نقاش الإجهاض بين المؤسسة الدينية الرسمية والحركة.. والشرايبي وعصيد..

06 ديسمبر 2019 16:14

هوية بريس – نبيل غزال

الشرايبي والمجلس العلمي الأعلى

بعد أن أصدر المجلس العلمي الأعلى بلاغه حول موضوع الإجهاض، وبين أنه لم “يقع أي تغيير على المقتضيات المنصوص عليها في مجموعة القانون الجنائي إلا بقدر ما تستدعيه المصلحة ويسمح به الاجتهاد”، وأن الخيط الأبيض في قضية الإجهاض، الذي سبق لرئيس حركة التوحيد والإصلاح، ذ.عبد الرحيم الشيخي، أن طالب المجلس العلمي الأعلى ببيانه هو “المقتضيات المنصوص عليها في مجموعة القانون الجنائي”..

بعد هذا التوضيح، خرج شفيق الشرايبي، رئيس الجمعية المغربية لمحاربة الإجهاض السري، ليستدرك على بلاغ المجلس، بأنه مجرد “رد فعل”، مضيفا بأن المجلس له “كلمته في مجال تخصصه، لكن ليس له الحق في اتخاذ الكلمة باسم الصحة لأنها من اختصاص الأطباء ووزارة الصحة”.

شفيق الشرايبي الذي حاول، خلال مساره في المطالبة برفع التجريم عن قتل الأجنة في الأرحام، أن يؤثث منصات الندوات التي نظمها ببعض الوجوه المنتسبة للحقل الديني، من مثل أحمد الخمليشي، مدير دار الحديث الحسنية، بدا منزعجا كثيرا من بيان المؤسسة الدينية الرسمية، واعتبر بلاغها “معقدا نوعا ما” لأنه أكد أن موضوع الإجهاض محسوم، والاجتهاد فيه تم في وقت سابق.

وأوضح الشرايبي أن سبب انزعاجه هو عدم السماح بإدراج حالات أخرى “أبرزها الإجهاض الذي يشكل خطرا على الصحة البدنية والعقلية والاجتماعية والاقتصادية للمرأة الحامل، وفق ما تنص عليه منظمة الصحية العالمية”.

فقبل ثمان سنوات، وحين استضافت قناة “ميدي 1 تي في” في برنامج “بدون حرج” شفيق الشرايبي، وقاطعته مقدمة البرنامج بقولها “إن المغاربة يرفضون الإجهاض”، أجاب بقوله: “لأنهم يرجعون إلى مشكل الدين.. لا توجد أي آية تقول أن الإجهاض حرام، أخرجوا لي آية تقول ذلك”.

وفي البرنامج نفسه طالب الشرايبي، كما يفعل اليوم، بإباحة الإجهاض خشية الفقر أو لظروف اجتماعية، مستندا في طرحه على ما نصت عليه منظمة الصحة العالمية.

وهنا مكمن الخلاف، فالدكتور ومن يسانده لا يعيرون اهتماما للمرجعية الوطنية المنصوص عليها في الدستور، ويجعلون توصيات المؤسسات الغربية سواء في الصحة أو حقوق الإنسان أو غيرها، حاكمة على التشريعات الوطنية، متناسين أو غافلين أن الدستور نص على أن “الأمة تستند في حياتها العامة على ثوابت جامعة، تتمثل في الدين الإسلامي السمح” الذي هو “دين الدولة”، وأما الجملة التي يستندون عليها في تصدير دستور 2011 والتي ورد فيها “جعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها، على التشريعات الوطنية، والعمل على ملاءمة هذه التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة”.

فهم يصرون دوما على القفز على “نطاق أحكام الدستور” و”قوانين المملكة” و”الهوية الوطنية الراسخة” ويركزون فقط على سمو الاتفاقيات الدولية على التشريعات الوطنية، ولو كان الأمر كما يعتقدون فنحن إذا دولة ليست لها حصانة تشريعية، ولا تملك قراراتها، وتنتظر فقط التعليمات والأوامر من الخارج.

نعم الدول الغربية تحاول فرض منظومتها التشريعية والسلوكية على باقي دول العالم، لكن جل الدول على اختلاف مرجعياتها تقاوم ما أمكنها ذلك، إلا أن هؤلاء، ممن يدافعون عن الحريات الجنسية ويطالبون برفع التجريم عن الإجهاض، يدعمون الطرح الغربي، بل يعملون على التمكين له تشريعيا وسلوكيا.

وعلاقة بموضوع الفقر، نذكر الدكتور الشرايبي، وهو رجل مسلم، بأن الله تعالى خاطبنا وإياه في كتابه المبين بقوله (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) [الأنعام:151]، (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً) [الإسراء:31].

وجاء في الصحيحين، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قلت: يا رسول الله، أي الذنب أعظم؟ قال: “أن تجعل لله ندّا وهو خلَقَكَ”. قلت: ثم أيّ؟ قال: “أن تقتل ولدك خشية أن يَطْعَم معك“. قلت: ثم أيّ؟ قال: “أن تُزَاني حليلة جارك”. ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} [الفرقان:68].

فالأجنة لا تقتل من أجل الفاقة والفقر والحاجة الاقتصادية والاجتماعية، نعم هناك حالات أباح الشرع فيها للمرأة الإجهاض، لكن ليس وفق الطرح اللاديني الذي يسوقون له، لأن المرجعيتين الدينية والعلمانية لهما نظر مختلف تماما حول هذه القضية.

“عصيد” و”الشيخي” والمجلس العلمي الأعلى

“عصيد” وعلى عادته حاول أن يحشر أنفه بين المجلس العلمي الأعلى وبين حركة التوحيد والإصلاح، واعتبر استفسار رئيسها، عبد الرحيم الشيخي، حول الحجج التي اعتمدها المجلس الأعلى لتحديد الإجهاض في 120 يوما، علما أن الطب أثبت أن دقات قلب الجنين تسبق ذلك بكثير، اعتبر ذلك “محاولة سياسية إخوانية لاختراق المؤسسات“.

يا سلام، عشنا وسمعنا أن من يتحدث في كل المواضيع، ويخترق، صباح مساء، المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، والمجالس والجماعات، يعتبر مجرد استفسار حول موقف أو قرار “محاولة لاختراق إخواني”، ما هذه المهارات البوليسية التي يتمتع بها هذا “الناشط”؟! وما هذا القمع الذي يمارسه من يتمسح بالحرية لتسويق أفكاره بحق مخالفيه؟!

عصيد لا يغار أبدا على المجلس العلمي الأعلى واستقلالية قراراته، ولا يحترم الفقهاء وطلبة العلوم الأصيلة كما نافقهم بإحدى دواوير سوس العالمة، وقال في تصريح مثير أنهم “سبب التوازن في المغرب”!! فهم بالنسبة له يمثلون القوة التقليدانية النكوصية التي تعيق مشروع الحداثة، من أجل هذا سبق وهاجم المجلس العلمي الأعلى وكثير من المجالس العلمية، ووصف د.مصطفى بنحمزة بأنه “خارج الإسلام”!!

فنحن بحاجة اليوم إلى الوضوح في المواقف والتصريحات أكثر من النفاق الذي يمارسه بعض المؤدلجين للوصول إلى أهدافهم الدنيئة.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M