هزيمة شباط غير المعلنة…

08 مارس 2017 18:08
وفاة حفيدة حميد شباط

هوية بريس – أمل مسعود

الرابع من مارس الجاري، لم يكن يوما عاديا. كان الجو باردا بباب الحد بالرباط، ساخنا وهائجا بمقر حزب الاستقلال. فلأول مرة ينعقد مجلس وطني استثنائي لمحاكمة قياديين استقلاليين: كريم غلاب، خريج المدرسة الوطنية للقناطر والطرق بباريس، وزير سابق، رئيس برلمان سابق وعضو اللجنة التنفيذية حاليا. وياسمينة بادو، محامية ووزيرة سابقة والمرأة الاستقلالية الوحيدة التي حصلت على مقعد برلماني عبر اللائحة المحلية وعضوة اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال. التهمة الموجهة لياسمينة بادو وكريم غلاب هي عدم انضباطهم لبلاغ اللجنة التنفيذية.

الاجتماع تأخر لساعتين مما خلف استياء لدى أعضاء المجلس الوطني. بدأ التصفيق كنوع من الاحتجاج. بعد بضع وقت، يدخل إلى القاعة مجموعة من مناضلي الشبيبة متحدين والميكروفون في يدهم، يغنون نشيد الشبيبة بتناغم وبصوت مرتفع وحماسي وهم يتجولون في القاعة لتحريك الجماهير:

كنا ولا زلنا على درب النضال المستمر.

 كن مطمئنا يا علال نحن البديل المنتظر.

كل القيود الظالمة لا بد يوما تنكسر. ستنكسر

 إنا وإن طال الزمن لا بد يوما أن ننتصر. سنتصر

سننتصر ونحطم قيود الرجعية.

سننتصر ونشيد قلاع الحرية. سننتصر

المناضل الاستقلالي يجيد لغة الإشارات. لهذا رغم الغناء الحماسي ودعوة الشبيبة الجماهير للتجاوب معها، قلائل من وقفوا يشاركونها الغناء. ولكن عندما بدأت حناجرهم تغني نشيد الحزب، القاعة بأكملها وقفت تغني معهم. فكأن حال لسانهم يقول: الحزب أكبر بكثير من الشبيبة. والشبيبة لا يمكن أن تكون هي الحزب. ولاؤنا فقط للحزب.

فبعد النكبات والضربات التي عاشها حزب الاستقلال داخليا وخارجيا، أصبح واضحا أن الحزب يعاني، والشعارات والأناشيد وحماس الشبيبة ما بات يكفي ليعيد للحزب ما افتقده، بل على العكس، الكثيرون أصبحوا مقتنعون بأنها أصبحت تساهم في تأزم وتوتر الأوضاع أكثر وبأن الحزب حاليا يحتاج إلى صوت الحكمة والعقل وليس إلى تهييج العواطف البدائية.

لهذا عندما احتل مناضلي الشبيبة المنصة وأخذت حناجرهم تصدح بشعار “الاستقلال عنده ناسو والتحكم يطلع برة والحزب لا يباع لا يشترى والخونة برة “، كانت أصوات أقوى في القاعة تصرخ” بالوحدة والتضامن لي بغيناه يكون يكون”.

كان واضحا أنه لو تم اعتماد الاقتراع السري، فإن النتيجة ستؤول لصالح ياسمينة وغلاب. لهذا وبعد أن اعتلت القاعة أصوات تنادي بالوحدة والتضامن، دخل الأخ حميد شباط وباقي القياديين. وحاول شباط أن يطمئن القاعة بتبنيه هو الأخر شعار الوحدة والتضامن وعين الأخ عبد الله البقالي رئيسا لتسيير أطوار جلسة محاكمة الأخت ياسمينة بادو والأخ كريم غلاب.

