هدم ضوابط الفهم.. هدم للشريعة

09 مايو 2017 22:51
الليبرالية إحياء للجاهلية وإيغال في الرجعية

هوية بريس – ذ. أحمد اللويزة

ضمن خطة هدم الشريعة الإسلامية عند أعدائها هدم ضوابط وأصول استنباط الإحكام التي وضعها العلماء، والتي تعد بمثابة سياج يحيط الشريعة الإسلامية يقيها جهومات المتأولين والمتعسفين والمتنطعين. وهذا ما يفهمه أصحاب القراءة الجديدة لنصوص الشريعة فأسسوا لمشروعهم بإسقاط هذه الضوابط والتقليل من شأنها وربطها بفهومات لعلماء في سياق وزمن مختلف عن سياقهم وزمانهم.

هذه الضوابط هي التي كانت أصلا في فهم الصحابة لنصوص الوحي كانوا يمارسونها سليقة فاستشفها العلماء من صنيعهم بالتتبع والاستقراء والنظر والتأمل فهي بمثابة السند المتصل.

وفي هذا الشأن أورد نقولا عن العلماء تبين أهمية الضوابط الموضوعة لفهم النصوص الشرعية فهما سليما بعيدا عن تحكم الهوى والعقول الزائغة.

يقول ابن خلدون مبينا كيف دونت الضوابط: (واعلم) أنّ هذا الفنّ من الفنون المستحدثة في الملّة، وكان السّلف في غنية عنه بما أنّ استفادة المعاني من الألفاظ لا يحتاجون إلى النّظر فيها لقرب العصر وممارسة النّقلة وخبرتهم بهم. فلمّا انقرض السّلف وذهب الصّدر الأوّل وانقلبت العلوم كلّها صناعة كما قرّرناه من قبل، احتاج الفقهاء والمجتهدون إلى تحصيل هذه القوانين والقواعد لاستفادة الأحكام من الأدلّة فكتبوها فنا قائما برأسه سمّوه أصول الفقه.[1]

ويقول ابن القيم: أن يفهم عن الرسول مراده من غير غلو ولا تقصير، فلا يحمل كلامه مالا يحتمله ولا يقصر به عن مراده وما قصده من الهدى والبيان، وقد حصل بإهمال ذلك والعدول عنه من الضلال والعدول عن الصواب ما لا يعلمه إلا الله بل سوء الفهم عن الله ورسوله أصل كل بدعة وضلالة نشأت في الإسلام، بل هو أصل كل خطأ في الأصول والفروع ولا سيما إن أضيف إليه سوء القصد فيتفق سوء الفهم في بعض الأشياء من المتبوع مع حسن قصده وسوء القصد من التابع فيا محنة الدين وأهله والله المستعان، وهل أوقع القدرية والمرجئة والخوارج والمعتزلة والجهمية والرافضة وسائر الطوائف أهل البدع إلا سوء الفهم عن الله ورسوله حتى صار الدين بأيدي أكثر الناس هو موجب هذه الأفهام، والذي فهمه الصحابة ومن تبعهم عن الله ورسوله فمهجور لا يلتفت إليه ولا يرفع هؤلاء به رأسا.[2]

يقول الشاطبي: كما أن اعتبار النصوص من غير اعتماد على الفهم الوارد عن السلف فهي مؤدية إلى التعارض والاختلاف وهو مشاهد معنى، ولأن تعارض الظواهر كثير مع القطع بأن الشريعة لا اختلاف فيها، ولذلك لا تجد فرقة من فرق الضلالة ولا أحدا من المختلفين في الأحكام الفرعية ولا الأصولية يعجز عن الاستدلال على مذهبه بظواهر من.[3]

ويقول الشيخ أبو هرة مبينا أهمية الضوابط ومكانتها بالنسبة للفقيه: وفي الجملة هذه القواعد الموضوعة للاستنباط لو اتبعها الفقيه لسلم من الخطأ في الاستنباط، ولتعرف بها مقاصد الشريعة الإسلامية من النصوص التي تعتبر الأصل الأول لها.

فصواب الفهم أمر لابد منه، والالتزام بضوابط الفهم التي هي أساس الفهم الذي كان عليه الصحابة رضي الله عنهم، وهذا الذي نبغي الحرص عليه من كل مشتغل بفهم السنة، وذاك الذي حرص عليه السلف من التابعين وتابعيهم، يقول ابن القيم: صحة الفهم وحسن القصد من أعظم نعم الله التي أنعم بها على عبده، بل ما أعطي عبد عطاء بعد الإسلام أفضل ولا أجل منهما، بل هما ساقا الإسلام، وقيامه عليهما، وبهما يأمن العبد طريق المغضوب عليهم الذين فسد قصدهم وطريق الضالين الذين فسدت فهومهم، ويصير من المنعم عليهم الذين حسنت أفهامهم وقصودهم، وهم أهل الصراط المستقيم الذين أمرنا أن نسأل الله أن يهدينا صراطهم في كل صلاة، وصحة الفهم نور يقذفه الله في قلب العبد، يميز به بين الصحيح والفاسد، والحق والباطل، والهدى والضلال، والغي والرشاد، ويمده حسن القصد، وتحري الحق، وتقوى الرب في السر والعلانية، ويقطع مادته اتباع الهوى، وإيثار الدنيا، وطلب محمدة الخلق، وترك التقوى.[4]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] تاريخ ابن خلدون (1/ 575-576)

[2] الروح (ص: 62-63)

[3] الموافقات ( 3/288)

[4] إعلام الموقعين عن رب العالمين (1/ 69)

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M