رقابة الأمة على العمل الجماعي. (المدخل إلى فقه الدولة في الإسلام،ص173).

ونحن نرى أن منع بيع وخياطة وحيازة النقاب يعتبر انتهاكا للقانون وممارسة للسلطة في غير مصلحة الأمة، ولا مدخل للشهوات والميولات في ممارسة السلطة وتدبير شؤون البلاد، وإنما السيادة للقانون. وأما الآراء والأهواء الشخصية للوزراء والعمال والباشوات والقواد ومن يأمرهم فيُحتفظ بها في بيوتهم ولا تلزم أحدا من المواطنين.

قد يقول قائل: إن السلطة ومن يأمرها ومن أمر من يأمرها إنما فعلوا ذلك حفاظا على خصوصية البلد !

قلت: خصوصية البلد لا تحددها الوزارة ولا من يأمرها، خصوصية البلد تُحدد مجتمعيا وثقافيا عبر التاريخ. ثم هذا النقاب الذي تزعم السلطة أنه هو البرقع الآت من بلاد الأفغان، والأمر ليس كذلك وما رأيت في حياتي قط امرأة تزيت بالزي الأفغاني، وغاية ما هنالك أن بعضهن اخترن النقاب على الطريقة المشرقية ولهن كامل الحرية في ذلك .

ولو سُئلت عن رأي الشخصي في ذلك لقلت: أُفضل الجلباب المغربي مع اللثام على طريقة الأمهات والجدات تحكيما لقاعدة العرف.

وقد يقول قائل: للحاكم أن يقيد المباح إذا رأى في ذلك مصلحة!

قلت: هذا ليس مباحا خالصا، وإنما اعترته الأحكام الثلاثة (الإباحة والندب والوجوب) وقد سبقت معنا الأقوال في ذلك. ثم إن المباح الذي قد يُقيد دفعا لمفسدة متحققة غير متوقعة ولا متوهمة، وجلبا لمصلحة عامة جامعة الشرائط هو المباح بالبراءة الأصلية أو المسكوت عنه، لا المباح المنصوص على إباحته كإباحة البيع والشراء وإباحة تعدد الزوجات، إذ تقييد هذا النوع من المباح أو الإلزام به يعد تغييرا لحكم الشرع وهو محرم على الحاكم وغيره.

ثم لو قفزنا على كل هذا وافترضنا أن جميع علماء الأمة أجمعوا على إباحة النقاب، وتحقق لدى الحاكم مصلحة تقييده، فإن الأمر يحتاج قبل ذلك إلى استصدار فتوى من مجتهدي البلد -وهو ما لم نسمع به لحد الساعة-، ويحتاج لدورة كاملة من التشريع والتنفيذ، حينها يحق للسلطة ومن يأمرها -بموجب القانون والشرع- أن تحظر وتمنع بيع وخياطة النقاب، لكن ليس على مستوى المحلات التجارية وأصحاب الدكاكين، بل على مستوى الاستيراد؛ أي أن تُوقف استيراد هذا الزي الإسلامي لاعتبارات!!

السلطة لم تسلك هذا المسلك الشرعي بل قصدت الحلقة الأضعف في الدورة التجارية وهو التاجر البسيط وصاحب الدكان الذي يكابد الحياة ويمارس تجارة مشروعة ومباحة، فأخضعت رقبته لهوى، أو تنفيذا لأمرِ آمرٍ من غير تعويض عن قيمة السلعة.

وقد يرِد هذا السؤال: ما يفعل البائع المتضرر من جراء قرار منع البيع والخياطة والحيازة؟

والجواب: يمكنه اللجوء للقضاء برفع دعوى قضائية في المحكمة الإدارية ضد قرار السلطات المعنية، فإن قيل: التاجر والمواطن البسيط يخشى على نفسه من نسج صراعات مع ممثلي السلطة (العمال والباشوات والقواد) وأعوانهم (المقدمين)، يجاب عنه: الدعوى القضائية في مثل هذه الحالة لا تُرفع ضد أشخاص أو أعيان وإنما ضد قرار السلطة، والسلطة هنا ممثلة الوزارة في المجال المكاني، وما العمال والباشوات والقواد إلا ممثلين للسلطة، والفصل السادس من الدستور يتيح ذلك فقد جاء فيه: (القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة، والجميع، أشخاصا ذاتيين واعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه وملزمون بالامتثال له).

فكريا: أول وأعظم شرط من شروط الفكر الصحيح أن يكون مساعدا على بقاء هذه الأمة ومتابعة سيرها إلى الأمام

كل ما يصدر عن سلطات (هذا) البلد منذ ما قبل 1912 إلى الآن لا أستغربه ولا أتعجب منه، لصيرورة الأمر إلى آخرين لا منبت لهم في المجال ولا رغبة لهم في مصلحة الوطن، سُلطوا على الناس تسليطا بعد ما يشبه خروج المحتل تتميما لمهمته وتنفيذا لأواخر خطته التي لا تُبقي من الاستقلال شيئا.

فكما أن حاضر هذا البلد يتصرف فيه آخرون فإن مستقبله “مرهون وخاضع لإشارات وتوصيات وتوجيهات تبلورت خارج المغرب ومن طرف غير المغاربة” (قيمة القيم، ص274، المهدي المنجرة -رحمه الله-).

