الانتخابات المغربية تجديد الوعود والعقود

12 أغسطس 2015 21:59
الانتخابات المغربية تجديد الوعود والعقود

الانتخابات المغربية تجديد الوعود والعقود

أحمد هيهات

هوية بريس – الأربعاء 12 غشت 2015

اقترب للمغاربة موعدهم مع مهرجان الانتخابات المحلية والجهوية بما يحمله من أحوال الفرح والبهجة والحبور لما تدرّه الحملات الانتخابية على منشّطيها من العوائد المالية والعينية الفورية، وما يرافقه من مخايل الحسرة والندم والشجون على من خرج من الانتخابات بخفي حنين، وما يتلو ذلك من توال وما يلزمه من لوازم؛

وما يجلبه هذا المهرجان من حركية ورواج وجلبة تتجدد كل موسم انتخابي لتحافظ على بلى وقدم وإخلاق الساحة السياسية المحنّطة والراكدة رغم الهرج والمرج والهيجان الذي يكتنف ظاهرها ولا يكاد يلامس باطنها إلا بما يحفظ جوهرها مما يمكن أن يعتريها من التبدّل والتحّول، أو يحميها من سكرات مخاض التحول الديمقراطي الحقيقي الذي لا يتأتى إلا بالتخلص من الوعي الزائف، ومن خلال امتلاك المواطنين حريتهم وإرادتهم واستقلاليتهم، ومن خلال إعمال القانون والتقيد ببنوده وفصوله وعلى رأسها القانون الأسمى في البلاد -الدستور- الذي تم تجديده سنة 2011، مما يفرض ضرورة اجراء هذه الانتخابات بعد تبنيه مباشرة وهو الشيء الذي لم يحصل.

والحكومة هي أول جهة تخالف أحكام الدستور، وهي المسؤولة والمفوضة من قبل الشعب لتفرض احترامه وتنزيله وتسهر على العمل بمقتضياته، ولكنها نظرت وقدّرت تأجيل هذه الانتخابات حوالي أربع سنوات تحت ذرائع مختلفة منها عدم جاهزية القوانين التنظيمية، وعدم اتفاق الفرقاء السياسيين حول موعدها.

والملاحظ في مواسم الانتخابات جرأة المترشحين وجسارتهم على طلب المسؤولية والتماسها عبر تزكية النفس وتمجيدها وتحليتها بكل الفضائل وتخليتها وتنزيهها عن كل النقائص والرذائل وتفضيلها على الغير، مستندين في أغلب الأحوال إلى الدّين، مظهرين قدرا غير يسير من التدين، وإن كان الدين أميل -ابتداء- إلى التحرج من طلب المسؤولية والتبرم من الاستعمال، وفي ذلك نصوص شرعية كثيرة نذكر منها مثلا: قوله تعالى: ﴿فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ[النجم:32].

وحديث عبد الرحمن بن سمرة -رضي الله عنه- قال: قال لي النبي -صلى الله عليه وسلم-: «يا عبد الرحمن بن سمرة: لا تسأل الإمارة، فإنك إن أوتيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أوتيتها من غير مسألة أعنت عليها، وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها، فكفِّر عن يمينك وأت الذي هو خير» (صحيح البخاري 6/2443، برقم: 6248).

وحديث أبي موسى -رضي الله عنه- قال: أقبلت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ومعي رجلان من الأشعريين أحدهما عن يميني والآخر عن يساري، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستاك، فكلاهما سأل، فقال: «يا أبا موسى أو يا عبد الله بن قيس. قال: قلت: والذي بعثك بالحق ما أطلعاني على ما في أنفسهما وما شعرت أنهما يطلبان العمل، فكأني أنظر إلى سواكه تحت شفته قلصت(انزوت وارتفعت)، فقال: لن أو لا نستعمل على عملنا من أراده، ولكن اذهب أنت يا أبا موسى أو يا عبد الله بن قيس إلى اليمن،…» (صحيح البخاري؛ 6/2537، برقم:6525).

وحديث أبي ذر -رضي الله عنه- قال: «قلت: يا رسول الله! ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي، ثم قال: يا أبا ذر! إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزيٌ وندامة، إلا من أخذها بحقّها وأدّى الذي عليه فيها» (صحيح مسلم 3/1457، برقم:1825).

