بالحجة والبرهان الجهل مصدر بني علمان

08 أكتوبر 2013 14:38
الدكتور رشيد نافع

د. رشيد نافع (أستاذ باحث-هولندا)

الثلاثاء 08 أكتوبر 2013م

أدى الاقتناع بالعلمانية إلى انتشار الجهل الفكري بين البشر، فلم تعد هناك حقائق فكرية تؤمن بها البشرية، ولم يعد هناك علم فكري صحيح، وأخذ الكثيرون من فلاسفة وسياسيين واقتصاديين وغيرهم يتكلمون في العلم الفكري عن جهل، ويؤلفون النظريات العقائدية والاقتصادية والاجتماعية كالرأسمالية والشيوعية والنازية والوجودية والفرويدية.. الخ، مما أدى إلى ضياع الحقائق الفكرية، وضياع البشرية، والعلم يوحد والجهل يؤدي إلى اختلافات وتناقض وتخبط وجدل وصراعات وحروب.

فالعلمانية هي التي أعمت البشرية وتركتها تسير في طريق كله أشواك بدون بصيرة وحكمة ونور، وهذه السلبية هي أساس السلبيات الأخرى، ونقدها الخاطئ، لما بقي عند البشر من حقائق فكرية دينية أو وراثية أو عقلية جعل الكثيرين يرفضون هذا الحقائق ويعتبرونها تخلفاً وجهلاً ورجعية، فهي لم تكتف بنشر جهلها بل ساهمت حتى في تحطيم حقائق فكرية يملكها الآخرون فالعلمانية أعطت الجهل “الشهادات العلمية المزورة”، وضاعت الساعات في جدل لا ينتهي، وصرفت أموالاً طائلة على جامعات ومعاهد ومدارس وكتب وبرامج وأنشطة أغلب ما فيها هو جهل وضياع وصحيح أن العلمانية شجعت الحوار، ولكن الأغلبية الساحقة من هذه الحوارات لا يصل أصحابها إلى اتفاق، بل هي حوار الجدران ولا زالت تقول أنا ضائعة، ولا زالت تفكر كيف تصل للحقائق ؟ ولا زالت تنتج نظريات فكرية تصيب وتخطئ، ولا زالت وستبقى وللأبد خاضعة للآراء الشخصية وللواقع وتأثيراته، وما تقرره الأغلبية أو الأقلية أيهما أقوى ولم تعد تهتم كثيراً بأي حقائق فكرية وأين الحق وأين المبادئ الصحيحة؟ بل أصبحت مادية تدور أفكارها حول الاقتصاد والمال والقوة والشهوات.

كفى بالمرء جهلاً إذا أعجب برأيه، فكيف به معجباً ورأيه الجهل بعينه؟ – مصطفى صادق الرافعي.

ذو العقل يشقى في النعيم بعقله — وأخو الجهالة في الشقاوة ينعمُ – أبو الطيب المتنبي

العلم يرفع بيتاً لا عماد له — والجهل يهدم بيت العز والشرف – أحمد شوقي

عندما أحاضر وأصرح وأنا بفضل الله جل وعلا في كامل قواي العقلية والنفسية والجسدية أن العلمانية معين الجهل ومصدره فهذه حقيقة فكرية أساسية يجب أن يعرفها كل من يبحث عن الحقائق، وقد يقول قائل كيف تتهم العلمانية بأنها مصدر الجهل، وهي التي  تدعو للاعتماد كلياً على العقل، وتدعو للقراءة والتفكير والنقاش وأقول إن استخدام العقل على الطريقة العلمانية يوصل للتناقض والحيرة والضياع أي الجهل أي الفشل في الوصول إلى الحقائق، أما القراءة والتفكير والنقاش فلن يؤدوا إلى حقائق بل هذا يعتمد على نوعية ما نقرأ والطريق الصحيح في النقاش وإلا ستكون النتيجة هي الجدل والنقاش البيزنطي العقيم، وإذا أخذنا الموقف العلماني من كل القضايا الفكرية الأساسية وجدناه مشوهاً، ولا يوصلنا إلى الحقيقة، فإذا قلنا هل الله موجود أم لا؟ قال بعضهم نعم موجود وقال آخرون لا غير موجود، وقال فريق ثالث أنا أشك في وجوده، فهم بين الإيمان والإلحاد والشك..

