هنيئا لك النظافة حدائق الحي

15 أغسطس 2015 17:24
هنيئا لك النظافة حدائق الحي

هنيئا لك النظافة حدائق الحي

الحبيب عكي

هوية بريس – السبت 15 غشت 2015

من “هنيئا لك النظافة جسر الحي” إلى “هنيئا لك النظافة حدائق الحي”، عنوان لمقالة واحدة عن نفس الموضوع ألا وهو النظافة، نظافة الحي وطبعا حي الواحة بمدينة الرشيدية أعني، المقالة الأولى كانت بمناسبة زيارة السيد وزير التربية الوطنية آنذاك إلى الثانوية التقنية المجاورة، ومرور موكبه الرسمي عبر الجسر المؤدي إلى الثانوية والحي في نفس الوقت، وبعد إهمال طويل وتراكم الأزبال على جنبات الجسر خاصة الأكياس البلاستيكية وفارغ قارورات المشروبات الكحولية، آنذاك نظمت حملة نظافة رسمية من ذلك النوع الذي ينبت الأشجار المثمرة في 24 ساعة، وقد كادت تلك الحملة الشرسة تزيل حتى المتجر الممتاز جانبه وهو الذي كانت تتبضع منه المشروبات والأكياس.

ولكن ما أن مرت الزيارة الرسمية بسلام وصورت الكاميرات الفضاء على أنه نظيف وممتاز يعجب الأنام حتى عادت الأمور إلى ما كانت عليه وأسوأ وإلى إشعار آخر قد يأتي أو لا يأتي!!

أما المقالة الثانية فهي بمناسبة ما أقدم عليه سكان الحي مؤخرا من تنظيم حملة نظافة، حملة اعتادت لجنة البيئة في التعاونية السكنية تنظيمها بين الحين والحين عناية منها بالبيئة وبمختلف مرافق الحي ومظهرها الجمالي الذي تحسد عليه، حملة شارك فيها الأطفال بنشاط والشباب بحماس، وكانوا يجوبون كل أزقة الحي ويجمعون ما يكون قد ترامى على جنباتها من الأوراق والأكياس وبعض مواد البناء وغيرها من الأزبال، كما أن نساء الحي قد احتفين بالحملة وأطفالهن على طريقتهن فأخرجن إليهم أطباقا من الخبز اللين وصينيات من الشاي المنعنع وما تيسر من الحلويات، وتبادل الجميع الخبز والشاي والحلوى وقبلها التحايا في مرح وسرور متنت أواصر الجوار ومعنى الانتماء للحي ولحمته الاجتماعية، ولم يكتفين بهذا فحسب بل شاركن في الحملة بتنظيف أبواب منازلهن ورششنها بالماء العذب الزلال حتى أصبحت بهية بهاء ما بعده بهاء، وكل هذا بمجرد مجهودات تعاونية ذاتية دون انتظار أحد أعطى أو منع!!

ما أجمل ثقافة الواحة وكلنا أبناء الواحة ونتذكر ما كان يسود في قصورنا ومداشرنا من ثقافة التعاون والتضامن والاعتماد على الذات والإنتاج المتنوع الدائم وتحقيق الاكتفاء الذاتي في مختلف المجالات.. التمر والزيتون والفصة والأغنام والحمير والأبقار..، إلى درجة لم يكن هناك أحد يشتري الخبز والحلوى أو الحليب واللبن من الحانوت ولم يكن السوق يمتلئ بغير خضر وفواكه الواحات في المنطقة، ولم يكن هناك أحد لا يربي خروف العيد فيكون مثل اليوم عند اضطراره للشراء ضحية للضيق والسمسرة وقروض الأبناك!!

هنيئا لك النظافة حدائق الحي

من قال إن الدنيا قد تغيرت وأن الأحوال غير الأحوال والأجيال غير الأجيال، هذه هي تعاونية الواحة لا زالت تحيي فينا ثقافة الواحات، الجماعة و”التويزة” والملك العمومي وقاعة الضيافة ولا ينقصنا غير باب القصر وعجل القبيلة وعمي عبد الله البواب رحمه الله..، لا زالت تحيي فينا ثقافة العمل التعاوني والتضامني والعمل المشترك بين الذكور والإناث وكأننا في حقولنا وفي غاباتنا في مواسم زرعنا وسقينا وحصادنا دون عقد ولا مشاكل، وبينما رواد سوق الأحد الأسبوعي المجاور مثلا لا يهتمون إلا بسوقهم وما يحصلون فيه من بيع وشراء أو فقط ما يبتك آذانهم وسط الازدحام من هرج ومرج أبواق الدعاية ومنبهات دراجات النقل الصينية، هاهم أطفال الحي وشبابه منهمكون في تنظيف حيهم، الكناسون والرشاشون ومالئو العربات اليدوية ودافعوها والسقاؤون وحتى المنشدون.. “زنقة زنقة.. دار دار.. حينا نظيف بلا غبار”!!

