من المسؤول عن انتشار الحِرَابة «التشرميل» في المغرب؟

02 أغسطس 2015 10:01

ذ. إبراهيم الطالب

هوية بريس – الأحد 02 غشت 2015

يعرف المغرب “ثورة” عنف لم يعد المواطن يشعر معها بأمن ولا أمان، يمشي في شوارع بلاده خائفا من شباب أبنائه الجانح، يترقب سيفا ينخسه من جنبه، يتوهم أعمدة الإنارة العمومية منحرفين يتبعوه. 

 “ثورة” العنف هذه، فجرت بركان دم يُلقي حممَه كل يوم من شرايين المغاربة على إسفلت أحياء المملكة، فأصبحت حياة الناس وأرواحهم تعيش تحت التهديد الدائم، لم يبق معه معنًى للأمن العام أو السكينة العامة أو السلم الاجتماعي، فالوضع أقرب إلى حالة من الإرهاب أو ما يسميه فقهاؤنا بإخافة السبيل التي يقوم بها المجرمون من ممتهني الحرابة، وهي عين ما اصطلح عليه المغاربة بـ “التشرميل” والذي أصبح فاشيا لا يحتاج إلى ضرب الأمثلة. 

حتى إن كثيرا من الناس أصبح لا يرى لأحداث الدار البيضاء قيمة أو خطورة تعتبر أمام خطورة الواقع المعيش يوميا في شوارع المملكة خصوصا مدنا مثل سلا وطنجة وفاس، فعدد مَن قُتل من المغاربة في أحداث الدار البيضاء لا يكاد يذكر بالمقارنة مع عدد مَن قتلوا بالسيوف. 

ولعل المفارقة تكمن بالخصوص في رد الفعل على المستوى الرسمي والجمعوي والحقوقي، فعمليات التفجير لم تتجاوز الأربعين ضحية إلا بقليل، وقامت الدنيا لها ولم تقعد إلى الآن، وكانت العقوبات غاية في القسوة، مبالغة في محاربة الإرهاب، ووُسعت دائرة الاشتباه لتشمل كل من تربطه بالفكر المنتج لها صلة ولو كانت ضعيفة، حتى شملت كل من اشتُمت فيه رائحةُ “التطرف”، فسجن أناس بعدما أدينوا على هامش الأحداث لمجرد أنهم حضروا لدرسِ وليمةٍ من إلقاء الشيخ الفيزازي مثلا، ومثلهم أناس سجنوا لأنهم كانوا يترددون كل جمعة على مسجد مكة بسلا. 

كما أن الأحداث البيضاوية دفعت الدولة إلى تنظيم حملة مستمرة طيلة سنوات عقدت خلالها -لمحاربة التطرف- مئات الندوات والأيام الدراسية، وتبارى العلمانيون أيهم يصيب الإسلاميين وينال منهم أكثر، فاتخذت دماء الضحايا محل مزايدات بين الفرقاء السياسيين، واستغلها العلمانيون ضد الإسلاميين بكامل الخبث الموجود في الكون في تصفية الحسابات الإيديولوجية، وسُن قانون الإرهاب الصارم الذي يأخذ بالنوايا ويجرم الهواجس والأفكار، في حين أن عمليات قتل المواطنين عن طريق الحرابة “التشرميل”، تفوق أرقام ضحاياها بكثير عدد أيام السنة، ناهيك عن عمليات الجرح والسرقة وبتر الأعضاء، والاغتصاب التي يقترفها الجانحون تحت التهديد بالسيوف لضحاياهم. 

فلماذا يعتبر من يهدد حياة الناس بالتفجير إرهابيا في حين يصنف مَن يهددهم بالسلاح على الدوام مجرد مجرم عادي قد يحكم عليه بثلاثة أشهر سجنا فقط، ليخرج فيرهب المواطنين من جديد مرات ومرات؟

ألمجرد الفرق بين المتفجرات والسيوف أم لأن التفجير كان باسم الدين في حين كان الضرب بالسيف باسم الشهوة؟ 

أم لأن كلمة إرهاب أريد لها أن تلبس اللحية والقميص وأن تمحو كل عمليات الإرهاب الأمريكي والصهيوني والأوربي؟

ولمَ لم تعقد الندوات ولم تلق المحاضرات ولم تعد الدراسات رغم فظاعة الجرائم التي ترتكب بين المغاربة بالإرهاب بالسيوف والسواطير؟   

فالدماء هي الدماء والقتلة هم القتلة والمقتولون هم المقتولون الكل مغربي. 

لماذا فجأة تحول النظر من التركيز على الجريمة وفظاعتها وخطورتها على الأمن الجماعي، إلى النظر إلى معتقدات المجرم؟

أليس بدافع سياسي ومسايرةً للمشاريع الاستراتيجية الدولية تم هذا التحويل؟

أليس هذا من مظاهر الغلبة التي تفرض تبعية دولنا للمصالح الغربية ومنها الأمن القومي الأمريكي الذي له خصومات مع تنظيم القاعدة وطالبان وبينهما ثأر وحرب؟ 

لا علينا فهذا موضوع آخر. 

