هل يحارب العلمانيون الفكر المتشدد فقط أم دين الأمة وعلماءها وتراثها؟

14 نوفمبر 2016 22:46
العلمانية هي الحل.. سفسطة حكيم الببغاء

هوية بريس – د. رشيد بنكيران

إذا كان الفكر الإلحادي العلماني في المجتمعات الإسلامية اقتنع بأن محاربة الإسلام جهارا ونهارا باءت بالفشل، أو لم تحقق النتائج التي رسم لها، فإنه عمد إلى ما يمكن أن نطلق عليه ابتداءً بـ”العلمانية الناعمة”، وهي التي تسمح بالتدين الفردي الخجول، وتسعى في الوقت نفسه إلى تقويض التدين الجماعي، الذي ينظم حياة المجتمعات من الناحية الأخلاقية والاقتصادية والسياسية والأسرية وفق مرجعية إسلامية.

ولتحقيق هذا الغرض، كان لزاما على الفكر العلماني أن يقصد محارباً السنةَ النبوية الشريفة، باعتبارها روح القرآن الكريم والمترجم الأمثل له والضامن لعدم تحريفه؛ فقد تكفلت السنة ببيان مجمل القرآن وإعطاء النموذج الأمثل والأوحد لتطبيق الدين الإسلامي على واقع الحياة.

ولهذا، أطلق المحاربون الجدد -تارة- على السنة النبوية وصفَ التفسير التاريخي للقرآن، مشيرين بذلك إلى إمكانية تجاوز النص النبوي مادام الأمر يتعلق بزمن ومكان محدود، لأنها بهذا الاعتبار لا تتصف بصفة الثبات والدوام، وممن دعا إلى ذلك محمد أركون وحامد ناصر أبو زيد وغيرهما، في استلاب مفضوح منهم للفكر الغربي، بل وقع في هذا الخطأ أيضا بعض المثقفين الأكاديميين من الإسلاميين، لما استهوتهم فكرة تصرفات النبي صلى الله عليه وسلم بصفته قائدا سياسيا، فقاموا بتغليب هذا الجانب الفرعي على حساب الجوانب الأصلية من بعثته عليه الصلاة والسلام.

وتارة أخرى، سلك المحاربون الجدد (العلمانيون) مسلك الطعن في السنة النبوية من خلال التشكيك في دواوينها، وأشهر الكتب التي عرفت تصديا منهم لها هي الصحيحان؛ أي صحيح البخاري وصحيح مسلم، لما يحمل هذان الكتابان من رمزية علمية قوية لدى المسلمين؛ فقد اجتمعت عليهما الأمة وتلقت ما في الصحيحين بالرضا والقبول. وقد تنوعت أساليب الطعن في الصحيحين لدى العلمانيين، نشير إلى أسلوبين اثنين منها:

أسلوب يعتمد على إبراز التعارض الموهوم بين بعض الأحاديث النبوية وظاهر القرآن، فضخم المحاربون الجدد هذا التعارض بغية التشكيك في مصداقية صحيح البخاري أو صحيح مسلم أو كليهما، مثل حكم المرتد أو حكم الزاني المحصن، وما شابه، ولا يكلفون أنفسهم عناء النظر في أجوبة العلماء على ما بدا لهم تعارضا، ولا محاورة تلك الأجوبة بالنقض العلمي الموضوعي، لأن الغرض هو صناعة بلبلة فكرية لدى المسلم العادي وزعزعة ثقته بالصحيحين أي بالسنة النبوية.

وأسلوب آخر يعمد إلى بعض أحاديث الصحيحين أو غيرهما تتعلق بشخص الرسول صلى الله عليه وسلم، تتكلم عن حياته الخاصة مع أزواجه أو بالنساء عموما، فتنشر ذلك بين العامة على وجه مريب وبشرح سطحي بعيد كل البعد عن حقيقة مضمونها، لكي يتم لهم خدش حياء المؤمن من نبيه أو التقليل من تعظيمه في قلبه أو تكذيب ما جاء في الصحيحين، وإن كان هذا الأخير هو الهدف الأسمى لديهم؛ لأن به يتم محاربة السنة النبوية، وتعطيل دورها في تفسير القرآن الكريم وبيان مجمله، وحفظه من التحريف العملي، وقد يصدر منهم ذلك أحيانا تحت شعار مخادع هو الدفاع عن مقام النبي عليه الصلاة والسلام، ومن أمثلة ذلك:

دعوى أن ما في الصحيحين يفيد مقاربة النبي لزنا المحارم واستحلال واضح له، كيف ذاك؟؟ فقط لمجرد أن خولة بنت حكيم التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم كما رواه البخاري في الصحيح أنها إحدى خالات النبي حسب ما جاء في مسند الإمام أحمد، ليتم بكل سفاقة ووقاحة استنتاج هذا المسخ من الأفكار وإلقائه قنبلة أو حزاما ناسفا على عموم المسلمين، الذين ليس لهم دراية بهذه الموضوعات، قصارى جهدهم أن يبحثوا عن حقيقة وجود هذين الحديثين، فتزلزل حينئذ مكانة الصحيحين ودواويين كتب السنة عموما في قولبهم.

