الدكتور البشير عصام: رأيي في الانتخابات القادمة

19 أغسطس 2015 22:47
الدكتور البشير عصام: رأيي في الانتخابات القادمة

الدكتور البشير عصام: رأيي في الانتخابات القادمة

د. البشير عصام

هوية بريس – الأربعاء 19 غشت 2015

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه.

أما بعد:

فقد وقع سؤالي مرارا عن رأيي في الانتخابات القادمة، وعن حكم الشرع فيها وما يتناقله الناس من جدالات في الموضوع. فارتأيت أن أجيب بجواب واحد ألخص فيه رأيي، فيغنيني ذلك عن مراسلة كل سائل على حدة.

وأحب أن أنبه ابتداء على أمور:

أولها: ما سأذكره هنا هو ما أدين الله به، منذ أن عرفتُ هذه المسائلَ تأصيلا وتنزيلا. فلا جديد فيها عندي -منذ نحو عقدين- لدى من يعرفني عن كثب. ولست ممن ينتظر حلول موعد الانتخابات ليبحث حكم المسألة في الشرع!

وقد مرّ عليّ -خلال هذين العقدين- ما كان كفيلا بأن يغيّر رأيي (وقد غيّر فعلا آراء أناس آخرين). لكنني ما زادتني الأحداث إلا يقينا بصحة معتقدي فيها، وبضعف الكثيرين منا عن صيانة هذا المعتقد وحمايته من التحريف!

والثاني: ما سأذكره هنا هو تلخيص للمسألة من زواياها المختلفة، فهو خلو عن الاستدلال، غفل من التفصيل. ومن أراد ذلك فليرجع إلى كتابي الأخير ”العلمنة من الداخل”.

والثالث: لكثرة ما نوقش هذا الموضوع، فلا أجد عندي اليوم الاستعداد لمزيد من النقاش؛ خاصة أن كثيرا ممن يخوض هذه المجادلات، يفعل ذلك بذهن فارغ، وتعصب سابغ! والحال أن النقاش لا يكون مثمرا، إلا بعد أن يطلع الطرفان على أكثر ما كتب في الموضوع، بتجرد وإنصاف واطّراح للهوى.

1. الديمقراطية:

الديمقراطية من حيث هي مذهب فكري بشري يعطي السيادة للشعب: مناقضة للإسلام أشد ما تكون المناقضة. فالسيادة في الإسلام للشريعة، والحكم لله وحده لا شريك له. ولو اجتمع الناس أجمعون على تحليل فعل أو تحريمه، لم يكن بذلك حلالا ولا حراما، إلا إن صدّقت ذلك نصوص الشرع.

وهذا محل اتفاق بين المسلمين، لا ينازع فيه أحد منهم!

ثم إن الديمقراطية بعد ذلك منتقَدة عند كثير من فلاسفة الغرب ومفكريه أنفسِهم. فليتق اللهَ عبيد الغرب الذي يوهمون الناس أن الديمقراطية مرادفة -في العالم كله- للعدل والخير والتقدم العلمي والتطور الحضاري. فهذا كله منقوض بشهادة التاريخ والواقع!

2. الإجراء والقيمة:

بعد الموافقة على ما سبق، يقول بعض الناس: إنما نأخذ من الديمقراطية جانبها الإجرائي، المتمثل في آليات الانتخاب وتداول السلطة. ونرفض جانب القيمة، المخالف لحكم الشريعة.

والحق أن هذا تصور نظري، لا يوجد في الواقع، ولا يقرّ به أحد من سدنة العلمانية المهيمنة في العالم. فالديمقراطية عندهم لا تنفك عن أصول العلمانية المعروفة: حرية الاعتقاد، حقوق الإنسان، المساواة المطلقة بين الجنسين إلخ.

فالدولة التي يجرّم برلمانُها الشذوذَ الجنسي مثلا -بالأغلبية أو الإجماع- هي دولة غير ديمقراطية، عند دول الغرب المتحكمة في بلداننا!

فالذي ينبغي أن يعيَه شبابنا جيدا: أنهم حين يتحدّثون عن الإجراء والقيمة، فإنهم يتحدثون عن شيء لا مجال لتطبيقه. ومن أراد تطبيقه وحرص على ذلك، فإنه يستعدي الغرب المهيمن، كما يستعديه بالتطبيق الصريح للشريعة – دون فرق!

3. تغيّي الوسيلة:

على الرغم من أن التفريق في الديمقراطية بين الإجراء والقيمة، هو تفريق غير مثمر -كما ذكرتُ سابقا- فهو مع ذلك صار كالمهجور في أدبيات أكثر الحركات الإسلامية العصرية!

راجع البيانات والتصريحات، وستجد التهالك على الديمقراطية من حيث هي، والمسارعة في التحاكم إلى أصول العلمانية وقواعدها، ونبذ الخطاب ذي المرجعية الشرعية الإسلامية، والتصريح بأننا ”لسنا حزبا إسلاميا، وليس من غايتنا تطبيق الشريعة أصلا، وإنما هدفنا تقليل الفساد وتنمية البلد”!

بعبارة أخرى: كانت الديمقراطية قبل عقود وسيلة إلى تطبيق الشرع -الذي هو الغاية الأصلية لنشوء الحركة الإسلامية المعاصرة-، فصارت الديمقراطية غايةً في ذاتها. وهذا تحول فكري خطير، ينبغي أن تكون واعيا به، لكي لا تضيع بوصلتك المنهجية وسط زحام طوابير الصناديق!