ومنع بيع وخياطة النقاب -وبعد ذلك منع التزيِّ به وتجريم إظهاره، وهي الخطوة الثانية المتوقعة- توصية من تلكم التوصيات التي ظن فيها البعض أنها من هنا، وهي ليست من هنا بل من هناك، ولا تمت لتاريخ البلد ودينه وثقافته وحضارته ومصيره بصلة.

مثل هذا وأكثر منه قاومه الرجال (والنساء أيضا) بكل قوة وحكمة لسبق إدراكهم خطورة الأمر وعمالته، فلم يركنوا إلى ما بقي من الحقوق، بل دافعوا عن حقوقهم القائمة وطالبوا بحقوقهم المغتصبة وما أكثرها. اليوم اختلف الوضع فاقتنع الرجال (والنساء أيضا) بما تحت أيديهم من شبه حقوق وتركوا المَنهوب والمغتصَب للناهب والمغتصِب، ليتولى إعادتها إلى أهلها جهلا من بعضهم بمكره وحسن ظن من بعضهم به وتآمرا من بعضهم معه.

هذا الناهب وهذا المغتصب لا ضمير له ولا عدل له ولا شرف له، كلما آنس غفلة وانبطاحا إلا وسرق شيئا من مقومات استقرار ونماء وتقدم وتماسك هذا البلد.

لا ضمير له! بل قد يخلط ما صح من الفكر بما فسد قصدا في القضاء على كيان هذا البلد.

لا عدل له! بل قد يجعل من المظاهر الجزئية وسيلة للتغلغل في مقدسات البلد قصدا في القضاء على مقومات الطمأنينة والراحة بعدما فقدها هو.

لا شرف له!

 وهكذا فإن أول وأعظم شرط من شروط الفكر الصحيح أن يكون مساعدا على بقاء هذه الأمة ومتابعة سيرها إلى الأمام لا أن يُزيل عنها حجابها وسترها، “وكل فكرة تعمل على حل رابطتها (أي هذه الأمة) وتمزيق وحدتها والقضاء على كيانها كأمة مغربية لها مقوماتها الخاصة ومميزاتها عن غيرها، فهي فكرة لا يمكن أن تجد لها محلا من قبولنا واعتبارنا. وبما أن الأفكار لا تظهر دفعة واحدة بل تتغلغل في المجتمع بواسطة المظاهر الجزئية، فواجبنا أن نبحث عن هذا الشرط في كل تلك المظاهر، فإن وجدنا أثرا فذاك، وإلا فيجب أن لا نتهاود في مقاومتها والقضاء عليها ولو كانت مستترة بأبهى صور العصر وأزهى مفاتن الزمان” (النقد الذاتي، ص85، علال الفاسي).

إن الإبقاء على ما تحت اليد من مقومات هذا البلد الروحية والاجتماعية والفكرية والثقافية والعلمية دون الأمل في تحصيل غيرها، لا يتحصل منه إلا المزيد من الهزائم والنكبات، ولذلك كان لزاما على الشرفاء والعقلاء في البلد الالتزام بالصفوف الأمامية والارتقاء من مجرد القناعة بما عندهم إلى مستوى المطالبة بالمفقود/المنهوب/المغتصَب، عسى أن يؤدي ذلك إلى تمام المحافظة على ما عندهم.

وأخيرا أبشرهم بما أكده برنارد شو في كتابه (Back to) من أن قلب التوجه العالمي سينتقل في القرون المقبلة من الغرب إلى الشرق، “وأن الشريعة الإسلامية ستصبح المدونة الوحيدة للحياة قادرة على تجديد وجهة وضبط حياة الإنسان على الأرض في أي مسار مستقبلي” (معلمة الفقه المالكي، ص41، عبدالعزيز بنعبدالله).

فبرنارد شو إنما استنتج ذلك من قراءته الجيدة والذكية للتاريخ، فالدين الإسلامي وشريعته ومظاهره، كل ذلك لا يمكن محاصرته، وقد مر عبر التاريخ الإسلامي ما لا حد له من التزوير والتشكيك والتحريف والطعن، غير أن النتيجة دائما تأتي عكس ذلك وبما يسوؤهم مع ما ينفقونه على ذلك من الأموال الطائلة {فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون}.

فدين الله الخاتم الذي ارتضاه لعباده لا يحاصَر من آدمي مهما بلغ ذكاؤه وغناه !!

والله أعلم..

آخر اﻷخبار
5 تعليقات
  1. أحسنت ما شاء الله
    أسلوب راق كلمات تحمل في طياتها شجاعة قوية وموجهة الى الهدف بدقة
    أقول !! .لو لم يكن من بركات هده الفتنة إلا إخراج مثل هده الأقلام المباركة لكفى !! !!

  2. جزاك الله خيرا وَبَارِكْ فيك ونسأل الله من أراد ان ينشر فينا وازواجنا فأخذه إليك أخد عزيز قدير

  3. ماشاء الله على الكاتب وتعيشو يا البطلات المنقبات والمحجبات،رجال ماقدرو يلتحيووأنتن تحملن العزوتواجهن اللعب على الأعصاب والضغط في كل مكان،والله لو كان التضامن معكن فقط لما تتحمّلنه ولصمودكن في وجه الأعاصير والمرجفين لكفى،وكيف وأن هذا دين ومن صميم الدين،لابورك فيمن آذاكن.

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M