وزارة السعادة.. (بمناسبة 20 مارس: اليوم العالمي للسعادة!)

18 مارس 2016 20:13
المنهج المعصوم عند ابن تيمية..

د. عادل رفوش

هوية بريس – الجمعة 18 مارس 2016

جرت عادة البروتوكولات الدبلوماسية أن يكون قاموس الألقاب وأسماء المجاملات أكثر وأضخم من الإنجازات، أو أنه يكون على حساب إهدار القيم والمكتسبات؛ وحينئذ فالمنجزات وَهْم وتضليل..

ومن أعرافهم السائدة مخاطبة “حضرة الوزراء” بأصحاب المعالي وأصحاب السعادة؛ كما أن من فوقهم “أصحاب السمو” و”أصحاب الجلالة”؛ كما أن من تحتهم “أيها الشعب العظيم”، “شعبي العزيز”، “رعايانا الأوفياء”، “ارفع راسك انتَ كذا وافتخر”!

إذاً فالقاموس الواقعي واللسان الدبلوماسي مليء بالتمادح الزائف الذي لا يقال فيه أقل من نحو قول علي رضي الله عنه وأرضاه لبعض المتزلفين: “أنا دُونَ ما قُلْتَ وفَوْقَ ما في نفسِكَ”..

إذا فلا جديد حينما نجد دولة عربية تزيد في هذا الترف المصطلحي وتضيف في قائمة البذخ الإعلامي؛ تسميةَ وزارةٍ بوزارة السعادة أو بوزارة التسامح!

ولنا شرف السبق كعادتنا نحن المغاربة -لا بد من المزاحمة- فقد سبق وأن أطلقنا مهرجاناً للضحك؛ بل لقد سبقتنا في العصر الحديث “دولة بوتان” في السبعينيات باعتمادها المبادرة لاجتماع السعادة في الأمم المتحدة ووضعت شعارها المشهور آنذاك :”السعادة الوطنية الشاملة هي أهم ناتجٍ قومي للبلاد”؛ فهذه الأسماء كلها ليست هي محور النقاش إذا سَلمنا أن الأفواه العربية تعودت المخادعات اللفظية؛ وإذا سلمنا بأن الحلم والخيال هو خطوة هامة نحو تحقيق الأهداف ولكن ليس هو الهدف..

إذاً فمحور النقاش هنا هو:

– هل يمكن أن نفكر في الإبداع دون أن نُباعَ؟

– هل يمكن أن يكون التميز هاجساً دون أن يصير خادعاً بحيث لا ندخل التاريخ بقتل عُمُرَ ولا بالتبرز في صحنِ الكعبة عياذاً بالله؟

– هل يمكن أن نكون أقوياء دون لفت الأنظار بالسفاسف أو بمجرد التخالف؟

فالتقوي بالسفاسف أو بالاستلاب يقوي ضعفنا ويُضاعفُهُ.

إن السعادة يا معشر العرب مطلب كوني ولا شك، ولعله لندرتها وتعقيد فلسفتها لم تجئ في القرآن إلا شهادةً لمن زحزحوا وابيضت وجوههم ففازوا؛ شهادةً من اللطيف الخبير سبحانه إذ قال: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾.

وكأن السعادة قِمة قِمم الإنجاز التي تبلغ نهايتها بهذا المآل العظيم؛ وأن الذي يُطلب في الدنيا إنما هو السكينة بسلوك سبل السعادة؛ وهو الفرح والاستبشار والطمأنينة التي نجد دورانها في الوحيين كثيراً مقرونة بالجمال وبالخير وبالحب وبالود وبالتضحية من أجل الله ومن أجل الحق ومن أجل الكرامة والإباء…

فالإيحاء بانفصالية هذه القيمة -أعني السعادة-؛ عن العمل الدؤوب الناجح وبانفصالها عن الحياة الآخرة ومعاني الإيمان، أو أنها كغيرها من ماديات الإنسان الذي تسعى العلمانية إلى ربطه بها في كل احتياجاته والتي من أسماها في غريزته: “السعادة”؛ فنجعل لها تراتبيةً إداريةً ومعياراً يخضع للقرار وتنظيماً يبلور بالأمزجة؛ فهذا تقزيمٌ لأهميتها وتشويش على حقيقتها سيئول لأسوإ أنواع التعاسة بدل تحقيق السعادة؛ ولربما كانت لمِثلِ هذه الخَرَجاتِ إيديولوجيات دفينة تهدف إلى مزيدٍ من التهجين على العقل العربي المسلم؛ ذلك الكيان الذي تتنافس على استلابه مختلف الحضارات كما استلبت أرضه وثرواته وكثيراً من نخبه ومخططاتِ أجياله؛ ويبقى هو سلعةً يتمدد نحو الجميع إلا نحو أصالته العربية وهويته الإسلامية؛ فهو يَبحث ويُبْحَثُ له في كل وقْتٍ وحينٍ عن مسوغات التحلل من عروبته وإسلاميته؛ تارةً بأيدينا وتارةً بتشجيع غيرنا علينا أن يفعلوا فينا بأيديهم ما يشاؤون!