ولست أنا وحدي من يتهم العلمانية بالجهل فالعلمانيون يتهمون بعضهم بالجهل فكل واحد منهم يتهم من يناقضونه الرأي بأنهم على خطأ أي جهل، فالعلمانيون يتناقشون ويتكلمون ولكنهم لا يتفقون على حقائق فكرية، بل يتناقضون، بل هم لم يتفقوا على حقيقة فكرية واحدة مع أن العلمانية لها أكثر من ثلاثة قرون تقرأ وتتأمل وتبحث وتناقش، بل منذ آلاف السنين من أيام الفلاسفة القدماء، وهم لم يتفقوا على حقيقة واحدة وهذا يعني أنه لا يوجد عندهم علم فكري ولا يوجد حقائق فكرية فكل شيء خطأ، وفي نفس الوقت كل مبدأ أو فكرة أو رأي تجد له مؤيدين  منهم، فأي شيء بإمكانه أن يكون صواباً وحقاً حتى لو كان فكرة سخيفة وكل شيء بإمكانه أن يعتبر خطأ وباطلاً حتى لو كان حقيقة فكرية عظمى تسندها الأدلة العقلية كوجود الله سبحانه وتعالى، وكصدق الأنبياء، فمن البديهيات أنه لا يوجد فكر علماني بل توجد مبادئ وآراء كثيرة ومتناقضة من الرأسمالية إلى الشيوعية إلى غيرها من المبادئ، ولا يوجد وهذه قضية مهمة عقل بشري واحد، بل توجد عقول بشرية كثيرة، فهناك عقل رأسمالي وعقل شيوعي وعقل نازي، وعقل اشتراكي، وعقل انتقائي … الخ، فعندما قالت لنا العلمانية اتبعوني وسأوصـلكم بالعقل للحقائق الفكرية وجدنا أنها لم توصلنا إلى حقائق بل إلى آراء ووجدنا أن هنـاك أكثر من عقل بشري، وكل عقل يعتبر نفسه الواعي والذكي وكما قـيل: “كل بعقله راض”.

كما أن العلمـانية لم تُعطنا نظاماً اقتصادياً متكامـلاً بل أعطتـنا أنظمة اقتصـادية متناقـضة رأسمالية وشيوعية واشتراكية.. الخ، وهذا ينطبق أيضاً على النظام الاجتماعي والسياسي والتربوي.. الخ.

وإذا أوصلتنا العلمانية إلى أنه لا توجد حقائق فكرية فهذا قمة الجهل، وقمة الضياع وقمة التخلف فإذا كان ما يوجد هو آراء وليس حقائق فمعناه لا يوجد علم، ولا يوجد جهل وهذا هو الجهل بعينه، وبالتأكيد أن الجهل لم يحلم في تاريخه الطويل بأن يتساوى مع العلم، وهذا هو ما وصلت إليه العلمانية، قال برتراند رسل: “تدعي الفلسفة منذ القدم ادعاءات كثيرة، ولكن حصيلتها أقل بكثير بالنسبة إلى العلوم الأخرى”، وقال آلان ود: “برتراندرسل فيلسوف بدون فلسفة”، قال هنترميد: “الفلسفة مضيعة للوقت؛ الفلسفة لا تحل أية مشكلة”، “الفلسفة لا تعالج إلا مشكلاتها الوهمية الخاصة – بل إنها تعجز عن حل هذه المشكلات”.

مثل هذه الملاحظات توجه إلى الفيلسوف المحترف وإلى “طالب الفلسفة”، وقال أ.م. بوشنسكي “ولكن الأهم من هذا كله أن كل هؤلاء الفلاسفة الماديين يقفون حيارى لا يكادون يبينون بشأن كبريات مشكلات الإنسان وهي المشكلات التي اهتم بها الفكر الأوربي في القرن العشريين الميلادي أعظم اهتمام، ففيما يخص الألم والعذاب والأخلاق والدين فإنهم يقتصرون على القول بأنها أمور لا تحمل مشكلات للفلسفة، أو قد يقول بعضهم: “إنه من المخالف للعقل اعتبارها مشكلات فلسفية على الإطلاق”، وقال: “حيث يرون (الفلاسفة الماديون) أن أيه مناقشة حول أمور نفسية لا تكون بذات معنى”، وقال هنترميد: “حرية الإرادة في مقابل الحتمية: على الرغم من أن علم النفـس الحديث قد دعم وجهة النظـر الحتمية بقوة فإن الحتمية ما زالت حتى الآن فرضاً لم يتم إثباته”،  وقال: “على أن أيا من جانبي النزاع الحاد الخاص بحرية الإرادة لم يفلح في قهر الجانب الآخر، وما زالت هذه المشكلة، على الأرجح أكثر أبناء الفلسـفة إثارة للضجـيج والمتاعب، ولكن هنـاك على الأقل احتمال في أن يؤدي تطور علم النفس إلى تسـوية نهائيـة لهذه المسـألة القديـمة العهد، ولو حدث ذلك لكان هذا يوماً سعيداً لأمها الفلسفة”..

