وَيُحَذِّرُكُمُ الله نَفسَه…!

28 فبراير 2017 17:20
الشيخ عمر القزابري يكتب: لاَ تَنْسَوْا يَوْمَ القِيَامَة...!

هوية بريس – الشيخ عمر القزابري

بسم الله الرحمن الرحيم. والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. أحبابي الكرام:

ما أعظمَ هذا القرآن.. فقد أَوْدَع الله فيه من الأسرارِ مالا يَخطرُ على بال.. فكلما زدت من حصَّة التعاطي معه كلما بانت لك أسراره وتجلَّت لك أنواره.. وهكذا على الدوام.. فهو متجدِّدٌ لا يخلَقُ على كثرة الرَّد.. وما أجمل ما قال سيدنا الإمام الشاطبي رحمه الله:

وخير جليس لا يُمَلُّ حديثه***وتَردادُه يزداد فيه تَجَمُّلا

ومن أسراره أن الآيةَ منه تقْرعُ قلبك أحيانا وكأنَّك لم تَسمعها من قبل.. مع أنك قرأتها وسمعتها مرَّات ومرَّات.. ولكن يحصل هذا الأمر في لحظة هي لحظة نور.. ومنحة سرور.. وفرصة ارتقاء وطهور..

آية استوقفتني معاشر الأماجد: (وَيُحَذِّرُكُمُ الله نَفسَه) هذا والله أعظم تحذير على الإطلاق.. لمَّا سمع المتيقظون هذا التحذير فتحوا أبواب قلوبهم فهطلت أمطار الخوف.. فحزن الجسد.. واهتزَّت الروح.. فاستيقظت اليقظة حين مات الهوى.. وزالت الغفلةُ عندما حلَّت الهيبة.. وفرَّ الكسلُ خوفا من جيش الحذر.. فاستقامت الجوارح.. وسلِم القلب من الخَلل.. كُلما سمع الصادق هذه الآية ندِم على مُصابه.. واعتراه الخوف مما في كِتابه.. فأصبح رهينَ القلق بمجموع أسبابه.. هكذا عاش العارفون.. كانوا على وَجَل.. يُحسنون ويبكون.. ونحن نسيء ونضحك…

كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يمر بالآية في وِرْدِه فيبكي حتى يسقط ويبقى في البيت مريضا يُعاد..

وقرأ الحسن البصري رحمه الله عند إفطاره (إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا)، فبقي ثلاثة أيام لا يَطْعَم.. أحبابي: حقيقٌ بمن علِم ما بين يديه. وتيقَّن أنَّ الصغير والكبير يُحصى عليه. وأنه راحلٌ إلى ربه وموقوفٌ بين يديه.. في موقفٍ صعب عظيم يُساق إليه.. حقيقٌ به أن يتجافى عن مُضطجع الغفلة بجنبيه.. وأن يبكي على ما جنى على نفسه بيديه..

قال حاتم الأصم: من خلا قلبُه من ذِكرِ أخطارٍ أربعة فهو مُغترّ.. فلا يأمن الشقاء..

الأول: خطر يومِ الميثاق. حين قال الله تعالى: هؤلاء في الجنة ولا أُبالي وهؤلاء في النار ولا أُبالي. ولا يعلم في أي الفريقين كان..

والثاني: حين خُلق في ظلمات ثلاث. فنودي الملك بالشقاء والسعادة.. ولا يدري أمن الأشقياء هو أم من السعداء؟

والثالث: ذكر هولِ المطلع.. ولا يدري أيبشرُ برضا الله تعالى أو بسخطه؟

والرابع: يوم يَصْدُر الناس أشتاتا ولا يدري أي الطريقين يُسلك به؟ فَمَحْقُوقٌ لصاحب هذه الأخطار أن لا يفارق الحزنُ قلبه…

يا من تبع يومُه في الغفلة أمْسَه.. ويحذركم الله نفسه..

يا من لا يوقف أذاه ورِجسه.. ويحذركم الله نفسه..

يا من اغتر بجاهه وصَدَّق نفسه.. ويحذركم الله نفسه..

يا من غرَّهُ ماله وعبد فِلسه.. ويحذركم الله نفسه..

تدارك أيها الغافل أيامك فأنت في مِنحة الإمهال.. وهي آيلة إلى الزوال.. فإن الأيام تجري وتمضي.. وإن الروح تصدأ.. وإن الجوارح تعتاد.. ومن تعوَّد القبائح.. صعُب عليه الرجوع.. وإن الشهوات آسرة تستعبد صاحبها لترمي به بعد ذلك في واد سحيق.. ليُبعثَ يوم النشور على ألم الإبعاد.. قد ألجمه العرق.. واستبدَّ به الفَرَقْ.. وفي عَرَقِه قد غرق.. والجحيم سعِّرت.. والموازين نُصبت.. والصحف تطايرت.. والجوارح نطقت… ويحذركم الله نفسه…

إنها آية تدعونا إلى التوبة الصادقة.. وإلى الانطراح بين يدي الله خاشعين خاضعين.. ولكن ما أعظم رحمة الله.. وما أوسع فضله.. فلو قال الله بعدها مثلا.. والله شديد العقاب لتفطَّرت القلوبُ خوفا.. ولكنه سبحانه وهو العليم بضعفنا وفقرنا.. قال.. ويحذركم الله نفسه.. والله رؤوف بالعباد.. ترك باب الرجاء مفتوحا.. فبذلك الرجاء نتعلق.. وبذكره نطمئن ونتحقق.. فلله الحمد على رحمته وفضله.. وهو المرجو سبحانه أن يهدينا ويوفقنا ويجعلنا من عباده الصالحين..

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. محبكم وحافظ عهدكم وودكم عمر بن أحمد القزابري.

آخر اﻷخبار
1 comments

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M