موقف علماء فاس من مستشاري مولاي عبد العزيز الأوربيين (1905م)

17 أبريل 2017 16:30
موقف علماء فاس من مستشاري مولاي عبد العزيز الأوربيين (1905م)

هوية بريس – ذ. إدريس كرم

كتب ميشو بلير في مجلة (t3/1905/1 archives marocaines)، مقالا تحت عنوان (فتوى علماء فاس) جاء فيه:

“تعزى الاضطرابات الجديدة التي كان جزءٌ من المغرب مسرحا لها مباغتا للسلطان الشاب (مولاي عبد العزيز) المتوافق مع مستشاريه الأوربيين؛ هذه الاضطرابات ستؤدي حتما إلى عرقلة المؤسسات المحدثة على أساس ديني، لاحتفاظها بموجبات الغيرة عليها من قبل قِطاع متدين هام بفاس، والذين صاروا خصوما لما يستلهم من المستشارين غير المسلمين لعبد العزيز.

المستجدات الحديثة التي تقدمها الحكومة الفرنسية للمخزن أنتج أيضا مواقف معاكسة بين الفئة المحافظة والفئة التقدمية، من ذلك إرسال الحكومة الفرنسية لبعثة إدارية بغية وضع مشروع إصلاح الإدارة والمالية وسماح السلطان لها بمغادرة طنجة نحو فاس للقيام بذلك.

لكن عندما أخبر السلطان الشاب مستشاريه من علماء فاس بأن قرر استخدام مستشارين أجانب في الحكومة المغربية، تم رفع فتوى من قبلهم للسلطان الذي يعاملهم بلين وتواضع وحسن إصغاء.

وقد جاءت الفتوى من الفئة الأكثر تشددا من العلماء، وهي تبين نوع العقلية التي تهيمن في الوسط الديني بعاصمة المغرب فاس، وقد وصلتني من الفقيه البابريني من فاس.

نص الفتوى:

بعد تقبيل حاشية البساط الملكي والدعاء بالنصر والتمكين لأمير المؤمنين السلطان بن السلطان المنصور بالله مولاي عبد العزيز حفظه الله وصان عرشه؛

يتقدم العلماء بالفتوى التالية:

تعلمون أن سلفكم المرحومين عاشوا في سعادة ونجاح، والوقوف والانتصاب مع حقوق الله المعبود وأقسامها وفق السلوك الذي علمنا إياه القران والسنة، وجريا على العادة طلب مولانا المشورة من العلماء على عادته في كل شيء، وذلك في موضوع الاستعانة بمستشارين أجانب في حكومته الشريفة.

نحن بحثنا في وضعنا، ولاح لنا أن الأجانب هم السبب الأساسي لبؤسنا، وأنهم هم الذين أسقطونا في الفوضى والاضطرابات، والصراعات الداخلية، ويعزى لهم تأخرنا وانحلال أخلاقنا، وفقدان استقلالنا وإبادتنا.

أباءنا عاشوا في السكينة والهدوء في عصر لم يكن للأجانب أية وسيلة يتدخلون بواسطتها في شؤوننا، مما كان معه استحالة دخول فسادهم علينا، في حين يخشى من قيامهم بالتلاعب بنا ونحن عن مكرهم غافلون، يظهرون لنا المودة بالتأسف عن انعدام العدالة وشيوع مظاهر الظلم والبغي، لأننا نأخذ الطريق الخطأ التي تقود للضلال والانحراف والهلاك.

لكن عندما نراجع تاريخنا نكتشف حيوية آبائنا وبعدهم عن كل زيغ وفساد، ونحن نتساءل عن هؤلاء المستشارين الأجانب الذين يريدون إصلاحنا؟ وما هو جديد المعارف التي سنأخذها منهم؟ وما جدوى الأخذ بها؟

نعتقد أننا مستغنون عنهم لأننا نعيش في رخاء كاف يأتينا من نواحي قبائلنا، نخن نخشى يوما في اتصال مع القروض الأجنبية لأداء رواتب أولئك الموظفين، فماذا سنفعل معهم وقتها؟ وما هو الربح الذي حققوه لنا من تواجدهم غير أخذ تلك القروض كرواتب.