4. المصالح والمفاسد:

بعد الوعي بجميع ما سبق، فإن كثيرا من الفضلاء يرون أن المشاركة في العملية الديمقراطية، لتقليل الفساد، مشروع من باب الموازنة بين المصالح والمفاسد. وعلى هذا فتوى كثير من علماء الأمة في عصرنا.

والذي أراه -بعد التجارب العملية الكثيرة الممتدة على عقود في عموم العالم الإسلامي- أنه على فرض جواز إخضاع القضية للميزان المصلحي، فإن الراجح هو عدم المشاركة.

والمفاسد التي تذكر في جوابات هؤلاء الفضلاء، لا تشتمل -في الغالب- على المفسدة العظمى، التي هي: تحريف الدين وعلمنته!

5. حراسة مفاهيم الدين:

من قارن خطاب الرعيل الأول من قادة الحركة الإسلامية المعاصرة، بخطاب القيادات العصرية، اندهش من التدهور المفاهيمي الخطير الذي وقع، حتى صارت التصورات العلمانية المرفوضة آنفا، تسوّق لشباب الحركة الإسلامية على أنها جزء من خطاب الإصلاح والنهضة!

ليست المشاركة الديمقراطية السبب الوحيد لهذا التدهور المنهجي، ولكنها مسؤولة عن جزء كبير منه – كما بينته في كتابي ”العلمنة من الداخل”.

وقد آن الأوان لنراجع وسائلنا وغاياتنا، ونخرج من هذه الدائرة الفكرية المغلقة التي حشرنا أنفسنا فيها!

6. التجربة المغربية:

قلت في تغريدة على التويتر بتاريخ دجنبر 2011: ”لا يخشى على الإسلاميين في الحكم تعمد الظلم، ولكن يخشى عليهم العجز عن إقامة العدل، لقوة المعارض وكثرة العوائق”.

بعد نحو أربع سنوات، أكرر القول نفسه ولا أغير فيه حرفا واحدا!

لم يقع أبناء الحكومة ”الإسلامية” في سرقة أو فساد – وما كان لمن تربى في المحاضن الإسلامية أن يقع في ذلك إلا على سبيل الاستثناء والشذوذ. ولكنهم أيضا كانوا أضعف من المتوقع بكثير.

أما في أمور الدين، فالأمر أوضح من أن يبرهن عليه! بل تدهورت الحالة الدينية في عهدهم أكثر!

وأما في أمور الدنيا، فجعجعة كثيرة، ولكن مع عجز كبير! (هذا رأيي، وهو قابل للنقاش).

والسر في هذا كله: أن الحكومة في المغرب لا تحكم حقا. والقرارات المركزية والإستراتيجية ليست في يدها أصلا.

7. لو كنت مصوتا:

المقاطعة موقف مبدئي، مستند إلى معرفة بالشرع، وحسن تنزيل له على الواقع. وهي فوق ذلك حق سياسي مكفول بالقانون وبأعراف الديمقراطية.

فليتق اللهَ أهلُ التخوين، المكتشفون لسحر الصندوق، المسارعون إلى الجهر بإيجاب المشاركة، إيجابا شرعيا!

ما رضيتم بالجواز على سبيل الرخصة، كالذي يدافع بالخمر الغصّة، حتى انتقلتم إلى الوجوب الشرعي، وتبكيتِ المخالف لرأيكم، المتشبث بالأصل الواضح؟!

ومع ذلك فلو كنت مصوّتا -على سبيل التنزل والجدل-: لما اخترت غير ”العدالة والتنمية”، ولم أكن لأختار حزبا يساريا مصرحا بعداوة الدين وأهله، ولا حزبا نفعيا مجاهرا بالرشوة والفساد، ولا حزبا إسلاميا صغيرا مشتتا للأصوات في غير داع معتبر!

8. عن البديل تسأل؟

ورب قائل يسأل:

إن لم نشارك، فما البديل للتغيير؟

وجوابي من أوجه:

أولا: إذا ثبت أن الفعل مخالف للشرع، جالب للمفاسد الكبيرة، وجب الانتهاء عنه مطلقا، أي سواء أعلم وجود بديل عنه، أم لم يعلم ذلك. فليس وجود البديل شرطا في الكف عن الفعل المحرم!

وثانيا: أن الجمود على بعض الوسائل من أعظم أسباب العجز عن تصور غيرها! واعتبر هذا بكثير مما تصادفه في حياتك اليومية، تجده صحيحا.

ولأجل هذا الجمود: يقلّ الاطلاع على حركة التاريخ، وسننِ التغيير. والنافي للبديل ليس معه دليل على عدم وجود البديل، سوى عدم العلم بوجوده!

وثالثا: أن البديل موجود وهو شامل متكامل، معرفي وعملي، لا أقول من خلال (الفرص المتاحة) كما يقول بعضهم، ولكن أقول: (من خلال الفرص المشروعة)، وهي كثيرة متنوعة.

وأكثرنا مقصّر فيها أشد التقصير، لأنه لا يرى التغيير ممكنا إلا من خلال الصناديق. ويرى أنه متى وضع الورقة في الصندوق، وتابع سجالات البرلمان، وشارك في التجمعات الحزبية والحملات الانتخابية، فقد أدى ما عليه تجاه دينه وأمته!

والله الهادي إلى سواء السبيل.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M