ولاحظ هنا كلمات لم يتم إثباتها، وهناك احتمال، ولو حدث هذا، وحيارى وادعاءات، وليست ذات معنى، وانظر إلى الفيلسوف هنترميد وهو يقول: “ففي وسع المرء أن يستبعد المشكلات التي عرضناها حتى الآن، ( مشكلة الله، مشكلة حرية الإنسان، مشكلة الدين) على أساس أنها ليست بذات أهمية علمية ملحة مهما تكن حقيقتها ودلالتها من حيث هي مشكلات عقلية، ولكن ها هي  ذي مشكلة تعد أكثر المشكلات الإنسانية الكبرى اتصالاً بالإنسان، وأعمقها تأصلاً فيه، وربما أشدها إلحاحاً عليه وأعني بها وما الحياة الخيرة”؟ فهو يجعل وجود الله والدين وحرية الإنسان قضايا غير ذات أهمية عملية، وما فعله خطآن أولهما هروب من قضايا كبرى اهتم بها الإنسان وعجزت عنها العلمانية والفلسفة، والشيء الثاني أن هذه القضايا ذات أهمية عملية عظمى، فالإيمان بالله والعقائد الدينية تُترجم إلى أعمال وعبادة وجهاد وأنظمة فكرية وسلوك وأحزاب وجماعات ودول وأخلاق ومعاملات وشعارات وحرب وسلام وهذه أمور يعرفها كل إنسان عاقل حتى لو لم يكن مؤمناً بوجود الله.

ولكن العلمانية لها أساليب وآراء في تشويه الحقائق الفكرية خدعت بها كثيرين وللأسف، فأحياناً تقول إن القضايا الإيمانية ليست لها علاقة في الحياة الدنيا، بل فقط بالحياة الآخرة، وأحياناً تقول: لا علاقة للدين بالسياسة، وأحياناً تقول لا نحتاج الدين في حياتنا.. الخ، وهذا من أساليب نشر الجهل واتباع الأوهام والظن، وليت كل العلمانيين والفلاسفة يعترفون كما اعترف سقراط حين قال: “إنني جاهل، وأعرف أنني جاهل، وأما هم فجهلة ويجهلون أنهم يجهلون”، ولكنهم لم يفعلوا ذلك بل نجد الأستاذ عادل ضاهر يعلق على الأسئلة الكبيرة أي القضايا الفكرية الكبرى في حياة الناس من عقائد وأنظمة فيقول: “لا أحد يمكنه أن يدعى أنه أكثر كفاية من الآخـرين لمعالجة أسـئلة مقلقة كهذه ولا سلطة دينية أو علمانية يمكنـها أن تدعي ذلك”، ولو قـال الأسـتاذ عـادل أن العلمانيين عجزوا لقلنا هذا صحيح، وهذه حقيقة فكرية واضحة نتفق معـهم فيها، ولكنه تكلم بالنيابة عن أهل الإسلام والأديان السماوية، وقال هم أيضاً ليست لديـهم الكفاية لمعالجة هذه الأسئلة المقلقة في حين أن أهل الإسـلام يقولون عكس ذلك، فهم لديـهم إجـابات معروفة، وأدلة عقلية ووضوح ونور وهداية وعلم وبصيرة وحكمة

قال سبحانه وتعالى: “أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو الألباب الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق” (سورة الرعد:19-20)، وقال تعالى: “لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ” (سورة الحديد:25)، فما أنزله الله سبحانه وتعالى هو الحق، أي الحقائق الفكرية التي تجيب على الأسئلة المقلقة وغيرها مما يحتاجه البشر، وسنداعب العلمانيين قليلاً لنقول إن أغلبكم وليس جميعكم مقتنعون ومتفقون على قضية واحدة، ويرون أنها صواب وحق وهي أن من يريد الحقائق والعقل فليبتعد عن الأديان السماوية فلا يوجد فيها حقائق، ونقول لهم أن هذه “الحقيقة” الفكرية الوحيدة عندكم هي أيضاً خاطئة فالإسلام هو منبع العلم الفكري والحقائق، وأنتم أخذتم تبحثون في مكان آخر ولهذا ضعتم وجهلتم.