أعلن الأخ البقالي بأن أطوار المحاكمة ستبدأ بتلاوة تقرير لجنة التأديب، وبعدها يتناول المتهمين الكلمة للدفاع على أنفسهما، ثم يتناول شباط الكلمة، ويعقب المتهمين في ظرف دقيقتين، وبعدها نترك لأعضاء المجلس الوطني التدخل، وأن اقتضى الحال يمكن أن نلجأ إلى الاقتراع السري.

رغم استفزازات القاعة، ورغم أنه لأول مرة في تاريخ الحزب يتعرض قياديين إلى محاكمة سخيفة تشبه حلقيات الجامعة، ورغم أن المحاكمة لم تكن عادلة، والتهمة نفسها غير مفهومة، خاصة أن الأخ عباس الفاسي والمجاهد المرحوم بوستة صرحا بنفس موقف القياديين، ظل الأخ كريم غلاب مؤدبا وشكر أعضاء المجلس الوطني وأبدى سعادته لأنه سيتحدث إليهم. ظل رابط الجأش وتحاشى التصادم حتى عندما ضرب أحد قياديي الشبيبة فوق منصة الأخ غلاب بقوة وبحماس الشباب وهو يعتقد بأنه يؤدي دور البطولة لأنه استطاع أن يهين قيادي بالحزب وثالث رجل في هرم الدولة سابقا.

أما الأخت ياسمينة بادو، فتحدثت بعفويتها المعتادة ومرحها وصلابتها، ذكرتني بشريط فيديو للرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، يستعرض معظم زلاته وعثراته وفي أخر الشريط يحصل على جائزة أفضل سياسي ويقولون له لهذا نحبك.

تحدثت بأنها أخذت رأي المناضل الفذ محمد الخليفة من أجل كتابة البلاغ، فصفرت القاعة على اسم الأخ محمد الخليفة. هنا صرخت ياسمينة في وجه الأخ البقالي والقاعة، وقالت بمرارة ” الخليفة أيضا هووووووووو، صافي مبقينا كنحترمو حد، ليست هذه هي أخلاق المدرسة الاستقلالية التي تربينا عليها”.

ثم أعطيت الكلمة للأخ حميد شباط. كالمعتاد أخذ يبجل في سلطة أعضاء المجلس الوطني برلمانيي الحزب، وفي الديمقراطية النموذجية التي يمتاز بها حزب الاستقلال في عهده وكيف أن كل القرارات تنبثق من المجلس الوطني وكيف أن عهد جو جو انتهى ليحل مكانها عهد أرض أرض. فتبتهج القاعة وتصفق. وتبدأ تسمع بعض كلمات من السب والشتم تخص الأخ غلاب لأنه نزل عليهم وزيرا متجاهلين ومتناسين بأن السيد خريج أكبر المدارس. وكأن حال لسانهم يريد أن يقول بأنهم كانوا الأحق بمنصب الوزير فقط لأنهم معتكفون في الحزب. وتشعر بأن بعض الأعضاء في القاعة لا يحاكمون كريم غلاب وياسمينة بادو على البلاغ. ولكن إذا سألتهم ما هي التهمة التي توجهونها لهم؟ سيجيبونك بدون تردد: “التهمة وزير”.

في الحقيقة، بعض الناس يحتاجون إلى الإطراء، وإلى إشعارهم بأنهم مهمين حتى لو كان ذلك غير صحيح. وهذا بالضبط ما يقوم به الأخ حميد شباط. فأطول مجلس وطني في عهده لم يتعدى أربع ساعات، وهناك مجالس وطنية لم تتعدى ساعتين. ولا أذكر، ورغم القرارات الكبرى والمصيرية، أن هناك قرارا واحدا أجري فيه استفتاء أو تصويت أو حتى نقاش مستفيض شمل جميع المتدخلين.

