مناورة اخنيفرة واتخاذ موقع في بلاد زيان (القسم الرابع)

14 أكتوبر 2020 23:31
مناورة اخنيفرة واتخاذ موقع في بلاد زيان (القسم الرابع)

هوية بريس – ذ.إدريس كرم

تقرير لمراسل خاص:

منذ 12 يونيو والعلم الفرنسي يرفرف فوق الأسوار المسننة لقصبة زيان، بعد شهر من احتلال هذه القوات لممر تازا، وبذلك يكون احتلال خنيفرة تتويجا لنجاح سياسة الإقامة العامة، إذا ما قارنا بين أهمية العمليتين -من حيث مساحة الأرض المغزوة- بالخسائر الضعيفة التي تكبدناها، مما يدل على متانة التنسيق بين العمليات السياسية والعسكرية المهيأة إحداهما للأخرى دعما وتهييئا، فبقليل من الصبر والتضحية، يتم الحصول على نتائج كبيرة.

وهو ما قامت به مصلحة الاستعلامات في مقدمة النواحي الثلاث المحيطة بـ(مكناس، يطو، الرباط، والماس، تادلا، بجعد..) ليس فقط مباشرا ومركزا، ولكن أيضا عبر حركة گسياسية غير مباشرة أكثر عمومية، تبعها تكتيك الجنرال هنري وجها لوجه مع كنفدرالية البرابر المستقلة عن أوامره (كروان، بني امطير، بني كيلد) خضعوا بعد العمليات التي تمت في السنة الماضية، نتيجة تأثير العمل السياسي المفيد، الذي بقيت نتائجه ثابتة، فكان لا بد من إردافها بعمل عسكري يستكمل المهمة.

عرفنا أنه سيكون كافيا حضور الكولون في البلد وإظهار أن هدفه هو احتلاله بصفة نهائية، حتى تطلب الفخذات المحيطة بالكنفدرالية الأمان، بعد أول بادرة مقاومة حتمية تهدئ إحساس البربر.

لكننا لا نعرف مستوى قوة كنفدرالية زيان، ولا مشاريعها، ولا توجهات جيرانها من الكنفدراليات: أيت أومالو، أيت امهاوش، وشلوح موحى واسعيد، الذي عارض كلون مانجان، راده لأول مرة عن نقطة في جباله بمعركة دامية

إن سرد الأحداث والموقف المتخذ من قبل الفخذات التي تملك البلاد، والنظرة الأولى لدينا على المنطقة، والخطط التنظيمية المعتمدة ستحقق الآمال التي بالإمكان توقعها من إنجازات في أمد قصير.

حوادث مناورات خنيفرة

مع بداية شهر ماي كلف الجنرال هنري بقيادة بعثة عملية زيان السياسة والعسكرية لتنظيم البلد، متزامنة مع العملية السابقة بناحية الرباط، من مركز اكريستين لغاية مولاي بوعزة، حيث أدت لخضوع عدد هام من فخذات، آيت يعقوب، وبوحسسن (زيان موحى وحمو).

نفس الأمر وقع لما تحركت المجموعة المتنقلة من يطو لتكركرا، جاء للانضمام لنا فخذات جديدة من بني امكيلد، وبعض الفخذات الصغيرة من لمرابطين، كانت تتحدث لنا بواسطة مناديبها عن الأمان معنا، وتنتظر تقدم الكولون نحوها، لتعلن خضوعها.

من خلال عدد من التحركات على الجبهات الثلاث لزيان (تكريكرا، ولماس، تادلا)، درس الجنرال في عين المكان المشاكل المطروحة، واضعا لها الوسائل اللازمة لحلها قصد تحقيق النتائج المتوخاة من التحرك.

من أجل ذلك أقام قواعد حصينة للعمليات، ونظم كولونها، ووحد العملية السياسية في اتجاه متسلسل نحو الهدف المحدد من قبل مصلحة الاستعلامات للجبهات الثلاث، أوقف عمليات التموين والاتصال بواسطة مختلف المصالح، ونسق كل عمليات الأجهزة والوسائط.

في فاتح يونيو، ثبت هذه الأهداف، وأعطى هذه التوجيهات.

لقد أشرنا للكولونات الثلاثة الذين توجهوا لجهات ثلاث، بأعداد متناسبة مع البؤر الممتلئة بالمعادين، للتصرف معهم بتركيز وتتجمع في ناحية خنيفرة، بعد كسر كل مقاومة تعترض مناوراته، حتى تدار الأمور تحت إلإشراف المباشر للجنرال.