ومشكلتنا مع العلمانية ليست فقط أنها منبع الجهل الذي أصاب العالم خلال الثلاثة قرون الماضية، بل أيضاً إنها حتى هذه اللحظة لم يقتنع العلمانيون بجهلهم، قال أحد علماء المسلمين: “ما عُصي الله بمعصية أعظم من الجهل، قيل: هل تعلم يا أبا محمد معصية أعظم من ذلك: قال: نعم، الجهل بالجهل” فمن لا يعرف الحقائق الفكرية هو أعمى فكرياً، ومن لا يعلم أنه أعمى فكرياً فهو أعمى مركباً لأنه لم يدرك جهل؛ وجنون العلمانية الذي جاء في قول الدكتور عبد الحليم محمود أستاذ الفلسفة وشيخ الأزهر: “إن الفلسفة لا رأي لها، وذلك لأنها في مسائل ما وراء الطبيعة وما شابهها من القضايا الكبرى تقول الشيء وضده، وتصدر الحكم ونقيضه، يعني أن ما يقوله فيلسوف ينقضه آخر، وما يبنيه واحد يأتي آخر في عصره أو بعده فيهدمه من أساسه، وبهذا لا تستطـيع الفلسـفة أن تعطي رأياً واحداً محـدداً في قضية كبرى”، ونحن لا نريد آراء متناقضـة ولا حتى آراء متفقة بل نريد حقـائق فكرية وعلم فكري، قال الشافعي رحمه الله: “مثل الذي يطلـب العلم بلا حجة كمثل حاطب ليل، يحمل حزمة حطب وفيه أفعى تلدغه وهو لا يدري”.

قد يدري العلمانيون أو من تأثر بالعلمانية والأغلب أنهم لا يدرون أنهم أحد أكبر أعداء شعوبنا وأمتنا لأنهم أشعلوا كثيرا من الفتن العقائدية والسياسية والاجتماعية مما أدى إلى تفرق أمتنا وشعوبنا إلى أفراد وجماعات وحكومات وتجمعات متناقضة ومتنافرة والتفرق هو العمود الفقري للضعف والهزيمة والتخلف، قال تعالى: “وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين” (الأنفال:46)، وإليكم الأدلة:

1- مطالبات العلمانيين بحرية التهجم على الدين، وفصل الدين عن الدولة، ورفض تطبيق الشريعة، وحماية الروايات الجنسية (بحجة الإبداع الأدبي)، وتقليد الغرب في بعض عقائده وعاداته واحتفالاته.. إلخ، أدت إلى فتن عقائدية واجتماعية والى إشغال الشعوب بقضايا محسومة، ومن المعروف أن الاختلاف العقائدي هو أكثر الأنواع تدميراً للوحدة الشعبية، وأكثرها زرعاً للكراهية والتنافر، وتم استغلال هذه الاختلافات من بعض من فسدت ضمائرهم وأخلاقهم، فزادوا في انحرافاتهم واعتداءاتهم على مصالح الوطن والأمة، وأحب أن أذكر أن العلمانيين العرب والأمازيغ الحقيقيين قلة قليلة وضعيفة جداً، ولكنهم نجحوا في الهدم وإثارة الشبهات والتشويش على أبصار وعقول فئات أخرى نتيجة جهل الشعوب، وضعف وعيهم واتصالاتهم، فإذا كنا كمسلمين عرفنا بفضل الله سبحانه وتعالى الحق من الباطل، والهداية من الضلال في القضايا العقائدية والتشريعية، فإن العلمانيين يريدون أن نقف ونفكر ونتساءل أين الحق وأين الباطل؟ وما هي الحرية؟ وما هو العدل؟ وهذا بحد ذاته فتنة ناهيك عن إضاعة الجهد والوقت.

