من أوصلنا إلى الأوضاع الراهنة؟ علمانيون أم إسلاميون؟

20 ديسمبر 2017 22:10
أحداث عالم اليوم بين إيران والغرب والحكام العرب؟ (ح1)

هوية بريس – د. محمد وراضي

لا يخفى أن الضمير هنا في فعل “أوصلنا” يعود إلينا نحن كعرب وكمسلمين. كما لا يخفى أن حكامنا الأوائل فور تخلصنا من الاحتلال الأجنبي، متخرجون سياسيا وفلسفيا من مدرسة الاستعمار الذي أوهمنا بأن قطع خطوات بسرعة على درب التقدم، لا يتحقق إلا بفصل الدين عن الدولة؟ فكان أن صدق المخدوعون من أبنائنا هذا الوهم الصارخ؟ فصبوا جام غضبهم وسخريتهم على الكتب الصفراء وأصحابها ؟ فحملوهم وحملوا من يوالونهم من الحكام، مسؤولية التردي في مهواة من التخلف، فتولى من يعرفون بالحداثيين تضخيم ازدراء كل من يحنون إلى القديم، حتى وإن تعلق الأمر بالإيجابي منه، فوصفوهم بالرجعيين المتخلفين. فأصبحت الرجعية ملتصقة بالحكام العلمانيين وخدامهم المنخرطين مباشرة في الوفاء لأسلوب الحكم الاستبدادي الموروث! وكأن أصداء الديمقراطية، أو الشورى بالمفهوم الديني، لم تطرق عقولهم ووجدانهم بعد؟ وإن طرقت مسامعهم المصابة بصمم غاية في الخطورة؟ إنهم يسمعون، لكنهم لا يهتدون بما يسمعون؟ ويشاهدون، ولكنهم لا يتعظون بما يشاهدون؟ معززين بفرقاء، حصرهم ممكن في الآتي: بعلمانيين لبرالاويين؟ واشتراكاويين؟ وشيوعاويين؟ ثم بإسلاماويين غير منضبطين؟ وبمنافقين “يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم”؟؟؟

كل شغل هؤلاء الحكام الشاغل –وهم مساندون بالأطراف المنبطحة المذكورة قبله– هو إشباع نهمهم إلى التعالي والتباهي، وإلى الأموال والقصور والجنات والملذات! وجديد الواردات من وراء البحار! والحرص على ظهورهم بمظهر المتمدنين الذين يتقنون لغات من ينصاعون إلى إملاءاتهم المشروطة مرة، واللامشروطة مرة؟ وكأنهم سلاليم للإمساك بأهداف، هي على حساب الشعوب التي لا يتم استفتاء رأيها بحسن نية! وحتى إن تم استفتاؤها فبسوئها من خلال منعرجات، اصبحت الشعوب تدرك مختلف تفاصيلها! بينما هم كحكام مصرون على تجاهل مدى وعي الشعوب التي حرموها لعقود حقوقها الأساسية، وفي طليعتها الحرية والكرامة كقيمتين، يولد الإنسان مزودا طبيعيا بهما، من منطلق القناعات الدينية التي تصدع بأن المخلوقات الآدمية معززة مكرمة، بفطرتها تميز بين النجدين: الخير والشر. بحيث يكون من حقها أن تختار، لكن الدكتاتوريين من حكام العرب والمسلمين، منعوها من حقها في الكرامة والحرية كليهما، فأصبح المواطنون تحت راية هذا النظام أو ذاك، كمحكومين ملزمين بالطاعة العمياء. غير أن هذه الطاعة تفضحها الوقائع المحسوسة مع مرور السنين. فيكون من نتائج فضحها، فقدان الثقة في الحكام مهما تكن الألقاب التي يحملونها، وفقدانها فيهم مدعاة إلى اتساع دائرة التذمر الجماهيري الذي يخرج من السر والهمس إلى العلن في صور شتى؟؟؟

وما لم يلتفت إليه الحكام المستبدون الجائرون، هو القاسم المشترك الذي يلفهم جميعهم في أردية شفافة من التشامخ! وكانهم المحررون المباشرون لبلداننا من المحتلين من جهة. وكأنهم أعلم بالنهج السياسي الذي يحملنا حملا على التسابق مع دول العالم لاجتياز مراحل تحقيق الرقي بسرعة فائقة من جهة ثانية. وكأن إطلاق الحريات بالنسبة إليهم ميوعة غير مجدية، وتسيب ضرره على الدولة خطير! لأن مستوى الوعي لدى شعوبنا، يحول دون تمكينها من الديمقراطية، أي أنها لم تدرك بعد سن الرشد! فلزم أن تبقى تحت الحجر والمراقبة والمتابعة الصارمة ريثما تنضج؟ إذ أنها عندما تنضج، ستؤدي أروع دور لها في تمثل عالم الحرية والاختيار! سواء داخل التنطيمات الحزبية، أوالهيئات النقابية، أوالجمعيات المدنية. أو في اختيار المرشحين الأكفاء، أو في القدرات الموضوعية على الاتصاف بالنزاهة، والدفاع عن البرامج الحزبية التي تصب في صالح الأمة برمتها، بعيدا عن التدليس والتزوير والتخلي ما أمكن عن القيم الشيطانية؟؟؟

