نظام “تارتبيت” عند الأمازيغ

16 يونيو 2020 09:13

هوية بريس – جمال الدين المنصوري

مذ دخل الإسلام إلى شمال افريقيا، أوْلى الأمازيغُ الإسلامَ عناية فائقة فاحتضنوه ولم يقفوا عند مجرد الدخول فيه بل ساهموا في نشره والحفاظ عليه.

ومن أهم الأمور التي اعتنى بها الأمازيغ واعترف لهم بها القريب والبعيد: “الاعتناء بالقرآن الكريم” فقد اهتموا به تعليما وتعلُّما وحفظا وتطبيقا، بل واتبعوا في ذلك طرقا فريدة من نوعها كان لهم إليها السبق ووضعوا بصمتهم فيها، من قبيل الطريقة التي تستعمل في عملية التحفيظ والتي ستخصص لها مقالة مستقلة بإذن الله، حتى قيل: “نزل القرآن بأرض الحجاز، وقُرء بأرض مصر وحُفظ بأرض المغرب”.

ونكتفي هنا بنظام “الرتبة” أو كما يسميه الأمازيغ: “تارتبيت”: وهي عملية تصاحب فترة حفظ القرآن الكريم وتستهدف فئة من الطلبة يسافرون بعيدا عن أهلهم وأسرهم لغرض حفظ كتاب الله وتعلم العلوم المتعلقة به.

وقد عرفت القبائل الأمازيغية -خصوصا قبائل الجنوب الشرقي- هذا النظام واعتمدوه في علاقتهم مع طلبة القرآن الكريم الذين يتوجهون نحو الكتاتيب القرآنية الصغيرة التي لا تعتمد على الإطعام الداخلي للطلبة، بحيث يقتصر الأمر داخل الكُتَّاب على تخصيص مكان للتحفيظ وتعلم القرآن ومكان خاص بالنوم، ويُستغنى عن مكان الطعام لكون نظام تارتبيت هو البديل له، بحيث يجتمع أهل القبيلة أو الدوار بتشاور مع إمام المسجد ويتم توزيع الطلبة على الأسر والعائلات ويتخذ هذا النظام عدة أشكال منها:

_ كل أسرة تتكفل بطالب واحد بحيث تعتبره فردا من أفرادها، ويتنقل هذا الطالب يوميا من الكتاب نحو بيت هذه الأسرة لتناول الوجبات اليومية.

_ أو تتكفل سبع أسر بطالب أو طالبين بناء على توزيع زمني يراعي أيام الأسبوع وتختار كل أسرة اليوم الذي يناسبها فيكون “يومَ الطالب” ويتم التكفل بوجبات اليوم الثلاث يبدأ بوجبة العشاء وينتهي بوجبة الغذاء، ثم ينتقل الطالب مباشرة إلى الأسرة الموالية وهكذا دواليك.

ويختلف هذا النظام حسب المكان والعرف، ففي مناطق سوس مثلا، لا يتنقل الطالب إلى بيت الأسرة، بل يتم الإتيان بالوجبات الغذائية من المنازل إلى الكُتَّاب القرآني يوميا وبانتظام.

وخلال مدة مكوث الطالب في الدوار لحفظ كتاب الله والتي قد تستغرق منه عدة سنوات تنشأ علاقة روحية بينه وبين المتكفلين به أساسها حبُّ كتاب الله والسعي لخدمته. فيسعى سكان القبيلة لتوفير كل ما يحتاج هؤلاء الطلبة إيمانا منهم بأن ما يقومون به لا يقلّ أهمية عن دور إمام المسجد الذي يضطلع بدور التحفيظ والتلقين، فإذا كان الإمام يغدي روح الطالب، فأهل القبيلة يغدون الجسد. ولا يخفى على ذي عقل ما للأكل من دور بالغ في الحفاظ على توازن وتكامل العقل وصفاء الذهن.

وتبقى الإشارة إلى أن هذا النظام لا زال ساريا إلى يومنا هذا.

آخر اﻷخبار
1 comments
  1. نحب إخواننا الأمازيغ من أهل سوس و أهل الريف و الشرق
    وفيهم من الخصال الحميدة ما لايسع ذكره هنا.

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M