2- لازال وسيبقى العلمانيون ضعيفين فكرياً وسياسياً، فهم أولاً قليلو العدد، وثانياً متناقضون فكرياً وسياسياً، وفيهم الرأسمالي والاشتراكي والشيوعي وغير ذلك، وأحياناً يسمون القوى المتحالفة غير الدينية، وهذا الضعف انعكس في قدراتهم على تحقيق إنجازات طيبة سواء على مستوى الحكومات، أو الأحزاب، أو حتى النقابات والاتحادات الطلابية. ومن وصل منهم إلى الحكم فشل في تحقيق الإنجازات الطيبة مع ضخامة الموارد التي كانت تحت سيطرتهم سواء كانت بشرية أو مادية. ولا شك أن الضعف الفكري والسياسي سيحد كثيراً من القدرة على وضع رؤية للإصلاح، ووضع الخطط الاستراتيجية والشاملة للتنمية. ومعرفتهم بضعفهم جعلتهم يبحثون عن أي “قوة” ليستفيدوا منها في إعطاء وزن لهم، ولهذا وجدناهم يتحالفون مع حكومات اشتراكية ويسارية، ثم مع حكومات يمينية، وكانوا ضد أمريكا، واليوم أغلبيتهم معها فكرياً وسياسياً، ولم يمانعوا أن تستند قوتهم على أعراق معينة، أو تكتلات سياسية، أو حتى شعارات فكرية، فالمهم أن يبقوا ويعيشوا حتى ولو تنكروا لبديهيات مبادئهم المحدودة، وهذا التقلب أفقد الناس الثقة بهم، كما أدى إلى فتن وضبابية إلى درجـ ـة أننا لـ م نعد نعرف من يحارب من؟! وماذا يريد هذا أو ذاك؟! ومن هو عدو الأمة ومن هو صديقها؟!

3- قدرة العلمانيين الكبيرة لأنهم أبناء الفلاسفة في توجيه الاتهامات، وإثارة الشكوك مما جعلهم يتهمون الحكومات والجماعات والأحزاب والأفراد بتهم متنوعة، فهذا متطرف، وهذا عميل، وهذا ضعيف، وهذا ظلامي، وهذا كذاب، وهذا أحمق، وهذا إرهابي، وهذافضولي، وهذا عاشق الدماء قطع الرؤوس، وهذا جنسوي، وهكذا.. فحتى الأعمال الخيرية لم تسلم من تشويه أهدافها مع أن أعمالها ظاهرة جداً في كفالة الأيتام، ومساعدة الفقراء، وبناء المدارس  والمساجد، ولم يقتصر التشكيك على الواقع ومن فيه بل امتد حتى تاريخنا، وأخذوا يكذبون كل ما فيه من إيجابيات، ويصدقون كل ما كتب عنه من سلبيات، بل يضيفون لها سلبيات جديدة، ولو صدقنا هذه الاتهامات لفقدنا ثقتنا في كثير مما في واقعنا من حكومات وتجمعات وأفراد ومؤسسات، ولتركنا العمل، وتقاعسنا عن المشاركة في البناء.

ومن جهل العلمانيين ظنهم أن هذه الاتهامات لن يكون لها نتائج مريرة تفسد الود والوحدة والاحترام والتفاؤل، ومن طبيعة البشر أن يكرهوا من يتهمهم حتى ولو كان صادقاً، فكيف لو كان كاذباً أو جاهلاً يتبع الظنون؟ وكثيرا ما يكون الكلام أشد فتكاً في النفوس والشعوب من الرصاص، ويشعل من الكراهية والعنف الشيء الكثير، ويؤدي إلى التفرق والضعف، ونحن لسنا ضد الحوار العلمي الهادئ الباحث عن الحق والموضوعية والاعتدال ولكننا ضد اتهامات كاذبة وباطلة لعقائدنا وقيمنا وتاريخنا.

إن الإنجازات الطيبة التي تم تحقيقها كثيرة في عصرنا الحالي، ولكن العلمانيين يشككون فيها، أو في أصحابها، فهم يحطمون الأمة باليأس، ولاشك أن الهزيمة النفسية هي من أخطر أعداء الأوطان والأمم، فهي أخطر من الهزائم العسكرية والتخلف التكنولوجي والفقر، ويريد منا أعداؤنا أن نيأس وأن يشك بعضنا في بعض وهذا ما يفعله العلمانيون، بل وما يصرون عليه حتى لا تكاد تجدهم يمدحون أحدا في الأمة، وأمة لا تثق في أي شيء لا شك أنها أمة ستبقى ضعيفة، فلابد أن نحذر من البيئة الملوثة التي صنعها العلمانيون فقتلت الحماس والبناء، والعلمانيون هم طابور خامس من حيث يدرون أو لا يدرون!!

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M