من أجل إبعاد كلون تادلا (الكلونيل كارنيي-دوبليسي) عن مطامع الشلوح موحى واسعيد فيه، ووضع عملياته على مسافة مضبوطة من عمليات كلون كريستين، قام الجنرال هنري بحمل الأول، نحو بجعد حيث وصل للكارة في 9 يونيو.

مجموعة اكريستيان المتحركة المحتلة لمولاي بوعزة، أمنت معسكرها في مرتفعات فوغال، كلون يطو تمركز في تيكريكرا، ودفع يوم 5 يونيو قاعدة تموينه لواد يفران، هذه الكلونات الثلاثة غادروا يوم 10 قواعدهم للوصول مساء لنواحي سيدي الأمين، خنك الدفة، دشرة تيتاغوين، ويوم 11 لنقط سيدي اعمر، زعير، البرج، من أجل فتح يوم 12 ناحية اخنيفرة.

كولونا دوبليس وكرو عن طريق حركتهما معا متساندين في استراتيجية عامة لتبادل الدعم: كلون ديلبيس هددت خاصرته من قبل قوات الزياني، التي اعترضت سير كلون كرو، في ناحية جبل كلموس، لتدخله المحتمل ضد الشلوح الذين يحاولون إبطاء حركة كلون تادلا.

منذ 11 مساء تلاقى الكلونان، فأصبحا نشيطان على المستوى التاكتيكي، فقاما بحركة منسقة لاختراق ضفاف واد أم الربيع، أما بالنسبة لكولون اكلوديل الذي يسير مع الجنرال في المرتفع الصعب الممكن تقسيمه لقسمين إنه المرتفع المنتهي بجبل كلموس، وتباينو، وجبل حديد، وجبل أزغار، لم يعتمد إلا على نفسه من أجل فتح محاور بلاد زيان، كما سيعمل مع لمرابطين الأكثر بأسا في القتال، والأحسن تسليحا في الكنفدرالية، كان مكونا أساسا من المدفعية 6فصائل، فيهم إثنان 75 ميدان، من أجل القضاء على كل مقاومة.

كان خط السير المتوقع بالنسبة له يتجنب مرتفع أدرار، الواصل للبرج، في أعالي خنيفرة وضمن خطة استراتيجية هذا المسار، تهديد خط تقهقر قوات زيان الأساسية نحو الجبل والسماح للكولونين الآخرين بإبعاد القوات الأساسية لزيان.

من الوجهة التاكتيكية عملية 12 على الضفة اليسرى لأم الربيع، يجب أن تفتح لهم منفذ فم أكنور، ويحموا ممر الواد.

هذه المناورة الحسنة إذا ما درست بعناية (على الخرائط والمعطيات المقدم من الاستعلامات) وإذا ما أعدت إعدادا جيدا واحترمت نقطة نقطة، سيكون الوضع أحسن مما عند الأعداء، الذين لا يجهزون إلا برصاص فارغ.

استيقاظ زيان النائمين أمام تحرك مجموعة فوكهال، الذي أسرع في 7 نحو واد إفران بعدما علم بتحرك كلون يطو، وإقامته في سهل بلاد زيان.

في ليلة 7و8 تحمل معسكر الكولونيل كلوديل انقضاض امرابطين، ايت زكوكو، عليه في تلك الليلتان تلاه هجوم عنيف من جموع عصاة زيان، مدعومين من الرجال والحراس الخاصين للزياني، وبالرغم من الاحتياطات المتخذة لحماية الرجال فقدنا 5 قتلى فيهم ضابط و13 جريحا، أما المرابطين فخسروا 30 قتيلا و40 جريحا ونفوق 23 حصانا.

في 8 تعرضت قافلة تموين لهجوم قوي لدفعها بعيدا.

يوم 9 التحق الجنرال بالكولون على متن سيارة دون حوادث بفضل تأمين الطريق من قبل مدفعية الميدان، القواعد الثلاث للعمليات صلبة الإنشاءات، وقد اتخذت جميع الاحتياطات حتى لا تفاجأ بهجمات أثناء قيام الكولون بعمليات، وهو بعيد عنها.

يوم 10 تحركت الكولونات الثلاثة في تزامن واحد، للسير نحو الهدف بسرعة وانضباط كما أمر الجنرال، مبتعدين عن ضفاف نهر أم الربيع تفاديا لهجمات الأعداء وكمائنهم القاتلة، ساعدهم على الإسراع خلو البلاد من الخصوم الذين فروا منها لما علموا بقدومنا لإخضاعهم.