كل هذه السلوكات الغوغائية، وكل هذه الممارسات اللادينية والاأخلاقية، تم التخطيط لتفعيلها، وشعوبنا عاكفة بكل إخلاص وبكل صدق، وبكل تفان، على مواجهة الاستعمار بمهجها التي هي أغلى ما تملكه. وكأن الأقلية الخادعة الحاكمة – والكفاح الوطني للتحرر أدرك ذروته – تهيء ما خططت له حتى تضمن الإمساك بزمام السلطة فور التخلص من الاحتلال الذميم.

وأكبر دليل على ما ندعيه، كون حكامنا المباشرين بعد الاستقلال، لم يقم ولا واحد منهم في مشرقنا ومغربنا بتنظيم استفتاء شعبي للوصول إلى إجابتين على إشكالين: إشكال النظام الذي على الشعوب القبول به؟ وإشكال الحاكم الذي عليها اختياره عن طريق انتخابات حرة ونزيهة؟

إننا نعرف جميعنا بعيدا عن الأكاذيب بأن النظام الإسلامي قبل الاستعمار، هو المعمول به في بلداننا. لكن الاستعمار أحل محله النظام العلماني الذي لا يقر بجدوى الدين في تسيير شؤون الأمم. واقتفى أثره في طرحه هذا المزعوم من لم يميزوا بين مفهوم الدين الذي يعنيه المستعمرون، وبين مفهوم الدين الذي نعنيه نحن.

أما بخصوص من سيقودون دولنا بعد الاستعمار من حكام وطنيين، فقد كان على من قادوها أن يبشروا شعوبهم بتنظيم انتخابات حرة لاختيار من يسير شؤون دولتهم منذ بداية العهد الجديد.

والأدهى والأمر أن جل الدول العربية والإسلامية المستقلة، لم يقدم قادتها لشعوبهم حتى الدساتير الممنوحة إلا بعد حين من الدهر؟

إنه إذن إجماع من الحكام على أن النظام الإسلامي تجاوزه الزمن، وحتى إن امتدحه وطالب بإعادة تفعيله، من يوصفون اليوم بالإسلاميين، سارعت دعائم الحكام كأحزاب علمانية، وكتقدميين وكثوريين، وكلبراليين إلى وصفهم بالظلاميين؟ والحال أن هذه الأحزاب الموصوفة خاصة بالتقدمية والتثورية، يجمعها مع الإسلاميين هم التخلص من القمع والاعتقالات والتنكيل، والجبر على هجرة الأوطان، إلى حيث يمكنهم تنفس هواء الحرية الذي حرمهم حكام بلدانهم من تنفسه.

والنتيجة أن الأوضاع السيئة الراهنة المتردية في العالمين: العربي والإسلامي، لم يكن الإسلاميون وراء إذكاء فتيلها، لأنهم بدورهم ضحية الإرهاب الرسمي الذي طال ظلمه قبل الآن مناضلين علمانيين تقدميين ثوريين؟ والسجون المكتظة المجهولة في كل بلد عربي تشهد بما لحق مناضلين علمانيين ومجاهدين إسلاميين من غبن، واعتداء، حتى على الأعراض! فضلا عن أشكال التعذيب الذي طالما غادر بعض المناضلين والمجاهدين أقبية السجون المظلمة وهم يحملونها. غير أن المناضلين العلمانيين – للأسف الشديد – دخلوا في تحالفات محلية ودولية لمواجهة الموصوفين بكنوهم إرهابيين إسلاميين، بحيث أصبح الحديث مقبولا على المستوى الرسمي والحزبي العلماني عن الإرهاب الإسلامي؟؟؟