مع أن الحقيقة -كما بينها أهل العلم وأعلنها البحث الموضوعي الأكاديمي- لا تعدو أن تكون صورة من ثلاثة احتمالات، ليس فيها ما يزلزل القلب ولا ما يطعن في مكانة الصحيحين، وهي كالآتي:

الأول: هما امرأتان مختلفتان اتحدتا في الاسم، وهو ما رجحه الطبراني في المعجم الكبير (24/363)، فالتي وهبت نفسها هي خولة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص بن مرة بن هلال السلمية «امرأة عثمان بن مظعون. والتي أخرج لها الإمام أحمد هي خولة بنت حكيم الأنصارية التي ذكرت الرواية أنها إحدى خالات النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ساق الطبراني في معجمه الروايات بسنده التي تسعفه فيما ذهب إليه.

والثاني: هما شخصية واحدة، ولكن ليس بين خولة بنت حكيم والرسول صلى الله عليه وسلم نسب لا بعيد ولا قريب، وإنما هي خالة سعيد بن المسيب، ووقع الخطأ في رواية الإمام أحمد التي نسبت الخؤولة للرسول صلى الله عليه وسلم، ويشهد لهذا الاحتمال أن الدارمي في سننه أخرج الحديث بسنده، وفيه: عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِىِّ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: سَأَلَتْ خَالَتِي: خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ السُّلَمِيَّةُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْمَرْأَةِ تَحْتَلِمُ فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ.

والاحتمال الثالث، وهو الأقرب إلى الصواب، أن خولة بنت حكيم التي وهبت نفسها لرسول صلى الله عليه وسلم هي نفسها التي أخرج حديثها الإمام أحمد، أي هي شخصية واحدة، وبينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم خؤولة، ولكن ليس بمعنى أنها أخت أمه حقيقة، بل تلتقي معه في بني زهرة من جهة أمه صلى الله عليه وسلم، لأن أم الرسول هي آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة، يقول الحافظ في فتح الباري (7/83):

 “وبنو زهرة أخوال النبي صلى الله عليه وسلم، أي: لأن أمه آمنة منهم، وأقارب الأم أخوال” أي خالته مجازا وليس بالخؤولة التي تمنع النكاح، ويشهد لهذا المعنى ما رواه أبو عيسى الترمذي عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أقبل سعد فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هَذَا خَالِي فَلْيُرِنِي امْرُؤٌ خَالَهُ». قَالَ الترمذي وَكَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِى وَقَّاصٍ مِنْ بَنِى زُهْرَةَ، وَكَانَتْ أُمُّ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَنِى زُهْرَةَ، فَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: «هَذَا خَالِى». مع أن سعد بن أبي وقاص ليس بأخ لأم النبي يقينا.

والغرض من هذا التفصيل المقصود في هذه الجزئية، هو ذكر أنموذج يبين مدى مكر هؤلاء العلمانيين وحرصهم في الصيد في الماء العكر، وفضح عوار منهجم الذي يتمثل في القفز على الحقائق العلمية الموضوعية وعدم الالتفات إليها، وذلك كله بغية تشكيك المسلمين في مصادرهم الأصلية وصنع موانع وهمية تحول بينهم وبين شمولية الإسلام لجميع مناحي حياة الإنسان.

ومن أخبث طرق هؤلاء العلمانيين المفضوحة كذلك، هو تصوير الصراع الدائر بين الفكر العلماني الحداثي والإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو صراع فقط بينهم بين علماء التيار السلفي ودعاته، الذين أطلقوا عليهم وصف التطرف والإرهاب والوهابية، محاولين بذلك الترويج لعموم المسلمين فكرة محاربة الإسلام الدخيل والمتشدد لا غير، فليت شعري هل الأئمة أمثال مالك والشافعي البخاري ومسلم وغيرهم كثير، الذين رووا لنا تلك الأحاديث وقبلوها هم أيضا سلفيون متطرفون وهابيون إرهابيون؟؟؟

وقد ساعد العلمانيين على ترويج هذه الفكرة الخبيثة الصمتُ المخجل والسكوت العقيم من طرف معظم العلماء الرسميين، وكذلك المؤسسات العلمية الرسمية التي لا تتحرك إلا وفق أجنذة مشبوهة، إذ تنشط إذا تعلق الأمر بالرد على التيار التكفيري -ولا معيب في ذلك- ولكن في المقابل، تخنع إذ تعلق الأمر بالتيار العلماني. وقد ساعد في ذلك الحياد السلبي الذي فرضته وزارة الأوقاف على خطباء المساجد.

وإذا كان التيار التكفيري الداعشي يعمد إلى تفجير النفوس المحترمة، فإن التيار العلماني الاستئصالي يعمد إلى تفجير النصوص المقدسة، وكلا التفجيرين مذمومان خبيثان يدعوان إلى فتنة عريضة يصعب معها توفير الأمن والاستقرار للوطن.

آخر اﻷخبار
2 تعليقان
  1. مع وساءل الاتصال انكشف كل مستور وكتابي البخاري ومسلم والذين جعلتموهما ركنا من اركان الايمان بهما احاديث كذبها اما النص القراني القطعي الدلالة كحديث العنزة التي اكلت اية من القران والله واعد بحفظه وحديث الامارة الذي يحصرها في قريش ولو بقي اثنان وووو. اماالتدخل في حياة الرسول الخاصة فمن تدخل فيها هم علماء الحديث ومنهم البخاري كما ورد عن خادم الرسول ان النبي جامع نساءه التسعة في ليلة واحدة واغتسل غسلا واحدا اكان يتجسس عليه ؟ ام ان الرسول ( ص) اخباره وكلا الامرين غير مقبول ويبقى ان الحديث موضوع وتنقية تراثنا من هذه الاكاذيب هو ما يجعل اسلامنا ساطعا

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M