كما أنه في عهده، ورغم أن شعار حملته الانتخابية كان ضد حزب العائلات، فإنه رشح ابنه في لائحة الشباب، ودعم وزكى الشباب المدعم من لدن الأعيان على أبناء شبيبة الحزب التي يعتقد أنها تنفع فقط في الصراخ وفي شن الحملات الفايسبوكية وتهييج العواطف لخلق أجواء التوتر والاحتقان والصراع المتواصل. ومع أنه يصرح بأن زمن جو جو انتهى، فإن المتتبع للوائح الوطنية للبرلمان سيدرك بأن الكثير من الرلمانيين والبرلمانيات نزلوا جو جو ولم يكونوا في الحزب إلا منذ عهد جد قليل وغير حاصلين حتى على عضوية المجلس الوطني.

فهذا المجلس الوطني الاستثنائي، لا يختلف كثيرا على سابقيه. فكالمعتاد، وبعد أن أطرى الأخ حميد شباط على برلمان الحزب وكيف أن كل الأعضاء متساوون وبأنهم هم من سيقررون في مصير الأخ كريم غلاب والأخت ياسمينة بادو. وكالمعتاد، لم يكلف نفسه عناء الاستماع إلى تدخلات أعضاء المجلس الوطني، بل هذه المرة لم يكلف نفسه حتى فتح لائحة المتدخلين. بل تقدم كالمعتاد بملتمس للمجلس الوطني بدعوى أنهم ناقشوه في اللجنة التنفيذية وهو تخفيض العقوبة إلى تسعة أشهر، مطالبا من القاعة المصادقة عليه والوقوف لقراءة نشيد الحزب.

حصل هرج ومرج، لان الجميع كان ينتظر التصويت السري وخاصة أن الأخت ياسمينة بادو كانت تؤكد على حضور المفوض القضائي، والقاعة كانت تنتظر تبرئة المتهمين أو إدانتهما وليس الاختيار بين الإدانة أو الإدانة. كما أنه في قانون العقوبات الحزبية، يوجد تدرج من تنبيه وتوبيخ ثم إيقاف وطرد. هذا إذا افترضنا أن المناضلين فعلا أذنبا. ولكن كان واضحا أن الغرض الحقيقي هو قطع الطريق عليهما لكي لا يقدما ترشيحهما للأمانة العامة للحزب.

هنا تدخل الأخ البقالي، ليمارس نوع من التصويت العشوائي الغير السري طالبا الحاضرين بالوقوف أو الجلوس. لنقرأ بعدها على صفحات الجرائد أن 500 عضو أيد الحكم مقابل 21 عضوا رفض. وهي أرقام ذكرتني بأرقام وزارة الداخلية أيام المرحوم ادريس البصري.

فانفض الاجتماع وسط تذمر لا مثيل له. وبعض التعليقات مثيل “التحكم هو هذا” “الحزب مشا” “هادشي مهزلة” كانت تتطاير بشدة في ردهات مقر حزب الاستقلال.

لهذا، في الرابع من مارس، الأخ حميد شباط توج بهزيمة غير معلنة. لأنه خاف من التصويت السري وخاف أيضا من تدخلات القاعة. فهو يدرك بأنه لم تعد لديه الأغلبية المطلقة أو حتى النسبية. ولكنه سيحاول أن يحصل على أكبر عدد من أعضاء المجلس الوطني من أجل المؤتمر القادم، وإقصاء كل الأعضاء الغير موالين له في حرب تنظيمية شرسة يجيد حساباتها وتكتيكاتها.

و لكن حتى لو انتصر في معركته، فإنه انتصار سيكون بطعم الهزيمة، لأنه سيعتمد على مجلس وطني هش وضعيف بعد أن أصبح عاجزا على إقناع واستقطاب النخبة البرجوازية والأعيان والطبقة المثقفة والتقنوقراط، أو حتى المخزن الذي ظل يحميه لعقود من الزمان.

آخر اﻷخبار
1 comments
  1. ياسمينة وغلاب ساهما في تقوية شباط ,وساعدا الجهات التي قررت الدفع بشباط للرئاسة لمواجهة بنكيران . فلا تعاطف معهما.

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M