لكن، نعود فنسأل: من المسؤول عن تفشي ظاهرة الحرابة أو “التشرميل” في المجتمع المغربي؟ 

بعض المحللين والباحثين يربط الظاهرة بالفقر والهشاشة والجهل والأمية، وبعضهم الآخر يرجع إفراز الجريمة المسلحة أو الحرابة بالمفهوم الشرعي والمصطلح الفقهي إلى التفكك الأسري والهجرة القروية والبناء العشوائي، وبعضٌ ثالث يحصر الأسباب ويحمل المسؤولية للجهاز الأمني ويرى أن السبب هو قصوره من الناحية العددية عن تطويق الظاهرة، وضعفه من الناحية التكوينية في التعامل مع ملف المجرمين المشرملين، وكذا إلى فساد الجهاز وانتشار الرشوة بل يوصلها بعضهم حد التواطئ. 

لكن المتتبع المستوعب يستيقن أن كل ما ذكر يدخل ضمن الأسباب والمحفزات على تفشي الظاهرة الخطيرة لكن يبقى أهم هذه الأسباب تكاد لا تذكر وتتلخص في سببين أساسيين يهمان: البعد القانوني والبعد الديني. 

أ- الجانب القانوني

العقوبات لا ترقى إلى مستوى الردع في كثير من الحالات، وإن كانت في بعضها تصل إلى المؤبد، إلا أن القضاة غالبا ما يمنحون المجرمين ظروف التخفيف لتنزل العقوبات إلى ثلاث سنوات في حالة تجمع التهديد بالسلاح واستعماله والضرب والجرح والسرقة، الأمر الذي يزيد من استفحال جريمة التشرميل/الحرابة، التي يبقى القانون الجنائي فيها قاصرا قصورا لن تعالج معه الظاهرة ولو طبق أفضل تطبيق، لأن القانون ردعي زجري ولا ينفع الزجر ما دامت الظاهرة تغذيها روافد كثيرة ومتنوعة.    

ب- الجانب الديني

يلاحظ في هذا الجانب عرقلة الدولة بمفهومها العام لعمل التيارات الإسلامية التي ترى من أهم واجباتها تربية الناس وربطهم بأخلاق الإسلام ومنظومته والتي تعد الدواء الشافي لهذه المعضلة الاجتماعية.    

في حين يسجل في هذا الإطار غياب الوزارة المكلفة بالشؤون الإسلامية بوصفها الوزارة الوصية على حماية الدين، حيث يلاحظ عدم اهتمامها بأغلب الملفات الاجتماعية مثل الدعارة والزنا والحرابة، وتكتفي باجتهادات خطبائها في الوعظ والإرشاد في حين عليها أن تضع خططا واستراتيجيات بالشراكة مع الوزارات والمؤسسات الرسمية ذات الارتباط بهذه الملفات، وترصد لها الميزانيات وتعد لها الدراسات وتقدم التقارير السنوية مادامت الوزارة جزء من حكومة البلاد، لكن للأسف غيابها عن ميدان المعالجة يجعل منها وزارة للوعظ والضبط للمساجد وعسكرة القيميين الدينيين، أكثر منها وزارة لوضع السياسات والاستراتيجيات. 

فالوزارة عاجزة حتى عن بيان موقف وأحكام المذهب المالكي من موضوع الحرابة التشرميل فضلا أن تطالب بتثبيته في مسودة القانون الجنائي الذي يترك للأطراف العلمانية تفصله حسب عقيدتها ومنظورها للحياة والإنسان والكون. 

فالمذهب المالكي صارم في هذا الشأن إذ تنص مراجعه كما جاء في المدونة الكبرى ما نصه: 

“(كتاب المحاربين)

(ما جاء في المحاربين)

قلت لابن القاسم: أرأيت أهل الذمة وأهل الإسلام إذا حاربوا فأخافوا ولم يأخذوا مالا ولم يقتلوا فأخِذوا كيف يَصنع بهم الإمام في قول مالك؟ 

قال: قال مالك إذا أخافوا السبيل كان الإمام مخيرا إن شاء قتل، وإن شاء قطع، قال مالك: ورُب محارب لا يَقتل وهو أخوف وأعظم في خوفه ممن قتل.

(قلت): فإن أخذه الإمام وقد أخاف ولم يأخذ مالا ولم يقتل أيكون الإمام مخيرا فيه، يرى في ذلك رأيه إن شاء قطع يده، وإن شاء قطع رجله، وإن شاء قتله وصلبه، أم لا يكون ذلك للإمام؟ قال: قال مالك: إذا نصب وأخاف وحارب وإن لم يقتل كان الإمام مخيرا، وتأول مالك هذه الآية قول الله -تبارك وتعالى-، في كتابه: “أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا”، قال: فقد جعل الله الفساد مثل القتل.

قلت: أرأيت الذي أخذه الإمام ولم يَقتل ولم يُفسد ولم يُخِف السبيل إلا أنه قد حارب خرج بخشبة أو ما أشبه هذا أيكون للإمام أن يعفو عن هذا؟ قال: لا يكون للإمام أن يعفو عن هذا عند مالك، ولا عن أحد من المحاربين” اهـ.

فأين هذا من تساهل القضاة وتقاعس الوزارة وقصور القانون الوضعي؟

وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M