هذه ملحمة فلسطين: فهل يعتذر المطبّعون؟

03 يونيو 2021 10:39

هوية بريس – كمال الدين رحموني

كثيرةٌ هي العبر المستخلَصة، والمستفادات الصادحة في ملحمة فلسطين، كلٌّ يقرأها من منظوره الخاص، لكن القراءة الموضوعية، التي لا تتخندق خلف متاريس العلو والاستكبار، أوتركن إلى عقدة الهوان والخنوع، لا يمكن أن تُوارى بغربال يستعصي عليه حَجْبُ أشعة شمس ساطعة.وباستقراء لنتائج ملحمة فلسطين، تبرز قراءات مختلفة:

أولا:قراءة الكيان الغاصب التي لا تقوى على الإقناع، لسبب وحيد، يتمثل في استحالة تمكّن الكيان الغاصب من التخلص من شرنقة الإحساس بالقوة، والقدرة على فعل ما يريد، وهذا الخطاب يحاول الكيان الغاصب دائما تسويقه لدى رأيه العام، حتى لا يفقدَ قواعده الانتخابية، ويبددَ نوازع الخوف المتجذرة في نفوس شرذمة تائهة وُعِدت بالأمن على أرض محتلة. وللحفاظ على هذا الادعاء يحاول الكيان الغاصب أن يتشبث بكل الوسائل، حتى لو تطلب الأمر إبادة جماعية لمئات المدنيين، كما فعل قبل أيام. من هنا يمكن التأكيد على أن قراءة الكيان الغاصب لنتائج العدوان، تظل محكومة بهذا العامل، ومن ثم لا نتوقّع إلا أن يدّعيَ انتصارا موهوما ، مع أن كل المعطيات الميدانية، تناقض هذا الزعم، ولعل ما يؤكد ذلك وجوهُ قادة الكيان الشاحبة في خرجاتهم الإعلامية، خلال العدوان وبعده، فقد غابت الابتسامة المعتادة حين يخرجون على مستوطنيهم الذين ضاقت بهم جنبات الملاجئ طيلة أيام العدوان.

ثانيا: قراءة العرب: وهي قراءتان: قراءة صهاينة العرب، وقراءة مفاوضيهم.فأما صهاينة العرب، فليس التوصيف من قبيل التجنّي أو المزايدة، لأن الصهيونية ليست عقيدة دينية وسياسية أو جنسية فحسب، بل هي فكرة نمت وترعرعت على أشلاء ودماء الأبرياء، وبمنطق القوة تمكنت من الانغراس مؤقتا في تربة وطن، مغتصَب، ومعنى ذلك أن تبَنِّيَ عقيدة الصهينة، والتداعيَ لتفهُّمها وتأييدها والتماهي معها، لا يخرج عن كونه موالاة ينبني عليها انتماءٌ بَعْضيٌّ فعليٌّ بتعبير النص المقدس، في قوله تعالى:” وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ”، إذن، فلا تَجَنِّيَ ولا ظلم في توصيف من يتبنّى رؤية الكيان الغاصب بالصهينة، ومن ثَمَّ كان من نتائج ملحمة فلسطين بروز طائفة من الصهاينة من جنسيات عربية، تناكف كل الحقوق، وتصادم كل الثوايت، وتناصر الكيان الغاصب الذي ظل متماديا في عدوانه، تارة باسم الدين، وتارة أخرى باسم الهوى والعشق الساحر الذي اكتسح المشاعر الهابطة، وغلّق مَسامَّ الوعي السليم، فكانوا صَدىً مُقزِّزا، وأصواتا مبحوحة تترجم تطبيعا مقيتا ظل مستخفيا، فشاء القدر أن يفتضح على رؤوس الأشهاد، ولا شك أن هذه الفئة العاقّة للأمة، الشاذة عن حضارتها وهويتها، ليس حالها أحسن من حال الكيان المندحر: معاناةً وألماً وانكساراً “لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُم أَنْفُسُهُمٔ أنْ سَخِطَ اللهُ وَفي العذابِ هُمْ خالِدونَ وَلَوْ كانوا يُؤْمِنونَ بٍاللّهِ وَالنَّبيءِ وَما أُنْزِلَ إليه ما اتَّخَذوهُمْ أَوْلِياءَ وَلكِنَّ كَثيراً مِنْهُمْ فاسِقونَ”.