نحن نعتقد أن جلالتكم ستقبلون عرض تحريرنا، إذا ما كان هذا هو رأيكم الذي يتماشى مع نهج أسلافنا في اتباع تعاليم الدين، وإلا فأنت أدرى بما هو الأحسن”.

قال مقدمه لطف الله به، جاء في كتاب “غابرييل فير” المعنون “في صحبة السلطان”: “رسالة رفعها الكاتب المذكور إلى رئيس الجمهورية الفرنسية من فاس في 8 دجنبر 1904 “جمعتني خلال الأيام الأخير محادثات طويلة بالسلطان مولاي عبد العزيز، وأعتقد أن من واجبي أنا الفرنسي أن أبعث إليكم بالمذكرة رفقته، وبها تلخيص واف لأفكار جلالته التي كانت تحرص على أن تلقى منكم التأييد.

(يقول مولاي عبد العزيز): إن الديبلوماسية الفرنسية لتنحرف عن الصواب ولتخلق بين حوكمتينا خلافات مؤسفة ونزاعات خطيرة، لو ظنت أن المغرب بلد خرب أو ظنت أنه لم يعد سبيل إلا إذا ضمه في صورة حماية مقنعة، شبيهة بالحماية التي لكم على تونس أو على مدغشقر.

إن المغرب عاقد العزم على أن يظل في المستقبل حرا كما كان في الماضي وهذا أمر ينبغي أن يعلمه الجميع في أوربا.

إن قرآننا الكريم في تفسيره المحكم يحث على شتى ضروب التقدم لأنه يقول إن الله هو المنعم بكل الخيرات، فنحن نؤيد مسبقا كل أشكال التقدم في الفلاحة والصناعة والإدارة؛ وسوف لا نتردد في طلب النصيحة والعون من فرنسا، لكن فقط عندما نجد الحاجة والسبيل إلى تحقيقهما، ولا يمكن القبول بأن تفرض علينا تحولات نحن أفضل من يحكم بملاءمتنا لنا، ولا بالأحرى أن تفرض علينا شخصيات رسمية أجنبية تحل محل قادتنا المغاربة.

هذا المس باستقلال المغرب، سنرد عليه بهبة عامة، سرعان ما تأخذ أشكال الحروب الجهادية القديمة التي شنها الإسلام على الكفار.

ولسوف نرحب بمن يأتينا من الفرنسيين الأخيار علماء وتجارا، وسنمكن لهم أن يطلقوا عندنا العنان لمبتكراتهم، ونتيح لهم أن ينموا أموالهم، لكن لا يمكن لشيء من ذلك أن يقع إلا بالإذن منا وتحت مراقبتنا.

لقد سرنا أن يكون رجالات الجمهورية الفرنسية إلى جانب السلم، ونتمنى أن يكون منكم تصريح عمومي على قدر الصراحة وسلامة الطوية التي عندنا، يبدد لدى المغاربة كل المخاوف من دسائس ومؤامرات تكون تهيء لأي غزو، والحمد لله ودام السلم بين فرنسا والمغرب”.

قال مقدمه لطف الله به: لقد تحقق ما نبه إليه العلماء والسلطان من أن الغزو الفرنسي لن يمر بالسهولة التي كان مخططا لها، وأن سياسة التهدئة التي أتبعت الغزو المباشر ثم بعد ذلك ما تبعها من ظهور لتنظيمات سياسة وثقافية ثم بعد ذلك مقاوماتية، خير دليل على أن المغاربة لم يكونوا كما وصفتهم الاستغرافية الاستمعارية “جهلة فوضوين أتباع كل ناعق، جاءت فرنسا وحظرتهم ونزعت الفتن عنهم، وجعلت بلادهم نافعة”، لكن كان ذلك في مصلحة المحتل.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M