نعم للتضامن مع الطلبة الأساتذة، ولكن بأي معنى؟

17 يناير 2016 18:57
فضل الاجتماع على نوافل الطاعات‬

د. محمد بولوز

هوية بريس – الأحد 17 يناير 2016

لا شك أن المس بالسلامة الجسدية للطلبة الأساتذة مرفوض عند كل حر في هذا البلد، بمقتضيات الشرع والدستور والقانون، وأن حرية التعبير يجب أن تصان لهم ولغيرهم في إطار ما يسمح به الجاري من القوانين حتى تغير بغيرها، وأن المغاربة الأحرار يجب أن يعبروا بوضوح لا لبس فيه للجهات التي تملك سلطة مباشرة على جهاز الشرطة والأمن، بأن ضرب الناس وجرحهم وسبهم والتسبب لهم في عاهات نفسية وجسدية جرائم يجب أن يجر أصحابها إلى المحاكمة العادلة وتنفذ في حقهم الأحكام اللازمة.

وأن سياسة الإفلات من العقاب واللعب في التحقيقات على عامل مرور الزمن حتى ينسى الناس ومعاقبة عينات من الصغار وغض الطرف عن الكبار، كل ذلك لم يعد يجدي ولن يجدي في المستقبل مع تنامي الوعي لدى الشعب المغربي، ويبدأ في كل هذا مع الحدث الأخير وخصوصا في إنزكان حيث المجزرة البينة والواضحة، فيعرف الناس بوضوح لا لبس فيه من أمر ومن نفذ حتى ينال كل واحد ما يناسب رعونته وتجاوزه. فهذا الجانب من القضية هي قضية الجميع اليوم سياسيين وأحزاب وهيئات ونقابات ومفكرين وعلماء للقطع مع هذه الممارسات الحاطة من كرامة الإنسان.

فصل التكوين عن التوظيف ليس شرا في ذاته

إنني أتفهم رفض الطلبة الأساتذة للمرسومين اللذين أصدرتهما وزارة التربية الوطنية وتبنتهما الحكومة، وأقدر حالة ونفسية الكثيرين من أبنائنا الطلبة الأساتذة، فبعد مشوار طويل من الدراسة والتكوين والشواهد والمعاناة والجري وراء حلم الاستقرار وإنشاء أسرة بل هناك من دخل في التزامات عائلية ومسؤوليات أسرية وضحى بأعمال حرة وشبه وظائف غير مستقرة أو لا يراها مناسبة، ومنهم من تقدمت به السن ومن كان ضحية ما سمي حينها بقضية النجاة أيام عباس الفاسي.

ورأى بعد كل هذا أنه اقترب من قطف الثمرة، وخصوصا بعد النجاح في مباراة لم تكن سهلة، فمن نجح فيها هم بحسب الظاهر خيار من خيار من خيار، ما يقارب عشرة آلاف من ضمن عشرات الآلاف، وأذكر كمثال لمادة التربية الاسلامية في مركز الرباط حيث أمارس التكوين، تقدم أكثر من ألف ومائتي مرشح، لنأخذ بعد الفرز الأولي مائتين ثم تسعين في الاختبار الكتابي لتبقى ستين فقط بعد المقابلات الشفوية، أبعد كل هذا “الصراط” والنجاح في المركز، تنتظر الطالب الأستاذ مرة أخرى مباراة لولوج الوظيفة العمومية، فعلا الأمر ليس سهلا، وليس هينا مع إدخال الذات في الموضوع، ولكن إذا جاهدنا أنفسنا لنأخذ مسافة من الموضوع، حتى نستطيع أن ننظر بروية واتزان وبصيرة وتعقل، ونقاوم الهوى ونغلب المصلحة العليا للبلد، فخلاصة مرسوم فصل التكوين عن التوظيف بشكل مباشر، يروم توسيع خدمة قد تفيد عددا أكبر من الطلبة من أصحاب الشواهد الجامعية تأهلهم لمهنة التدريس، ما دامت الدولة كدول الدنيا عاجزة عن توظيف الجميع، فلا أقل من إعطائهم أملا بتحسين مؤهلاتهم لولوج سوق الشغل في الوظيفة العمومية أو القطاع الخاص أو حتى فرص خارج الوطن، فالعدد المطلوب توظيفه في القطاع العام سيبقى دائما بحسب الحاجة من جهة وبحسب الإمكانات المالية المرصودة، وإنما تم بفضل مرسوم فصل التكوين عن التوظيف زيادة عدد المستفيدين من التكوين، فضلا عن ما يوجده الوضع الجديد من منافسة بين الطلبة في تحصيل تكوين أفضل، بخلاف ما قد يكون من تراخ عندما يكون الاطمئنان حاصلا تقريبا بمجرد النجاح في ولوج المراكز، يضاف إلى ذلك تشغيل “جيش” من المكونين في المراكز يبقى كثير منهم بغير عمل حقيقي وخصوصا في بعض المواد والتخصصات، فلما كان التكوين مرتبطا بعدد المناصب المالية المطلوبة، تجد بعض التخصصات لا يفتح فيه تكوين في المراكز وذلك لسنوات، وأطر التكوين فيه موجودة ولكن بغير عمل. ثم إن المرسوم جاء يسوي وزارة التربية الوطنية بباقي القطاعات الوزارية الأخرى في الجهاز التنفيذي مثل الممرضين في القطاع الصحي ونحوه.