قراءة المذبذبين: وهؤلاء ممن ظل يراهن على التفاوض، منذ مؤتمرات الأوهام(كامب ديفيد؛ مدريد، أوسلو وغيرها) في تَبارٍ في سباقات خادعة ليس ورائها تتويج ولا اعتراف ولا التزام بسلام. إن ملحمة فلسطين، بهذا الزخم الشعبي الذي احتضن المقاومة، وهذا النصر المبين الذي غاب عن الأمة سنين، يضع بين أيدي كل من لا زال يراهن على الكيان الغاصب وإمكانية الوفاء بمخرجات عقود من التفاوض، أنه يراهن على سراب، ولذا فإن الإصرار على التشبث بقراءة هذا النصر على أساس التفاوض، مضيعة للوقت وتمديد لعمر الصراع، وإهدار لمزيد من حقوق أهل الرباط، وتشكيك في مبدإ الأمر بإعداد ما بالوُسع من القوة، ومن رباط عتاد، قَلبَ معادلة الجيش الذي لا يُقهر، فما أخذ بالقوة لا يُستردَّ إلا بمثلها، ولذلك لا بد أن تتغير بوصلة القراءة الواعية لمجريات الأحداث، ولعل هذه البوصلة بدأت تتلمس في إنجاز المقاومة بعض القبسات النورانية، حين تعتز بإنجاز المقاومة، وتحاول أن تبنيَ عليه خطة التحرك مستقبلا، خاصة في ضوء تداعي القوة الكبرى لإنقاذ الكيان الغاصب من المستنقع الذي أوقعته فيه المقامة الباسلة.

ثالثا: منزلق التطبيع:

إن من أهم ما ينبغي قراءته بعقل متبصر وبجرأة وبمروءة إن كان بقي منها شيء، هو هذا العار الذي تلطخت به سيرة من تجرأ على التطبيع، وحاول التبرير له بمبررات ساذجة، كانت تختفي لو حافظ الموقعون على قربهم من الشعوب. إن ملحمة فلسطين بقدر ما هي حدث في جغرافية صغيرة، إلا أنها رسالة معبرة مفادها أن الرهان على موالاة الكيان والتعامل معه، رهان غير مُجْدٍ، وغير لائق وغير أخلاقي. إن ملحمة النصر في فلسطين جاءت لتقرع آذان المهرولين إلى التوقيع، وتحييَ فيهم ما انطمس بفعل اللهو بلُعب السياسة، ولتنفخ الروح من جديد بجملة من اليقينيات، منها المُدْرَك بالقوة والندية، والتسابق على الشهادة، ومنها المحصل باليقين العقدي الذي يقول: إن حقائق القرآن ليست ترفا، أو أن نافلة من القول، بقدر ما هي مسلمّات حين تبلغ درجة التصديق، يأتي على أثرها النصر المبين، فهل يعي المطبعون هذه المدركات في هذه الملحمة، أم يدفنون رؤوسهم في أوحال لا تُبقي طهارة ولا نَضارَة، أم يستمدون من الملحمة ما يغسل هذا العار، لتصحيح الخطأ الفادح والتوبة من الوزر الآثم، ومحو بصمة التوقيع المُدانة، بوقفة صريحة مع الذات والوطن والأمة، عنوانها العريض:

* عذرا يا فلسطين على زلة التطبيع!

* عذرا يا فلسطين، على جلوس إلى نافخ الكير الذي أحرق البشر، ودمّر الشجر والحجر!

* عذرا يا فلسطين على إساءة “التقدير”!

* عذرا يا فلسطين، على الرهان على سراب، على بيت هو أوهن من بيت العنكبوت!

* عذرا يا أهل فلسطين، لو أمهلتمونا شهورا قبل هذه الملحمة لكان حالنا أحسن مما هو عليه!

* عذرا يا فلسطين، وهل فاتنا وقت الاعتذار، أم نطمح في كرم المرابطين، لعلهم يشفعون، فقد كنا أسارى، واليوم نتوق لنصبح أحرارا، فهل تسامحون، ولاعتذارنا أنتم قابلون؟

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M