يستفاد من الأدلّة الشرعية الآنفة دعوة المشرع إلى عدم طلب المسؤولية إلا بحقها، أي أن يكون مستنشد المسؤولية في مستواها ومنزلتها، وله من المؤهلات والطاقات ما يمكنه من القيام بها وأداء حقها، مما يفيد أن الشرع لم يوصد باب السعي وراء المسؤولية بإطلاق، وإنما ضيقه إلا على القادر القوي الأمين، وفي ذلك أيضا أدلة شرعية نأتي على ذكر بعضها: كقوله تعالى على لسان يوسف عليه السلام، حيث قال لملك مصر: ﴿اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ[يوسف:55]، وحديث عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ المقسطين عند الله على منابر من نور، عن يمين الرحمن -عز وجل- وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وُلّوا» (صحيح مسلم 3/1458، برقم:1827).

تمنع هذه الأدلة طلب المسؤولية إلا بحقها فهو منع مشروط بشروط ومظروف بظروف متى ما توفرت في المترشح للمسؤولية انتفى عنه المنع وارتفع، ولكن الداهية والطامة في بلدنا العزيز أن أغلب طالبي المسؤولية هم من غير المستحقين لها، إذ كيف يستحق المسؤولية من كان أميا لا يحسن القراءة ولا يجيد الكتابة، أو شبيه الأمي وصنوه الذي لا يكاد يميز بين الحروف الهجائية الأبجدية، أو كان من الأميين الجدد الذين لم ينالوا حظا ونصيبا من علوم العصر وآدابه، بل أقصى ما يملكه هؤلاء المترشحون الطالبون للمسؤولية -المفتقدون لكل المزايا والسمات والكفاءات المطلوبة- هو الإقبال المبالغ فيه على التدين المرائي المتباهي، والتمسك والحرص على الحضور والظهور في أوقات وأماكن الشعائر التي تستهوي أفئدة أكبر حشد من الناس.

بالإضافة إلى الحرص على غشيان كل المناسبات الاجتماعية من أفراح وأتراح، وتقديم العون والمساعدة أمام الملأ والمجاهرة بها، والتظاهر بحسن الخلق بتحمل أذى البعض وكظم الغيض مؤقتا، وإظهار الكرم الزائد واقتناص الفرص والمناسبات لتقديم بعض الخدمات مع التركيز على التعريف بالنفس وضرورة رد الجميل في اليوم الموعود.

وقد كان حريا بهؤلاء المترشحين تحري الصدق والإخلاص والعفوية في التقرب من الناس ونيل الحظوة لديهم، وبالموازاة مع ذلك المسارعة إلى امتلاك القدرات والمؤهلات المنشودة، واختيار الأحزاب السياسية المهتمّة بمصالح المواطنين وإن لم يوجد لها أثر في الزمن الحاضر، وبعد ذلك تسطير برنامج انتخابي واقعي وعملي قائم على دراسات حقيقية واحصائيات مضبوطة، وليس الاكتفاء باستنساخ أحد البرامج المتوفرة والمتشابهة إلى حد التطابق، ثم تصديرها باسم الحزب ووسمه وديباجة ترشد المواطن إلى الحزب وهويته، والابتعاد عن الكلام العام العائم حمّال الأوجه المختلفة والمعاني المطّاطة المنفلتة من كل الالتزامات وضروب المحاسبة والانتقاد.

إلى أن تتحقق هذه الشروط تبقى انتخاباتنا -إلا في ما ندر- مجرد محطات لتجديد عقود المنتفعين الانتهازيين الذين راكموا من التجارب والحيل والوسائل والأموال ما يضمن لهم الاستفادة من أثداء خزائن الدولة التي لا تنضب، وما يمكنهم من إيجاد موطئ قدم للخلف من نسلهم، وإحداث فسحة ضيقة لمن قدموا الدليل على امتلاكهم شروط الانتفاع من الأوضاع، وأثبتوا نقاء السريرة وصدق النية وصفاء الطوية في المحافظة على ركود بركة السياسة المغربية الآسنة إلى أن يشاء الله وإلى أن يغير قومنا ما بأنفسهم.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M