من كمامات العقول إلى كمامات البطون

15 مارس 2020 12:09

هوية بريس –  د.رشيد بنكيران

سبق لي أن كتبت كلمة بعنوان “كمامات العقل” والتي انتقدت فيها سلوك بعض المغاربة الذين هرولوا فزعين إلى الصيدليات لشراء كمامة الوجه خوفا من داء كرونا حتى ارتفع ثمنها الأصلي إلى ثلاثة أضعاف مضاعفة.

سلوك هؤلاء المغاربة كان مشينا غير سائغ؛ لأنه كان يخالف العقل والتفكير السليم، فقد أعلن الخبراء في مجال الصحة العالمية وكذلك الوطنية أن كمامات الوجه لا يحتاجها إلا المصاب بفيروس كرونا خشية من رداد عطاسه، الذي يمكن أن ينقل العدوى إلى غيره، فتكون الكمامة التي على وجهه مانعة ـ بإذن الله ـ من تناثر قُطيرات عطاسه، أما المعافى غير المصاب بهذا الفيروس فلا يحتاج إلى كمامات لوجه.

واليوم يتكرر هذا السلوك المكمم المشين في صورة أخرى، فقد أعلنت الجهة الرسمية أن المواد الغذائية الضرورية موجودة بوفرة في الأسواق المغربية ولله الحمد المنة، ووفرتها ستستمر بإذن الله إلى شهر رمضان وما بعده، اللهم بلغنا شهر رمصان.

ورغم هذا الإعلان المطمئن والمسؤول هرولت فئة واسعة من الناس، وحملوا من المواد الغذائية ما تنوء بالعصبة أولي القوة، فكأن أصحاب كمامات العقول بالأمس، أملت عليهم عقلوهم المكممة إلى تكميم بطونهم كذلك، فانتقلوا من كمامات العقول إلى كمامات البطون، وصنعوا طوابير طليا للطحين والحمص والزيت…، طوابير تفرض على من يشاهدها الإحساس بمجاعة مرتقبة فتؤزه أزا إلا من رحمه الله.

كان يفترض ونحن مغاربة مسلمون ألا يصدر منا هذا السلوك المكمم المشين؛ لأنه:

ـ ليس هناك ما يدعو إليه وقد صرحت الحكومة في تصريح مسؤول بوفرة المواد الغذائية، فالعقل الصحيح والتفكير السليم لا يجدان للسلوك المكمم مسوغا؛

ـ يجب على المسلم أن ينطلق من دينه وقيمه وأخلاقه الحسنة وهو يتقلب في ظروف الحياة المختلفة التي لا تخرج عن مفهوم الابتلاء؛

أما فكرتم أيها المكممون وأنتم تشترون مواد غذائية ضرورية أكثر مما تحتاجون إليه، فقد سعيتم في صناعة أزمة إضافية أخرى، وهي إفراغ السوق من الضروريات الغذائية بسب كثرة الطلب المفاجئ لها، وزدتم الأمةَ والمسؤولين رهقا وفتنة إلى فتنة فيروس كورنا، ومن تسبب في فتنة الناس دون مسوغ فهو أحد الفتانين؛

أما فكرتم أيها المكممون في الفقراء وأصحاب الرواتب الصغيرة الذين لا يستطيعون أن ينافسوكم في الشراء كيف سيكون شعورهم وإحساس أسرهم، فبدل أن تسهموا في نشر الطمأنينة وصور الراقية للتكافل الاجتماعي وخلق الإيثار، يصدر منكم ما يقوي الشعور بالأنانية وحب الذات المفرط والمخالف لما قررته مكارم الأخلاق الإسلامية.

وأخيرا أقول، في مثل هذه الأزمات يعرف حقيقة معادن الناس؛

وفي مثل هذه الأوضاع الصعبة يختبر إيمان المسلم ونوع تدينه؛

وفي مثل هذه الأحوال الشديدة تمتحن إنسانية الإنسان؛

وفي مثل هذه الظروف يعرف المحسن من الإمعي، من الذي يمتلك قرار نفسه ويسمع لصوت عقله، من الذي يتبع الناس في إساءتهم؛

وفي مثل وجود أصحاب العقول المكممة والبطون المكممة، يظهر أولوا النهى أصحاب العقول المتبصرة والبطون المتعففة.

اللهم اجعلنا من العقلاء المستبصرين ولا تجعلنا من الحمقى المكممين.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M