يوم 10 غادر كلون كلوديل واد إفران باكرا لمفاجأة الزياني، في الوقت الذي كان يستعد لمهاجمة معسكره من جديد، فقام بمطاردة فخذات غيرت سلوكها بعدم البقاء مجتمعة بل تشتت لجر الكلون لملاحقتها مشتتا فيسهل على مقاتليها صيد عناصره، كما اختفت فخذة لمرابطين بدورها، وهي تقاوم تقدم الكولون بين وهاد وشعاب واد أم الربيع.

كلوننا تجاوز قصبة القايد موحا أعقبلي، قايد أيت زكو الذي كان على صلة بنا منذ شهور، بالحمام، في منبع واد إفران الصخري دافعا أمامه الخليفة السي اسماعيل، حاملا معه 650 خيمة، خاضعة ليحتل بسهولة مقدمة أعالي سهل امريرت، حيث لوحظ اختفاء العلم الأحمر لموحى وحمو، الذي عسكر فيما وراء الصخيرات، قرب دشر طيطاوين.

يوم 11 كلون كلود عبر من وسط سنابل الشعير الناضج في سهل امريرت الرائع، الممتد بين أعالي واد إفران وأم الربيع، نازلا نحو البرج في منحدر عميق، حيث كان يكمن مقاتلو امرابطين بين الصخور، منتظرين مرور القافلة التي كانت تضم الجنرال وأركانه، وما أن توسطوا المشرع حتى انطلق الرصاص حولهم فجرح حصان واحد من حاشية الجنرال وقتل حصانان لجنديان من الخفر، وجرح فرد من المدفعية، فسكتت بطاريته، لكن تواصلت حركة عبور القافلة تحت تبادل نيران الأعداء والحامية لغاية اجتيازها أودية أم الربيع قرب القنطرة والصومعة المربعة للبرج المذكور بآثار أنقاض برتغالية.

سار الجنرال على الضفة اليسرى للنهر، متوجها نحو تمركز الفرسان، لحد بوابة مدفع اخنيفرة، من حيث سيدخل الكولون في نفس المساء المكون من 6000 رجل، وأكثر من 4000 حيوان عبر جسر ضيق مهتز في البرج ومشرع وعر سريع الجريان، طيلة الليل.

الكلون عسكر على الضفة اليسرى حول البرج، مر الليل هادئا بعدما تفاجأ الأعداء بالزحف على المنطقة، فلم يجدوا بدا من إخلاء المدينة ومحيطها.

في 12 دفع كولون كلوديل نحو اخنيفرة مباشرة التي يعتقد أنها خلت من السكان، استدرجه الجنرال للالتفاف على مرتفعات اتغات جنوب المدينة، بواسطة عملية تطويق واسعة، ملامسا لجبل أقلال، حيث سحب الزياني مدفعيته المكونة من مدفع أو اثنين وثروته.

انطلاقا من الساعة السادسة صباحا انطلقت كل عناصر كلون كلوديل، لمهاجمة جماعات الزياني المتواجدة خلف سلسلة الهضاب فنجحت في تشتيتها وإبعادها لمسافة 6 كلم جنوب اخنيفرة، بعدما قنبلت قصبة مرتفع أقلال، في تراشق حام، والتحام مباشر، مع المقاتلين، سقط فيه ليوطنا من اصبيحي مغاربة مشاة، التي تشبثت سريته بالأرض في قتال على الأقدام، لغزو سلسلة من التلال في انتظار تدخل المشاة، والمدفعية لتغطية تحركها.

في السابعة والنصف بدأ فتح فم أكنور من قبل عناصر الكلونيل كرو، سيتبعهم بعد ساعتين عناصر طليعة تادلا، الخلفية استعملت نفس الاستراحة الكبيرة التي فتحها كلون اكلودل بحركة حيوية لتثبيت الأعداء.

أصدر الجنرال أوامره للكلونين بالسير على الضفة اليمنى: كلون كرو، من مرتفع خنيفرة لدعم الجناح الغربي لكلون يطو، وكلون دبليسيس من السافلة، للعمل على الجناح الأيسر للخصوم، لكن انسياب الكلونين عبر المشرعين، وقنطرة خنيفرة كان بطيئا بالرغم من رغبة الكل بسرعة منازلة الأعداء.