فالحجة أبنائي الطلبة الأساتذة قائمة عليكم، من جهة أن المرسوم فيه اجتهاد معتبر يقدر المصلحة العامة، ومن جهة أخرى فقد كنتم على علم بما أنتم مقدمون عليه، وأنا أشهد من موقعي كمكون بالمركز أن أبنائي الطلبة الأساتذة كانوا على علم بذلك ولم يكن لهم أي لبس فيه، وإذا كان من شبهة تأخر نشر المرسوم في الجريدة الرسمية لما بعد دخولكم المراكز فالحل هنا في اللجوء إلى القضاء ليبث في قانونية الأمر من عدمه وليس الحل في المقاطعة، وأما مرسوم التعويضات فمبدئيا لا أرى بأسا من النضال لرفع مقدار المنحة في ظل متطلبات العيش وفي ظل مظاهر الإسراف والتبذير التي تعرفها البلاد في بعض المجالات كالأجور المرتفعة التي تفوق ما لدى الوزراء والتعويضات الخيالية في بعض القطاعات وغياب سلم الأولويات في الانفاق العام في نواحي أخرى، ولكن مع ذلك لا تنهض هذه المسألة لنوقف الدراسة والتكوين من أجلها، ويمكن الجمع بين التكوين والنضال في بعض هذه الأمور، ولعل مبرر تقليصها هو الانتقال إلى نظام المنح وهي بحسب هذا التقدير أحسن الموجود تقريبا ولم يعد الطلبة الأساتذة في نظام ما يشبه الأجرة، وكذلك مبرر توسيع وعاء التكوين، ولهذا أرى أن تعودوا للدراسة والتكوين وتستمروا بالمطالبة بمطالب أخرى أكثر نجاعة مثل إلزام القطاع الخاص بتوظيف الخرجين من المراكز وبشروط مناسبة ومشرفة، وأقل ذلك أن يكون التسامح بينكم وضمان كرامة الجميع من يريد استئناف التكوين وبين من يريد الاستمرار في المقاطعة، والمفروض أن تعطوا نموذجا في الحرية والاختيار، لا أن يسلط سيف التخوين والتشويه والاكراه على من يخالفكم التصور والاجتهاد،  وأشفق عليكم أن تضيعوا سنة من أعماركم في غير طائل أو يستغلكم أصحاب أغراض أخرى يريدون إرباك البلد أو تكونوا مطية لعودة قوية لقوى التحكم والفساد.

الفصل بين التعنيف والمرسومين

ولهذا أرجو أن يفصل بين قضية المرسومين اللذين يحتج عليهما الطلبة الأساتذة، سواء في بيانات التضامن أو الوقفات والشعارات والمسيرات إذا استوجب الأمر ذلك، حتى يستجاب لهذا المطلب المشروع مجتمعيا والذي لا يجب أن نختلف فيه. وهو محاسبة المتسببين في تعنيف الطلبة الأساتذة، وأما موضوع احتجاج الطلبة الأساتذة أي المرسومين فيعني من لم يقتنع بعد من الطلبة الأساتذة بوجهة نظر الحكومة ومن يتعاطف معهم في هذا المجال، وهؤلاء أنفسهم من مصلحتهم ألا يخلطوا ذلك بطموحات وشعارات قوم آخرين لهم حساباتهم الخاصة ولا يسمحون بمن يركب القضية ويريد غيرها،

التحذير من ركوب الموجة من قوم آخرين

وأنبه أبنائي الطلبة الأساتذة ليحذروا ممن يمكن أن يحرف مسار نضالكم لأغراض أخرى، فيزايد على ملفكم ويطالب بمطالب سياسية أكثر مما تتحملون وقد يوفر لكم ما تحتاجون من مقرات ومعدات وحتى الطعام والشراب وربما النقل أيضا وقد يحشر لكم قوما آخرين من تلاميذ وأساتذة وطلبة وغيرهم، ويستمر في النفخ ثم النفخ، عسى أن يظفر بتحقيق حلم مؤجل، قد لا يكون في الأخير غير كابوس تضيع معه نعمة الأمن وقد يعصف بكل الوطن، فمعظم النار من مستصغر الشرر، فالله الله في هذا البلد الذي اختار عقلاؤه الاصلاح في ظل الاستقرار، والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.

آخر اﻷخبار
1 comments
  1. نعم بمقاربة التي اتى بها الدكتور محمد ابو اللوز في صميم المنطق ولي معرفة شخصية به فهو استاذ له تصورات للواقع السياسي المغربي تتسم بالخلاقة

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M