وأطراف التحالف ضد الإرهابيين الإسلاميين الذين هم غرباء الوجه واليد واللسان عنا، لا يتحمسون لقطع دابر الإرهاب الرسمي الذي أدى إلى ولادة جماعات أو مجموعات محددة الأهداف والغايات! ما دام متزعمو الإرهاب الرسمي يمكنون الأطراف العدوانية الغريبة عن ملتنا من امتصاص دماء شعوبنا، مجسدة في الخيرات التي يتم لها نهبها أو يتم لها استيرادها بأثمان بخسة دراهم معدودة؟ مقابل غض بصرها عما يمارسه قادتنا من فكر ظلامي سلطوي وسياسي، فضلا عن رعايتهم للفكر الظلامي الديني؟ بحيث إن الأطراف تلك المصاصة لدماء الشعوب المحكومة بالقهر، توحي لأصحاب العروش والكراسي، بأن الإسلاميين يخططون لأبشع السياسات التي سوف تحول دونهم والبقاء على العروش والكراسي، كمنابر للتحكم في كل شادة وفاذة، تصدر عن المتطلعين إلى عودة نظام إسلامي حقيقي، لا إلى عودة نظام إسلامي مزيف؟؟؟

إن مسمى الإرهاب الإسلامي إذن نتيجة واقعية فعلية لإرهاب دول، قادتها أعلنوا منذ استقلالها عن طريق خطب تمويهية التوائية أن النظام الإسلامي غير مناسب للعصر! وعززوا هذا الطرح لاحقا، بمنع قيام أي حزب ديني، حيث وجدنا الإسلاميين محرومين من طرف العلمانيين حكاما وأحزابا من ممارسة العمل السياسي المشروع، في ظل الديمقراطيات المزيفة المعلنة؟؟؟ فصح أن الإسلاميين لم يكونوا وراء ما وصل إليه العالم العربي من تدهور فاحش، إلى حد أنه يعتبر من الأسباب المباشرة لما بات يعرف ب”الربيع العربي”. هذا الذي تدخلت حكومات عربية وغربية رجعية للقضاء عليه في مهده؟ وما حدث في العراق وتونس وليبيا ومصر واليمن وسوريا، لم يكن غير امتداد للفشل الذي أصيبت به الأمبريالية، حينما ألبت نظام صدام حسين على الثورة الإيرانية الوليدة. هذه التي أطاحت بأكبر نظام عميل على الضفة الغربية للخليج العربي. إذ الشعارات التي رفعتها ثورة مفاجئة في منطقة حساسة من العالم، حملت معها إنذارا إلى الاستكبار الدولي، مؤداه أن زمن استرقاق الشعوب قد ولى قطعا إلى غير رجعة؟؟؟

فكان أن أخذت دوائر المتأثرين بالثورة الإيرانية في الاتساع. وكان  أن ولد أثناء مواجهتها في المهد حلف بين الشرق الإسلامي والغرب الأمريكي – الأوربي، ما دام خطر الإسلام الموصوف بالسياسي، يهدد أطراف هذا الحلف الذي سوف يعرف تطورات، تولدت من خلالها أحداث تحمل استعدادات غير منقطعة للتخلص منها. ومن آثارها التي لم تتجاوز حدود منطقة انطلاقها، إحداث مسمى “مجلس التعاون الخليجي” الذي كرس جهوده المضنية لمواجهة الإيرانيين من جهة، وقمع الإسلاميين من جهة ثانية؟ مع التذكير بأن الدول العربية والإسلامية برمتها، جندت رجال أمنها لقمع كل من ينادي بإعادة النظام الإسلامي، كان فردا غير منتم إلى اية جماعة، أو كان منتميا إليها بالفعل، بحيث إننا شاهدنا بأم أعيننا هذا القمع الذي تدخل لفرض السدل على المصلين، ولحلق اللحى، ولمنع الحجاب عن النساء. إلى آخر ما هنالك من ألوان المواجهة بين الإسلاميين والحكام والأحزاب العلمانية؟؟؟

فكان أن ازدادت الأمور تعقيدا، حيث تجندت اللبرالية العلمانية والدكتاتوريات المحلية والدولية لمحو كل أثر منسوب إلى  الدين، والأدلة أمامنا واقعية موضوعية بارزة. تجر خلفها آلاف القتلى من العراقيين والليبيين، والمصريين، والسوريين، واليمنيين، حيث أدت إليها التحالفات المزدوجة بين الأعراب مرة، كما هو الحال في اليمن، وبين الأعراب والاستكبار الغربي مرة، كما هو الحال بين الأمريكيين وحكامنا المتهورين المستبدين؟ فكان ما كان من اعتراف أمريكا الرسمية بكون القدس عاصمة لإسرائيل؟ وما كانت لتقدم على هذا الفعل الشنيع، إلا لأن حكامنا العلمانيين المتهافتين على المال والسلطة، يجهلون أو يتجاهلون ما عليهم فعله تجاه شعوبهم المغلوبة على أمرها؟ فلنقل إذن ولنكرر بأن الإسلاميين لم يكونوا وراء تكالب الغرب علينا، وإنما هم العلمانيون الذين مهدوا له كافة السبل كي يتكالب، ويحول مناطقنا إلى بؤر للتوتر واختبار لمختلف أسلحته الجديدة المدمرة؟

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M