وهكذا دواليك إلى أن وصلت كل المجموعات إلى آخر الحي واجتمع القوم كلهم بالقرب من المسجد، وحواليه ما حواليه هو كذلك من الأوراق والأكياس وبقايا مواد البناء المبعثرة، وبكل تلقائية وحماسة حاول المشاركون في الحملة اقتحام الموقف لكن صفارة المشرف أوقفتهم فتثاقلت خطواتهم بل تراجعت إلى الوراء وهم يسمعون المشرف يقول لهم: “المسجد لا.. المسجد لا.. المسجد لا.. “!!

استغرب الأطفال والشباب وبدأ بعضهم ينظر في وجه بعض، أليس المسجد مسجدنا.. أليس هو مسجد حينا.. أليس حوله من الأزبال ما حوله.. أليس بيت الله أولى بالنظافة..”؟!!

وهنا رد المشرف موضحا: “نعم، المسجد مسجدنا، وفي حينا ولحينا وجيراننا، لكنه الآن أصبح لمندوبية الأوقاف، وقد أوقفت واعظه وأقالت خطيبه وغيرت مؤذنه..، ونخاف أن تمنعنا نحن أيضا، وتشترط علينا الحصول على الترخيص لنظافة المسجد، وترفض منحه إيانا وهي الخصم والحكم “!! قال الأطفال: “وما دخل الوعظ والخطابة في نظافة المسجد”؟؟، قال المشرف الموجه: “الوعظ نظافة.. والخطابة نظافة.. بل نظافة النظافات، أيهما أهم نظافة العقول والأفكار أم نظافة الملابس والأفنية والطرقات”؟؟، قال أحد الأطفال الأذكياء: “ذكرتنا يا أستاذ في نظافة الملابس، ما رأيكم أيها الأطفال أن نعلنها حملة لنظافة ملابسنا وقد علق بها خلال الحملة من الغبار ما علق، ما رأيكم أن نلعبها عاشوراء”!!

أعجب الأطفال بالفكرة ودون استئذان أو انتظار بدأوا يتراشقون بما تبقى عندهم من الماء، وكي يطيلوا في اللعبة واستمتاعهم بها، كانوا يعرجون نحو المسجد ويأخذون ما أخذت أيديهم من الأوراق والأكياس يتطالون بها قبل أن يتراشقوا بالماء المطهر وخراطيم المياه تمدهم بالماء من المنازل المجاورة، وهكذا.. وهكذا إلى أن نفذت الأوراق والأكياس وأصبح كل حوالي المسجد نظيفا غاية النظافة، أدرك المشرف ذكاء الأطفال وإصرارهم على نظافة المسجد مهما كان وهو الذي كان خلال لعبة الأطفال يحرسهم وفي نفس الوقت ينظر يمنة ويسرة وكأنه يحرس الطريق من قدوم مندوب الأوقاف أو أحد زبانيته خشية أن يوقفهم ومن الأجر يحرمهم، وفي الأخير دوت صافرة المشرف الموجه وأنهى بذلك لعبتهم الممتعة قائلا: “تبارك الله عليكم، أذكياء ما بعدكم أذكياء، ولكن ها أنتم قد نظفتم باب المسجد وحواليه، فمن ينظف لكم بهوه ومنبره… من ينظف لكم بهوه ومنبره؟؟

للإشارة وكأي حي عصري فإن حي الواحة بمدينة الرشيدية يتوفر على حدائق قام المجلس البلدي للمدينة مشكورا بإعادة تصميمها وترصيفها وهيكلتها وتجديد دورة مياهها وتعشيبها وتشجيرها ومقاعدها وإنارتها وملاعب قربها..، ولكن مع الأسف أصبح تنظيف الحدائق والأزقة في عهد بعض المسؤولين المتسلطين أيسر من تنظيف المساجد بيوت الله وهي الأولى!!

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M