– ونظرة عابرة على برامج “إعلامنا العربي” المدبلج..

– ونظرة أخرى على فقرات مؤتمر كبير كمؤتمر الحكومات العالمية بدبي..

يكفيان كنموذج للتردي والتحدي الذي يعيشه أهل النخوة العربية والإسلامية لمقاومة ما يتعرض له ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم..

إن السعادة عند كثير من الفلاسفة بقيت مجهولة المعنى عندهم ورحلوا دون فهم أعماقها؛ لأنهم تيقنوا بطلان قِياسها بابتسامة خادعة أو برصيد منتفح ولا بعلاقات اجتماعية عنكبوتية ولا بوصال عاشق أضناه الهجران؛ ولا عودة غريبٍ حيث مراتع الصبا؛ ولا بوداع القضبان فرب أحرارٍ سعداء خلف أسوار السجون والظالمون لهم في تعاسةٍ وشقاء…

بل حاولوا لمسها مجردة عن المطامع؛ فوجدوها لا يمكن أن تبتعد عن الربط بالسماء؛ ولذا ألحقوها بها في شساعة المساحة وفي غيب التفاصيل وقارنوها بمعاني النبوات…

وعليه فلا داعي للتواطؤ مع الوضع العالمي المخادع الذي كذب على الإنسانية بجعل يوم 20 مارس يوما دوليا للسعادة؛ في حين يوزع البؤس بقية أيام العام وفي كل الأعوام؛ بل لم يستطع المجتمع الدولي وهو صانِعُ عالم الظلم المنافق أن يوفرَ أدنى حدود السعادة التي حددها في تحقيق تكافؤ دعائم الاقتصاد وبنوها على ثلاث:

1- التنمية المستدامة…

2- والرفاه المادي والاجتماعي…

3- وسلامة الفرد والبيئة…

وأن هذه عندهم هي أركان السعادة العالمية؛ فهم يشهدون على أنفسهم بالتعاسة العالمية لأنه لم يتحقق من ذلك شيء يذكر بل اتسعت دائرة الاحتراب والاحتكار والاستعمار…

وتعاظمت نِسَبُ الفقر والمرض والجهل والخوف والموت…

إذًا فعن أي سعادةٍ يتحدثون؟ وبأي العقول يعبثون؟

إن السعادة هي ربط الخلق بالخالق ضرورةً..

إن السعادة هي أن ترضى بإرضائه ليرضى..

إن السعادة هي أن تقوم بمسئولياتك بإحسان..

إن السعادة هي أن لا تكون سبباً لتعاسة أحدٍ..

إن السعادة هي الاستمتاع بكل واجب و مباح..

فإذا استطعنا تعميم السلام النفسي بالتغلب على سيئاتنا وسلبياتنا انبعاثاً من ضمائرنا؛ وشعرنا بالهدوء لأداء الواجبات والارتياح لتوفية الحقوق؛

فنحن على طريق السعادة ونحن من أهلها دون وزارة تنمق ولا إعلامٍ يرائي ولا تباهيا بالشكولاتة الفاخرة وتنافساً حول الموضة الزائفة..

ولا ببيعٍ للكلام في زمن صار بيعه؛ كبيع الإحصائيات والانتخابات والأرقام…

بل وكبيع كبير الأمم المتحدة “بان كي مون” نفسه لدولارات الجنرالات ليقول كلمة باطل وليثير زوابع فتنة؛ شهادة منه بما لا يقبله عقل ولا تاريخ ولا سياسة…

ولا عزاء لنا إن لا أن نتنبه إلى وضعنا المزري، وخارجيتنا المفعفعة، وداخليتنا المنشغلة بمهرجان موازين؛ وأن هذه التفاهات هي التي تضيع قيمنا من تدين ووطنيةٍ؛ ولولا القيم لما حُفظ وطنٌ؛ فبغير القيم لن يحفظ وطنٌ، وبغير القيم فلن تبقى وِحدة وسيبيعنا الأقربون؛ وبغير قيمٍ فلا سبيلَ إلى قوةٍ ولا إلى سعادة..

والحمد لله رب العالمين.

آخر اﻷخبار
3 تعليقات
  1. شكرا أخي عادل رفوش على كتاباتك المتميزة التي تنم عن حس مجتمعي مرهف ، تبينت ذلك من خلال مقالك القيم عن التبذير والتقتير في سياسة الحكومة بشأن النفقات العامة ،واليوم تتحف مرة أخرى القارئ الكريم بتحليل كاشف لبعض مدلولات الزيف الذي لايسمن ولايغني من جوع ؛ولكنه رأس مال المفلسين في بورصة القيم ؛ فشكر الله لك ياعادل يامثبت النقوش/ (مهموم)

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M