حوالي الساعة التاسعة 9 قدمت حركة تكونت في الجبل من عصاة الشلوح متجهة نحو الجنوب الغربي، لقطع الطريق على تحرك كلون كرو، فالتقت الحركة مع طلائع الكولون ونشبت معركة شاركت فيها عناصر منتمية للزياني، إلا أن عناصر الكولون دفعت المهاجمين نحو فج عدرسن حوالي الساعة التاسعة والنصف، فساد الهدوء على طول خط تنقل الكولون.

في الساعة العاشرة عصاة جدد من شلوح آيت اسحاق، وآيت يودي، وأيت إشكرن، قدموا من الجنوب الغربي، والغرب، عبر ضفاف أم الربيع، وبدأوا يطلقون النار على من بالجبهة لكن كلون دبليس، اجتاز فم أكنور تازكا، قافلته كانت في حراسة الخفر المرافق لها، وقد تقدم للاستيلاء على أم الربيع على الساعة 11 مع مشاتيه، رادا لهجوم الشلوح على الضفتين، مطهرا جبهتين مواجهتين لكلونين آخرين، منهيا حركته العامة نحو الأمام التي سمحت له بملاحقة الجماعات المعادية لغاية 8 كلم جنوب خنيفرة.

أصيب الأعداء بالارتباك والخيبة نتيجة الهجمات الناجحة لنا عليهم، والخسائر التي تكبدوها ففرو للجبال دون أن يفكروا في معاودة الكرة للهجوم علينا، أما الزياني فقد بلغنا معلومات أنه جمع متاعه وانسحب نحو أروكو.

الكولونات حطت معسكراتها مساء حول خنيفرة، على الضفة اليسرى دون أن تخشى شيئا، وقد خسرنا في هذا النهار خمسة قتلى و19 جريحا فيهم 7 جروحهم خطيرة في حين ترك الأعداء عددا من القتلى في الميدان.

أثناء المعركة

نحو العاشرة 10 دخل كوم الكولون خنيفرة وأخلو المدينة بسرعة، واحتلوا موقع الزياني بها، ورفعوا علما في أعلى مكان بها، في حين واصل المدفع طلقاته على الأعداء الفارين وفي ميدان المعركة انعطف الرجال لحظة عن الصراع لتحية العلم الذي لاحظوه يخفق فوق المدينة المحتلة.

مر المساء والليل في هدوء، فقط مدفع الزياني المنصوب في مرتفع أقلال بقي يدوي عبثا في الهدوء.

في اليوم 13 تم تكريم الرجال السبعة الذين سقطوا أمام العدو في الأيام الأخيرة.

في ليلة 13-14 لعلع رصاص عدد من المتسللين داخل مراقد النوم بالمعسكر ويوم 14 خرجت دورية استطلاع للخلف، حيث بلاد ازعير فوجدوا البلاد فارغة.

وفي ليلة 14-15 شن العدو هجوما عاما على المعسكر بين الساعة التاسعة والواحدة ليلا من جميع الجهات، في نفس الوقت بفضل الكشافات الماسحة للأرض، تم إطلاق الرصاص والرشاشات والمدفع في اتجاه الأعداء، فأوقف حماسة الخصم الذي كان يشجع من قبل النساء البرابرة المتواجدات معهم، واللواتي كانت زغاريدهن تتعالى وسط ضوضاء المعركة

بفضل التدابير المتخذة السريعة، لم نفقد سوى قتيل واحد وجريح، بينما ترك العدو ست جثث وراء الأسلاك الشائكة الدفاعية لم يتمكن من حملها، آيت إشكيرن، علي أمهاوش قاموا بسحب بعض الجثث التي تعرفوا عليها ممن شاركوا في الهجوم.

في 15 من أجل تأكيد النجاح، ترك الجنرال الأمتعة في حراسة إحدى المجموعات، وتقدم صحبة مجموعتين أخرتين نحو أدرسان القصبة التاريخية لمولاي إسماعيل، فاستولى عليها بسهولة بعد اختراقه واد شربوكة الخصب، مقنبلا ادشور وقصبات آيت حركات فخدة من زيان أصيلة، في الوقت غينه كنا نرى بعيدا عن المتناول أخر دواوير زيان يهربون باتجاه جبل البربر المطل على أدرسان والمتحكم في مسالكه، كان الاستيلاء على بلاد زيان أمرا واقعا حيث تم طرد آخر العناصر غير القابلة لخضوعها واحتلالنا والتي سيعيدهم العمل السياسي لسلطتنا لاحقا.

خنيفرة 25/7/1914 ص:311-314 إفريقيا الشمالية.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M